أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ملهم الملائكة - الجنرال قاسم سليماني اللاعب الخطير القتيل















المزيد.....


الجنرال قاسم سليماني اللاعب الخطير القتيل


ملهم الملائكة
(Mulham Al Malaika)


الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 17:47
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


على مشارف مدينة تكريت وما تمثله في تاريخ صدام حسين وسلالته وأقاربه وحتى حزبه، وقف جنرال إيران القوي الشهير قاسم سليماني ليضع بصمته على لحظة تغيير سياسي وتكويني حاسم. إيران تدعم الحشد الشعبي العراقي وقوامه ميلشيات ومتطوعين شيعة في الغالب لتحسم الحرب ضد تنظيم "داعش"، الذي احتل تكريت وثلث العراق الغربي. لكن الرئيس الأمريكي ترامب وضع نهاية دامية لهذه المعادلة الخطيرة.

سكان تكريت، وقد يتبعهم سكان الأنبار والموصل، يقفون مذهولين، أمام المعادلات، التي انقلبت في أقل من نصف قرن. فأغلب جنرالات جيش صدام، الذي حارب إيران على امتداد ثمانينات القرن الماضي ينحدرون من تكريت وما حولها، وهي التي سميت محافظة صلاح الدين في نهاية ستينات القرن الماضي. وهاهم اليوم يقفون على مفترق خيارين، أحلاهما مر، فاما الخضوع لفوضى التوحش الداعشي العابرة للحدود والتي تلغي كل شخصية قبلية ودينية ومذهبية واثنيه، ولا تقبل إلاّ ببيعة مطلقة لخليفتها الغامض أبو بكر البغدادي، أو القبول بقوات طالما وصفها التكارتة (كما يطلق أهل العراق على أبناء مدينة تكريت) أنفسهم بأنها صفوية تدين بالولاء لإيران.
ولا يفوت المراقب ملاحظة أن عناصر تنظيم داعش قد هدموا قبر صدام في مسقط رأسه مدينة العوجة، باعتباره ضريحا يمثل شركاً بالله وهو ما يتعارض مع تعاليمهم المستوحاة في أغلب تفاصيلها من الوهابية، وهو ما خلق لدى سكان المنطقة، التي تفتخر بأنها أنجبت من يدعوه بـ "قائد الأمة وفارسها"، حالة إحباط وخيبة دفعت قسماً من أعيانهم وشيوخ قبائلهم الى قبول فكرة الدعم الإيراني.
فجأة يجد أهل تكريت ومن حولها من المقربين لصدام حسين وحاشيته أن أملهم الوحيد وحليفهم الممكن في الحرب على داعش، التي لا تقبل شراكة هو إيران، بل تحديدا رجل إيران القوي، الذي يتصرف بتواضع الجنرال قاسم سليماني، الذي يكنّى في الدوائر السياسية الشيعية "الحاج سليماني" دون إشارة الى رتبته تحبّبا وتقرّبا أو تحفّظا وتكتّما.
سليماني من الكواليس الى البطولة والنجومية
قبل 10 سنوات لم يعرف أحد في إيران أو في المنطقة من هو الجنرال قاسم سليماني، لكن الاحتكاك الامريكي بالقيادات الايرانية على مدى عقد من الزمن إبان الوجود الامريكي في العراق وضع سليماني تحت الأضواء. بل وصل الأمر الى أنّ السفير الأمريكي لدى العراق رايان كروكر وفي مقابلة مع "بي بي سي" فارسي قبل عامين، قد دعا إلى الاستعانة مجددا بالدور غير المباشر الذي لعبه الجنرال سليماني في محادثات بغداد.

في داخل إيران، حيث تشيع أساليب التكتم والسرية في تعامل المسؤولين مع الملفات الخارجية، لم يكن أحد يعرف الجنرال الغامض تقريباً، لكن حضوره المستمر في لبنان وسوريا والعراق وضعه تحت الأضواء، لدرجة أنّ الفائز الأول في مهرجان فجر للأفلام السينمائية في ايران محمد علي شعباني وبحضور الحاكم الروحي الأوحد لإيران آية الله خامنئي أهدى جائزته إلى "سردار حاج قاسم سليماني"، وهو أمر نادر الحدوث في مثل هذه المناسبات في اجواء الحضور الطاغي للخامنئي والذي يشار اليه بتفخيم بالغ في إيران بعبارة "مقام معظّم رهبري".
وفي تطور بطولي دراماتيكي (يُذكّر الى حد كبير بسطوع نجم الفريق السيسي ووصوله الى رئاسة الجمهورية في ظل انهيار جمهورية الاخوان قصيرة العمر في مصر)، يتولى الجنرال سليماني في هذه المرحلة الاشراف الوثائقي والمعلوماتي على فيلم يُنتج في إيران عن صدام حسين العدو التاريخي للجمهورية الاسلامية.
دراجات وبيارق البسيج والباسداران في الميادين
الموقف الأمريكي حسم الشك باليقين، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تأييدها للتدخل الإيراني في الحرب على داعش، وكشف رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي أنّ دور إيران والميليشيات الشيعية في الهجوم الذي تشنه القوات العراقية لاستعادة مدينة تكريت من تنظيم" الدولة الإسلامية " يمكن أن يكون "ايجابيا"، إذا لم يؤد إلى توترات طائفية مع السنة. وهو ما فُسر بأنه قبول أمريكي للدور الإيراني مشروط بخجل.
وهكذا باتت تكتيكات قوات التعبئة الشعبية (البسيج) والحرس الثوري الإيراني (باسداران) تسود ساحة المعارك حول تكريت، فالدراجات النارية، التي تُقل مقاتلين يحملون قاذفات صواريخ وقاذفات قنابل خفيفة، والشاحنات الصغيرة، التي تحمل رشاشات متوسطة (من عيارات 10.5، و12.5 وحتى 14 مليمتر)، والأخرى التي تحمل راجمات صواريخ صينية صغيرة خفيفة هي التي تتنقل في الميادين وفوقها ترفرف رايات باللون الأصفر والأخضر وعليها شعارات تنتخي بالمهدي المنتظر وبآل محمد.
كما أن أغلب المقاتلين باتوا يربطون على جبينهم مناديل الحرس الثوري المطرّزة بأسماء ائمة الشيعة وبالأدعية والابتهالات والتي تدعى بالفارسية ( بيشون بند)، وحتى الكوفيات التي يلفها المقاتلون حول رقابهم هي اليوم ايرانية احوازية أو من مناطق لرستان وكردستان ايران، وغابت تماما الكوفيات الفلسطينية والاردنية والخليجية التي كانت سائدة في العراق ، وانحسر استخدامها في مناطق غرب العراق.
الكاتب والباحث مهند العزاوي، مدير مركز صقر للدراسات الإستراتيجية، يعتبر ذلك من مظاهر الفشل الأمريكي الذريع في التجربة العراقية بعد عام 2003، مؤكداً في الوقت نفسه أن "ظهور الجنرال قاسم سليماني والبهرجة الإعلامية التي أحيط بها ، في امرلي أولا وفي بغداد بعدها، ثم في سامراء واليوم في تكريت هو بالتأكيد ليس شيئاً ايجابياً، وحين يتكلم الآخرون عن قانون ودولة ذات سيادة وقانون دولي فكيف نصف تدخل الحرس الثوري والبسيج في أمور تخص العراق داخليا ؟ "
" أين الجيش الذي كلف بناءه ترليون دولار؟"
وعلى الرغم أن كثير من المراقبين والمحللين ما برحوا يرددون نظرية وجود اتفاق أمريكي إيراني لإسقاط صدام حسين عام 2003، إلا أنّ الوقائع على الأرض أضفت شكوكا على هذه النظرية. لكن سياسة الرئيس الأمريكي باراك اوباما، التي ركزت على عدم التدخل بقوات برية عسكرية أمريكية في اي بقعة في العالم، فتحت الباب لاجتهادات شتى بخصوص سياسة الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة.
الخبير الاستراتيجي والعسكري مهند العزاوي يرى أن "الإدارة الأمريكية وجدت في القوة الايرانية على الأرض الذراع المطلوب لمقاتلة داعش"، ثم مضى الى القول متسائلا: "لماذا يحتاج العراق الى القوات الايرانية، وماذا جرى للجيش الذي كلّف بناءه 10 سنوات من الزمن، وترليون دولار من النفقات؟"
ويبدو أن العراقيين عاجزون عن انشاء جيش متكامل يضم كل المكونات بالتساوي بغض النظر عن انتماءاتهم. فالكرد يعتبرون قوات البيشمركة المجرّبة جيشهم، وإيران بقواتها واحدا من حلفائهم وقد كان الجنرال سليماني نفسه حاضرا في معارك تحرير سنجار والمناطق التركمانية في شمال وجنوب كركوك وقدم الدعم الاستخباري وربما أكثر من ذلك لقوات البيشمركة.
أمّا الحكومة المركزية، فتعوّل على قوات شبه نظامية متعددة تحمل تسميات مختلفة وتعمل بمشوّرة حرس الثورة الايراني وبتسليحه ودعمه المباشر، مفضّلة هذه القوات على جيش نظامي لا تضمن ولاءه.
فيما اعتمد سكان مناطق غرب العراق على قوات الصحوات العشائرية التي انشأتها الادارة الامريكية في العراق لمحاربة تنظيم القاعدة وارهابيي ابي مصعب الزرقاوي، ونجحت فعلا في القضاء عليه في عام 2007.
وهكذا اضحى الوجود الايراني ووجود خبرات عسكرية من دول أخرى بمثابة ضامن متعدد المراكز لتوجيه مستويات القوة في المعارك.
" إيران تعتبر العتبات المقدسة في سوريا و العراق خطا أحمر"
ويخلص من يراقب الوضع في العراق وسوريا الى أنّ الولايات المتحدة قررت أن ترفع يدها عن الملفين وتترك لإيران التصرف بهما، وفي حالة العراق وصف د العزاوي ذلك (بمعركة بدون تكاليف) تنتصر فيها الولايات المتحدة بالجيش الايراني وأسلحته وموارد دولته على تنظيم داعش .

لكن المختصين بالشأن الايراني يرون في هذه الفرضية "تسطيحا للحقائق" على حد تعبير الباحث والكاتب الاسلامي المقيم في لندن علي رمضان الأوسي وهو يحاور الكاتب حول الدور الايراني في معركة تكريت وما بعدها. وفي معرض شرحه للموقف الايراني أعتبر الاوسي أنّ "إيران تعتبر العتبات المقدسة في سوريا أو العراق خطا أحمر، والشعب العراقي متجاوب مع هذا التوجه (ويقبل الوجود الايراني العسكري بسببه)، ويوجد الآن نحو 5000 مقاتل من عشائر صلاح الدين يعملون بإمرة الحشد الشعبي ويتلقون الدعم والمشورة من القوات الايرانية".
وسبق لرئيس حكومة إسرائيل بينامين نتيناهو في خطابه أمام الكونغرس الأميركي الاعلان أن ايران تهيمن على أربع عواصم عربية ( دمشق - صنعاء- بيروت- بغداد)، وهو ما يمكن ان يخلص اليه أي مراقب لمسار التحولات في المنطقة، وأرجع مهند العزاوي ذلك الى وقت مبكر، "منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق في عام 2011 أصبحت إيران المهيمن على الملف العراقي، ولا يمكن القفز على الحقيقية الجغرافية بأن إيران هي جار للعراق، ولكن المشكلة هي أن حساسيات الماضي، وما جرى خلال السنوات العشر الماضية لم يسمح للعلاقة بين البلدين أن ترتقي الى مستوى الجيرة".
لكنّ القصة الغريبة التي سردتها أعلاه تنتمي إلى عام 2014 حين احتل تنظيم داعش بخمسمائة مقاتل أغلب مناطق غرب العراق، ليتخذ أميره المجهول "أبو بكر البغدادي" من الموصل عاصمة لدولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام! وقد انتهت هذه الحكاية بالقضاء على داعش في العراق، وتحرير الموصل ومناطق غرب العراق من قبضة التنظيم الإرهابي الدموي المتخلف. وهكذا "تحرر" سر لشكر (اللواء) قاسم سليماني لينطلق قدماً في نشر نظرية ولي الفقيه ورسم استراتيجيات الدول المتحالفة مع إيران في المنطقة في مرحلة ما بعد توحش داعش.
لكن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى اختارت أن تكتب خاتمة دموية حاسمة للجنرال سليماني، ونظيره العراقي المعروف ب "أبو مهدي المهندس".
في الساعات الأولى بعد تأكيد مقتل قائد فيلق القدس، كانت كثير من التفاصيل غامضة. نائب القائد العام للحرس وبعض المصادر الأخرى قدّموا معلومات أكثر دقّة عن هذه الحادثة.
صاعقة مسيرة على طريق مطار بغداد الدولي!
فجر يوم الجمعة، 13 دي (3 يناير)، وبعد وقت قصير من انتشار خبر مقتل قاسم سليماني في العراق، أعلن حرس الثورة الإسلامية في بيان أن قائد فيلق القدس "فارق الحياة في هجوم لطائرات هليكوبتر أمريكية".

أسئلة صعبة حول كيفية استهداف السيارة التي كانت تقلّ سليماني ومرافقيه، ومَن كانت نقطة انطلاق سفره، وكيفية تسريب معلومات دقيقة عن وقت وصولهم إلى مطار بغداد ومسار قافلة الوفد الإيراني والمستقبلين لهم، وقد نُشرت بشأنها أخبار متضاربة.
سردية "هجوم المروحيات الأمريكية" تكرّرت خصوصًا في الساعات الأولى بعد نشر الخبر في وسائل الإعلام الإيرانية. وكالة سبوتنيك الروسية نقلت في 13 دي، وفي تقرير جرى "تحديثه" نحو الساعة الرابعة بعد الظهر، خبر مقتل قاسمي "نتيجة لهجوم صاروخي لطائرات هليكوبتر أمريكية".
وكالة فرانس برس نقلت عن مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن العملية التي أدّت إلى مقتل قاسم سليماني ومرافقيه تمت "بغارة دقيقة بطائرة مُسيّرة (درون)".
مصادر أخرى قالت أيضًا إنّ ضربة بطائرة مُسيّرة استهدفت سيارتين كانتا تقلّان قائد فيلق القدس ومرافقيه. علي فدوي، نائب القائد العام للحرس، أكّد هذا الخبر في مقابلة تلفزيونية، واصفًا إياه في الوقت نفسه بأنه إجراء يُعتبر عاديًا من الناحية العسكرية.
وأوردت وكالة فارس مساء الثالث عشر من شهر دي قول فدوي: "العملية التي نفّذها الأمريكيون ليست من طراز يمتلك قدرات عسكرية أو تكنولوجيا خاصة، وعملياتهم من الناحية العسكرية لا قيمة كبيرة لها؛ ونحن أيضًا نستطيع إرسال طائراتنا المسيرة وتدمير أي هدف متحرّك بصواريخ ليزريّة".
لجنة الإعلام في الحشد الشعبي كانت قد أعلنت في البداية أن سقوط ثلاث قذائف كاتيوشا قرب صالة شحن مطار بغداد أدّى إلى اشتعال سيارتين ووقوع قتلى بين المدنيين. وقد صَحّحت وسائل الإعلام العراقية هذا التقرير وقالت إن سيارتين كانتا تقلّان عناصر من الحشد الشعبي وضيوفهم استُهدفتا بغارة بطائرة مُسيّرة، وقتل جميع من كان على متنهما.
نقطة انطلاق رحلة سليماني ومرافقيه إلى بغداد كانت أيضًا من المسائل التي وُصفت بروايات شتّى. المصادر الرسمية الإيرانية صمتت في بادئ الأمر، ثم تناولت تقارير أرجأت نقطة الانطلاق إلى بيروت أو دمشق أو طهران.
نائب قائد الحرس قال: "المسؤولون الرسميون في الحكومة العراقية دائمًا ما يدعون الحاج قاسم لعقد جلسات حول مواضيع مختلفة؛ ولهذا كان له تنقّلات مستمرة، وفي هذه الزيارة توجّه إلى بغداد بدعوة من مسؤولين في الحكومة العراقية".
مضيف الحشد الشعبي: دمشق نقطة الانطلاق
يبدو أن هذا الادعاء ليس دقيقًا لأنّ الخمسة الذين أتوا لاستقبال الوفد الإيراني في المطار والذين قُتلوا مع قاسم سليماني وأربعة مرافقين إيرانيين في سيارتين، كلهم كانوا من أعضاء الميليشيا المسلحة الحشد الشعبي؛ وهي مجموعة أسّسها سليماني ولعب دورًا محوريًا في تدريبها وتجهيزها.
أبو مهدي المهندس، نائب قائد فصيل الحشد الشعبي، كان من بين الذين قُتلوا في الغارة بطائرة مُسيّرة فجر الجمعة. والحشد الشعبي أعلن في بيان أن الوفد الإيراني انطلق من دمشق العاصمة السورية، وهو ما أكّده أيضًا علي فدوي.
كيف تمّ تسريب سفر سليماني إلى بغداد؟
هجوم الطائرة المُسيّرة الأمريكية على سيارتين كانتا تقلّان قوات فيلق القدس وأعضاء الحشد الشعبي، والذي وفقًا للصور المنشورة جرى في باحة خارجية من المطار، يُشير إلى وجود معرفة مُسبقة بهوية الركاب وبكيفية نقلهم. والملفت للنظر أنه قد سبق الهجوم إعلان وسائل إعلام محلية في الساعات الأولى من فجر الجمعة تشديد الإجراءات الأمنية حول مطار بغداد، وهو أمر يكشف عادةً عن وصول مسؤولين رفيعي المستوى، لكن الجهات الرسمية امتنعت عن الإفصاح عن هوياتهم.
مع ذلك، ثمة شائعات وتكهّنات مختلفة بشأن كيفيّة حصول الولايات المتحدة على معلومات عن سفر قاسم سليماني ومرافقيه إلى بغداد ومسار نقلهم من المطار.
واحدة من أبسط الروايات نقلها حشمت ‌الله فلاحت ‌پیشه، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي، الذي قال لوكالة إيسنا: "أمن مطارات العراق يتم تأمينه بشكل تعاقدي من قبل شركات من بعض الدول الغربية مثل أمريكا وبريطانيا، وهذا يعني أنهم، بالإضافة إلى التمركز في المراكز الأمنية الحسّاسة في العراق وتحقيق أرباح مالية، حققوا أيضًا أرباحًا معلوماتية وأمنية لخيانة المقاومة وضد القائد سليماني".
النائب لم يوضّح كيف حصل هؤلاء المقاولون على معلومات تتعلق بمسار نقل سليماني ومرافقيه والذي كان يفترض أن تنسّقه قوات الحشد الشعبي.
في هذا السياق، اتّهم البعض بعض أعضاء الحشد الشعبي وحتى أفرادًا في فيلق القدس بالتواطؤ، ويقال في العراق أن "علاس" قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وهو قيادي في فيلق بدر، تقاضى 2 مليون دولار عن بيعه المعلومات الدقيقة التي أدت إلى مقتلهما"، لكنّ هذا يبقى همساً غير رسمي يسري في أوساط مقربة جدا من قيادات فيلق بدر، ولا يمكن التحقق من دقته، بل أنقله هنا على سبيل الأمانة الصحفية. ويدعم هذا الهمس، أّنّ الحشد الشعبي كشف في بيان أنّ معلومات سفر سليماني إلى بغداد واستقبال المهندس له تمّ تسريبها إلى أمريكا من قِبل بعض الجماعات العراقية.
ولو ثبتت صحة هذا الاتّهام، فربما يكون بعض أعضاء الحشد الشعبي متورطين. وحتى الآن لم تُنشر أوراق أو دلائل قاطعة لأي من الفرضيات والتكهّنات، لكن بعض المصادر رجّحت أن الولايات المتحدة استخدمت مساعدة مصادر استخبارية إسرائيلية لتنفيذ عملية فجر الجمعة.
وحسب تقرير DW فارسى رغم هذه الفرضيات والتكهّنات، بعض الأدلة وتصريحات لجنود أمريكيين خدموا سابقًا في العراق تُشير إلى أنهم كانوا قادرين بطرق مختلفة على مراقبة نشاطات قائد فيلق القدس وتنقّلاته.
إسرائيل في 2008 استهدفت عماد مغنية، الرجل الثاني وقائد العمليات في حزب الله اللبناني، والذي كان له صلات وثيقة بسليماني وإيران، في أحد آمن أحياء دمشق وأكثرها حصانة وحماية له.
مع افتراض أنّ أمريكا وإسرائيل لو قرّرتا سابقًا قتل قاسم سليماني لكان بإمكانهما ذلك أيضًا، يطرح السؤال: لماذا حدث هذا الأمر تحديدًا في أيام توتر العلاقات بين طهران وواشنطن؟
فرضية «مؤامرة» لقتل سليماني
وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في بيان أصدرته صباح الجمعة قالت إن الضربة على السيارة التي كانت تقلّ قاسم سليماني نُفّذت بأمر من دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، لأنّ واشنطن ترى أنه كان على وشك الانتهاء من خطة لاستهداف دبلوماسيين ومقاولين أمريكيين في العراق والمنطقة.
وأعلنت الإدارة الامريكية أنّ هجمات الثلاثاء والأربعاء على سفارتها في بغداد كانت بتنسيق من قِبل سليماني، وأنّ الهجمات الأخيرة على قواعد تتواجد فيها قوات أمريكية وحلفاء لها في العراق تُنسب إلى جماعة كتائب حزب الله وبتوجيه من طهران.
في إحدى الهجمات في مدينة كركوك والتي نُسبت إلى هذه المجموعة، قُتل مقاول أمريكي مدني. حشمت ‌الله فلاحت‌ پیشه قال إن قتل هذا المقاول كان مؤامرة وفخًا أرادت أمريكا من خلاله «جر الإيرانيين إلى كمين»، وأن ذلك فعلاً حصل. ولم يوضح مزيدًا عن هذه «المؤامرة» والأشخاص المتورطين فيها.
اتهام أمريكا، وتأكيد ضمني من نائب القائد بالحرس
الولايات المتحدة تقول إنّ معظم الهجمات على قواتها في العراق كانت بدفع من إيران وعن طريق "جماعات تعمل بالوكالة" وتتلقّى أوامرها من قائد فيلق القدس بالحرس.
علي فدوي، نائب القائد العام للحرس، في مقابلة تلفزيونية مساء الجمعة أقرّ ضمنيًا بهذا الاتّهام، واعترف أن المرارات التي واجهتها القوات الأمريكية بعد انتشارها في العراق كانت منسقة من قبل قائد فيلق القدس القتيل.
وبحسب وكالة فارس، قال علي فدوي: "مع أننا في الأيام الأولى ألحقتها بمجموعة من الهزائم، لكن عندما استولوا على العراق هل ظنّوا أنهم لن يواجهوا مرارات في العراق؟ وفي كل ذلك كان الشهيد قاسم سليماني الشخص الأول الذي قاد هذا الجبهة وذقّ الأمريكيين هذه المرارات".
دونالد ترامب دافع عن قراره بإصدار أمر الضربة فجر الثالث من يناير 2020 في تغريدة على تويتر قائلاً إنّ قاسم سليماني كان ينبغي أن يُقتل منذ سنوات، لأنه، حسب قوله، "مسؤول لمدّة طويلة عن مقتل وإصابة آلاف الأمريكيين، وكان الآن "يتآمر لقتل المزيد لكنه وقع في الفخّ".
هذه الضربة المباغتة القاصمة جاءت بعد قرار إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في 2018 وفرض حزمة عقوبات اقتصادية واسعة على إيران، حيث تصاعدت المواجهة السياسية والاقتصادية بين الطرفين إلى مستوى من المواجهة العمودية (سياسات «الضغط الأقصى» الأميركية مقابل استراتيجية «الرد بالمقايضة» الإيرانية). هذا الإطار جعل العلاقة ثنائية الأطراف عرضة لتصعيد متسارع كلما وقعت حادثة أمنية في المنطقة. حسب تحليل نشرته مجلة تايم.
وفي الأسابيع والأيام التي سبقت 3 كانون الثاني/ يناير 2020 تزايدت الهجمات والإساءات المتبادلة: هجمات صاروخية وعمليات ضد قواعد وقوات أمريكية في العراق، واقتحامات واحتجاجات أمام السفارة الأمريكية في بغداد (أواخر ديسمبر 2019 - أوائل يناير 2020) ظهر فيها الشيخ قيس الخزعلي قائد ما يعرف بعصائب أهل الحق شخصياً وهو يطرق بوابة السفارة الامريكية في بغداد بغية اقتحامها وحرقها وتدميرها. الولايات المتحدة ربطت هذه الهجمات بقيادات ميليشيات مدعومة من إيران وألقت باللوم جزئياً على فيلق القدس وقاسم سليماني توجيهًا أو تمكينًا لهذه العمليات - وهو ما قدّم مبررًا لواشنطن بأن الضربة "استباقية" لتهديد وُصف بأنه وشيك حسب تقرير نشرته قناة الجزيرة القطرية الداعمة (بلغة ناعمة) لسياسات إيران في المنطقة.
ولا يخفى أنّ قاسم سليماني من منظور أميركيّ، كان المنظّم الميداني والمحرك الأساسي لعمليات "الوكلاء" والذين باتوا يعرفون ب "أذرع" إيران في المنطقة، وعلى المستوى العراقي يطلق عليهم "الذيول" التي استهدفت مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها، لذا اعتُبر استهدافه طريقًا لقطع "رأس الشبكة" وإضعاف قدرة طهران على تنسيق عمليات من هذا النوع.
جدل قانوني وسياسي أمريكي حول شرعية الضربة
السلطات الأميركية بررت الضربة بتقديرات "تهديد وشيك" ضد دبلوماسيين ومقاولين أميركيين، فيما أثار الفعل نقاشًا جارياً حول ما إذا كانت الضربة "قانونيًا" عملًا دفاعيًا مشروعًا أم "اغتيالًا" ينتهك القانون الدولي وسيادة العراق. مواجهة هذا الجدال لم تقتصر على نصوص قانونية فحسب، بل امتدت إلى حسابات سياسية: هل تُقدِم إدارة على عملية بهذا الحجم من دون تقدير كامل للعواقب الإقليمية والسيادية؟. مجموع التحليلات القانونية والسياسية بقي متباينًا.
قتل سليماني أدى إلى سلسلة ردود فعل مباشرة: تراجع العراق إلى أزمة سيادة (وصوت برلماني يطالب برحيل القوات الأجنبية)، وتهديدات إيرانية بالردّ، وتصعيدات عملية شملت توجيه إيران ضربات صاروخية إلى قواعد تضمّ قوات أمريكية في 8 يناير 2020. كذلك أثرت الحادثة على الديناميات الإقليمية حيث تزايدت حساسية اللاعبين الإقليميين والدوليين تجاه أي تصعيد، ودفعت بعض الدول نحو التحذير والدعوة للتهدئة. كما استُخدمت الحادثة داخليًا في إيران لتعزيز خطاب الوحدة ضد "عدو خارجي".
وتشير ترجيحات محلّلين متخصصين بالشأن الأمريكي وردت في تقرير نشره معهد بروكنغزBrookings Institut إلى أنّ قرار التنفيذ جاء من مزيج عوامل هي: تزايد هجمات الوكلاء التي استهدفت مصالح أميركية، حسابات ترامب الداخلية (السياسية والشعبية)، ورغبته في إظهار قدرة ردع فورية في ظل سياسة "الضغط الأقصى". لكن اختيار التحرك داخل أراضي دولة ثالثة (العراق) دفع ثمنًا سياديًا ومخاطر شديدة من جهة تفجير مواجهات غير مُحدَّدة النطاق.
*على المدى القصير: أغلق الحدث نافذة تفاوض فورية، وزاد احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة أو بالوكالة، وعمّق عدم الثقة المتبادلة.
*على المدى المتوسط: أعاد تشكيل ترتيب الأولويات لدى بعض اللاعبين الإقليميين (بعضهم حاول التهدئة لتجنّب حرب شاملة، وبعضهم استثمر الموقف لتوسيع نفوذه داخل العراق).
*على المدى الطويل: برغم أن مواجهة مفتوحة مسلحة بين الولايات المتحدة وإيران لم تتجه للتوسع الكامل بسبب قرب انتهاء ولاية الرئيس ترامب، فإن الاغتيال عمّق اعتماد إيران على تكتيكات الردّ بالوكلاء ورفع من مكانة الذكرى البطولية لسليماني في الداخل الإيراني، مما يعقد أي مسارات عودة إلى طاولة تفاوض مستقرة دون تنازلات متبادلة أو ضامن دولي.
وأختم بالقول هنا إنّ اغتيال الجنرال المخيف قاسم سليماني لم يكن حادثة عسكرية معزولة فحسب، بل كان محطة استراتيجية حادة في مسار تصاعدي للعلاقات الأميركية-الإيرانية بعد 2018. له أبعاد تكتيكية (قطع شبكات تأمين عمليات الوكلاء) وقانونية وسياسية وإقليمية (مساءلة للسيادة العراقية وتحوّل خطاب الردّ في إيران).
مراجع مختارة:
تقرير DW فارسى
تقرير IISS عن تبعات اغتيال سليماني.
تغطية الأجندة والتسلسل الزمني لدى الجزيرة.
تحليلات بروكنجز Brookings حول أثر الاغتيال على المشهد الإقليمي.
مقالات ومعالجات قانونية/عسكرية عن شرعية الضربة وتحليلها (Lawfire / JAG analysis).
تقارير وتحليلات مجلة تايم TIME التي جمعت ردود الفعل والدلالات الإقليمية.



#ملهم_الملائكة (هاشتاغ)       Mulham_Al_Malaika#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأديان..وحي غيبي أم صناعة بشرية؟
- العرب واقليمهم بلا رتوش
- خلف صوت وصمت المعركة
- حلبجة القتيلة صارت محافظة
- إيران العابرة لحدود التشيع التاريخية
- بعد زمن الخيول
- صناعة الجنس في ألمانيا
- من أيّ نوع أنت؟
- ميركل – سر المستشارة الألمانية التي ولدت شيوعية*
- البندقية الشيوعية الثائرة
- الشيوعية التي قتلت المجتمع المدني
- صراع العروش – شيوعية الصين أم شيوعية السوفييت؟
- دروس الدبلوماسية الحديثة
- حين فارق الشيوعيون أوطانهم
- اللغة الشيوعية تآكل يؤذن بالانهيار
- مقاربة الشيوعية المعاصرة لتحديات الجندر
- رأي الشيوعية في الدرجة الثالثة
- الألفية الثالثة - عالم بلا آلهة
- أشبال أبو قلام فريق في زوايا النسيان!
- من جيش السلطة إلى قوات المعارضة


المزيد.....




- كيف دمّرت سياسة ترامب خطط طلاب غزة؟ شاهد ما قالته فلسطينية ل ...
- ماكرون يكشف تفاصيل اتصال له مع محمد بن سلمان
- ما هي دلالات اعتراف بريطاني مرتقب بدولة فلسطينية؟- الغارديان ...
- ثروات وكنوز ثمينة في أعماق المحيطات.. هل تطالها يد الإنسان؟ ...
- قرار الاعتراف بدولة فلسطين يفاقم حدة التوتر بين فرنسا وإسرائ ...
- تداعيات وضع واشنطن 4 فصائل عراقية على قائمة الإرهاب
- روسيا تمطر أوكرانيا بمئات الصواريخ والمسيّرات وكييف ترد بضرب ...
- ترامب يقيل مدّعيا فدراليا رفض ملاحقة اثنين من خصوم الرئيس
- نقاش ساخن بين ديمقراطيي نيويورك بشأن توجهات ممداني
- صورة متداولة لـ-جثث متناثرة بشارع في غزة-.. ما صحتها؟


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ملهم الملائكة - الجنرال قاسم سليماني اللاعب الخطير القتيل