أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - شذرات في حضرة الفقد














المزيد.....

شذرات في حضرة الفقد


عادل علي عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 10:28
المحور: الادب والفن
    


بسم الله الرحمن الرحيم
(قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )
صدق الله العلي العظيم

شذرات في حضرة الفقد
عادل علي عبيد

منذُ سقوطِ تلك الآلةُ الجُلموديةُ الظالمةُ على اضلاعِ ولدك (سيف)، وانت تُعّمدُ تأريخ محنتك بالاسى، وتهشمُ ما تبقى من اضلاعكَ في حضرةِ ذلك الفقد. هكذا انطلقت رحلة الرثاء السرمدي، وتلك القصيدةُ (الخناسيةُ) الطويلةُ، التي اعترفُ انها ازاحت عن كاهل النُقادِ الغور في ذاتك الشعرية، ليضعوكَ في خانةِ (البكائين ). بل اعتقدُ جازماً انها القصيدةُ الوحيدةُ اليتيمةُ العصماء التي عاشت معك وعشتَ معها ، لتفجعنا بهذا الوداعُ المفاجئُ الذي لم يتركَ فُسحةً للحضور .ِ
نعم، ففي لحظة الموت، عندما نواجهُ سطوةَ الخبر، وقعةَ الخبرِ ، نتخبطُ بدائرتهِ ، نوغلُ بحيرتهِ ، يعترينا هدوءٌ قلقٌ، وتحلُ علينا سكينةٌ من الصخبِ الذي تتكفلُ به العيونُ المرتجفةُ المرتبكةُ.. ونحن نبحلقُ بلا هدى في كل الأماكن، ونجهدُ كيما نجدُ ضالةَ الجوابِ الذي يغادرنا. عجيبةٌ تلك اللحظةُ المشوبةُ المتخمة بالأسئلةِ الأجوبة التي تشبهُ توالي السياطَ على الهاماتِ. هي ذات اللحظة التي شعرت بها، بعدما اخبروني برحيل عامر السعد وعبد العزيز عسير، هي نفسها التي تسلمتها من احمد النجم الخفاجي، وهو يعززُ عليّ وقعة الحدثِ في ظلِ تلكَ الصورة الضبابية البهيمة التي تجعلك تضع هذا العالم الفسيح في قعر فنجان.
يا لسر تلك القبور التي شققنا انفاقها، ونقشنا آثامنا على جدرُها العذراء الخاليةُ من الصدعِ والخدشِ، وهي تجتاز وتتعدى مرحلة التقولات، انها تؤلفُ حالةً من شكلِ الحجارةِ المنضودة، لتستقرَ في تلك الدهاليز البعيدة، والغيرانِ الموحشةِ ، فلا تشفعُ لها تلك المحاريبُ التماثيلُ المسلات ورقم الطين المفخور.. التي تحاول ان تغرد لكآبتنا فتطُربها، على الرغم من تلك الأصوات الرخيمة المتحشرجة، وانحسار اصطبارنا على القضاء الذي لا بد منه، وضيق الفضاء، بعدما انطوت صحائفنا الصفر البالية، التي اختبأت في الغياضِ والادغالِ ، واستغاثات وشكاوى ارضُنا العطشى التي حل بها الجدبُ، وآبارُنا التي استعمرها الجفافُ، ومساحاتُنا الممتدة الضيقة التي لم ترتو من مشاهدِ الحياةِ، على الرغم من قتامة المرآى القريب، ولم تكتنف من غلالتها التي تحتضن اللون الرمادي، عندما تدنو ساعةُ الرحيلِ، لنحثَ النظرَ الى استجماعِ كل المتغيراتِ الصورِ العواصفِ الانواء، الحر البرد الزمهرير، و الخرنوب الغضِ، العاقول المدمى، الحمض الملوث، حفيفُ الأوراق، توقلنا في ذلك الصخر المخضر في علال الأفق، ونحن نلتمسُ الراحةَ الأبدية، والسكينةَ السرمدية. وكل ما احتفظت به ذاكرةُ الزمنِ، وانحسرَ بعيوننا الذابلةِ، واعشاشِنا المهترئةُ، واوكاِرِنا المتهالكةُ، بعدما ترسلُ السحبُ شآبيبها ، هذا يفنى، وذلك يتلاشى، الامرُ الذي يجعلُنا نهرولُ مثلَ الجبناءِ نحو تلكَ المعادلةُ المشاكسةُ التي تستهدفُنا، فلا تُميتَ الا لتحيا، ولا تحيا الا لتُميت. عاماً بعد عام، وجيلاً بعد جيل، عالمٌ يعجُ بالأسرارِ والعجائبِ، فلا غرابة ان يغدو اللحد مهدا، وُيصبحَ المهد لحداً ! حتى اننا افترشنا بعضنا، وتدثرنا ببعضنا، مثل دويدةٍ تتنسكُ في جوفِ صخرةٍ.
انه زمنُ الأوراق المتساقطةِ، والمدافئِ التي تحتمي بالنارِ، التي نوغلُ بتفسيراتها ونياسمها المزدحمة المتكالبة، مثل تجعدات الكهول قبالةَ نضارةِ الشبابِ، ونحن وبخضوع السنانير نصطف امامَ تلك الشمس التي تشوينا، لنحتفي بصفعاتِ الريحِ التي تعولُ بنا، او خربشات وشطبات اقلام الرصاص على اديمِ بياضِ الورقِ التي تحركها أصابع الأطفال العابثة الغضة .
الحياة احدى تجليات الموت ، هذا ما نعرفهُ في لحظة استسلامِ النَفس الأخير، وبعد ان تحلُ تلك الصورةُ الباهتةُ، ويجهرُ ذلك الطريقُ المشوب بالمعالمِ القاتمةِ التي ندركُ حتميتها لا محالة. قد تتضاءلُ رهبةُ الموتِ امام الموت، لا عجب، ذلك اللغزُ المتجددُ الذي لما ولم يصل الفلاسفةُ والعرفاءُ والنساكُ الى معرفة كنهه ، ولا الادباءُ والشعراءُ والنقادُ الى حقيقته.. تلك هي سيدي إشكالية الوجود ، وسر تلك الافعى التي سرقت العُشبةَ الخالدةَ من مملكةِ ذلك البطلُ الأسطوري الذي افنى حياتهُ وهو يمني النفسَ بالبقاءِ، و يستظلُ بتلكَ الغيمة القاتمة التي تنتقي فرائسها، في زحمةِ سيولِ المتناقضات، وسطوة المهيمنةِ الرباعية المتداخلة، النفس الجسد الصورة المادة / الماء التراب الهواء النار .. وبما يؤكدُ ويثبتُ عالم المحسوساتِ وعالم المُثلِ القاصر الخانع المتقزم امام إرادة صاحب الموت .
الآن ابا سيف، نلت مرادك، وحققت حلمك، وتحقق نشيدك لتجتمع بسيف ، فاهنأ به، وليهنأ بك .
حقا ما قاله محمود درويش : ( الموتُ لا يُوجعُ الموتى ، الموتُ يُوجعُ الاحياء)
رحم الله عليا الهمام الذي كان يهاتفني ليلا لمدة ثلاث ساعات ، وحين أقول له : انت متقاعد عاطل ، وانا متقاعد عامل ، يضحك ليقول : بسم الله، للتو بدأنا ..!

(شعوبك في شرق البلاد وغربها
كأصحاب كهف في عميق سبات)
احمد شوقي



#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب تحت درجة 50 مئوي:
- (حرامي البصرة ) لاعب كرة السلة المعروف توفيق عبد علي
- ورقتي المتواضعة التي قدمتها في الجلسة الاحتفائية بالراحلين ا ...
- البرجسية
- ذلك هو الفقد ابا السجاد ..!
- أصداء ما بعد الاحتفاء
- رواية (منذ 1927 ) خارج دائرة النقد
- البصرة ، شجرة الأسماء وثريا الصفات مقاربات في كتابات الراحل ...
- لقد تقاسموا العالم أيها القيصر !
- لا تأمن ملمسها ، ستنفرط حبات مسبحتك لا محالة !
- فيصل شريف فارس الذكريات
- اطلاقة الرحمة على البرتقال
- نسألكم الدعاء شيخنا !
- رسالة إلى البطل طالب خزعل (سيمفونية عمارتليه) :
- ماتت النكتة يا طارق الجوزي ..
- شهد
- الحاج اديب نظرة في الكتاب الكريم
- التدبر سر المعرفة
- الفكر الموسوعي لدى الحاج محمد اديب كاظم
- من دير العاقول الى المفتول *


المزيد.....




- الوكيل؛ فيلم وثائقي يروي حياة السيد عيسي الطباطبائي
- تهديدات بن غفير.. استراتيجية ممنهجة لتقويض السلطة والتمثيل ا ...
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن تشكيلة لجنة تحكيم دورته ...
- اتحاد الأدباء يحتفي بالشاعر عذاب الركابي
- من أرشيف الشرطة إلى الشاشة.. كيف نجح فيلم -وحش حولّي- في خطف ...
- جدل بعد أداء رجل دين إيراني الأذان باللغة الصينية
- هل تحبني؟.. سؤال بيروت الأبدي حيث الذاكرة فيلم وثائقي
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- -سيرة لسينما الفلسطينيين- محدودية المساحات والشخصيات كمساحة ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - شذرات في حضرة الفقد