|
|
ماجدة الخطيب – ثائرة أم فوضوية طموحة؟
ملهم الملائكة
صحفي وكاتب
(Mulham Al Malaika)
الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 21:43
المحور:
الادب والفن
عاشت الفنانة المتمردة ماجدة الخطيب حياة صاخبة، اتسمت بعض محطاتها بمشاق وصعوبات ومواقف معقدة، خرّبت إلى حد كبير مسيرتها الفنية، وهناك احداث درامية صاخبة ما زالت خافية عن أعين جمهورها.
ما لا يعرفه كثيرون أنّ ماجدة الخطيب عاشت معاناة مادية وشخصية إثر طردها من منزل أهلها بسبب قرارها العمل في التمثيل، وقد واجهت صعوبات مادية واجتماعية جمة لدرجة أنها اضطرت للنوم في الترام وباعت ذهبها لتعيش اشهراً قليلة. ما خفي من حياتها الفنان الكبير الراحل زكي رستم، كان خال والدتها وهو الذي ساعدها كثيراً في دخول عالم الفن. أما والدها، محمد كامل الخطيب، فكان سياسياً معروفاً وأحد القياديين في حركة "مصر الفتاة"، وقد اعتُقل لأسباب سياسية، ما أثر على نشأتها. من الناحية الفنية، تميزت بجرأتها في اختيار أدوراها، وجرأتها في التمثيل لدرجة اثارت استياء كثيرين من أعدائها، وحدثت لها واقعة شهيرة مع الراقصة هياتم حيث وقع شجار عنيف بينهما بسبب خلافات مالية وإنتاجية حول مسرحية كانتا تشاركان فيها. وكانت هياتم هي منتجة مسرحية "يا أنا يا أنت" التي عُرضت في عام 1997، وقامت ماجدة الخطيب بدور البطولة فيها. ونشأ الخلاف حين طالبت ماجدة الخطيب هياتم مراراً بحقوقها المادية المتأخرة عن العمل بالمسرحية. ثم تطورت الأزمة من مجرد خلاف مالي إلى مشادة كلامية حادة على خشبة المسرح أثناء أحد العروض، وظنّ الجمهور في البداية أنها جزء من التمثيل. ولكن سرعان ما تحولت المشادة إلى شجار جسدي عنيف، قامت فيه هياتم بضرب ماجدة الخطيب، مما أدى إلى إصابة الأخيرة بكسر في الساق وبعض الكدمات. ووصل الأمر إلى الشرطة ثم إلى القضاء، حيث تم تحرير محاضر متبادلة بينهما. الفنانة في السجن دخلت ماجدة الخطيب السجن مرتين في حياتها. المرة الأولى في حادث وقع عام 1982؛ حيث أدينت الفنانة الراحلة بتهمة القتل الخطأ في حادث سير أودى بحياة طالب جامعي يدعى إيهاب وهو نجل الفنان المصري محمد شركس. وقد قضت محكمة أول درجة في القضية بسجنها لمدة 5 سنوات، ولكن وبعد الاستئناف وتطورات قضائية متلاحقة امتدت لعدة سنوات قضت خلالها الفنانة مشردة لأشهر طويلة في أوروبا، تم تخفيف الحكم في النهاية إلى عام واحد مع الشغل والنفاذ، وعادت ماجدة الخطيب إلى مصر لتقضي مدة عقوبتها في السجن كاملة. وكانت تلك من أشهر القضايا التي شغلت الرأي العام في مصر لفترة طويلة في ذلك الوقت. أما المرة الثانية التي سجنت فيها الفنانة الراحلة فكانت بتهمة تعاطي المخدرات، حيث ألقي القبض عليها في عام 1985 بتهمة تعاطي المخدرات وحُكم عليها بالسجن لمدة 5 سنوات. وحياتها في هذا السياق تشبه حياة الفنانة تحية كاريوكا التي تعرضت للسجن عدة مرات لأسباب مختلفة، بعضها سياسية حيث سُجنت تحية كاريوكا أكثر من مرة في عهد الملك فاروق بسبب نشاطها السياسي ودعمها لحركات المعارضة والتيارات الشيوعية. حيث عرفت بمواقفها الوطنية العلنية وانخراطها في السياسة بشكل مباشر، كما واجهت بعض المشاكل القانونية المتعلقة بحياتها الشخصية أو نزاعات مع أزواجها أو آخرين في الوسط الفني، مما أدى إلى احتجازها أو توقيفها في بعض الأحيان. تزوجت الفنانة المتمردة الراحلة ماجدة الخطيب مرتين، الأولى من محمد رياض، أحد رجال ثورة يوليو 1952، والثانية من رجل الأعمال مدحت الهواري، لكن الزيجتين بائتا بالفشل، ولم تُرزق الفنانة بأطفال. في نهاية حياتها، عاشت أزمة مالية حادة، ثم مثلت فيلم "آخر الدنيا" مع الفنانة نيلي كريم، لكنها لم تشهد عرض الفيلم في دور السينما، حيث دخلت في غيبوبة كاملة لمدة أسبوعين تقريباً في المشفى بسبب إصابتها بالتهاب رئوي حاد وفشل كلوي، حتى قضت في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2006. هل كانت ماجدة الخطيب شيوعية أم يسارية أم فوضوية؟ الحقيقة باختصار أن الفنانة الراحلة كانت متمردة فوضوية ثائرة خارجة عن مقاسات المجتمع العربي، وحتى عن مقاسات المجتمع الفني المصري المتحرر، لكن لا توجد معلومات مؤكدة تشير صراحة إلى أنها كانت يسارية أو شيوعية كما يتردد كثيراً في كواليس السياسة والفن. الحقيقة هي أنّ بعض جوانب حياتها الشخصية والمهنية كانت لها ارتباطات غير مباشرة بالسياق السياسي في مصر، حيث كان والدها، محمد كامل الخطيب، أحد القياديين في حركة "مصر الفتاة" كما أسلفت، وهي حركة سياسية وطنية نشطت في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، واعتُقل لأسباب سياسية في تلك الفترة. هذا الخلفية السياسية ربما أثرت على نشأتها ورؤيتها العامة، لكن لا يوجد دليل قاطع يربطها بالتيارات اليسارية تحديدًا. ماجدة الخطيب نفسها عُرفت بشكل أساسي بنشاطها الفني كممثلة، وقد قدمت أدواراً فنية متميزة متحدية نمطية الأدوار التقليدية للمرأة في السينما المصرية. بعض المصادر تشير إلى أن حياتها الشخصية والفنية كانت متشابكة مع بعض القضايا الاجتماعية، مثل محاربة المخدرات من خلال أفلام مثل "مملكة الهلوسة"، وأن بعض تصرفاتها أو القضايا التي واجهتها (مثل دخولها السجن مرتين) قد فُسرت أحياناً في سياق سياسي أو اجتماعي أوسع، لكنها لم تكن شخصية سياسية بالمعنى الحزبي أو الرسمي. فيلم "زائر الفجر" سندان مشكلات ماجدة الخطيب! وقد تعاطت بعض أفلامها مع قضايا اجتماعية حساسة، وتميز ذلك بوضوح في فيلمها المحظور في أغلب البلدان العربية "زائر الفجر". وقد حُظر الفيلم المنتج عام (1973) في مصر ودول عربية أخرى بشكل أساسي لأسباب سياسية تتعلق بنقده الحاد للأوضاع السياسية في مصر خلال فترة ما بعد هزيمة 1967، وتحديداً في فترة ما عرف بـ "مراكز القوى" في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وكانت أسباب المنع هو انتقاد القمع السياسي، حيث صور الفيلم مناخ الخوف والقمع وكتم الأصوات الذي كان سائداً في تلك الفترة، كما تناول قضية عناصر رجال الأمن السياسي والمخابرات الذين كانوا يعتقلون المعارضين والمشتبه بهم دون أوامر قضائية. ونجح الفيلم في عرض صورٍ حقيقية سلبية معبّرة عن قسوة وبذاءة وابتذال وفساد شخصيات من الشرطة والأمن، وهو ما اعتبر مساساً بهيبة الدولة وأجهزتها الأمنية. كما كشف الفيلم، من خلال قصة جريمة قتل غامضة للصحفية (ماجدة الخطيب)، عن شبكات فساد وقهر سياسي ونفاق اجتماعي متغلغلة داخل مؤسسات الدولة، مما اعتبر تشويهاً لصورة البلاد. وتزامن عرض الفيلم مع فترة سياسية متوترة، أعقبت هزيمة 1967 وبقيت تتعثر بآثارها، ولذا رأت السلطات أن عرض الفيلم قد يسبب "احتقاناً زائداً" ونقمة على النظام القائم. ورغم حصول الفيلم على موافقة مبدئية للعرض من الرقابة، إلا أنّه سحب من دور العرض بعد أسبوع واحد فقط بأوامر عليا وقرار سياسي غير رسمي، وظل ممنوعاً لسنوات طويلة. الفيلم كان صرخة فنية أرعبت السلطة، فمنعته واضطهدت صانعيه، فهل سجنت ماجدة الخطيب عام ض1985 فعلاً بتهمة تعاطي المخدرات، أم عقابا لها على تطاولها على السلطات الجائرة في فيلمها المثير للجدل "زائر الفجر"؟ ومن المآسي التي حاقت بذلك الفيلم أنّ مخرجه ممدوح شكري قضى حزناً لمنع عرض الفيلم، قبل أن يُرفع الحظر عن الفيلم ويُعرض بشكل كامل. وقد حاربت الفنانة ماجدة الخطيب، منتجة وبطلة الفيلم، من أجل عرضه وضحت بكل ما تملك من أموال لإنتاجه. أما اليوم، فيمكن مشاهدة الفيلم كاملاً على منصة يوتيوب على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=Lv-ktu6FtrU سيرتها الفنية مثلت في عام 1960 دوراً صغيراً في فيلم "حب ودلع" لكنّ انطلاقتها الحقيقية كانت بقيامها بأول بطولة مطلقة في فيلم" دلال المصرية" للمخرج حسن الإمام عام 1970، لتتحول سريعًا إلى واحدة من ألمع نجوم ذلك الجيل، حيث تميزت بحضور قوي وقدرة على أداء الشخصيات المركبة والمعقدة. استطاعت ماجدة أن تفرض نفسها على الساحة الفنية بأدائها الفريد وأدوارها الجريئة، ثم توالت مشاركاتها في أفلام أبرزها "العوامة رقم 70" و"البنات والصيف"، و"لحن السعادة"، "توحيده"، "القتل اللذيذ"، وقامت بدور البطولة في 50 فيلماً. كما قدمت مجموعة مسلسلات أبرزها "ريا وسكينة"، "أهالينا"، "زيزنيا"، "العصيان"، "القاهرة ترحب بنا". ومثلت عدداً من المسرحيات إضافة إلى مسرحية "يا أنا يا أنت" المار ذكرها مع هياتم، من بينها: أكرهك، مجنون ليلى، جنازة الدجال، يمامة بيضا، علاوة على مسرحيات أخرى طيلة مسيرتها الفنية. وأحرزت أكثر من جائزة خلال عمرها الفني الذي انتهى بموتها المبكر عن عمر 63 عاما، وكان أبرزها جائزة أفضل ممثلة من مهرجان المسرح القومي عن دورها في مسرحية "أكرهك".
#ملهم_الملائكة (هاشتاغ)
Mulham_Al_Malaika#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جون بايز- يسارية حافية تهز القلوب
-
حسين الجسمي - إنسان من نوع آخر
-
الجنرال قاسم سليماني اللاعب الخطير القتيل
-
الأديان..وحي غيبي أم صناعة بشرية؟
-
العرب واقليمهم بلا رتوش
-
خلف صوت وصمت المعركة
-
حلبجة القتيلة صارت محافظة
-
إيران العابرة لحدود التشيع التاريخية
-
بعد زمن الخيول
-
صناعة الجنس في ألمانيا
-
من أيّ نوع أنت؟
-
ميركل – سر المستشارة الألمانية التي ولدت شيوعية*
-
البندقية الشيوعية الثائرة
-
الشيوعية التي قتلت المجتمع المدني
-
صراع العروش – شيوعية الصين أم شيوعية السوفييت؟
-
دروس الدبلوماسية الحديثة
-
حين فارق الشيوعيون أوطانهم
-
اللغة الشيوعية تآكل يؤذن بالانهيار
-
مقاربة الشيوعية المعاصرة لتحديات الجندر
-
رأي الشيوعية في الدرجة الثالثة
المزيد.....
-
تونس.. كنيسة -صقلية الصغيرة- تمزج الدين والحنين والهجرة
-
مصطفى محمد غريب: تجليات الحلم في الملامة
-
سكان غزة يسابقون الزمن للحفاظ على تراثهم الثقافي بعد الدمار
...
-
مهرجان الكويت المسرحي يحتفل بيوبيله الفضي
-
معرض العراق الدولي للكتاب يحتفي بالنساء في دورته السادسة
-
أرشفة غزة في الحاضر: توثيق مشهد وهو يختفي
-
الفنان التركي آيتاش دوغان يبهر الجمهور التونسي بمعزوفات ساحر
...
-
جودي فوستر: السينما العربية غائبة في أمريكا
-
-غزال- العراقي يحصد الجائزة الثانية في مسابقة الكاريكاتير ال
...
-
الممثل التركي بوراك أوزجيفيت يُنتخب -ملكًا- من معجبيه في روس
...
المزيد.....
-
زعموا أن
/ كمال التاغوتي
-
خرائط العراقيين الغريبة
/ ملهم الملائكة
-
مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|