منطق النهب: لماذا غزو الولايات المتحدة لفنزويلا سيتجاوز مجرد تغيير نظام الحكم

رزكار عمر

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 12:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

قد يبدو الغزو الأمريكي الافتراضي لفنزويلا ظاهريًا نتاج سياسة خارجية متعجرفة وغير حكيمة. ومع ذلك، فإن هذا الظاهر خادع، وهو غير كافٍ للإجابة على السؤال المقلق: لماذا قد يحدث مثل هذا الغزو؟ لفهم الدوافع العميقة، يجب أن ندرك القوى المحركة المتجذرة في "فلسفة صناعة السياسات" المدمرة، التي تنظر إلى السياسة العالمية من منظور الواقعية السياسية (Realpolitik).
لقد تحدد القرن الحادي والعشرون، على مدى عقدين، بالمآسي والحروب وإعادة توزيع المصالح العالمية. وسيكون غزو فنزويلا دليلاً قاطعًا على استمرار هذه الواقعية السياسية، حيث تحل المصلحة الأحادية للدولة المهيمنة محل الالتزام بالقانون الدولي والمُثل الديمقراطية. ويتجلى هذا في المشهد السياسي الأمريكي الحالي، حيث انتهكت مؤسسات الدولة الدستور نفسه، مما يعكس أزمة داخلية عميقة.
الدافع الحقيقي: الفشل الداخلي والنهب الشركاتي
إن المحرك الأساسي للتدخل العسكري ليس النجاح في السياسة الخارجية، بل الفشل السياسي والاقتصادي الداخلي. فالالتدخل يقدم للإدارة الأمريكية الحالية منفعة سياسية واقتصادية تتمثل في نهب الأصول الفنزويلية، كطوق نجاة لإنقاذ الاقتصاد المتدهور ومواجهة المنافسين العالميين، لا سيما الصين.
قد يسعى رئيس يواجه فشلاً واضحًا محليًا وعالميًا إلى تحقيق "نصر عسكري" خارجي لإعادة تعريف وجوده. إن دوافع ترامب المتقلبة مصممة لتنفيذ خطة مزعزعة للاستقرار في العالم، بهدف إصلاح صورته المتضررة، خاصة لدى قاعدته الداعمة الداخلية. والأهم من ذلك، أن هذا يتضمن ضمان آلية سريعة للنهب لصالح اتحادات المصالح الاقتصادية القوية التي ساهمت في وصوله إلى السلطة. ليصبح العمل العسكري مجرد مسرحية دموية تهدف إلى إخفاء الإخفاقات المنهجية للإدارة على الصعيد الداخلي.
الصفقات الجيوسياسية والصمت الأخلاقي
يُفعّل هذا السيناريو في سياق جيوسياسي معقد، ويتمحور تحديداً حول "الصمت" المتوقع من القوى العالمية المتنافسة. قد يتطلب اتفاق افتراضي، يهدف -على سبيل المثال- إلى فرض سلام في أوكرانيا يكون أكثر ملاءمة للمصالح الروسية، ثمناً باهظاً: وهو حياد روسيا في حال غزو فنزويلا.

تُظهر هذه الصفقات التي تُعقد في الكواليس بين القوى العظمى بنية عالمية مثيرة للسخرية، حيث يُحدّد مصير "الدول الأصغر" بناءً على المصلحة الذاتية والسياسات التبادلية فحسب. إن قبول روسيا وصمتها على غزو فنزويلا -وهي دولة تقع خارج منطقتها الأمنية الأساسية- مقابل ضمان مكاسب أقرب إلى نفوذها، يُسلّط الضوء على عالم تكون فيه السيادة قابلة للتفاوض، ويفرض فيه الأقوياء القواعد.
سابقة بنما: محو الوعي
لفهم القسوة الحقيقية لغزو محتمل، يجب أن ننظر إلى ما هو أبعد من مجرد تغيير النظام. يوفر الغزو الأمريكي لبنما عام 1989 موازاة تاريخية مقلقة. لم يكن الهدف مجرد الإطاحة بنورييغا؛ بل كان تطهيراً سياسياً يستهدف البنية التحتية الفكرية والنقدية للدولة.
كانت الاستراتيجية هي الإزالة المتعمدة للأساس الفكري للبلاد، حيث استُهدف تحديداً المعارضون السياسيون والنشطاء وجميع المثقفين. وشمل ذلك أساتذة الجامعات والفنانين والكتاب وقادة النقابات—أي كل من يمتلك شكلاً من أشكال "الوعي" أو القدرة على التفكير النقدي. يرتكز منطق هذه الهمجية على "الاجتثاث الوقائي" لأي ثورات مستقبلية محتملة ضد حكومة دمية تدعمها الولايات المتحدة.
إذا طُبقت هذه الاستراتيجية على فنزويلا، فلن يقتصر الضحايا على الجنود. ستكون الأهداف هي الشرائح المجتمعية نفسها التي تُمثّل الضمير السياسي للأمة: الجامعات والصحافة والفنانون والمنظّرون السياسيون.
تدمير هذه الطبقة صاحبة النظرة النقدية يخدم هدفاً أساسياً واحداً: القضاء على القدرة على صياغة رواية وطنية مناهضة للاحتلال. ويضمن هذا استقرار نظام الدمية ما بعد الغزو على يد شعب مجرّد من الوعي السياسي، وعاجز عن بلورة رؤية سياسية مستقلة وموحدة. بالتالي، فإن الغزو ليس مجرد عملية عسكرية؛ بل هو حملة لتدمير الأسس الفكرية والأيديولوجية لمجتمع بأكمله.

* نُشر هذا المقال أصلاً باللغة الكردية يوم الثلاثاء الموافق 9 ديسمبر 2025، في صحيفة (ڕێگای کوردستان) (طريق كردستان) وهي المنشور الرسمي للحزب الشيوعي الكردستاني (العدد 1466، الصفحة 7)

#رزكار_عمر (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل