|
|
الآباء الأوائل والموروث الوثني
باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم
(Basim Abdulla)
الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 02:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان التطور اللاهوتي في العقيدة الدينية لليهود قد انتقلت على يد فيلون الاسكندري، فيلسوف يهودي المولود في الاسكندرية عام 20 قبل الميلاد استخدم الأمثال الفلسفية كي تنسجم مع النص التوراتي لتكون شكلاً فلسفياً ذا مضمون فلسفي يوناني مازجاً الفلسفة الرواقية التي تدعو الى العقل والفضيلة على انها الخير المطلق وقبول ما لا يمكن تغييره هو القدر الإلهي حتى ادخل عقيدة اللوغوس اليوناني في التراث الديني اليهودي وهو الاساس الذي ابتدأت فيها المسيحية، لقد دار جدل الباحثين حول الاصل الفكري للمسيحية المبكرة التي انطلقت من مفهوم ” المبدأ الابداعي ” ان الله لديه مبدأ خلاق ربما يشبه الفكر او الروح اسهم في تشكيل مفاهيم طبيعة المسيح لكن من جانب آخر رفض باحثون هذه الفكرة مشيرين ان فيلون الاسكندري والمسيحيين الاوائل استنبطوا افكارهم من مصدر فكري مشترك في الفلسفة الهلسنتية بتحقيق السعادة الفردية وهي فلسفة انسجمت بشكل كبير في مجتمعات العالم القديم. فمن خلال ” كونه مبدعاً قد اثر في الكرستولوجيا ” الطبيعة اللاهوتية للمسيح ” فصار اللوغوس اليوناني احد اهم الأطر العقائدية التي اسسها في تراث اللاهوت المسيحي ” (1) بحسب فيلون ان جوهر الله مجهول Unknowable essence وهو سر لا يمكن اختراقه، الطريقة الوحيدة التي نعرفه بها هي من خلال طاقاته الفيزيائية التي تعامل بها معنا، ففكرنا محدود ولا نستطيع استيعاب خصائصه. تلك الطاقات سمحت لنا جزئياً ادراكه على شي قليل من الحقيقة وهي ابعد ما يمكن تصوره عن الرؤيا المباشرة في التأمل العقلي لوحدة الوجود المبدأ الكوني المجرد وهو الروح العالمية التي تشكل كل شي في الكون. لا تدرك بالحواس لكنها تدرك من خلال المعرفة الذاتية. بحسب العقيدة الهندوسية Brahman اله الكون وهو الثالوث الهندوسي المكون من براهما ” الخالق ” وفيشنو ” الحافظ ” و شيفا ” المدمر ” وان Atman الشرارة الإلهية الموجودة عند كل كائن حي وهي في جوهرها جزء من براهمان. ” وهو جوهر الظواهر المادية بما في ذلك الإنسان ” (2) ماذا قدم لنا هذا التفسير في الفلسفة الهندوسية التي سبقت قيام المسيحية حوالي 0200 عام قبل الميلاد وماهو تأثيرها على المعتقدات اللاهوتية للمسيحية؟ وصفت لنا العقيدة اللاهوتية للإله براهمان بأنه القوة التي تحافظ على وجود وحدة الكون وان الكون كله نتيجة قدرة إلهية للإله براهمان وهو المعنى لكامل الوجود بما يعادل يهوه في معتقدات بني اسرائيل لكن الأول علاقة وثنية والثاني علاقة عقلية ادراكية لتأمل وحدة الوجود في كائن سري غامض غير معروف ولا تراه العيون. رغم ان البراهما او الهندوسية بدأت كديانة وثنية ثم انتقلت لفلسفة وحدة الكون هي مزيج من اليهودية والمسيحية، والهندية، بهذا التأثير الفلسفي والديني بدأت تنتقل المعارف الانسانية للسعي وراء روحانية تربط بين الإنسان ووحدة الوجود. لم تقف العبادة للإله يهوه عند حدود النص التوراتي فرغم التعديلات التي ظهرت لمحاولة جعل عقيدة التوحيد تترسخ في الإله يهوه، الإله الرئيسي لليهودية والإله مردوخ كبير آلهة بابل كان كل طرف يعبد إلهه الخاص به لكن الفكر الفلسفي اندس في المعتقدات اللاهوتية فهل الله فيما نراه من اشياء امامنا ام ان الله وراء الاشياء فلا نراه؟ وهل الوجود من عند الله؟ ام الله هو الواقع نفسه؟ هل الله يعيش خلال البشر ام الله واقع خارج البشر ام هل هو شي نسعى اليه؟ عرفنا فيما سبق ان الوثنية تضمنت غالباً عبادة الطبيعة، وشملت تعدد الآلهة، الإيمان بأكثر من إله، أو وحدة الوجود، الإيمان بأن الطبيعة المادية هي الإله، أو مذهب حيوية المادة، الاعتقاد أن الأشكال المادية تحمل طاقة إلهية لكن عند التحدث عن جوهر الألوهية بمعنى يوجد إله معين متصف بصفات إلهية مبنية على هذا الجوهر الإلهي بالشكل الذي لا يكون مثله شيء، لقد آمن الوثنيون بجواهر إلهية متعددة، في اقانيم إلهية متعددة، لكن المسيحية اخذت التعددية من الوثنية فقدموا ثلاثة اقانيم واخذوا وحدة الجوهر من الإسلام واليهودية وقدموا جوهر إلهي واحد. في المسيحية آمنوا ان الاقانيم الإلهية تتقاسم بنفس الجوهر رغم انهم ثلاثة اقانيم إلهية لكنهم واحد في الجوهر، لهذا تحولت المسيحية الى شكل وثني، اذ آمن الوثنيون بهرم الإلهيات اي توجد كائنات إلهية كثيرة لكنهم غير متساوين اذ يوجد الإله الأعلى supreme deity ثم تأتي الآلهة العظيمة Great Gods ثم تأتي الآلهة المحلية Local deities وآلهة شخصية persnal deities ثم كائنات روحانية Dalmonia ثم اخيرا انصاف الآلهة Demi-Gods مثل Herakles والمسيح. آمنت المسيحية بجوهر الهي واحد موجود بين الاقانيم وبالمساوة بينهم. بحسب العقيدة اليهودية ان طبيعة الألوهية لا تسمح بتعدد الألهة لان تميز الصفات بينهم ضد الطبيعة الإلهية، فهذا اقنوم له صفة غير موجودة في الاقنوم الآخر هذا يعني انتقاص لصفة او صفات غير موجودة في الاقنوم الآخر، كيف يمكن ان يكونوا ثلاثة اقانيم اذا كانوا الثلاثة يؤدوا نفس العمل، لابد ان يكون كل اقنوم له عمل يختلف عن عمل الأقنوم الآخر والا ماذا تنفع ثلاثة اقانيم إلهية تؤدي نفس العمل والإله قادر ان يكون اقنوم واحد مكتف بذاته؟ إن الطبيعة الإنسانية صفاتها تتفاوت من شخص لشخص هذه الطبيعة تسمح بالتعددية، لكن لا يمكن ان تتفاوت فيها الصفات، يجب ان يكون فيها الكمال المطلق. فما يمكن تطبيقه على الطبيعة البشرية لا يمكن تطبيقه على الطبيعة الإلهية، ليس هذا فقط بل ان عقيدة الصلب والفداء موجودة كذلك في الوثنية. ” كما سبق وذكرنا ان اليهودية تأثرت اصلا بالفلسفة اليونانية ولأن المسيحية خرجت من اليهودية تأثرت هي الأخرى بالفلسفة اليونانية وهذه الحضارة التي انتشرت في حوض المتوسط التي سميت الحضارة الهلينستية والتي نتجيت بسبب التأثير الشديد للحضارة اليونانية الوثنية، ان الركن الأساس في عقيدة المسيحية عقيدة اللوغوس Logos وهي ظاهرة بشكل واضح في الاصحاح الأول من انجيل يوحنا وهي عقيدة ذكرها هيرقليدس سنة 500 قبل الميلاد، وتبناها فيلو السكندري والمشار اليه في هذا التحليل الدقيق ان هذه العقيدة التي اتى بها يوحنا كانت من خلال كتابات فيلو السكندري” (3) اشارت العديد من التفسيرات اللاهوتية الى العديد في اظهار المصدر العقائدي للمسيحية عبر التاريخ الوثني لهذه العقيدة حتى انها ”تكمن الأهمية العظمى في دراسة الفلسفة الافلاطونية لأنها كانت الفلسفة السائدة في الشرق في القرون الاولى للمسيحية، مما كان لها عظيم الاثر في طريقة شرح الايمان، وقد تتلمذ على هذه الفلسفة العديد من الآباء المسيحيين مثل القديس بوستينوس والقديس اوغسطينوس ” (4) ان اليهودية عندما تأثرت بالفلسفة اليونانية الوثنية اقتبست منها عقيدة اللوغوس ومن ضمنها الترتيب في اللوغوس، ان المولود اقل من الوالد واقل منه في القدرة والقوة وقد اتفق الكثير من الآباء الاوائل ان الوالد قبل المولود وان الوالد هو الذي اوجد اللوغوس. كان اوريكانوس Origen من ابرز آباء الكنيسة المسيحية المتوفي 185 ميلادي كانت كتاباته من اهم الافكار التي اندرجت في المحاولات الفكرية لشرح العقيدة المسيحية لكن الكنيسة القبطية وقد شعرت بخطورة تعاليمه حرمته في حياته من اداء دوره الرسالي. لقد شهد الكثير لدوره الفعال في الكتاب المقدس ووصف بأمير الفلسفة المسيحية واستاذ الاساقفة. لقد عبّر عن رفضه للثالوث الذي تم تقديمه عبر المفهوم الكنائسي وقد اخبرنا بالعقيدة الترتيبية للثالوث ” ظهر هذا التعليم قبل مجمع نيقية، نتيجة لتأثير الفلسفة اليونانية على بعض الكتّاب المسيحيين خصوصاً الفلسفة الغنوسية والافلاطونية، وملخص هذا التعليم ان الابن له التأثير الثاني في الكرامة بعد الأب وهو يخضع للأب ويأتي الروح القدس في الترتيب الثالث وهو يخضع للاب والابن ” (5) لقد اظهر البحث عن جذور العقائد الوثنية في المسيحية نراها اتت من اصول يونانية هذا ما جعل فيلون الاسكندري يشرح في القرن الاول الميلادي سفر التكوين طبقا لنظرية عالم المثل والعالم المحسوس كما قام اوريكانوس بالاستعانة بهذه النظرية في شرحه لسفر التكوين. وقد عبّر ارسطو عن عقيدة اللوغوس بقوله الله هو العقل الفعّال وعقل الأنسان يصدر من الله ويعود اليه بعد ان يكف الجسم عن اداء وظيفته، لقد اسس فيلون الاسكندي مبدأ اللوغوس اليوناني عندما قام بالتوفيق بين الفلسفة الافلاطونية الجديدة والشريعة اليهودية فصار الإيمان المسيحي لا يقوم إلا على عقيدة اللوغوس كوسيط بين الله والعالم. ان اللوغوس كان اول ظهوره بشكل واضح في انجيل بوحنا، وقد اسس لعقيدة الأقنوم الإلهي فصار الأساس في عقيدة المسيحية لا يقوم إلا به: ” ان مخلصنا الذي تنازل والذي صار بشرا قد وحّد نفسه مع الناس مشاركا في الحياة والطبيعة الانسانيتين فالمبادرة لم تكن الهية فقط بل ان زعيم الخلاص كان شخصا إلهياً وكمال طبيعة المسيح الانسانية يشير الى حقيقة هذا الاتحاد الخلاصي واستقامته اي ان الله دخل التاريخ البشري وصار شخصاً تاريخياً ” (6) ماذا يستدل هذا التحليل العقائدي؟ ان المخلص صار بشراً؟ واضح من خلال الإيمان ان يسوع المسيح تجسّد في الهيئة وفي الشكل الجوهري لتجسده في الاقنوم الإلهي ” اللوغوس الكلمة ” وليكون شكلاً بشرياً متجسداً في لباس الألوهية. هل ساهم انحراف الكتاب المقدس عن النهج اللاهوتي الذي قدمه يسوع المسيح بشكل شجّع على ظهور عقيدة التجسد والثالوث؟ بحسب تاريخ الآباء الاوائل ان هذا الانحراف قد شهدته المسيحية حقاً، فالقديس ارينوس، واحد من اشهر آباء الكنيسة الاوائل ومن المدافعين عن العقيدة المسيحية كانت كتاباته بمثابة ميزان فاحص ومراقب لما تغير في تلك الفترة لعلم اللاهوت المسيحي كان بمثابة تلميذ للاسقف بوليكاريوس الذي تتلميذ على يد القديس يوحنا بن زبدي. هاجم ارينوس الغنوسيين في كتابه ” ضد الهرطقات ” دافع عن المسيحية ضد البدع الغنوسية وكان من اشهر الذين حاربوا انحراف المسيحية عن خطاها اللاهوتي وقد تصدى الى تحريف الكتاب المقدس. شدد إيريناوس في الكتاب على أهمية السلطة الموثوقة للكنائس المؤسَّسة على يد الرسل كمفسرين صحيحين للكتاب المقدس، ويؤكد على دور هيئة الأساقفة، والكتاب المقدس، والتقليد الكنسي كركائز أساسية للإيمان المسيحي. يبرز إيريناوس أهمية السلطة الرسولية المتمثلة في هيئة الأساقفة والتقليد الكنسي كضمانات لحماية الإيمان من الأفكار المنحرفة يمثل الكتاب جزءًا مهمًا من الجهود الأولى لتطوير اللاهوت المسيحي من خلال تقديم نظام دفاعي ضد البدع التي هددت الكنيسة، امامنا العديد من الشهادات التاريخية على تحريف الكتاب المقدس. بينما آمنت اليهودية بأقنوم إلهي واحد وجوهر إلهي واحد، وضع ماركيون Marcion وهو مُعَلِّم مسيحي من القرن الثاني الميلادي، لقد عارض الإله اليهودي في العهد القديم واعتبره خالقاً للشر، محارباً وبناءً على ذلك، قام بتأليف أول مجموعة من النصوص المقدسة المسيحية، والتي استبعدت العهد القديم ومعظم نصوص العهد الجديد، مُقدِّماً بذلك إنجيلاً مُعَدَّلاً من لوقا وعشرة من رسائل بولس. اعتقد أن هناك إلهين مختلفين: الإله الأعلى الذي كشفه يسوع المسيح، والإله الأقل شأناً الذي خلق العالم المادي في العهد القديم، والذي كان متناقضاً مع الإله الأعلى. رفض ماركيون العهد القديم بالكامل، معتبراً أن الإله فيه كان شريراً وقاسياً، وهذا يتعارض مع طبيعة الإله المسيحي. قام ماركيون بتأليف أول ما يُعرف بـ "قانون" المسيحية، اتهمته الكنيسة المبكرة بأنه بدعة وهرطقة، وقاموا بتكفيره ونفيه من كنيسة روما حوالي عام 144. أدت محاولة ماركيون إلى إجبار المسيحيين على كتابة قائمة كاملة بكتبهم المقدسة. وهذا كان عاملاً مهماً في تطوير قانون العهد الجديد، اذ اعتقد ان إله العهد القديم لا يمكن ان يكون إله العهد الجديد، رأى ان الكون كله شر، لهذا انطلق مؤمناً بيسوع المسيح: ” لكونه من ذلك الأب الذي هو فوق الإله الذي صنع العالم وجاء في اليهودية في زمن بيلاطس البنطي الوالي ... ظهر يسوع في هيئة انسان وابطل الانبياء والناموس وكل اعمال ذلك الإله الذي صنع العالم والذي يدعوه ضابط الكون” (7) هذا التفسير بمعنى ان يسوع الذي جاء من الأب ابطل إله العهد القديم. كان ماركيون بحسب عقيدته ان ليسوع اب ارسله ولم يكن هو الإله المتجسد الذي اقرت الكنائس لاهوته كإله. ان هذا التفسير اظهر لنا ان الآباء الاوائل في القرن الاول والثاني الميلادي لم تكن لهم في التصورات الذهنية ان يسوع المسيح هو الإله المتجسد: ”... والى جانب ذلك فأنه يشوّه الانجيل حسب لوقا، اذ يزيل منه كل ماهو مكتوب عن ولادة الرب، ويستبعد جزءا كبيراً من تعليم الرب، الذي فيه يعترف الرب بأن خالق هذا الكون ابوه، وبالمثل فقد اقنع تلاميذه انه هو نفسه اكثر جدارة بالتصديق من اولئك الرسل الذين سلمونا الانجيل، مزوداً اياهم ليس بالانجيل، بل بمجرد شذرة منه، وبنفس الطريقة قلّص عدد رسائل بولس حاذفاً كل ما قاله الرسول من جهة الله الذي خلق العالم، انه هو ابو ربنا يسوع المسيح، وايظاً تلك المقاطع من الكتابات النبوية التي اقتبسها الرسول لكي يعلمنا انها اعلنت مسبقاً عن مجيء الرب ” (8) الغى ماركيون العهد القديم بالكامل من المسيحية وتشكيل " قانون" خاص به، يتألف فقط من نسخة مُحرّفة من أناجيل لوقا وبولس الرسول، ورفض التجسّد ليسوع المسيح، لقد برهن سعي ماركيون ” اذ يزيل منه كل ماهو مكتوب عن ولادة الرب ” بما يعني ازالة التحريف عن الكتاب المقدس. بولس الرسول كان كذلك يريد ازالة العمل بالناموس. اننا امام حقيقة تاريخية ان التحريف الذي حصل بالكتاب المقدس قد وقع في القرن الاول الميلادي والثاني، فما اراد اثباته ماركيون ينعكس كذلك على كتابات متي، مرقس، لوقا ويوحنا، انها لا تخلو من التحريفات ولا يعرف حتى اصحابها الأصليين. لم نعثر الى يومنا هذا على النسخ الأصلية التي كتبت بيد اصحابها. فهذا يعني لا يوجد عندنا دليل قاطع على صحة النصوص الموجودة في اسفار العهد الجديد ولا نعرف تاريخ كتابتها واين هم اصحابها الأصليين. لهذا نحن نرى ان الآباء الاوائل لم تكن لهم نفس النظرة العقائدية عن شخصية يسوع المسيح عن تلك التي قدمها لنا مؤتمر نيقية عام 325 ميلادي. بدأت المسيحية شكلاً من اشكال الديانة اليهودية كحركة داخلها خلال فترة الهيكل الثاني، متأثرة بالهلنستية، ثم بدأت تتباعد عنها تدريجياً بعد تغلغل الفكر اليوناني والفلسفة في أواخر العصر الروماني، خصوصاً بعد سقوط القدس عام 70 ميلادي ابتعدت عن العادات اليهودية حتى تشكلت ديناً مستقلاً خاصة مع تبني بعض الأفكار الفلسفية اليونانية في تفسير المعتقدات المسيحية. لكن المسيحية سرعان ما جذبت غير اليهود مما ادى الى الابتعاد التدريجي عن بعض العادات والتقاليد اليهودية لكن سقوط اورشليم ” القدس ” كان نقطة التحول حيث أنهى الطابع اليهودي القائم على الهيكل الثاني، وزاد من استقلالية الحركة المسيحية. ان الفلسفة اليونانية فتحت الباب واسعاً للمسيحيين بدمج افكارهم ومعتقداتهم في اطار مفاهيم متطورة جسّدت المفاهيم الذاتية لفهم الكون وقد شجع ذلك ظهور شخصيات عديدة من اصول يونانية او ترعرعت في الحياة اليونانية كالرسول بولس الذي تفرد بتغيير الشكل الروحاني كاملاً عن التراث اللاهوتي لليهودية. لقد أدى تبني الفكر الفلسفي إلى فصل المعتقدات الإلهية عن قيم التراث اليهودي اذ ادخلها بتفسيرات جديدة لا علاقة لها بلاهوت اليهودية حتى تباعدت الديانتان المسيحية واليهودية عبر القرون الاولى واعتبرت المسيحية نفسها ديانة مستقلة عن اليهودية بحلول القرن الرابع الميلادي. ان ما اسسه فيلون الاسكندري، الايمان بتجسد المسيح وبالكلمة الإلهية في لوغوس الفلسفة اليونانية قطف ثماره تاريخ الاجيال التي تلته بعد مؤتمر نيقية الى يومنا هذا، صار ايماناً راسخاً رغم خروجه عن شريعة المسيح وتاريخه، ان لوغوس يوحنا كان بمثابة الاعلان المبكر عن إلوهية المسيح وكان اول السابقين الى هذا المعتقد الخرافي في دساتير العقيدة المسيحية المنحرفة: ” طفل رضيع مقمط بالخرق في مزود هوهو الله الموهوب المرهوب الذي تسبحه الملائكة وتسجد له كل الطغمات السمائية .. يا لهذا السر الذي يفوق الاذهان والادراك” (9) إن تأليه المسيح اشار دائماً الى نظرة نقدية للكنيسة المسيحية والنصوص المقدسة، حيث يُتهم المسيحيون بتجاوز دور المسيح كبشر وتأليهه ليصبح "إلهاً" أو "ابناً لله" في سياقات ترى أنها مبالغ فيها أو غير دقيقة. يركز بعض النقاد على أن هذا التأليه يتعارض مع المفاهيم اليهودية التي ترى في المسيح نبياً أو رسولًا، رفض اليهود في ذلك الوقت فكرة ألوهية المسيح وهو ما ادى الى حدوث صراعات مع المسيحيين في عصورهم الأولى. ان الاعتراضات المنطقية والواقعية لتجسد المسيح تضع العقل البشري امام تجسد ينطوي على تناقض لا يمكن التخلص منه او افتراض وجوده بتفسيرات عاطفية، اذ اصبح شخص المسيح إلهاً وانساناً، عالماً بكل شيء وبمعرفة محدودة في الوقت نفسه او لا يعلم شيء كما لا يستطيع المؤمن استيعاب كيف ان الطبيعتين متميزتان ولكنهما غير منفصلتين في الوقت نفسه. ان التجسد ممكن منطقياً لأن الله كلي القدرة ويستطيع فعل أشياء تبدو متناقضة منطقياً، لكن تقاليد الكنيسة تقول إن قدرة الله المطلقة لا تعني القدرة على فعل المستحيل منطقياً، بل تعني القدرة على فعل كل الأشياء الممكنة منطقياً والمتوافقة مع طبيعته، هذا التحليل الكنائسي يجعل الإنسان لا يؤمن بالتجسد كحقيقة تاريخية. يكمن الموروث الوثني كذلك في الطريقة الاعجازية التي قدّم فيها الإله نفسه للبشرية سواء كان وثناً، بشراً، ملاكاً او اي شكل تخيلي يتعرف عليه شخص او قبيلة او مجتمع ما. المعجزة يجب ان تكون عامة للبشرية تمتلك فرصة مشاهدتها، فقدرة إله الكون يجب ان يثبت قدراته إلإلهية ان يكون الجميع شاهداً عليها، بأمكان الإله ان يكتب ” يسوع حي ” على وجه القمر حيث يمكن للبشرية جمعاء ان تشهد المعجزة بحيث تراها وتعترف بها وتخضع لقدسيتها دون الاعتماد على الشائعات فهذا امر قادر على فعله إله الكون، بدل التأويلات، فهذا انجاز ان يخلد الإله اسم يسوع في معالم الكون قمراً، نجماً او طيفاً ملوناً في سماء الكون يظهر ان وعد الإله حق، فهذا الامر مهما تقدمت البشرية في العلوم لن تبلغ قدرة الإله ان يُظهر قوة كونية حقيقية تسود على الطبيعة بأسرها. لنتعمق في الأمر اكثر، طائفة المورمون والتي عددهم بلغ 20 مليون نبيهم جوزيف سميث مؤمنون ان نبيهم تلقى الواحاً ذهبية من ملاك اسمه موروني وهناك شهود رأوا معجزة الملاك يسلـمه الالواح فهل يمكن اعتبار هذا الحدث حقيقي؟ لان يسوع المسيح قد حذّر من انبياء كذبة، لكن هناك الملايين يؤمنوا بالنبي جوزيف سمث تراه حقيقة لا جدال فيها. هكذا خرافات تدخل عالم المعتقد تتعمق فيه فتتحول الخرافة الى حقيقة. لقد تصدى الآباء الأوائل للمفاهيم اللاهوتية التي اعتبروها وثنية، ضد المعتقدات التي تتعارض مع الوحدانية، مثل بعض الآراء الغنوسية أو الآراء التي تناولت الايمان بألوهية المسيح، وذلك من خلال كتاباتهم ومناظراتهم وعقد المجامع المسكونية. واجهوا الوثنية من خلال دحض الأفكار التي كانت سائدة في العصور القديمة، والتي كانت تمجد آلهة متعددة أو تعتمد على أفكار غنوسية ترى أن العالم المادي شرير، وذلك بتأكيد وحدانية الله وكون المسيح الشخص الذي ارسله الله. طوّر الآباء الأوائل القيم العقلانية للإيمان المسيحي وتبريره ضد الانتقادات أو النظرات العالمية الأخرى التي قد تعتبر وثنية. اتفق العديد من الآباء على تعاليم آريوس، في مجمع نيقيا الأول، إلا أن بعض الأساقفة والكهنة الذين وافقوا على تعاليمه شاركوا في المجامع التي عقدت بعد مجمع نيقيا، وهم الذين عُرفوا باسم أنصار الآريوسية، ومن أبرز هؤلاء الأساقفة وبعض الكهنة والرهبان هم: ثيئونيس كان اسقفاً في اثينا وداعماً قوياً للآريوسية، مغنايوس كان أسقفاً في مدينة تريبولي باليونان وهو من أوائل الذين دعموا آريوس. فلوريس كان أسقفاً ومفكراً، وقد كتب العديد من الكتب لدعم أفكار آريوس، كما أنه كان من أبرز المدافعين عن الآريوسية في المجامع، ماركيلوس كان أسقفاً في مدينة إنطاكية وهو من المعارضين البارزين للعقيدة المسيحية، ويعتبر من أبرز المدافعين عن الآريوسية، البابا يوسابيوس في الكنيسة الشرقية وداعماً بارزاً لآريوس وقد ايد تعاليم آريوس في المجامع التي عقدت عن الآريوسية. لنقارن كيف تم الايمان بقانون الإيمان الهندوسى الذي تم اقراره في مؤتمر نيقية وهو صيغة منحولة عن الوثنيات السابقة، بتقارب اشكاله اللاهوتية مع المسيحية. نقل المؤرخ مالفير عن كتب الهنود أنهم يقولون: "نؤمن بسافستري (الشمس) إله ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، وبابنه الوحيد آني (النار)، نور من نور، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر، تجسد من فايو (الروح) في بطن مايا العذراء، ونؤمن بفايو الروح المنبثق من الأب والابن الذي هو الأب، والابن يسجد له ويمجد" . بهذا القانون الوثني تحقق الإيمان المسيحي في تثبيت شخصية يسوع المسيح بعد ان اخفق آريوس في اقناع قادة الوثنية في المؤتمر، بحسب الفيلسوف الألماني Karl-otto apel ، 1922-1917 المتخصص في التاريخ وتاريخ الفكر كتب فيما يشار بكتابه عن جدل آريوس في مؤتمر نيقية أن: ” الله واحد فرد غير مولود ولا يشاركه أحد في ذاته تعالى، فكلّ ما كان خارجاً عن الله الأحد إنّما هو مخلوق من لا شيء بإرادة الله ومشيئته ” (10) من المهم الإشارة إلى أن العديد من آباء الكنيسة لاشك انهم رفضوا تعاليم آريوس في مجمع نيقيا الأول 325 ميلادي الذي عقده الإمبراطور قسطنطين الأول لكنه استمر في الانتشار ووجدت له مؤيدين في بعض المناطق، هذا الصراع بين الوثنية والتوحيد في اتخاذ يسوع المسيح الشخص الإلهي بجعله الإله في الطبيعة البشرية قد انتج ثماره بانتصار مؤتمر نيقية الاول وتأسيس المعتقد الوثني وجعل يسوع المسيح الشخص الإلهي الذي جسّد صورة الله وطبيعته. فهل كان ذنب الآباء الاوائل بانتصار الوثنية عليهم؟ كلا. لقد كان عدد الآباء قليل لا يقاس بملايين من اصحاب المعتقدات الوثنية التي سادت في تلك المجتمعات وقتئذٍ. ان مبدأ الثالوث في العقيدة المسيحية بلورة تدريجية انحدرت من الوثنيات القديمة فلقد صاغت تجليات تجسدية للأب والابن والروح التي تتغلغل بينهما، الصورة الاكثر قداسة في كيان واحد، فهذا الذي يمكن تسميته في علم النفس الحضور النفسي خارج الوعي هي استشراف لتسلط الزعامة وتركزها بيد شخص واحد قوي قادر على التحكم والهيمنة. الثالوث ليس فقط مجرد هيمنة ذو دوافع دينية على سلطة اب متعدد الاقانيم في كيان اقنومي واحد، لكنه باطنياً حلقة مغلقة غريبة ومتناقضة فيه الأنسان غير قادر على توجيه العقل لما يمكنه استيعاب الشكل الغريب للتركيبة اللأهوتية والشخصية للإله. تبقى في النهاية محاولات ربط الشخصية الإلهية بأقانيمها كلها محاولات عبثية لا جدوى منها. فلا مستوى عملي، اخلاقي، ولا رمزي يمكننا من خلاله ربط العلاقة بيننا وبين الثالوث الإلهي. الكثير من اللاهوتيين لا يستطيعون ربط الثالوث بتأليه المسيح فالروح القدس مثلا لا معنى لاهوتي لها في عقد العلاقة بين الأب والابن. بقيت الألوهية في عصرنا الحاضر لها مفهوم مناهض للمسيحية هي اقرب لليهودية والإسلام، لكننا نرى ان مجمل الثالوث بهيكله اللاهوتي يجسد محنة العقل في صراعه مع وهم الألوهية: ” واضح أن كل اللاهوت الذي سبق المسيحية وكل لاهوت الغنوصية في منطقة الشرق الأوسط ، بل اللاهوت الذي تضرب جذوره في أعمق أعماق التاريخ قد حجب المسيح الحق عنا وجعله مجرد شكل عقائدي لا يحتاج معه إلى أساس تاريخي. إذاً ففي مرحلة مبكرة جداً يختفي المسيح الحق وراء المشاعر والإسقاطات التي حامت حوله وانهالت من القريب والبعيد ” (11) ان ظهور الاب والابن ككيان واحد وعندما ترك الابن الروح القدس للإنسان فهذا يعني ان الروح القدس باتت شكلاً اقنومياً لاهوتياً للإنسان، جزء من ذاته ومن طبيعته البشرية، فصار الانسان ضمن التشكيلة الثلاثية لثالوث العالم المسيحي، بحسب يوحنا 10 رجم اليهود المسيح: ”لا نرجمك لأجل عمل حسن، ... فأنت انسان تجعل نفسك إلهاً ... اجبابهم يسوع ” انا قلت انكم آلهة ؟ ” فهذا اشتراك الطبيعة البشرية باللاهوت، لهذا فأن معضلة الروح القدس تبقى شكلاً عقائدياً بلا حل، وعلى اقل ما يمكن اعتباره انها تمثل التناقض في مفهوم الثالوث الوثني. لقد تعامل يسوع مع اليهود الذين ارادوا رجمه بطريقة نفسية خالفت لاهوت الثالوث فالابن والاب معاً كيان واحد، تماماً كما كان في الدين المصري المصري القديم يُعد ثالوث "الأب والابن" مثالاً بارزاً هو ثالوث الإله أوزوريس (الأب) وإيزيس (الأم) وابنهما حورس. تمثل هذه الأسرة المقدسة نموذجاً للسلطة الإلهية والأسرية والشرعية، حيث أن حورس هو الابن الذي ورث حكم أبيه بعد وفاته ليقاتل عمه ست ويستعيد عرش مصر. فهذه الحقيقة النفسية للمسيح افسدت الكمال المجرد لمفهوم الثالوث. اذ اظهر الروح القدس عن علاقة شاذة ارتبطت بالاب والابن، متنافرة وغير منطقية فهي فكرة لاهوتية مخترعة اضرت بالشكل اللاهوتي الطبيعي للمسيحية، فالثالوث بتاريخه القديم معروف كتاريخ وثني فالثواليث كانت لها اعلى من مجرد سلطة رمزية اذ جسّدت الوجود الأزلي والخلود السرمدي فلقد سأل Thulis الملك الذي حكم مصر الكاهن Serapis ” هل يوجد واحد اعظم منه وهل يكون بعده واحد اعظم منه؟ فقال له الكاهن : نعم يوجد من هو اعظم وهو اولا الله ثم الكلمة ومعهما الروح القدس ولهؤلاء الثلاثة طبيعة واحدة وهم واحد بالذات وعنهم صدرت القوة الأبدية ” (12) ان التاريخ الوثني للمسيحية لم يكن فقط في العلاقة التي رمزت الى الاب والابن والروح القدس في الثالوث، انما كان لصليب العالم المسيحي تاريخ وثني قديم اذ ” استخدم الصليب في شمال المكسيك ... يتحدث عن صليب هندي عثر عليه في عهدة ميكستيكا باجا ... كان الهنود يقدسونها وعثر على صلبان من الرخام الابيض ... كان الصليب يبجل حتى فلوريدا من جهة... كان ينظر الى الصليب بتفان بين شعب مويسكاس .. ويعتقد انه منح قوة طرد الارواح الشريرة وقد وضع الاطفال حديثو الولادة تحت الرمز ” (13) ديانة الميكستيك هي ممارسة روحية تقليدية لشعب الميكستيك، وهم ثقافة أصلية تسكن جنوب المكسيك. تجذرت معتقداتهم وطقوسهم في الطبيعة والكون، مما عكس ارتباطاً وثيقاً بالعالم من حولهم. يؤمن الميكستيكيون بعدة آلهة تُحكم جوانب مختلفة من الحياة، كالشمس والقمر والمطر والخصوبة. تشمل طقوسهم تقديم القرابين والرقصات والترانيم وطقوس الشفاء التي تُؤدى لتكريم الآلهة والتواصل معها. لقد ورثت المسيحية الجذور الوثنية من اقوام في مختلف الأزمنة حتى حالت عقيدة يسوع الى تشكيلات هجينة ومتعارضة ولا علاقة لها بالقيم الروحانية الصافية. ترتيليان Tertullianus، اول من كتب عن المسيحية باللغة اللاتينية واهم كتاباته في الدفاع عن ثالوث العالم المسيحي ” ثلاثة اشخاص او اقانيم مادة واحدة ” تحدث عن: ” أتباع ميثرا الذين يحتفلون بالقربان المقدس. إن القربان المقدس للرب والمخلص، كما أطلق المجوس على ميثرا، الشخص الثاني في ثالوثهم، أو ذبيحتهم الإفخارستية، كان يُصنع دائماً بنفس الطريقة تماماً وفي كل شيء مثل القربان المقدس للمسيحيين الأرثوذكس، حيث كان كلاهما يستخدمان أحياناً الماء بدلاً من الخمر، أو مزيجاً من الاثنين. غالباً ما يُشبّه الآباء المسيحيون طقوسهم بطقوس المعالجين (الإسينيين) وعابدي ميثرا ” (14) فهذه الاسرار الوثنية تبناها المسيحيون وقد ادخلها المجوس عبادة ميثرا اذ كانت اصلاً ديانة رومانية باطنية قديمة انتشرت في الإمبراطورية الرومانية، تركز على الإله ميثرا، المستوحى من الإله الهندي الإيراني القديم. اطلق عليها الأسرار الميثرائية، مارست طقوساً سرية خاصة بالرجال فقط، وتضمنت سبع مراحل للانضمام. كانت تقام في معابد تحت الأرض تُعرف باسم " الميثراي" والتي غالباً ما كانت مبنية في كهوف طبيعية أو مصممة لتبدو كذلك. إن الوثنية التصقت بوقت مبكر بتاريخ المسيحية، كان سيرابيس إله يوناني في مصر انتشرت عبادته في القرن الثالث قبل الميلاد واتخذ اليونانيون له تمثالاً تجسيمياً واطلق على اسمه سارابيس، صار هذا التمثال في الاسكندرية بشكل صار يلائم التصور اليوناني المصري، حيث اقام بطليموس الاول 367 -283 قبل الميلاد، وحوّل مصر الى مملكة هلنستية، محاولاً في ذلك توحيد رعايا مملكته بين اليونانيين والمصريين. حيث تم إغلاق معبد سيرابيس في الإسكندرية في عام 392 ميلادي وتم تدميره في سياق حملة الإمبراطور ثيودوسيوس الأول لإنهاء الوثنية. علاقة سيرابيس بالمسيحيين تتمثل في التداخل بين عبادته والمسيحية المبكرة، حيث كان البعض يرى أن سيرابيس هو إله "مخلص" يمنح الحياة الأبدية، مما أدى إلى خلط بين عبادة سيرابيس وعبادة يسوع المسيح. كما يعتقد أن تيرتليان في القرن الثالث الميلادي. ” ... كانت الروايات المنقولة عن تدمير معبد سرابيس وتحطيم تمثاله والمعارك الدموية في الشوارع بين المسيحيين وأتباع الآلهة القديمة ... ان كل ما جرى ويجري في الاسكندرية مجرد مهزلة لأن اكثر مبجلي سرابيس حماساً هم اساقفة المسيحيين ... اما حقيقة الأمر ... هناك إله واحد فقط يؤمن به الجميع هو المال ” (15) بهذا التطابق في المعتقدات بين الوثنية والمسيحية كان سيرابيس كإله للقيامة منح المؤمنين الحياة الأبدية تلك الميزة الخاصة بيسوع في المسيحية. ففي عهد الامبراطور هارديان 117-138 ميلادي تمت مقارنات بين عبادة سيرابيس وعبادة يسوع المسيح. يذكر المؤرخون أن هذا التشابه في الأدوار أدى إلى الخلط بين الإشارات إلى سيرابيس والمسيح، بل إن البعض اعتقد أن عبادة سيرابيس كانت مجرد شكل آخر من أشكال المسيحية المبكرة، وأن هناك تداخلاً بين المعبدين في الإسكندرية. حتى ان بعض المؤرخين يرى أن بعض أشكال عبادة سيرابيس قد تكون مستوحاة من شخصيات توراتية مثل يوسف، وهو ما يشير إلى وجود تبادل ثقافي وديني بين اليهودية والمسيحية. لقد كان رواد المسيحية يدورون ضمن فلك المؤيدين لوثنية سرابيس فلم يكن التفريق كبيراً بينهما لكن اثرت المسيحية بوثنية سرابيس بالانفصال تدريجياً مما ادى الى انهيار وثنيته. وفي عهد الامبراطور ثيودوسيوس سمح لهم بهدم معبد سرابيس في الاسكندرية لتحويله الى كنيسة مما مثل نهاية حقبة الديانات المتعددة وبداية انتشار المسيحية كديانة رسمية للأمبراطورية الرومانية. لهذا انفصل التوحيد عن التعدد، لكن بقيت وثنية المسيحية متمسكة الى يومنا هذا بعقيدة الثالوث الوثني والتي مازالت راسخة الجذور في العديد من اصول ديانات قديمة كثالوث الدين المصري القديم. ان روايات يسوع تخللتها اساطير كثيرة واعيد تدويرها اذ كانت مستمدة من الفولكلور الوثني في التاريخ القديم، وقد وجدنا في سجل التاريخ الوثني التشابه الشديد بين اسطورة سيرابيس كريستوس وهي الشخصية الاسطورية التي تكررت كذلك مع العديد من الشخصيات مثل اوزيريس وادونيس. اساطير سيرابيس الذي ذاع صيته في القرن الرابع قبل الميلاد، وجدنا جذوره الوثنية في روايات العهد الجديد مما يعني ان كتّاب العهد الجديد استعاروا واستلهموا صفات إلهية وجدت قبل عهد المسيح بقرون، وقاموا بنسجها لاهوتياً كي تنسجم مع عقيدة الثالوث. اراد بطليموس الاول في مصر اضفاء الطابع الهليني على صورة الإله اوزيريس كي تبدو الآلهة التي يعبدونها ذو طابع بشري، فكان سيرابيس الحل المثيولوجي فلقد انتشرت عبادته ليس في مصر وحدها لكنها انتشرت كذلك في الامبراطورية الرومانية ولقد ربط دعاة كثيرون بين عبادة سيرابيس والمسيحية. سيرابيس شفى المرضى وهذا ما فعله يسوع، وقد سجّل لنا الكتاب المقدس حالات شفاء لكنها كانت عينية بحسب النص الوثني وكذلك معجزات عينية لسيرابيس، وكما كان سيرابيس إله العالم السفلي تماما فعل يسوع. سيرابيس تجسّد بعد الموت ثوراً، مات يسوع متجسداً بعد الموت بشراً. ففكرة التجسد جمعت الطرفين. اوزيريس او الإله سيرابيس علاقتهما ارتبطت بالموت والقيامة هكذا فعل المسيح. اطلق على سيرابيس ”الراعي الصالح” وكذلك يسوع. ان تشابه الاحداث في شخصيات سبقت وجود المسيح في المعنى المثيولوجي انطلقت من خلال العقل الخرافي وليس من خلال الاحداث العينية التي نقارن فيها بين سيرابيس والمسيح، او المسيح والإله فيشنو، لماذا؟ لان كلاهما انطلق من معتقدات مثيولوجية تشابهت او اختلفت في بعض مضامينها الاسطورية لم تغير الطابع الاسطوري عند حدوثها. لا يمكننا ان نحصل على موروث مثيولوجي متطابق تماماً فلابد من وجود فروقات بحسب الخيال الوثني، لهذا نرى ان منطلقات الوثنية في سيرابيس قد ترجمت نفسها واثبتت واقعها في التاريخ العقائدي لمثيولوجيا المسيحية.
مصادر ومراجع البحث :
1- Keener، Craig S (2003). The Gospel of John: A Commentary. Peabody, Mass.: Hendrickson. Vol: 1, page 347-343 2- pp.77, Radhakrishnan, S, The Principal Upanisads, HarperCollins India, 1994 3 - تفسير وتأملات الآباء الأولين. تفسير القمص تادرس يعقوب في انجيل يوحنا - موقع الانبا تكلا – الاصحاح الاول العدد الاول. 4 - ص 40 حوار حول الثالوث. مؤسسة القديس انطونيوس. الحوادث السبع في مجلد واحد. القديس كيرلس عمود الدين. القاهرة. الطبعة الاولى. 2014. 5 - كتاب ضد كلسس . العلامة اوريكانوس . الكتاب السادس والسابع والثامن. دراسة عامة في الكتب الثمانية. الجزء الثالث. ترجمة القس بولا رأفت عزيز.ص 281 6 - الكتاب المقدس والكنيسة والتقليد، الاب جورج فلورفسكي، نقله الى العربية الاب ميشال نجم، منشورات النور، 1984 ص 13 7 - ضد الهرطقات، القديس ارينيوس، مؤسسة القديس انطونيوس ، المركز الارثوذكسي للدراسات الآبائية، نصوص آبائية 178 ، الكتاب الاول، الفصل 27، ص 115 ، تعليم Cerdo و ماركيون Marcion . 8 – نفس الصفحة والمصدر. 9 - كتاب اسألة حول حتمية التثليث والتوحيد – حتمية التجسد الإلهي. الكتاب الثاني. ص 225 حلمي القمص يعقوب 10- Karl, Otto Apel. Thinking with Habermas vs. Habermas, trans. Omar Muhaibel, Beirut: Arab Scientific Publishing House, 1st ed., 2005, p.34 11 – الاصول الوثنية للمسيحية ، ص 116، اندريه نايتون، ودغار ويند، كارل غوستاف، منشورات المعهد الدولي للدراسات، من اجل الحقيقة جزء 4 . ترجمة سميرة عزمي. 12- Thomas William Doane, Bible Myths And Their Parallels In Other Religions, old and new Testament myths. Fouth edition, New York. The commonwealth company. 1882, P.373. 13- Thomas William Doane, Bible Myths And Their Parallels In Other Religions, old and new Testament myths. Fouth edition, New York. The commonwealth company. 1882, P.348. 14- Thomas William Doane, Bible Myths And Their Parallels In Other Religions, old and new Testament myths. Fouth edition, New York. The commonwealth company. 1882, P.308. 15 – الوثنية والمسيحية، الكسندر كرافتشوك، ترجمة كبرو لحدو، مرحلة الصراع الحاسمة عام 393 ميلادي، ص 154. دار الحصاد.
#باسم_عبدالله (هاشتاغ)
Basim_Abdulla#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسيح ومخطوطات البحر الميت
-
يوحنا الدمشقي والوهية المسيح
-
مخاطر ايران واذرعها الارهابية
-
انجيل يوحنا بين الوثنية واللوغوس اليوناني
-
هل يسوع المسيح كلمة الله في الكتاب المقدس؟
-
أين جسد المسيح؟
-
فلسطين، بين ماساة الاحتلال وحلم الإستقلال
-
الانهيار الأخلاقي في شعوب عرب الشرق
-
خرافة المهدي واوهام انتظاره
-
الاتحاد العربي، واقع ممكن ام استحالة؟
-
الدولة العلمانية والإسلام الأصولي
-
القيامة والعبور لخرافة الخلود
-
نقد كتاب -حقيقة السبي البابلي- لفاضل الربيعي
-
خرافة البحث العلمي عند فاضل الربيعي
-
هل ستواجه اسرائيل حرباً إقليمية؟
-
معرفة الله فطرية ام مكتسبة؟
-
الاسلام السياسي وسلطة التشيع
-
حرق القرآن، اضطهاد معتقد ام حرية تعبير؟
-
صراع المذاهب والحروب الدينية
-
هل برهن القرآن بطلان العصمة؟
المزيد.....
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي: أنباء عن عملية دهس وقواتنا تهرع إلى
...
-
غريب آبادي: الجمهورية الإسلامية كانت دائمًا في طليعة مكافحة
...
-
البابا لاون الرابع عشر يدعو رؤساء الطوائف المسيحية والمسلمة
...
-
الأنبا إبراهيم إسحق يشارك في لقاء بابا الفاتيكان الأساقفة وا
...
-
غرفة العمليات الحكومية تستعرض خطة الإغاثة والتعافي لوزارة ال
...
-
التميمي يبحث تطوير إدارة قطاع الأراضي في محافظة سلفيت وتعزيز
...
-
إسرائيل تنشر أرقاما متضاربة عن عدد اليهود بدول عربية
-
لبنان.. رئيس الفاتيكان ينتقد ضجيج الأسلحة ويطالب بالمحبة وال
...
-
-تنظيم الدولة الإسلامية يشكل تهديداً عالمياً متزايداً- - الت
...
-
بابا الفاتيكان يدعو إلى السلام في لبنان
المزيد.....
-
رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي
...
/ سامي الذيب
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
المزيد.....
|