أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جواد الديوان - ما قبل الفجر، من ذاكرة حرب ثمان سنوات














المزيد.....

ما قبل الفجر، من ذاكرة حرب ثمان سنوات


جواد الديوان

الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 11:46
المحور: سيرة ذاتية
    


لم يكن الطريق إلى الجبل يشبه طرق السهول التي اعتادتها الفرق العسكرية. كان صعودًا متدرجًا، يتلوى بين الصخور، يضيق تارة حتى لا يسمح إلا بمرور رجل واحد، ويتسع تارة ليكشف واديًا سحيقًا أو ضفة ماء لامعة تحت القمر. و إمام حسن، نقطة صغيرة على خط طويل لا يظهر منها شيء يدل على المعركة، سوى أن الجبل من فوقها ويتصرف وكأنه لا ينتمي للأرض.
عند أسفل السفح كانت تتمركز القوة بقيادة ضابط شاب من الموصل، يعرفه الجميع باسم وعد الله، لم يكن اسمه لقبًا ولا كنية، بل حقيقةً اسمه. ومع الوقت أصبح الاسم عنوانًا للقوة ذاتها. كان صوته صريحًا، وطريقته واضحة، لا يلجأ إلى الشعارات، ولا يحاول أن يصنع بطولة مما لم يحدث. كان يقف في مقدمة رجاله، لا بعيدًا خلف خطوط الرمي.
وعلى قمم الجبل المتفرقة، فوق الخط الذي لا تصل إليه المركبات، كان هناك جنود آخرون، صامتون أغلب الوقت، مهمتهم ليست الاشتباك ولا الهجوم، بل الرصد. كان يُطلق عليهم اسم أهل النظرة الأولى. منهم من يرصد لتحريك المدفعية، ومنهم من يكون إنذارًا مبكرًا تراهم قبل المعركة كأنهم جزء من الصخور التي يجلسون عليها، يتحركون ببطء، ويعرفون ممرات الجبل كما يعرف المزارع تفاصيل وجه نخيله.
في تلك الليلة، جلس وعد الله بين الرجال. كانت السكينة ناعمة، والبرد يهبط من أعالي زاغروس كهواءٍ ناعم أولاً، ثم قاسٍ فجأة. لم يكن صوت الحرب حاضرًا.. قال وعد الله وهو ينظر إلى الجهة المقابلة من السفح، هذه الجبال من جهتهم زاوية قائمة. يستحيل أن يستخدموها للهجوم."كان واثقً ، كان يعرف الأرض وكان حديثه صادقًا في تلك اللحظة..
جلس الجنود حوله في دائرة غير ظاهرة، يتبادلون كلمات قليلة لا أحد كان يتحدث عن الموت أو العودة، ولا عن السياسة أو المدن. كان كل شيء في تلك الجبهة يعتمد على الليل، وعلى الاستيقاظ للفجر.
بعد منتصف الليل، هدأ الكلام. نام من نام، وسهر من سهر. كان الملجأ حفرًا في الصخر أو تجويفًا في الجبل، لا خيمة. وكان الزاب تحت السفوح يجري كخط أسود يلمع فقط حين يمر القمر بين السحب، وصوته حاد، مثل صوت شيءٍ يضرب الزمن ذاته. لم يكن الماء يجري لعطشٍ أو ريّ، بل كان يجري ليقول إن الجبل له صوت. عند أول الفجر، لم يكن الصراخ هو الذي أيقظهم. بل كانت رصاصة واحدة.، وثانية، ثم سلسلة قصيرة. نهض وعد الله واقفًا قبل أن يصل أحد إلى المدخل. لم يقل شيئًا، لم يكن هناك وقت للكلام. كان الهجوم قد بدأ من الجهة التي قيل إنها مستحيلة.
تسللت القوات المهاجمة ليلًا عبر مسارات صخرية دقيقة، وتقدّموا دون ضوء، حتى وصلوا إلى قمم الرصد. اشتد الاشتباك. وتراجع الرجال إلى مواقع أدنى. وسقطت القمة.
بعد أيام، جاء خبر إعدام وعد الله وعدد من الضباط. لم يشاهده أحد من رجال الجبل، لكنه وصلهم بصوت منخفض. لم يكن ذلك الزمن يعرف جنوبًا وغربًا، ولا سنة وشيعة. كان يعرف الساتر فقط.
وفي ذلك الزمن، لم يكن على الساتر غير الرجال، كلٌّ يحمل اسمه ووجهه وصوته فقط. لم تكن المدن ولا الطوائف هي التي تتقدم أو تتراجع، بل أقدام الجنود على الصخر، وقلوبهم التي تواجه البرد والظلام. وما بقي من تلك الأيام ليس اختلاف الناس اليوم، بل صدى خطواتهم في الجبل، والصمت الذي تركوه خلفهم..



#جواد_الديوان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي والصحة العقلية مرة أخرى
- الذكاء الاصطناعي في الصحة العقلية
- الذكاء الاصطناعي في الطب (ملاحظات عامة)
- ملامح في الخطاب السياسي العراقي المعاصر
- صفحة من حياة كاظم الديوان
- وصية جبار في اول ايامها في شط العرب
- ذكريات
- العودة من الموت: يومٌ اختطف فيه الزمن – شهادتي عن عام 2006
- سامي سلمان ومحطات حياته 2
- سامي سلمان ومحطات حياته 1
- الامراض المزمنة لدى أطفال الولايات المتحدة الامريكية
- من السودان الى ليبيا عبر الصحراء مرة اخرى
- الى والدي العزيز جمال
- جمال الايجاز
- الى والدي العزيز رفاق
- التوحد 1
- الى والدي العزيز رعد
- الى والدي العزيز شكري
- من السودان الى ليبيا عبر الصحراء
- الى والدي العزيز - علاء


المزيد.....




- السودان- مفوض أممي: الفاشر تشهد فظائع مروعة والأطفال يموتون ...
- الكنيست يقر القراءة الأولى لمشروع قانون يُجيز إغلاق وسائل ال ...
- إسبانيا: تعرّض ضابطيْ شرطة لضربٍ وحشي أدّى لكسرٍ في الأسنان ...
- تقرير أممي: 70 ألف شخص نزحوا يوميا العقد الماضي بسبب الكوارث ...
- أمنستي تدعو نيجيريا لتبرئة 9 نشطاء أعدمتهم قبل 30 عاما
- سوريا توقع إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي ضد تنظيم الدو ...
- أول تصريح لترامب عن أحمد الشرع بعد لقاء البيت الأبيض
- من الفراعنة إلى الذكاء الاصطناعي، كيف تطورت الكوميكس المصرية ...
- -نعمل مع تل أبيب على التفاهم مع دمشق-.. ترامب: نريد سوريا نا ...
- لقاء تاريخي بواشنطن .. ترامب يستقبل الشرع وسط تحولات سياسية ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جواد الديوان - ما قبل الفجر، من ذاكرة حرب ثمان سنوات