أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - أحد عشر سورياً في مكتبة














المزيد.....

أحد عشر سورياً في مكتبة


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 12:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أحد عشر سورياً جمعتهم لحظة تاريخية فارقة -من الفِراق- في أوائل شتاء عام 2014، وكأنّ الزمن توقّف بهم كما لو أنهم في صورة فوتوغرافية بالأسود والأبيض، معلّقة، تستأنس بالجدار، أو يستأنس الجدار بها. تصادف أنّهم تفرّقوا في أصقاع الأرض بعد زمن يسير من ذلك الاجتماع. أحد عشر صديقاً اجتمعوا في مكتبة -بالكاد اتسعت لهم- في زقاق المسيحيين في مدينة إدلب. كلهم رحلوا عن ديارهم ولم يشبعوا من الحياة بعد، لم يسافروا كثيراً، لكن القوارب كانت تمخرُ أحلامهم، تزوج بعضهم، ولم يتزوج كلهم. وتعال فتّش عن طريقة تجمعهم من جديد في المكان والزمان عينه، يا ليت، ما جمعهم هي عين المصوّر التي صوّرتهم.

ما يجعل هذه الصورة الفوتوغرافية نادرة وتحكي تلك اللحظة التاريخية المميزة تنوع أطياف من في الصورة من أصدقاء. أحد عشر صديقاً من شمال بلاد الشام، من كل الملل والنحل. فيهم: العربي، والكردي، والشركسي، والتركماني، والآشوري، والكلداني، والسرياني، والأرمني. وأما عن مشاربهم السياسة والدينية فحدّث ولا حرج. سوريون اجتمعوا في هذه المكتبة الصغيرة وقوفاً، حيث لا مكان للجلوس، واستمر الجدل ساعات في البحث عن صيغة تعايش في وطن مساحته فقط 185 ألف من الكيلو مترات المربعة، تضمّ هذه الحشد المؤتلف من الملل والنحل إلى بعضا كحبات المسبحة. فهل وصلنا إلى ذلك الخيط المتين الذي يجمعهم معاً، لأن الخيط إذا انقطع "فرطت" حبات المسبحة على قارعة الطريق، وتعال لمها من جديد إن كنت تستطيع ذلك؟ ساعات من جدلٍ أظهر ما فيه الخلاف، اختلفوا حتى في أبسط تفصيل، اختلفوا في كتابة الاسم هل هو سوريا أم سورية. أحد عشر صديقاً في مكتبة بالكاد اتسع لهم، والنتيجة النهائية كلّ واحد منهم له وجهة نظره الخاصة في هذه المسألة التي استعصت على الحل.

أتذكّر أنّه في ثاني لقاء له قال "كوفي عنان" مبعوث الامم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية يوم السبت 11مارس/آذار 2012: قمتُ في حديثي بحثّ الرئيس على العمل بالمثل الافريقي الذي يقول: لا يمكنك تغيير اتجاه الريح ولذا غير اتجاه الشراع. وأضفتُ: البلد بحاجة الى اجراء تغيير وإصلاح سيدي الرئيس.

هل استجاب رئيس البلد لهذه النصيحة؟ كلا، لم يستجب. ماذا لو استجاب تلك الأيام هل كُنّا نصل إلى بر الأمان؟ هل أستطيع رواية حكاية؟ تفضل، وماذا نفعل غير رواية القصص والحكايات؟ هات أسمعنا: قرأتُ في أحد الكتب بأن المدير الياباني يشجع على إقامة تمثال من المطاط لشخصه الكريم حيث يوضع في مكان ظاهر في الشركة، ويستطيع أي موظف حانق من أوامر المدير وتعليماته توجيه القدر الذي يريده من اللكمات إلى وجه مديره. وبذلك يُنفّس عمّا في داخله من غضب، ويشعر بالسعادة والمرح. هذه طريقة يابانية صادقة وجيدة، والتي يمكن من خلالها معالجة الاختلافات التي تنشأ بين الناس، فهذا المدير يريد من العاملين في شركته أن يقوموا بواجبهم، وأن يحترموا قوانين الشركة، ويريد أن يصل معهم إلى حل تفاوضي مريح للجميع، لا إلى حرب مستمرة مريرة. وما ينطبق على حالة المدير ينطبق على كافة سياقات الحياة. والسؤال المطروح كيف نصل إلى اتفاق بعد حرب أو نزاع مرير؟

الصراع والتناحر يبدوان وكأنهما صناعة آخذة في النمو في عالم اليوم، فالأطراف المتناحرة ترفض أن تُملى عليها القرارات والخطوات الواجب اتخاذها لفض النزاعات، ولكن الطرق التقليدية التي اعتاد الناس على انتهاجها وتوظيفها في تفاوضهم في كافة شؤون الحياة عادة ما تؤدي إلى الوصول إلى حالات من عدم الرضا واستنزاف الطاقات بلا طائل. وفي حالة أي نزاع سواء كان نزاعاً عائلياً، أو خلافاً تجارياً، أو على اتفاقية سلام، أو صراعاً اجتماعياً سياسياً، أو على حصة نهر مشترك بين الدول، أو حتى حرباً ملعونة، أهلية كانت أو طائفية أو عالمية، فإنه ليس من الصالح أن يقوم كل طرف بتبرير موقفه واستحضار الحجج والبراهين لإثبات مشروعية موقفه فقط.

من المتعين على كل طرف أن يتجنب تبني موقف مفاده: أنا المصيب على طول الخط، وأنت المخطئ على طول الخط، فمثل هذا الأداء التفاوضي لن يؤدي عادة إلى حل النزاع بل سيزيد من تفاقمه، ومن ثم فلا بد أن تنتقل الأطراف من هذا الوضع إلى معالجة القضايا بقدر من النزاهة والعدالة وحرص على وجود جسور للتفاهم، فكلما دافعت عن موقفك لمجرد الدفاع عنه أصبحت عرضة للتورط في الدفاع عن أوضاع خاطئة وغير نزيهة.

في هذه الحال علينا أن نتجنب المباراة الصفرية وهي التي تصل فيها درجة الصراع إلى تبني منطق تعامل مفاده: لا بد أن أجعل الطرف الأخر يخسر كل شيء، وأن أكسب أنا كل شيء، أي أن الأمر ينبغي أن يكون إما رفضاً مطلقاً، أو قبولاً مطلقاً، قاتلاً أو مقتولاً، ويمثل قرار الدخول في مثل هذه النوعية الصفرية من التفاوض النقيض التام لأي محاولة إيجابية لإدارة الحوار التفاوضي اجتماعياً وسياسياً، فمفهوم المنافسة والمسابقة طبقاً لهذه النوعية من المباريات لا يكون عادة من خلال الاستعداد والارتفاع بقدرات ومهارات الأداء التفاعلي، وبذل الجهد المطلوب لتحقيق الهدف بطريقة شرعية وإنسانية، بل إن الفوز عادة ما يتحقق طبقاً لتلك المباراة الصفرية من خلال تدمير وتشويه الآخر, أي أنها مباريات قد تصل في تصاعدها إلى النقطة التي يتحول فيها الحوار إلى مباريات (ثقافة القتل) والتي تُستبدل فيها عادة لغة الحوار بلغة الرصاص.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لم يخترع الأزتيك والإنكا والمايا العجلة؟
- أين أخطأ عبد العزيز الخيّر؟
- ماذا بعد شي جين بينغ رجل الصين القوي؟
- رسالة ابن عمي إلى كارل ماركس
- خطبة لم يقلها قس بن ساعدة الإيادي
- هل ما زالت فلسفة ماركس محلّ ثقة؟
- محضر قرابين حي التضامن في العاصمة السورية دمشق
- تأبَّط كتاب هكذا تكلَّم زرادشت
- نظرة في الكون الفسيح
- هل كانت نساء روما القديمة مواطنات؟
- أحد عشر يوماً من تاريخ الثورة السورية
- الشيوعيون والنوم في العسل
- حكايات سورية
- متلازمة البطة العرجاء
- الشّعب معصِّب
- هل كان ألبرت أينشتاين اشتراكياً؟
- السعي لفهم أسرار الكون
- كيف سيغير ترامب العالم؟
- بقايا كلام في جمهوريّات العسكر
- هل تحتاج إلى الدّين كي تكون إنساناً أخلاقيّاً؟


المزيد.....




- السودان.. الجنائية الدولية تصدر حكما على القيادي بـ-الجنجاوي ...
- المقاتلات الأميركية تقترب من فنزويلا.. ومادورو يشتكي مازحًا ...
- برلين تعزز حماية الصحفيين من الدعاوى التعسفية العابرة للحدود ...
- وكالة المغرب العربي للأنباء: مقتل 19 شخصا جراء انهيار بنايتي ...
- مقتل 12 شخصا بحريق في مبنى سكني جنوبي الصين
- كندا تطلق خطة بمليار دولار لاستقطاب كبار الباحثين
- تايلند وكمبوديا تجليان نصف مليون مدني بسبب الاشتباكات الحدود ...
- الأيوبي.. قصة دبلوماسي سوري عائد إلى دمشق بعد انشقاقه عن الأ ...
- رمزي صالح يكشف للجزيرة مفاجآت عن مسيرته في النادي الأهلي
- المعارضة الفنزويلية ماتشادو تغيب عن حفل تسلم جائزة نوبل للسل ...


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - أحد عشر سورياً في مكتبة