أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الكناني - العراق بين العجز التجاري وهدر المال العام














المزيد.....

العراق بين العجز التجاري وهدر المال العام


سعد الكناني
كاتب سياسي

(Saad Al-kinani)


الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 22:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعاني العراق من عجزٍ مزمن في الميزان التجاري غير النفطي، رغم تحقيقه أحياناً فوائض ظاهرية بسبب صادرات النفط الخام. هذا الخلل ليس اقتصادياً فحسب، بل سياسياً–بنيوياً تتحمل الحكومة مسؤوليته المباشرة، للأسباب الآتية:

1. اقتصاد ريعي أحادي
أكثر من 90٪ من إيرادات الدولة تأتي من النفط، فيما تُهمَل الزراعة والصناعة عمداً، ما يجعل الاستيراد بديلاً دائماً عن الإنتاج المحلي، حتى وصلت استيرادات العراق أكثر من 70 مليار دولار سنوياً حسب تصريح رسمي سابق لرئيس الوزراء محمد السوداني وأكد عليه محافظ البنك المركزي العراقي على العلاق يوم 17/12/2025، قائلاً "إن محدودية التنوع الاقتصادي وضعف القطاعات الإنتاجية جعلا العراق بلدًا مستوردًا بامتياز".

2. سياسات حكومية استهلاكية
الحكومات المتعاقبة ركزت على الرواتب والدعم والإنفاق الجاري، دون أي استراتيجية حقيقية لتنمية القطاعات الإنتاجية أو إحلال الواردات.

3. فتح السوق بلا حماية
العراق تحول إلى سوق مفتوحة لبضائع دول الجوار (خصوصاً إيران وتركيا)، دون تعرفة جمركية فعالة أو مواصفات قياسية، ما دمّر المنتج الوطني وعمّق العجز التجاري.

4. الفساد والتهريب
المنافذ الحدودية خارج السيطرة الفعلية للدولة، وتُستنزف مليارات الدولارات سنوياً عبر تهريب العملة وفواتير استيراد وهمية.

5. التبعية السياسية والاقتصادية
القرار الاقتصادي مرتهن لقوى سياسية مرتبطة بالخارج، ما يجعل استمرار العجز التجاري جزءاً من معادلة الهيمنة لا نتيجة فشل تقني فقط.

إن العجز المزمن في الميزان التجاري ليس قدراً اقتصادياً، بل نتيجة مباشرة لسياسات حكومية فاشلة وخضوع سياسي، حوّل العراق من بلد منتِج إلى مستورد دائم، ومن دولة ذات سيادة اقتصادية إلى سوق استهلاكي تابع. كما أن الحكومة أهدرت المال العام عبر التوسع غير المنضبط في النفقات التشغيلية، وتحويل الوظيفة العامة إلى أداة ترضية سياسية وانتخابية، لا إلى حاجة إدارية أو إنتاجية. فقد جرى تضخيم الجهاز الوظيفي إلى مستويات غير قابلة للاستدامة، ما حوّل الموازنة إلى موازنة رواتب لا موازنة تنمية.
وفي موازاة ذلك، لجأت الحكومة إلى الاقتراض الداخلي والخارجي لسد عجز ناتج عن سوء الإدارة لا عن ظرف طارئ، والأخطر من ذلك أن هذا الاقتراض لم يُستخدم لإصلاح الخلل الهيكلي في الاقتصاد، بل لتغذية نظام الريع والفساد والمحاصصة، فباتت الدولة تقترض لتدفع رواتب وتغطي نفقات استهلاكية، في سابقة تعكس إفلاساً مالياً ورؤية حكومية قصيرة الأمد.
ما يجري ليس سوء تقدير، بل سياسة إفقار ممنهجة، تُدار بعقلية البقاء في السلطة لا بعقلية بناء الدولة، وتُفرغ المال العام من وظيفته التنموية وتحوله إلى أداة ضبط سياسي وشراء ولاءات.
والمفارقة الأخطر أن الحكومة منحت إعفاءات ضريبية وجمركية واسعة للصادرات الإيرانية إلى السوق العراقية، في وقتٍ لا يمتلك فيه العراق أي صادرات حقيقية تُذكر خارج النفط الخام. وبذلك تحولت العلاقة التجارية إلى طريقٍ باتجاه واحد: عملة صعبة تخرج من العراق، وبضائع تدخل إليه دون مقابل إنتاجي. هذا الإعفاء لم يكن إجراءً اقتصادياً عقلانياً، بل قراراً سياسياً بامتياز خدم الاقتصاد الإيراني على حساب الاقتصاد الوطني، وأسهم في تعميق العجز التجاري، وخنق أي فرصة لنهوض الصناعة والزراعة العراقية، اللتين لا تستطيعان منافسة سلع معفاة من الضرائب ومدعومة في بلدها الأصلي.
النتيجة أن العراق لم يعد شريكاً تجارياً، بل مموِّلاً غير مباشر للاقتصاد الإيراني، بينما يُترك المنتج المحلي بلا حماية، وبلا تمويل، وبلا سياسة إحلال واردات. وهكذا تتكرس معادلة خطيرة، منح الإعفاءات للصادرات الإيرانية في ظل غياب صادرات عراقية مقابلة، ليس خطأ فنياً، بل اختلال مقصود في الميزان التجاري، يعكس تبعية القرار الاقتصادي ويكشف ارتهان الحكومة لإرادة خارجية.
لكن بكل الأحوال، فإن الحكومة القادمة، سواء تم إعادة تكليف رئيس الحكومة الحالي او تكليف شخص آخر، ستواجه اختبار مالي عسير يجبرها على تطبيق المزيد من الإجراءات القاسية والمؤلمة، قد يكون فيها التقشف المالي سيد الموقف خلال السنوات الأربع القادمة. فقد وصل البلد مالياً واقتصادياً الى مفترق طرق لم يعد ممكناً فيه اي تهاون او تسويف او تلاعب، فإما انضباط مالي وإصلاح اقتصادي وإما انتظار ما هو أسوء، وحينها قد تكون الفرصة قد فاتت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.



#سعد_الكناني (هاشتاغ)       Saad_Al-kinani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارتباك الدولة بين النفوذ الإيراني والالتزامات الدولية: قراءة ...
- رئيس وزراء بمنصب مدير عام تنفيذي لحاكمية الإطار
- تشكيل الحكومة المقبلة وفق آلية المحاصصة وتكرار المشهد البائس
- البرلمان العراقي مفرخة الفاسدين وإعادة إنتاج نفس القوى المتن ...
- الاحتلال التركي العسكري والمائي للعراق...وسقوط السيادة
- الانتخابات العراقية... الديمقراطية المزيفة
- التنمية المستحيلة في دولة الميليشيات
- العراق الغني بالثروات والفقير بالنتائج.. كارثة الفساد بلا حد ...
- أسباب عدم تعيين -سفير- أمريكي في العراق
- قراءة في الاتفاقية الأمنية بين العراق وإيران
- أزمة خور عبد الله: سيادة وطنية تُباع بالرشاوى
- الانتخابات العراقية لا قيمة لها في ظل الهيمنة الإيرانية
- الدول القوية تملك كل الخيارات.. ما هي خيارات العراق؟
- بعد الضربة الإسرائيلية.. إيران البوق المثقوب
- غياب الإرادة الوطنية وراء شحة المياه في العراق
- إيران وراء فشل مؤتمر القمة العربية في بغداد قبل موعد إنعقاده
- أيهما تختار إيران في ظل التهديد العسكري نظامها أم مذهبها؟
- هل ستنفذ إيران شروط ترامب في تفكيك برنامجها التسليحي وميليشي ...
- قراءة في تحرير العراق من النفوذ الإيراني
- قانون العفو العام -وجهة نظر تحليلية-


المزيد.....




- مظهره قد يكون سببًا في هلاكه.. ضفدع المجرة النادر يواجه خطر ...
- غطس إلى مياه متجمدة.. شاهد إنقاذ شرطي لكلب عالق وسط درجات حر ...
- فيديو -عراك نسائي خلال اعتصام في عدن لدعم انفصال الجنوب-.. ه ...
- بزشكيان تحت الضغط: هل يتيح النظام الإيراني عزل الرئيس؟
- آخر رسالة بعد 400 عام.. الدنمارك تطوي صفحة البريد التقليدي
- من دارفور إلى كردفان.. مخاوف من فصل دموي جديد في الحرب السود ...
- ألمانيا ـ تهم القتل تلاحق حارسا سابقا في سجون بشار الأسد
- ضريبة جديدة في ألمانيا... هذه المرة على السكر؟
- في غزة منظومة صحية عند حافة الانهيار وسباق غير متكافئ مع الو ...
- تونس: سجناء سياسيون يبدأون إضرابا عن الطعام لتسليط الضوء على ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الكناني - العراق بين العجز التجاري وهدر المال العام