أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرزاق دحنون - هل ما زالت فلسفة ماركس محلّ ثقة؟














المزيد.....

هل ما زالت فلسفة ماركس محلّ ثقة؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 14:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يمكن لأيّ شخص أن يتفلسف طالما أنَّه يطرح أسئلة صحيحة ويفكّر بعمق كافٍ. وقد وفَّرت مواقع التواصل الاجتماعي في عصرنا الرقمي هذا، العديد من المقولات القصيرة الموجزة، والتي لا تفعل الكثير لتفسير نظريات الفلاسفة عن العالم، ناهيك عن تغيره. كتب كارل ماركس في ربيع عام 1845في نهاية مقاله "موضوعات عن فورباخ" وكان شاباً في العشرينيات من عمره: "الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسّروا العالم بأشكال مختلفة، ولكن المهمة تقوم في تغييره".

وهذا الكلام استدعته صورة تمثال نصفي بالحجم الطبيعي للفيلسوف الألماني كارل ماركس في حقل معشوشب في ضواحي مدينة موسكو. رأيتُ التمثال على أحد المواقع الإلكترونية، فأعجبتُ بشكله وإتقان صنعته، فرحت أبحث عنه، فاهتديتُ إلى صفحة إلكترونية لمُزارع روسيّ، حيث وجد التمثال في مشغل صديقه النحات في موسكو، فحمله في سيارته وجاء به إلى مزرعته في ضواحي موسكو، ونصبه على قاعدة من جذع شجرة. وأعتقد من وجهة نظر شخصية بأن المُزارع الروسيّ كان حكيماً بفعلته تلك، لأنّّ ماركس كان يحب النزهات الطويلة مشياً على القدمين مع أسرته في أيام الأحاد الربيعية في ضواحي مدينة لندن حيث كان يعيش.

نظر ماركس إلى الإنسان بوصفه صاحب نزعة مادية وروحية معاً. ولكن تجريد الإنسان من حاجاته المادية وتغريبه في وطنه لأنه لا يملك غير قوّة عمله في نظام الإنتاج الرأسمالي، جعل ماركس يركّز على الحاجات المادية أولاً. وهذا هو التفكير المشترك مع حكماء الشرق، التفكير في حرمان الناس من حاجاتهم المادية والنضال لإشباعها، بمعنى العمل على إيجاد الراحة للخلق. وهؤلاء كانوا في زمن ماركس العمال، وكانوا لا يزالون السواد الأعظم من سكان أوروبا. كان ماركس مرهف العاطفة كغيره من الحكماء، ومن ذلك حبّه الشديد لزوجته جيني، كان قلبه يتوهّج عشقاً لها، ولعلّ السبب أنّه كثيراً ما كان يفارقها لكثرة مهامه، والفراق يؤجّج الحب. وقلبه فيما عدا ذلك عامر بالوجدان مهموم بمعاناة المعذّبين في الأرض.

من أجمل ما في الفلسفة أننا جميعاً قادرون عليها. بإمكان أيّ شخص طرح أسئلة فلسفية حول الواقع، والحقيقة، والصواب والخطأ، والغاية من كلّ ذلك، وكثيراً ما نفعل ذلك، ولو للحظات وجيزة خلال اليوم. أفضل الكتب والبرامج التلفزيونية والأفلام تلك التي تأتي مصبوغة بالفلسفة، وتغرس أفكاراً تبقى في الأذهان طويلاً بعد إغلاق الكتاب أو حتى بعد أن تتلاشى الشاشة. مع أن أيّ شخص يستطيع دراسة الفلسفة، إلا أنه من الصحيح أيضاً أنّ ليس كل شخص بارعاً فيها. عند دراسة الفلسفة، يقتصر الأمر على جزء صغير منها (وهو جزء غالباً ما يُخصّص للحكماء والمثقفين في أقسام الجامعة) بينما يُقضي الباقي في تعلّم ما قاله الفلاسفة الآخرون وأسبابه. وهذا منطقي بالطبع. عندما تتعلّم الرسم أو الكتابة، تتعلّم أولاً التقنيات الأساسية، إذ عليك المشي قبل أن تركض.

المشكلة أن الإنترنت يعجّ بفلسفةٍ غير مقروءة، وأغلبها مُساء فهمه. إنها سلسلةٌ من الاقتباسات مُقتطعة من سطرٍ واحد من كتابٍ مُعقّد للغاية. إنها حكمة، لكنها خارج سياقها ومُجرّدة من فروقها الدقيقة. إذ تنتزع حسابات ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي أقوالاً مُحكمة من مجلداتٍ ضخمةٍ مُدعّمةٍ بحججٍ قوية، لتُقدّم ما يُعادل: عِش، اضحك، أحب. ولكي نساعدك في توضيح الأمور، ولتوضيح النقطة بشكل أكثر اكتمالاً، إليك مُقتبساً من كارل ماركس شائعاً جداً ويُساء فهمه أيضاً: "الرأسمالية سيئة، ومتوحشة أيضاً". بالنسبة للكثيرين ممن لا يعرفون كارل ماركس، أو من قرأوا أعماله على عجل وبنظرة عابرة، يبدو مناهضاً للرأسمالية، يحرق البنوك ويبني المتاريس. لا شك أنّ كارل ماركس لم يكن يريد الرأسمالية، لكن هذا لا يعني أنه لم ير فيها جانباً إيجابياً. بل إنه أدرك أنها جزء مهم وجوهري في تقدّم التاريخ.

يُقدّم بيانه الشيوعي في مستهله اعترافاً مطوّلاً، وإن كان على مضض، بنجاحات الرأسمالية. يُشير ماركس إلى اتساع شبكات الصناعة والتجارة والاتصالات؛ وتوفير التعليم؛ وسيادة القانون. الرأسمالية هي ما يجمع الشعوب المتحاربة والمتناحرة لتشكيل حكومة واحدة، وقانون واحد، ومصلحة طبقية وطنية واحدة. لكن أهم ما فعلته الرأسمالية هو أنها شكَّلت نوعاً من التدمير الخلّاق.

وقد أضاءت فلسفة ماركس بعضاً من أماكن العتمة في حياة الإنسان، ويبدو لي أنّ العالم ينحو، بعد أكثر من مئتي سنة على ولادة ماركس، باتجاه إعادة الاعتبار لطريقته في التفكير. لأنّ الفلسفة الماركسية هي احتجاج ضدَّ العتمة، احتجاجٌ ضدَّ عبودية رأس المال، احتجاجٌ مُتشرّبٌ بالإيمان في الإنسان، وبقدرته على تحرير ذاته من تلك القيود الثقيلة التي تُكبِّل حياته والسعي لتحطيم هذه القيود والانتقال إلى مجتمعٍ خالٍ من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

يعلم كارل ماركس بأنّ الرأسمالية تُسلّع كلّ شيء بحيث يذوب كلّ ما هو صلب في الهواء، ويُدنّس كلّ ما هو مقدّس. إنها تُهدم آلهة الماضي ومقدّساته، وتستبدلها بالربح والصناعة. هذا التحطيم للأصنام هو ما سيُشكّل بدايةً جديدةً تُتيح إعادة هيكلة المجتمع على أساس المساواة. علاوةً على ذلك، فإنّ تقديس الرأسمالية للربح هو ما يُولّد الفائض والإنتاجية اللازمين لإعادة توزيع الموارد على نحو شيوعي. الشيوعية ليست مُنزلةً كشيءٍ قائمٍ بذاته، بل هي نابعة من رأسماليةٍ في مراحلها الأخيرة. بالطبع، بالنسبة لكارل ماركس، الرأسمالية استغلالٌ سافرٌ ووقحٌ ومباشرٌ ووحشيٌّ للبشرية. إنها مليئةٌ بالمشاكل، وتميل إلى إظهار أسوأ ما فينا. لكنها أيضاً شرٌّ لا بدّ منه في الطريق إلى عصرٍ أفضل.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محضر قرابين حي التضامن في العاصمة السورية دمشق
- تأبَّط كتاب هكذا تكلَّم زرادشت
- نظرة في الكون الفسيح
- هل كانت نساء روما القديمة مواطنات؟
- أحد عشر يوماً من تاريخ الثورة السورية
- الشيوعيون والنوم في العسل
- حكايات سورية
- متلازمة البطة العرجاء
- الشّعب معصِّب
- هل كان ألبرت أينشتاين اشتراكياً؟
- السعي لفهم أسرار الكون
- كيف سيغير ترامب العالم؟
- بقايا كلام في جمهوريّات العسكر
- هل تحتاج إلى الدّين كي تكون إنساناً أخلاقيّاً؟
- في التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
- اليسار العربي حاطب ليل
- عطس الأسد فخرج السنور من أنفه
- حسيب كيالي يشكو أمره إلى رئيس الجمهورية
- احتفظ بأصدقائك قريبين وبأعدائك أقرب
- الميسور يأكل ثلجاً في جهنم


المزيد.....




- صحفي يسأل ترامب: هل تم تهميش إسرائيل بزيارتك الى المنطقة؟ شا ...
- ترامب يُعلن عن صفقة بقيمة 200 مليار دولار بين بوينغ وقطر
- كيف ستتغير حياة السوريين برفع العقوبات؟
- وداعا لقيود بايدن، ترامب يفتح أبواب الذكاء الاصطناعي أمام ال ...
- مسلسل الانفلات الأمني في ليبيا: إيقاف الملاحة الجوية في مطار ...
- ترامب يصل الدوحة في ثاني محطة لجولته الخليجية
- كلبة لابرادور ذكية يشارك المعلمين مهمة التعليم في مدرسة ابتد ...
- أمير دولة قطر والرئيس الأمريكي يشهدان التوقيع على عدد من الا ...
- جنبلاط: من كان يتوقع أن يجتمع الشرع مع ترامب؟
- أشياء يجب أن تعرفها عن خطة ترامب للعملات الرقمية


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرزاق دحنون - هل ما زالت فلسفة ماركس محلّ ثقة؟