عبد الإله بسكمار
الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 16:15
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
ابْتُلي المغرب كغيره من أقطار العالمين العربي والإسلامي بالاستعمار الإيبيري ( البرتغالي ثم الإسباني ) الذي سبق كل القوى الامبريالية الأخرى كهولندا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا إلى الاحتلال العسكري ولا سيما غزو المناطق الواقعة جنوب المتوسط خاصة، علاوة على استعمار واستيطان أمريكا ومعها القارة الإفريقية والجزء الأكبر من مناطق آسيا واستئصال الساكنة المحلية بالحديد والنار وأشكال الاستعباد والاستغلال ومحو ثقافة تلك الشعوب وحضارتها، وذلك من أجل الوصول إلى التوابل والملح والمواد الأولية كالفحم والحديد والذهب واستغلال الأراضي والمناجم وتحويل الأهالي Indigènes إلى عبيد تحت خرافة تفوق الرجل الأبيض، ثم البحث عن الأسواق ومعها نشر المسيحية، إذ انطلاقا من القرنين الخامس والسادس عشر، بدأت أوربا تتحول إلى قوة إمبريالية عاتية على حساب الشعوب الأخرى .
كانت الفاتحة ضمن هذا السياق سقوط سبتة في أيدي البرتغال 1415 م / 817 هــ، ثم تحولها إلى الاحتلال الإسباني سنة 1580م ( بعد معركة وادي المخازن التي فقدت فيها البرتغال مُلكها واستقلالها )، وتوالى سقوط المرافئ والثغور المغربية سواء على ساحل المتوسط أو المحيط الأطلسي، فتم احتلال طنجة سنة 1471 التي انتقلت هي الأخرى إلى ملكية الإسبان في نفس السنة السابقة ( 1580 ) فالإنجليز سنة 1661 إذ المعروف أن ملك البرتغال أهدى طنجة كمهر للأميرة الانجليزية كاترين من بارغانزا (….) ، حتى حررتها جيوش السلطان المولى اسماعيل، ( بعد محاولات للخضر غيلان الذي قضى عليه السلطان العلوي ) ثم سقطت أصيلا في نفس السنة ) 1471)، وآزمور سنة 1486 والعرائش سنة 1489 وماسة سنة 1497 ومليلية عام 1497 وكان الفينيقيون يسمونها قديما " روسادير" والغريب في أمر احتلالها، الذي تم دون كبير عناء وأشرف عليه دوق مدينة سيدونيا أن هذا الأخير كان منحدرا من فارس قشتالي خرج عن طاعة ملكه ودخل في خدمة أبي يوسف يعقوب المريني .
جاء دور احتلال البريجة سنة 1502 وأكادير ( سانتا كروز ) 1505 وآسفي سنة 1508 والمعمورة ( المهدية حاليا ) سنة 1515، بل اتجه الجيش البرتغالي مدفوعا بالحميتين الاستعمارية والصليبية نحو مدينة مراكش نفسها في ذات السنة، وأمام الخطر الماحق، التف المغاربة حول الزوايا للدفاع عن وطنهم وبدأت بذلك صفحات ممتدة من الكفاح الوطني ما زالت مستمرة لحد الآن، وشغلت من ناحية أخرى إلى جانب عوامل متعددة عموم المغاربة عن كل نهضة اقتصادية أو اجتماعية وثقافية بالمغرب، في زمن تحولت خلاله موازين القوى وبشكل لم يسبق له مثيل نحو أوربا الاستعمارية والإمبريالية على حساب العرب والمسلمين وباقي الشعوب، وبتزامن مع ظهور وتوسع الأمبراطورية العثمانية قبل أن تعرف فترة ممتدة من الضعف والتدهور هي الأخرى .
ترافقت كل هذه النكسات مع النكبة الكبرى المتمثلة في سقوط آخر قلاع الإسلام والعروبة بالأندلس ونقصد مملكة غرناطة في يناير 1492، وافتقدت الأندلس الدعم المغربي المعتاد، بفعل تدهور الأوضاع في المغرب ذاته، الشيء الذي جعل ما تبقى من عرب ومسلمي الأندلس يعانون الأمرين مع المطاردة وأشكال الظلم والتحرش والتنكيل كمحاكم التفتيش، والتي وصلت إلى حد إحراق مئات المسلمين واليهود (3) ثم الطرد النهائي سنة 1610، وانعكست النكبة على المغرب الذي استقبل الجزء الأكبر من المهجرين الأندلسيين، ما أثر على مجتمعه وثقافته إيجابا بشكل عام، وأدى إلى ظهور وازدهار حركة الجهاد البحري وكان من أبرز لحظاتها التاريخية جمهورية سلا والمجاهد العياشي وهي ذات الحركة التي عرفها أيضا المغرب الأوسط ( الجزائر ) على يد القائدين التركيين عروج وخير الدين بارباروس بدءا من سنة 1517 .
لم يستطع المغاربة في تلك الفترة الكالحة التصدي الفعال للغزاة ( قبل معركة واد المخازن طبعا سنة 1578 ) فالدولة المرينية عاشت مرحلة أخيرة من الضعف والتآكل وقتل آخر سلاطينها عبد الحق الثاني كرد فعل على المذبحة التي قام بها ضد الوطاسيين الذين تولى وزراءهم السلطة في البلاد سنة 869 هــ / 1465 م، وكانت مأساة سقوط سبتة من أبرز عوامل انهيار دولة بني مرين واختفائها عن المسرح السياسي ومن سوء حظ المغرب أن الوطاسيين كانوا في الأصل وزراء لدى سلاطين بني مرين، فتحملوا الضعف العام للدولة خلال نفس الفترة المظلمة .
ظلت أسرة بن وطاس سلالة هزيلة، حيث انصرفت جهود سلاطينهم إلى محاولات القضاء على الإمارات الصغيرة التي توزعت البلاد، ثم اعتراض سبيل السعديين الصاعدين من الجنوب، ولم يستطيعوا صد الغزوين البرتغالي والإسباني بنجاح، حتى سقوطهم النهائي على يد محمد مهدي الشيخ السعدي سنــــــة 1554 م / 961 هــ ، وقد ساهمت قبل ذلك دعوات الجهاد المتعددة وضرورة تحرير الثغور في إنهاض الوعي الديني والوطني لدى المغاربة وكان من أبرز الدعاة الشيخ الصوفي المجاهد أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن يجبش التازي من خلال كتابه في الجهـــــــاد.
لم تبدأ المحاولات الجدية الأولى لتحرير الثغور المحتلة إلا في بدايات العصر السعدي حيث استرجع محمد مهدي الشيخ أكادير ( سانتا كروز ) سنة 1541/ 947 هــ ما جعل الحركة السعدية الناشئة على أساس الطريقة الجزولية، وشعار الجهاد ضد البرتغال، تكتسي صبغة شرعية لدى الناس وتتوسع شعبيتها وامتداداتها لتشمل مختلف أنحاء البلاد، في حين تراجع التأييد للوطاسيين، حيث انحصرت سلطتهم بفاس وما حولها وصولا إلى تازة وبعض المناطق الشرقية، وكان لنصر أكادير أثر إيجابي آخر ألا وهو جلاء الجيش البرتغالي طوعا عن كل من آزمور وآسفي محتفظين بالبريجة ( الجديدة ) والعرائش، قبل تحريرها من طرف السعديين ثم تسليمها إلى الإسبان على طبق ذهبي من طرف السلطان السعدي محمد المامون سنة 1610 ، في إطار صراعه مع إخوته بعد وفاة والدهم أحمد المنصور.
سجلت المصادر الإسبانية عدة محطات للمقاومة المغربية في مواجهة الإسبان المحتلين لمليلية أبرزها، تلك التي قادها علي العطار بعد انسحاب الجيش الوطاسي ودخول الإسبان على أنقاض المدينة ثم يذكر التاريخ مرابطا مجاهدا آخر هومحمد بن علال وكانت حركته في 16 أبريل 1564عبارة عن مسيرة جماهيرية ذات طابع سلمي نحو المدينة السليبة انتهت بمجزرة وحشية، مات فيها خلق كثـــــير وفر الباقي .
يشار إلى أن مليلية المحتلة شكلت قاعدة لانطلاق بعض المتمردين كالناصر ابن أخ أحمد المنصور سنة 1595 م بتواطؤ مع فليب الثاني ملك إسبانيا آنذاك، وقد شكل هذا التمرد خطرا داهما على دولة المنصور ولم يهدأ له بال حتى تم القضاء على فتنته سنة 1596، ومن هنا استمر عزم المغربة على استرجاع الثغور المحتلة وبينها سبتة ومليلية والجزرثم الصحراء الجنوبية والشرقية بعد ذلك .
في عهد السلطان مولاي اسماعيل تم تحرير طنجة سنة 1681 على يد القائد أحمد بن علي الريفي فالمعمورة 1682 كما طرد الجيش المغربي الإسبان من العرائش سنة 1689 بعد حصار دام ثلاثة أشهر ونصف وجاء دور أصيلا عام 1691 مثلما ورد عند صاحبي البستان الظريف ونزهة الحادي وفي نفس الظروف ضيق المغاربة الخناق على سبتة ومليلية دون أن يستطيعوا اقتحامهما.
هكذا استطاع الجيش الإسماعيلي بمساعدة المتطوعة أن يحقق في عشر سنوات – كما يذهب إلى ذلك العروي – ما عجز عنه المجاهدون طوال عقود من الحصار المتواصل، رغم أن هذه السياسة الحازمة اصطدمت في المقابل بتعنت وتآمر ولاة الجزائر الأتراك الذين دخلوا في صراع منذ البداية مع الإيالة المغربية (10) ولم يبق في يد الأجانب سوى سبتة ومليلة والحسيمة ( والتي كانت تسمى المزمة وحررها المغاربة الريفيون ) وحجرة باديس والجزر الجعفرية ثم مناطق الجنوب فيما بعد ( احتلت الصحراء المغربية الغربية أي وادي الذهب والساقية الحمراء سنة 1884 بعد سيطرة الإسبان على طرفاية ) وقد تعرض شارل أندري جوليان Charles André Julien بدوره لحركة الاسترجاع هذه معلقا بأن " الساحل الأطلنطي تخلص من الدنس المسيحي إلا المنطقة البرتغالية في مزغان " مشيرا إلى نفس المجالات المذكورة سابقا والتي بقيت في أيدي إسبانيا على ساحل المتـــــــــــــوسط ونفس الأمر سجله هنري تيراس Henri Terrasse .
واصل أبناء المولى اسماعيل حصاراتهم لسبتة ثم مليلية لإكسابهم الشرعية الجهادية دون أي نتيجة تذكر، كما لم تنقطع مقاومة قبائل المنطقة لكل محاولات الإسبان التوسع واحتلال المزيد من الأراضي وخاصة قبيلتي قلعية وإنجرة، وهو الوضع الذي سينقلب رأسا على عقب لغير صالح المغرب كما سنرى وخاصة بعد حرب تطوان ( 1859 – 1860 ) غير أن أكبر محاولة لاسترجاع مليلية السليبة كانت خلال عهد سيدي محمد بن الله ( محمد الثالث ) ففي كتابه " المقاومة المغربية للوجود الإسباني (1697 - 1859) (12) للأستاذ حسن الفكَيكَي، يفيد الباحث بأن السلطان سيدي محمد بن عبد الله بدأ يستعد لتحرير مليلية سنة 1770 وكان قد عقد مع دولة إسبانيا اتفاقا ملتبسا سنة 1767 أثاراضطرابا في تأويل بنوده بين السلطان المعني وملك إسبانيا كارلوس الثالث .
بلغ مقدار الأسلحة المتدفق على الموانئ المغربية ( والمفارقة آن كثيرا منها كان مجلوبا من إسبانيا نفسها مما يطرح العديد من علامات الاستفهام ) نحو اثني عشر مدفعا وحوالي خمس وعشرين ألف قذيفة بينما قدرها الديبلوماسي الفرنسي لويس شينيي Louis De CHénier (1722 – 1796 )خلال ثلاث سنوات بنحو ثمانية وأربعين مهراسا ومائة مدفع ونحو خمس عشرة قذيفة " وحسب توزيع تلك الأسلحة فقد خصص ثلثها لاسترجاع المراكز المحتلة بالساحل الريفي، وهي الحصيلة المنقولة إلى كل من تطوان ومكناس وفاس وتازا .
لقد تعرض لموضوع محاولة المولى محمد بن عبد الله استرجاع مليلية عدد من الباحثين والمهتمين بينهم لويس شينيي الآنف الذكر من خلال Correspondance du consul Louis Chénier, 1767-1782, 1970 DBF. - Larousse 19e sوكتاب Recherches historiques sur les Maures, et Histoire de l Empire de Maroc
" مراسلات القنصل لويس شينيي " و" أبحاث تاريخية حول الموريين وتاريخ الأمبراطورية المغربية ".
حاول السلطان محمد بن عبد الله استرجاع مليلية إذن منذ سنة 1770 وكان قد عقد ما يشبه حلفا مع الإيالة الجزائرية العثمانية، على أساس أن تتوجه جيوش الأتراك لتحرير وهران من الاحتلال الإسباني وفي نفس الوقت تتحرك جيوش السلطان إلى مليلية لحصارها واستردادها وفي ذات الوقت اتفقت الإيالتان على تبادل المدد والسلاح بين الطرفين، ولم يفقد السلطان الأمل في تعاون الإيالة المجاورة حتى وصوله إلى تازا في يوليوز / غشت 1774 استعدادا للاتجاه نحو مليلية السليبة شمالا " ومن هناك راسل في مستهل نونبر كلا من داي معسكر وحاكم تلمسان يطالبهما الوفاء بما تم الاتفاق عليه " ويضيف الأستاذ حسن الفكيكي أن رد الإيالة الجزائرية كان مخيبا للسلطان، ومع ذلك صمم هذا الأخير على تكملة الاستعدادات لمحاصرة وتحرير مليلية وبالفعل توجه الأمراء من أبناء المولى محمد بن عبد الله إلى تازا في 21 نونبر من سنة 1774 لتحضير استقبال القوات التي قدر عدده ب 15 ألف من الجنود والخيالة والمدفعية .
في أوائل دجنبر من نفس السنة تحرك موكب السلطان وقبل مغادرته مدينة تازا كتب إلى صهره عبد الله الرحماني عامل الرباط قائلا " أرحل عن تازا قاصدا مليلة وفي العاشر من هذا الشهر أكون بحول الله قد وصلت إليها ...لنسترد من إسبانيا جميع حقوقنا " وكان حصار مليلية خانقا على الإسبان حيث اضطروا إلى نقل النساء والاطفال نحو مدينة مالقة وطال ذات الحصار نحوا من أربعة أشهر .
في منازلة مليلية وحصارها يقول الناصري في الاستقصاء " لما كانت أواخر سنة أربع وثمانين ومائة وألف، غزا السلطان سيدي محمد بن عبد الله مدينة مليلية وفيها نصارى الإصبنيول، فأحاطت عساكره بها ونصب عليه المدافع والمهارس " ويضيف الناصري "وشرع في رميها ..واستمر على ذلك أياما فكتب إليه طاغية الأصبنيول يعاتبه على حصارها ويذكره المهادنة والصلح الذي انعقد بينه وبينه " وحدث الخلاف بين الطرفين حول تأويل بنود معاهدة 1767، حسب الناصري، إذ تشبث الطرف المغربي بأن تلك المعاهدة تنص على حفظ الأمن في البحر فقط، في حين أن الطرف الإسباني ذهب إلى أنها تشمل البر والبحر جميعا.
في صبيحة يوم 13 محرم 1189 الموافق ل 16 مارس 1775 غادر السلطان ميدانه بقلعية في اتجاه تازا وفاس ومكناس وبذلك انسحب الجيش المخزني وقوات المتطوعين، وانتهت محاولة المخزن هذه إلى إخفاق تام، وكانت أبرز عوامل هذا الإخفاق، غدر وخيانة عامل قلعية، وقوة تحصينات الإسبان بمليلية، وعدم قدرة البحرية المغربية خلال هذه الفترة على مواجهة الموقف وكان ذلك من ابرز مبررات رفع الحصار عن مليلية وبشكل متوافق مع التأويل الإسباني للاتفاق الآنف الذكر.
من أبرز الوجوه المشرقة لعهد هذا السلطان تحرير البريجة ( الجديدة ) سنة 1769 وإسكان دكالة بها وبناء الصويرة واعتراف سيدي محمد بن عبد الله باستقلال الولايات المتحدة الأمركية، من خلال رسائل السلطان والرئيس جورج واشنطن المتبادلة وتوطيد العلاقة مع العثمانيين ثم عقد مجموعة أوفاق تجارية مع كل من فرنسا إسبانيا وهولندا وإنجلترا .
سجلت محاولة للسلطان المولى اليزيد الذي لم يحكم سوى سنتين ( 1790 – 1792) لتحرير سبتة لم يكتب لها النجاح كسابقاتها بسبب مناعة دفاعاتها وغياب دعم بحري، فضلا عن محطات مفاوضات متقطعة عكست تشبث كل طرف بأهدافه ومراميه وعلاوة على ذلك ظهور علائم التمرد بجنــــــوب البلاد).
من أكثر المواد التاريخية إثارة في موضوع سبتة ومليلية ما سجله المؤرخ الفرنسي المعاصر دانييل ريفيه Daniel Rivet في كتابه " تاريخ المغرب "Histoire du Maroc " من أن نابليون بونابارات كان أول الحكام الأوربيين في القرن التاسع عشر" الذي فكر في الرسو بسفنه قرب مدينة سبتة خلال حروبه ضد إسبانيا وذلك لخنق جبل طارق الذي تحكمه إنجلترا " ويضيف ريفيه " وكان يخطط فيما بعد لاسترجاع سبتة ومليلية وإعادتهما إلى سلطان المغرب، لكن هذا الأخير ( وكان هو المولى سليمان ) رفض الاقتراح وفضل التحالف مع إنجلترا ".
في عهد المولى عبد الرحمان بن هشام سعت فرنسا لإحباط كل ما من شأنه أن يعزز شعبية المخزن ويرفع من معنويات المغاربة، فتذهب الأستاذة ثريا برادة إلى أن إسبانيا عزمت على التنازل عن حجرة باديس ومليلية، لما كانت تواجهه من صعوبات مالية بسبب حروبها الأهلية، فمارست فرنسا في المقابل ضغوطا على إسبانيا ونظمت حملة ديبلوماسية مكثفة لثنيها عن هذا العزم، في وقت ازدادت عزلة المغرب وانكماشه على نفسه، حتى دخول الجيش الفرنسي إلى الجزائر سنة 1830 .
باحتلال الفرنسيين للمغرب الأوسط ووقوع معركة ايسلي، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة قامت على أساس المكائد الاستعمارية، والقضم الممنهج للتراب المغربي والأوفاق المجحفة، علاوة على الضعف التدريجي للمخزن الذي استسلم في الأخير ووقع عقد الحماية الفرنسية في 30 مارس 1912 ورغم احتلال إسبانيا لما كانت تسميه مواقع " السيادة " بدعوى أن المدينتين ( سبتة ومليلية ) والجزر المعنية مجرد امتداد لأراضيها، فقد كان نفوذها الاقتصادي محدودا، قبل انتصارها في حرب تطوان ( 1859 – 1860) أو ما سمته هي بحرب إفريقيا " وتضيف الأستاذة ثريا برادة " وقد كان ضعف المبادلات التجارية وأحيانا انقطاعها التام بين الثغرين المحتلين والمناطق المجاورة، من جهة وهجومات القبائل الريفية من جهة أخرى، بين العوامل التي دفعت إسبانيا إلى التفكير مرارا في بيع هذه المواقع، خصوصا وأن التكاليف المالية المترتبة عن مرابطة الجيوش كانت مرتفعة " .
العنصر الحاسم الذي قلب المعادلة، كما سبقت الإشارة كان هو احتلال الجزائر ومعركة إيسلي الناجمة عن الدعم المغربي للأمير عبد القادر، فعوض فكرة التخلي والانسحاب من المغرب صارت إسبانيا " تبحث في الوسائل الكفيلة من اجل بسط نفوذها وتحقيق أطماع توسعية جديدة " فضلا عما تتيحه هذه الخطوات من صرف لأنظار الشعب الإسباني نفسه عن مشاكله الداخلية.
شكلت مليلية بالنسبة للمقاومة المسلحة بشمال وشرق المغرب موردا مهما للسلاح خاصة بالنسبة لمتزعمي الجهاد بمنطقة تازة كعبد المالك بن محيي الدين ومحمد بلمامون الشنجيطي، وبعد حرب الريف التحررية اعترف زعيمها الأميرعبد الكريم الخطابي بأن عدم دخوله إلى مليلية كان أكبر خطإ ارتكبه أثناء تلك الحرب .
والآن وبعد عقود من الاستقلال ما فتئ المغرب يطالب باسترجاع الثغور المحتلة وإن لم يتخذ الأمر صفة رسمية بعد، فالمعول على إسبانيا الجارة الصديقة المتفهمة لقضايا التحرر من الاستعمار واستكمال الوحدة الترابية للشعوب، وهي التي وقعت مع المغرب وموريطانيا الاتفاقية الثلاثية المسجلة بالأمم المتحدة بشأن الجلاء عن الصحراء المغربية أي الساقية الحمراء ووادي الذهب، المعول عليها وعلى القوى المعادية للاستعمار داخلها، أن تتفهم مطالب المغرب المشروعة وأن تحلها بشكل ودي يحفظ علاقات الصداقة وحسن الجوار .
في أفق طرح الملف، تصرف المغرب لحد الآن بذكاء استراتيجي كبير يعتمد على البعد الاقتصادي بالدرجة الأولى، الشيء الذي سيدفع أصدقاءنا الإسبان إلى التفاهم الهادئ وإلى تغليب المصالح الملحة للشعبين الصديقين
#عبد_الإله_بسكمار (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟