أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الكناني - البرلمان العراقي مفرخة الفاسدين وإعادة إنتاج نفس القوى المتنفذة














المزيد.....

البرلمان العراقي مفرخة الفاسدين وإعادة إنتاج نفس القوى المتنفذة


سعد الكناني
كاتب سياسي

(Saad Al-kinani)


الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 22:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ظلّ مجلس النواب العراقي في دوراته الخمس صورةً لفشل العملية السياسية وارتهانها الكامل للمحاصصة الحزبية والطائفية. فقد تحوّل المجلس الذي يُفترض أن يكون ممثلاً لإرادة الشعب إلى منصّة لتقاسم النفوذ والفساد بين الأحزاب المتسلطة، وبدلاً من أن يمارس دوره الرقابي والتشريعي، أصبح أداة لحماية الفاسدين وتثبيت مصالح الكتل الحاكمة. واليوم، ونحن على أعتاب انتخابات جديدة، تتصاعد الشكوك المشروعة حول إمكانية التغيير، إذ إنّ البيئة السياسية الفاسدة والمنظومة الانتخابية المنحازة لا تزالان قائمتين، ما يجعل المشهد مهيّأً لإعادة إنتاج الوجوه الكالحة ذاتها التي أنهكت البلاد وأفقدت المواطن الثقة بأي تحول ديمقراطي حقيقي. إنّ الانتخابات المقبلة، في ظل غياب الإصلاح البنيوي للقانون والرقابة والعدالة، لن تكون سوى دورة جديدة لتدوير الخراب نفسه.

البرلمان العراقي لم يكن سوى انعكاس لنظام محاصصة طائفية حزبية فاسدة، حيث جرى تفريغ مفهوم “التمثيل الشعبي” من محتواه الديمقراطي، وتحويله إلى أداة لإعادة إنتاج ذات الطبقة السياسية التي تمسك بمفاصل الدولة منذ 2003.
أما عن الانتخابات المقبلة، فكل المؤشرات الواقعية تقول إن الوجوه الكالحة ذاتها ستعود بشكلٍ أو بآخر، وذلك لأسباب واضحة:
1. سيطرة الأحزاب المتنفذة على المفوضية والتمويل والإعلام والدوائر الانتخابية.
2. عزوف الجماهير الواعية عن المشاركة بعد أن فقدت الثقة بالعملية الانتخابية.
3. القوة المالية والميليشياوية التي تضمن فوز ممثلي النظام القائم.
4. غياب المعارضة الوطنية المنظمة القادرة على خوض معركة سياسية متكاملة.
بمعنى آخر، الانتخابات في ظل النظام الحالي ليست آلية للتغيير، بل أداة لتدوير الفساد والخيبة. ولا يمكن أن تُنتج وجوهاً وطنية إلا إذا جرى تغيير القواعد نفسها: قانون انتخابي عادل، إشراف دولي فعّال، ومناخ حرّ غير مرتهن للنفوذ الإيراني والسلاح المنفلت.

لقد فشلت البرلمانات العراقية المتعاقبة في أداء دورها الدستوري كممثلٍ حقيقيٍ للشعب، لأن نشأتها ارتبطت منذ البداية ببيئة سياسية ملوّثة بالهيمنة الحزبية والتدخلات الخارجية. فقد أُنتجت هذه المجالس وفق معادلة "الولاء قبل الكفاءة"، حيث احتكرت الأحزاب المهيمنة الترشيح والتمويل والإعلام، ما جعل البرلمان انعكاساً لمصالحها وليس لتطلعات المواطنين. كما ساهم القانون الانتخابي المفصّل على مقاس الكتل الكبرى في إقصاء القوى المدنية والمستقلين، وتحويل العملية الانتخابية إلى سباقٍ بين شبكات النفوذ المالي والميليشياوي، لا بين البرامج والمشاريع الوطنية. وفوق ذلك، أدى غياب الوعي الانتخابي لدى شريحة واسعة من الناخبين، واستشراء شراء الأصوات واستغلال الفقر والطائفية، إلى تثبيت منظومة السلطة الفاسدة. وهكذا تحوّل البرلمان من مؤسسة تشريعية ورقابية إلى سوق للمساومات السياسية وصفقات الوزارات والمناصب، مما رسّخ عزلة الشعب عن ممثليه وأجهض أي أمل بإصلاح حقيقي من داخل النظام نفسه.

تبدو الانتخابات المقبلة في العراق وفق المعطيات الراهنة أقرب إلى تجديدٍ للخيبة منها إلى فرصةٍ للتغيير. فالنظام السياسي القائم لم يُبدِ أي استعداد لإجراء إصلاحات جوهرية في بنية الدولة أو في آلية إدارة الانتخابات، بل على العكس، جرى إعادة إنتاج ذات البيئة الفاسدة التي أفرزت البرلمانات السابقة. ما زالت الأحزاب المتنفذة تمسك بمفوضية الانتخابات وتتحكم بالتمويل الإعلامي والسياسي، فيما تستمر الميليشيات في فرض إرادتها بالقوة على الشارع والمرشحين المستقلين.

أما الجماهير الواعية التي كانت تُراهن عليها قوى التغيير، فقد أصابها اليأس والإحباط بعد سلسلة من التجارب الانتخابية التي انتهت إلى لا شيء. فكيف يمكن لانتخابات تُدار من داخل منظومة فاسدة أن تنتج وجوهاً وطنية جديدة؟، إن التغيير لا يأتي عبر صناديقٍ محاصَرة بالسلاح والمال الحرام، بل من خلال إرادة شعبية منظّمة تفرض قواعد جديدة للّعبة السياسية.

ومع ذلك، فإنّ هذه اللحظة التاريخية رغم قتامتها يمكن أن تتحول إلى فرصة لإعادة الوعي الوطني، إذا ما توحّدت القوى المدنية والنخب المستقلة حول مشروع إنقاذٍ وطني، يتجاوز شعارات الإصلاح الجزئي إلى مشروع لتفكيك بنية الفساد والتبعية. عندها فقط يمكن أن تكون الانتخابات خطوة أولى نحو استعادة الدولة من براثن الأحزاب والولاءات الخارجية.

إنّ بناء برلمان وطني حرّ في العراق لن يتحقق عبر التمنّي أو الخطابات الإصلاحية، بل من خلال إعادة تأسيس النظام السياسي على أسس مدنية ودستورية سليمة. أولى خطوات هذا الطريق هي إلغاء منظومة المحاصصة التي دمّرت روح الدولة وحوّلت البرلمان إلى ميدان لتقاسم الغنائم. يجب أن يكون قانون الانتخابات عادلاً وشفافاً، يمنح الفرصة المتكافئة للمستقلين والكفاءات الوطنية، ويمنع سطوة المال السياسي والسلاح المنفلت. كما يتطلب الإصلاح الحقيقي مفوضية انتخابات مستقلة فعلاً، خاضعة لرقابة قضائية ودولية، لا لإرادة الكتل المتنفذة. ولا بدّ من تنمية الوعي الشعبي كي يتحول الناخب من تابعٍ مذهبي أو قبلي إلى مواطنٍ حرّ يصوّت وفق البرنامج الوطني لا الولاء الحزبي.

إنّ الطريق نحو برلمان وطني حرّ يبدأ من تحرير الإرادة العراقية من النفوذ الإيراني ومن وصاية الأحزاب الدينية، ويمرّ عبر مشروع وطني شامل يقوده المثقفون والنشطاء وقوى المجتمع المدني. فالديمقراطية ليست أوراق اقتراعٍ تُرمى في الصناديق، بل هي ثقافةُ سيادةٍ وكرامةٍ ووعيٍ جمعيّ يؤمن بأنّ الوطن أكبر من الأحزاب والطوائف.



#سعد_الكناني (هاشتاغ)       Saad_Al-kinani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتلال التركي العسكري والمائي للعراق...وسقوط السيادة
- الانتخابات العراقية... الديمقراطية المزيفة
- التنمية المستحيلة في دولة الميليشيات
- العراق الغني بالثروات والفقير بالنتائج.. كارثة الفساد بلا حد ...
- أسباب عدم تعيين -سفير- أمريكي في العراق
- قراءة في الاتفاقية الأمنية بين العراق وإيران
- أزمة خور عبد الله: سيادة وطنية تُباع بالرشاوى
- الانتخابات العراقية لا قيمة لها في ظل الهيمنة الإيرانية
- الدول القوية تملك كل الخيارات.. ما هي خيارات العراق؟
- بعد الضربة الإسرائيلية.. إيران البوق المثقوب
- غياب الإرادة الوطنية وراء شحة المياه في العراق
- إيران وراء فشل مؤتمر القمة العربية في بغداد قبل موعد إنعقاده
- أيهما تختار إيران في ظل التهديد العسكري نظامها أم مذهبها؟
- هل ستنفذ إيران شروط ترامب في تفكيك برنامجها التسليحي وميليشي ...
- قراءة في تحرير العراق من النفوذ الإيراني
- قانون العفو العام -وجهة نظر تحليلية-
- زيارة السوداني إلى إيران وبريطانيا في دائرة الضوء
- الحذر والتوتر يسود العلاقة بين بغداد ودمشق
- هل تخسر إيران العراق بعد سوريا؟
- كيف تكون العلاقة بين إدارة ترامب وبين العراق وإيران؟


المزيد.....




- -قصف مخيمات مهاجرين على حدود اليمن والسعودية-.. ما قصة الفيد ...
- ماكرون يعلن إفراج إيران عن فرنسيين بعد أكثر من 3 سنوات من ال ...
- ماذا نعرف عن ديك تشيني، الرجل الذي ترك بصمته في السياسة الأم ...
- إيران تفرج عن الفرنسيين سيسيل كوهلر وجاك باري بعد احتجاز دام ...
- ماكرون يعلن الافراج عن الفرنسيين المحتجزيين في إيران..ما الت ...
- إسرائيل تعلن تسلم جثة رهينة أخرى من غزة عبر الصليب الأحمر
- مقومات بناء مجتمعات عادلة على طاولة القمة العالمية للتنمية ف ...
- تقرير أوروبي يحدد أسباب تجميد عملية انضمام تركيا للاتحاد وأن ...
- -ما وراء الخبر- يستعرض اشتراط السوداني انسحاب القوات الأميرك ...
- مجلس الدفاع السوداني يعلن التعبئة العامة لمواجهة الدعم السري ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الكناني - البرلمان العراقي مفرخة الفاسدين وإعادة إنتاج نفس القوى المتنفذة