أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - الكائن البشري بين الطموح اللامتناهي نحو المطلق والإقرار بالتناهي الوجودي من خلال مقاربة أنثروبولوجية















المزيد.....

الكائن البشري بين الطموح اللامتناهي نحو المطلق والإقرار بالتناهي الوجودي من خلال مقاربة أنثروبولوجية


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 00:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة
في قلب الأنثروبولوجيا الفلسفية، يبرز الكائن البشري ككيان متناقض، يجمع بين الطموح اللامتناهي نحو المطلق – سواء كان ذلك المطلق إلهيًا، أو كماليًا، أو وجوديًا – وبين الإقرار الحتمي بالتناهي الوجودي، أي المحدودية الزمنية والمكانية والقدراتية التي تحدد وجوده. هذه الثنائية ليست مجرد تناقض فلسفي، بل هي جوهر الوجود البشري، كما يصفها الفلاسفة الوجوديون والأنثروبولوجيون. الأنثروبولوجيا الفلسفية، كما يعرفها بعض المفكرين، هي الدراسة المنهجية للإنسان من منظور فلسفي، تركز على طبيعته ككائن يتجاوز الوصف البيولوجي ليشمل الأبعاد الروحية والثقافية والوجودية. في هذه الدراسة، سنستعرض هذه الثنائية من خلال مقاربة أنثروبولوجية، مستندين إلى آراء فلاسفة مثل سورين كيركيغارد، مارتن هايدغر، جان بول سارتر، وبول ريكور، مع التركيز على كيفية تشكل هذه الثنائية للهوية البشرية. سنبدأ بتحليل الطموح اللامتناهي، ثم الإقرار بالتناهي، وأخيرًا التوفيق بينهما، لنكشف كيف يصبح الإنسان "تركيبًا" وجوديًا يعيش في التوتر الدائم. فما طبيعة التناقض الوجودي الذي يشق الكائن البشري؟
الطموح اللامتناهي نحو المطلق: الجانب اللانهائي في الكائن البشري
يُعتبر الطموح اللامتناهي نحو المطلق سمة أساسية في الأنثروبولوجيا الفلسفية، حيث يرى كيركيغارد أن الإنسان هو "تركيب بين اللانهائي والمتناهي، بين الزمني والأبدي، بين الحرية والضرورة". هذا التركيب ليس مجرد وصف أنطولوجي، بل هو مهمة وجودية تتطلب حركة لا متناهية: الانفتاح على الإمكانيات اللانهائية (الانفصال عن الذات) ثم العودة إلى الذات من خلال تحقيق المثل العليا. في حالة البراءة قبل السقوط، يكون الروح "حالماً"، والأبدي موجوداً بشكل ضمني، لكن بعد السقوط يصبح الإنسان عرضة للقلق، الذي هو "قلق الإمكانية"، يدفعه نحو الطموح إلى المطلق. هذا الطموح يتجلى في الرغبة في الوصول إلى الأبدي، الذي هو "الإمكان والمستقبل" في الزمن، مما يميز الإنسان عن الحيوانات بقدرته على شد الزمن إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل.
الإيمان، عند كيركيغارد، هو الذي ينقل هذا الطموح من اليأس إلى الأمل، حيث يقول: "القلق... يصبح تربوياً مطلقاً من خلال الإيمان لأنه يستهلك كل الغايات المتناهية ويكتشف كل خداعها ". هكذا، يصبح الطموح نحو المطلق ليس رفاهية، بل ضرورة لتحقيق الذات الحقيقية، بعيدًا عن الجماليات السطحية (المتناهية) أو التأملية (اللانهائية لكن غير أخلاقية).من منظور سارتري، يرتبط هذا الطموح بالحرية اللامحدودة، حيث "الوجود يسبق الجوهر"، مما يعني أن الإنسان "ملقى" في الوجود دون جوهر مسبق، وعليه أن يخلق نفسه من خلال خياراته.
هذه الحرية هي طموح لانهائي، لأنها تتجاوز أي قيود خارجية، وتجعل الإنسان "مسؤولاً عن كل شيء"، بما في ذلك إنكار وجود الله الذي قد يحد من هذه الحرية. سارتر يصف الإنسان ككائن يفرز "اللا شيء"، أي يخلق إمكانيات من العدم، مما يعكس طموحاً نحو المطلق الذي هو الكمال الذاتي. ومع ذلك، هذا الطموح يولد القلق، لأن الحرية المطلقة تجعل الإنسان يواجه اللامتناهي دون دعامات، كما في "الوجودية إنسانية" حيث يؤكد أن كل فعل يتضمن بيئة وبشرية. في الأنثروبولوجيا، يعني هذا أن الثقافة والتاريخ هما تعبيرات عن هذا الطموح، حيث يسعى الإنسان إلى تجاوز حدوده من خلال الإبداع والثورة.
فيورباخ، من جانبه، يرى هذا الطموح كإسقاط بشري على الإله، حيث يُسقط الإنسان صفاته اللانهائية (العقل، الحب، الإرادة) على كيان خارجي، مما يؤدي إلى الاغتراب الذاتي. لعل السر في اللاهوت هو الأنثروبولوجيا، كما يقول، لأن وعي الله هو وعي الإنسان بنفسه. هذا الطموح نحو المطلق هو تعبير عن "جوهر النوع" البشري اللانهائي، مقابل الفرد المتناهي، مما يدعو إلى إعادة إنسانية الفلسفة لاستعادة هذه الصفات.
الإقرار بالتناهي الوجودي: المحدودية كماهية الوجود
بالمقابل، يفرض التناهي الوجودي نفسه كحقيقة لا مفر منها، حيث يرى هايدغر أن الإنسان هو "كائن نحو الموت"، مما يجعل التناهي محور الوجود الأصيل. في "الوجود والزمان"، يؤكد هايدغر أن مواجهة الموت هي التي تكشف عن سؤال الكينونة، حيث يميز الإنسان عن الكائنات الأخرى بقدرته على الوقوف أمام التناهي. هذا الإقرار ليس يأساً، بل هو دعوة للوجود الأصيل، حيث يواجه الدازاين (الكائن البشري) محدوديته الزمنية، ملقى في العالم مع الآخرين، لكنه يتجاوز اليومي من خلال القلق أمام الموت. التناهي هنا أنثروبولوجي، لأنه يشكل العلاقات مع العالم والآخرين، ويجعل الوجود "رمياً" نحو نهاية حتمية، مما يعطي الحياة معنى من خلال الاختيار في ظل المحدودية.
بول ريكور يرى أن مهمة الفلسفة الأولى هي مساعدة الإنسان على التصالح مع تناهيه، الذي يشمل حدود الثروة والمعرفة والقوة والحياة. هذا التناهي يجب تمييزه عن الشر، حيث أن الرغبة في اللانهائي (مثل أن نكون كالله) هي التي تفتح الباب للشر. الإقرار بالتناهي يتطلب خياراً بين الرفض (الغضب من العناصر غير المتحكم فيها) أو القبول (التواضع والثقة في الخلق). في الأنثروبولوجيا، يعني هذا أن الثقافات البشرية تتعامل مع التناهي من خلال الطقوس والأساطير، محاولة التصالح مع الموت والمحدودية.
جان بول سارتر أيضاً يعترف بالتناهي، لكن من خلال "اللاشيء" الذي يفرزه الإنسان، مما يجعل الحرية محدودة بالواقع، ويولد الغثيان أمام العبثية. هايدغر يرى أن التناهي يمكن الإنسان من تجربة الحرية الحقيقية من خلال التصميم على الموت.
التوفيق بين الطموح اللامتناهي والتناهي: مقاربة أنثروبولوجية متكاملة
في الأنثروبولوجيا الفلسفية، يصبح التوفيق بين هذين الجانبين مهمة الإنسان الأساسية. كيركيغارد يرى الإنسان كعلاقة تربط نفسها بنفسها من خلال الروح، حيث يتقاطع الزمني والأبدي في "اللحظة"، مما يجعل الوجود توتراً دائماً.
الإيمان هو الذي يحل هذا التوتر، محولاً القلق إلى أمل، ومسمحاً بالطموح نحو المطلق دون إنكار التناهي. هايدغر يؤكد أن "الكائن نحو الموت" يفتح على إمكانيات لانهائية ضمن التناهي، حيث يصبح الزمن أفقاً للوجود الأصيل.
فيورباخ يدعو إلى إعادة الإسقاط الإلهي إلى الإنسان، محولاً الطموح اللانهائي إلى تقدير للجوهر البشري المتناهي حسياً. أما ريكور، فيربط التصالح بالتناهي بالفكرة الدينية للخلق، مما يجعل الطموح نحو اللانهائي ممكناً ضمن الحدود. في السياق الأنثروبولوجي، تظهر هذه الثنائية في الثقافات كصراع بين الطقوس الخلودية والقبول بالموت، كما في الأساطير اليونانية أو الديانات الإبراهيمية.
من منظور فينومينولوجي، كما في "الكائن البشري: أنثروبولوجيا فلسفية من خلال الفينومينولوجيا"، يُرى الإنسان كعلاقة بين الجوهر والوجود، حيث النوع المتناهي يحد من مستوى الوجود، مقابل اللانهائي الذي لا يحد. هذا التوفيق يجعل الإنسان كائناً يتجاوز نفسه دائماً، في حركة نحو المطلق ضمن التناهي.
خاتمة
في النهاية، يظهر الكائن البشري في الأنثروبولوجيا الفلسفية ككيان يعيش في التوتر بين الطموح اللامتناهي والإقرار بالتناهي، مما يمنحه عمقاً وجودياً فريداً. هذه الثنائية ليست عبئاً، بل مصدر الإبداع والمعنى، كما يؤكد الفلاسفة المذكورون. التحدي الأنثروبولوجي هو تحويل هذا التوتر إلى حياة أصيلة، مستندة إلى الحرية والإيمان والتصالح. فماهي الوسائط القائمة والممكنة التي تحقق هذا التصالح؟
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بين سبينوزا والسبينوزية، مقاربة أخلاقية سياسية
- الحقوق الفلسطينية في الدولة والعودة والإعمار وجذورها الراسخة ...
- السياسة عند فولتير بين أول الفنون وآخر المهن، مقاربة تنويرية ...
- الشعوب الحرة هي التي تصنع تاريخها بإرادتها، مقاربة حضارية
- صدور كتاب لم نحتاج الفلسفة في زمن الذكاء الاصطناعي؟
- القيمة الدائمة للفلسفة هي التطوير المستمر للفكر في كل فرد وك ...
- مشروع القرار الأمريكي بشأن مستقبل غزة والموقف الفلسطيني منه
- الإبستمولوجيا في الفلسفة الحديثة والمعاصرة
- الحرب هي النواة الإشكالية لأهم المعارك الجيوسياسية بين القوى ...
- القرار الأنطولوجي الحاسم للذات الجمعية بفك الارتباط بالمركزي ...
- أسلوب المقاربات بين المعنى اللغوي والدلالة الاصطلاحية والمفه ...
- مخطط تقسيم السودان بين السياق التاريخي، الأسباب، والتداعيات
- الرؤى المتقاطعة كنسيج معرفي متعدد الأبعاد
- أصل وأسس اللاّمساواة بين البشر حسب جان جاك روسو وشروط تحقيق ...
- ممارسة الفلسفة بطريقة أصلية مفيدة للبشرية عند التفكير في الغ ...
- انعقاد قمة مجموعة اسيان بين التفاهمات الاقليمية وبناء قوة اق ...
- الوضع البشري بين التناول السوسيولوجي والتناول البسيكولوجي، ا ...
- هل سحب جيل زد البساط من الهيكليات الكلاسيكية وامسك بزمام الم ...
- في مديح الإنسانية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري: مقاربة فلسفي ...
- مدى تقديم الفلسفة الإضافة الفكرية للثقافة العربية لمواكبة ال ...


المزيد.....




- فقمة صغيرة تتجول في حانة.. شاهد ما رصدته الكاميرا
- مودي باستقبال بوتين: الهند ليست محايدة وتقف إلى جانب السلام ...
- كيت ميدلتون تتألق بتاج تاريخي في مأدبة رسمية للرئيس الألماني ...
- تفاصيل مقتل ياسر أبو شباب في غزة.. إليكم ما نعلمه عن الحادثة ...
- تبدّل في آراء الإسرائيليين.. استطلاع رأي يظهر توزيع المقاعد ...
- إسرائيل يجنّ جنونُها
- عصفورة يتقدم على نصر الله بفارق ضئيل في رئاسية هندوراس
- إيكونوميست: -كذبة- الأسد لم تتحقق والفترة الانتقالية بسوريا ...
- صحف عالمية: تزايد المخاوف في غزة من تهجير قسري تريده إسرائيل ...
- بريطانيا تنهي مراجعة قضائية لقرار حظرِ حركة -فلسطين أكشن-


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - الكائن البشري بين الطموح اللامتناهي نحو المطلق والإقرار بالتناهي الوجودي من خلال مقاربة أنثروبولوجية