أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - انه الموت سادتي ، انه الموت!















المزيد.....

انه الموت سادتي ، انه الموت!


عادل علي عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 11:44
المحور: الادب والفن
    


من مجلس فاتحة المرحوم علي الهمام

في لحظة لا تنتمي الى فصيلة الوقت ، ولا تمت الى مفصل الزمن ، ينسل ذلك الهاجس الغريب ، وهو يكسر جدر الصور ، وحواجز الشخوص ، وموجودات الوجود ، ليعلن عن قيمومته من دون سطوة لسلطة ، او قسر لحاكم جائر ، او ارهاب لأمير باطش .. هو هكذا ، مختبئ متوار خفي ، لم تشفع له تفسيراتنا القاصرة ، ولا تأويلاتنا المحبطة ، ولا استدراكانا المتواضعة .. ينسل منا ومن بيننا ، حتف انوفنا ، ليعلن عن بسط مملكته الرمادية المهيمنة ، ويشير الى شواخصها الموغلة بالغريب ، والسنتها النارية المغالية حد الدهشة بالأغرب .. لعلنا نسمع به في كل يوم ، ونستحضره في كل ساعة ، ونشاطر افكارنا بظله القريب البعيد . ولكننا لم نصل الى مقترباته المتوارية ، وابعاده النائية . قد يحلنا المفسرون الى طلسم ما ، او حكاية غرائبية هناك ، او لحظة من الايغال بالاندهاش ..لكننا وبعيون غائرة ، لا تقف على شاخص ما ، نوغل في البلادة لدرجة اننا نتخبط بمفرداتنا اذا حضر ، وتعترينا رعشة غريبة حال مرور طيفه بنا ، وتتلعثم السنتنا في حال ان ذكرناه بحقه وحقيقته .. فلا فصيح ولا عجمة ولا فقه لغة ، او بلاغة تناهز قوله الفصل .
قد يكذب عليك كبير سن ويدعي انه خبره ، وعرف مصادره ، او انه تعود عليه ، وتغلب على غرائبيته وغرابته وغربته .. قد اقول واعلن : ان هذا من شطحات الكلام وضباب القول . وكيف لا ونحن الذين سمعنا ان انبياء واصفياء لله تعالى حل بهم الارتباك ، وساد القلق ، وهيمن التلعثم والتعثر والتخبط على جل افعالهم .. اننا ندرك جيدا ان وقعة الموت ، خبره ، نبأه قد حل علينا بصورة لم نحلم بها ، ولم نصل الى مستشرفاتها ، ولم نعي صورتها ، او يصل تفكيرنا المتواضع الى اعتابها .. لكن مهيمنات ذاك الحدث الكبير ، وتلك الهزة البركانية قد فاق كل تصورتنا ، وما يعتمل بالإحساس ، ويختبئ بالمكنون، حتى ان الصحوة التي تنتابنا لم نجدها في اي وقت آخر ! قد نحسبها نشوة ، صحوة ، انتقالة .. وهكذا تنسل من ثنايا انفسنا المرتبكة زمر منظمة ومبعثرة تسأل عن حقيقة هذا الموت ، وقته ، ميقاته ، صورته ، مشهده ، احداثه ، حركاته ...وهنا ، وما ان يلتقي ويجتمع الحائرون التائهون الهائمون بحقيقته ، حتى يمطروك بعبارات متملقة ، عن والاجل والفقد والفراق ، ملوحين الى كل منهم بانهم يدركون حقيقته ، ويعرفون ابعاده ، ويهتدون الى مفاتيحه ..ويعززون ذلك الكذب الوهم بقصيدة شاعر ، او قول مأثور لكاتب ، او حكمة لفيلسوف ، او عظة متناقلة ، وحكاية جاد بها العالم الفلاني ، والمعلم العلاني ...لكنك وبطريقة كشف الحجب تضحك في سرك على هذا التيه الذي يتجدد بنا . وهذا التملق البزوني الذي يستدر عطف سيده ، ويخطب ود صاحبه .
الوجوه التي تقصيت معالمها ، واستشعرت مرتسمات محياها ، وبحثت بما يتوارى خلف تغضناتها عصر هذا اليوم ، وفي مصاب (علي الهمام) وجدتها توغل في التيه ، وتبالغ بحيرتها . وهم يصبون كلمة موت مباغت ، مفاجئ ، سريع على من فقدنا . لكن العبارة تبدو متواضعة قبال الحقيقة التي يدركونها ، والتي لم تعلن البتة عن مسلمات هذا الموت .. اعدت قراءة الفاتحة ، وسرت وصديقي القاص (على سمير باني) ونحن نسال عن حقيقة ذلك الموت .
لا تعجب يا سيف من حثي الملح اليك بالاحتفاء بوالدك الذي غادرنا قبل سويعات ، انما نحن شهود عدول على ثقل الالم الذي حمله ، وكبر اللوعة التي المت به ، وحجم الفقد والهم الذي اجهز عليه . حتى انه كان يحدثني بانه صورة تمشي بغير اعضاء ..عانى والدك من امراض ومشكلات القلب الذي نذره اليك ، انت يامن كنت باكورة وجوده ، ويامن كنت باكورة كتاباته . كان اسمك حاضرا في مفكرته اليومية ، كان اسمك شاخصا في عيونه ، كان كل شيء في مرتسماته يقول : سيف .
قلت له يوما وامام الملأ ، وعلى مرآي من هذا المستطيل الفضي الوقح الذي يجبرك على الكتابة : ارفق بنفسك فقد ابكيت الناس الذي لاموك بهذا الحب ، حتى ان البعض حسبه جزعا ، لكنك قلت لي انه ابني البكر ، والاول ، ومن احتفي به في حياتي . المهم انه سيصلك محمل بهذا الثقل الكبير الذي سيزيحه وجهك ، وسيعقد هناك الف اصبوحة وامسية ومهرجان .. بل قل ان فكرة مهرجان البريكان التي نافت على استعداداته ، سينفذها هناك بأسماء مستعارة اخرى . سيعتلي المنبر بصراحته ، ويقدم كلمته بمباشرته التي تفوق الفطرة ، وسيعلو صوته لينشد قصيدته عنك وبحضرتك ، سيلهج باسمك الثلاثي ، ويردد رائعة ذلك الرجل : ان تقل يا سيف لتستعينه يجبك قبل ان تتم سينه .
قلت له مرة :علي ان خير من نهض بمنتدى الزبير الادبي ، وانا اعترف ان دورتي لرئاسة المنتدى التي تعدت العشر سنوات كانت دورة سلحفاتية ، لكنك اشعلتها بالأنشطة والفعاليات ، حتى اشاروا على المنتدى من اماكن بعيدة وقصية ، وكنت ايضا اداريا جيدا ومتابعا واعيا .. وحينها اعترفت لي بانك ستستكمل مسيرتك المهنية بترشيحك الى اتحاد الادباء في البصرة ، لكن الاجل يعيد علينا رسائله الخاطفة ، ويضحك علي سذاجتنا وجهلنا اكثر عندما نتفاجأ بعدم اكتمال آمالنا القريبة .. انه الموت سيدي ، ذلك الذي يتربص بنا ونحن كأفراخ الحمائم في العش ننتظره ذاعنين ، بعد ان تتوارى عنا كل مفردات الحضور ، وتغيب عن افكارنا كل تضرعات الدعاء ، وتختفي بمحمولنا كل الصور التي تتعالى خلف السدم البعيدة .
لا بأس بالثالثة ابا سيف ..
(تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا الى الآثار)
قبل يومين حدثت صديقي (حسين ساجت النمر) قلت له : ابا علي ، مشاريعنا نحن الادباء المتأدبون لا يحتويها زمننا القصير ، عجيبة هذه الايام ، وبأشهاد الكل باتت كالساعات ، والترجيحات والتفسيرات والتأويلات كثيرة ، فهناك من يحسبها علامات الساعة ، وبدايات الظهور ، ويربطها بأقوال وتنبؤءات وتوقعات والله اعلم سبحانه . وردفت ، يتصل بي الصديق (علي الهمام) الساعة العاشرة ، انظر الى ساعتي اجدها الساعة الواحدة او اكثر ! رد علي ايعقل هذه الساعات كلها في مهاتفة واحدة ؟ قلت : نعم . وهذا الامر ان لم يحدث ، فمرة في الاسبوع على الاقل . فرد علي وماذا يدور في هذه الساعات ؟ قلت . يستعرض الهمام حياته العسكرية ، ومطاردة السلطات اليه يوم سكن في منطقة الجمهورية ، وعلاقته مع سماحة السيد نعيم الحصونة التي جلبت عليه الويلات والمساءلات ، واجبرته على المبيت في المزارع وتعيينه (الصدفوي) في شركة الحفر، واشتغاله بإعلامها ومجلتها ، ، ويعيد عليّ يوم اشتغلنا في جريدة المواطن ، وجريدة سنام ، وصدى الزبير مع الاحبة الدكتور حسين فالح والاعلامي كاظم المشرفي . والمصمم قاسم الصخرواي وخليل الحاج ناصر ، وتقاسمنا بعض دريهمات بيننا . وبدايات اتحاد ادباء الزبير ، وامراضه التي تجبره ان يسافر الى ايران ، وعلاجاته المستمرة ، وطموحه الذي يسابق البرق كيما يصل الى مثابة دائما ما تغادر اطيافه ... الى غيرها من تبادلات الرأي وتقييم الموقف الادبي . كنت اقاسمه حديثا خاصا وانا الذي اخبره جيدا ، واكتشف حساسيته المفرطة قبل ان يطلقها ، لذلك كنت اكرر القول عليه : يا علي الهمام حاول ان تتكلم بلسانك لا بقلبك !ذلك القلب الضعيف الشائخ الذي سيخذلك يوما ، القلب الذي كان مترنحا قبل ان تفقد سيفك ، واعلن عن انكساراته النهائية واشهاره للرايات البيض بعد وفاة سيف .. فيرد علي هذا طبع استفحل بجديتي لكل الامور.
كان طموحا بحجم طموح الارض ، يحاول ان يكسب كل الناس الى دائرته التي تضيق به ، حدثته يوما انا اكبر منك سنا ولي باتحاد الادباء زمن تعدى الاربعين سنة ، ولكنني لا اعرف الا بعض من ادباء بغداد والمحافظات ، فكيف عرفت هذا الكم الكبير منهم ؟ فيضحك ويقول : لأنك اديب وطبعك الانزواء ، وانا رجل عشيرة وطبعي الاختلاط .. فنضحك .
نم قرير العين ابا سيف.. ولا تخف ، فانت في حضرة الرحمة ، كل الرحمة ، انت بحضرة رب غفور يحنو على عياله اكثر من حنو ك على سيف



#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات في حضرة الفقد
- حب تحت درجة 50 مئوي:
- (حرامي البصرة ) لاعب كرة السلة المعروف توفيق عبد علي
- ورقتي المتواضعة التي قدمتها في الجلسة الاحتفائية بالراحلين ا ...
- البرجسية
- ذلك هو الفقد ابا السجاد ..!
- أصداء ما بعد الاحتفاء
- رواية (منذ 1927 ) خارج دائرة النقد
- البصرة ، شجرة الأسماء وثريا الصفات مقاربات في كتابات الراحل ...
- لقد تقاسموا العالم أيها القيصر !
- لا تأمن ملمسها ، ستنفرط حبات مسبحتك لا محالة !
- فيصل شريف فارس الذكريات
- اطلاقة الرحمة على البرتقال
- نسألكم الدعاء شيخنا !
- رسالة إلى البطل طالب خزعل (سيمفونية عمارتليه) :
- ماتت النكتة يا طارق الجوزي ..
- شهد
- الحاج اديب نظرة في الكتاب الكريم
- التدبر سر المعرفة
- الفكر الموسوعي لدى الحاج محمد اديب كاظم


المزيد.....




- وفاة الممثل الألماني أودو كير الذي تألق في هوليوود عن عمر نا ...
- -بينك وبين الكتاب-.. معرض الشارقة يجمع 2350 دار نشر من 100 د ...
- وفاة أيقونة السينما الهندية دارميندرا عن 89 عاماً
- تحولات السينما العراقية في الجمعية العراقية لدعم الثقافة
- وفاة جيمي كليف أسطورة موسيقى -الريغي- عن عمر ناهز 81 عامًا
- فيلم -الملحد- يعرض في دور السينما المصرية بقرار قضائي مصري و ...
- -شرير هوليود-.. وفاة الممثل الألماني الشهير أودو كير
- محكمة الجنايات تفرج عن الممثلة الكويتية إلهام الفضالة دون ضم ...
- وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن 81 عاما
- نظرة داخل المتحف المصري الكبير


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - انه الموت سادتي ، انه الموت!