|
تازة والأحواز : من الآفاق الثورية إلى هموم التنمية
عبد الإله بسكمار
الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 18:54
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
هناك مناطق ومواقع مغربية لعبت أدوارا حاسمة في الصراعات العسكرية أساسا ثم السياسية، بسبب طبيعة المجال الجغرافي والتضاريسي، والذي تحكم إلى حد كبير في الدينامية البشرية والاجتماعية للمنطقة المعنية، فضلا عن الدور السياسي القائم على بروز دعوة دينية / عقدية أو قوة جديدة صاعدة، تريد أن تحل مكان السابقة، التي دخلت مرحلة الانحدار والتدهور، حسب القراءة الخلدونية للتاريخ والتي توافق مسار الإسلام وصعود العصبيات القبلية ومن ثمة، تأسيس الدول وازدهارها ثم تدهورها وانهيارها، على الأقل إلى حدود القرن الثامن وبداية التاسع الهجري، ويصدق هذا الأمر على بعض مناطق البلاد كمواقع سجلماسة وسوس وبعض مناطق الحدود ومجال طنجة ومنها ممر تازة الخطير بتعبير الأستاذ الراحل محمد زنيبر، حيث كانت السيطرة عليه تشكل منعطفا تاريخيا في مسارات أكثر الدول المغربية منذ عهد الأدارسة مرورا بإمارات زناتة والموحدين وبني مرين وانتهاء بالدولة العلوية، بل وكانت سلطات الاستعمار الفرنسي بالجزائر المحتلة تضرب لهذه المنطقة ألف حساب ومنذ وقت مبكر نسبيا، فأرسلت الجواسيس وتم تجنيد الباحثين وبعض العسكريين لهذا الغرض . وفقا لنفس المسار، يمكن التوجه من تازة والإطباق على فاس بسهولة أو العكس، أي الانطلاق من نفس الممر والسيطرة على الشرق وحتى تلمسان، بل يستطاع التوجه من تازة نحو الريف ومعه منطقة كرت والمزمة ( الحسيمة حاليا ) ومليلة ومن ثمة الساحل المتوسطي وجنوبا إلى صحراء الظهرة وسجلماسة ومما يدعو للتوقف والبحث المتأني وطرح أسئلة كبيرة، كون منطقة تازة عموما، ظلت تزدهروتشتهر إما في فترات ظهور الدول أو تراجعها وضعفها ( مثلما حصل للمخزن العزيزي في بداية القرن العشرين كنموذج ) ولذا، فقد عرفت منذ القديم تحركات تاريخية هامة من الشرق إلى الغرب أو العكس، عند تبلور حركات التمرد أو نهايات الدول ذاتها . إن تأكيد دور العناصر الطبيعية في التاريخ ليس معناه، كما ذهب إلى ذلك الراحل عبد الرحمان المودن " الإقرار بأية حتمية جغرافية عمياء " بل التنبيه فقط إلى نسبية هذا الدور العكسية ضمن تجمعات بشرية ضعيفة التحكم في تلك العناصر، وخاصة على صعيدي ممر تازة وحوض إيناون وإن كان يغلب عليهما طابع المعبر، فقد شهدا مع ذلك استقرارا بشريا هاما علاوة على دينامية تاريخية متصلة . تازة من المناطق المغربية التي نجد عبر تاريخها المتشعب ارتباطا جدليا بين المجال والزمان، فممر تازة الممتد عبر 40 كيلومترا من الشرق ( رجم الزحازحة ) وحتى الغرب ( عقبة بني مكَارة ومشارف وادي أمليل ) وبعرض يترواح بين 500 م و3 كيلومترات، شهد دينامية بشرية متواصلة منذ أقدم العصور، حيث كان في الأصل حسب لوي جانتيل Louis Gentil الممر الوحيد الرابط بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، قبل آلاف السنين، وحدث أن تراجعت مياه هذا الممر ( الذي كان بحريا ثم أصبح بريا ) فتشكل في المقابل بوغاز جبل طارق، خلال الأزمنة الجيولوجية المتقدمة، ولذا قد نعثر في عدد من المواقع بمنطقة تازة لحد الآن على بعض القواقع البحرية، فضلا عن وجود مناجم للملح في هذه البقعة أو تلك من تلال مقدمة الريف خاصة وهي التي تشكلت خلال الزمن الجيولوجي الثالث وتكونت من طبقات طينية أساسا . ونتيجة لتغوُّر المياه البحرية في عمق تضاريس المنطقة وفي غابر الزمان، تشكلت ما وصفها الأستاذ عبد الوهاب بن منصور بالثنايا إلى جانب الكهوف والمغارات، فهناك ثنية كردوسة شمال غرب تازة والمؤدية إلى مكناسة الغربية وهناك ثنايا راس الماء إلى الجنوب، وإذا اتجهنا نحو الجنوب الشرقي نجد ثنايا بني محْسَن في اتجاه كلدامان وثنية بولجراف ثم الفحَّامة نحو الشرق أي في اتجاه امسون وملوية وثنية ماجوسة المحيطة بهضبة قرن النصراني، وأخيرا الثنية الكبرى بجبل الطواهر ويمر به وجوبا الطريق السلطاني الكبير الرابط بين فاس وتلمسان . لم يثبت تاريخيا أن خضعت المنطقة للنفوذ الروماني وإن وجدت بعض القبور ذات الطابع القرطاجي، شرق وجنوب تازة خاصة، وهو ما جعل كومباردوCompardou يشير إلى قرية نيولتيكية بالمنطقة أقدم من وجود القرطاجيين بكثير، كما يربط بعض كهوفها Troglodytes ومن كان يقطنها من البدائيين بمدافن قديمة، بحيث اشتملت تلك الكهوف على مقابر بدائية Sépultures. يبدو أن الفيالق الرومانية قد وجدت عناء مستمرا بين موريطانيا الطنجية والقيصرية، وفي بعض المناطق الداخلية أيضا، فاضطر الرومان إلى بناء سور الليمس Limes والمار وسط جبال الريف إلى الشمال وهو ما ظل يشكل حدودا اصطناعية لدى الأمبراطورية الرومانية، خاصة بعد الحرب البونيقية الثالثة سنة 146 ق م، في مواجهة قبائل المنطقة البربرية التي كانت رافضة فيما يبدو للحكم الروماني، فليس من المستبعد أن يتخذ الجيش الروماني ممر تازة حاجزا مناسبا وصالحا لمثل هذه المواجهات، وأيضا يصدق الأمر على إمكانية معينة لاتصال الموريطانيتيْن، عبر حوض ملوية وممر تازة، دون أن يعني ذلك خضوع هذه الناحية للحكم الروماني، رغم اكتشاف نقش لاتيني من طرف الفرنسيين بواد بوحلو أقصى غرب منطقة تازة تحت رموز B ,C ,T,H وقد تبين للباحثين أن الأمر يتعلق ببقايا معسكر للجيش الروماني، ولا يدل على أي استقرار دائم أو شبه دائم، وقد امتد الحكم القبلي المحلي بالمنطقة طيلة فترات الوندال والبيزنطيين حتى مجيء العرب والمسلمين، حيث عرفت الناحية في الفترات الأولى مقاومة مستميتة للفتح العربي، وتطالعنا إسما أوربة ومكناسة، ثم بعد ذلك غياثة وتسول والبرانس كما نلاحظ بقايا الديانتين المسيحية واليهودية بل والمجوسية والوثنية أيضا في المنطقة إلى حدود مجيء الشرفاء الأدارسة، حيث انضمت مكناسة وعموم قبائل الناحية إلى الدعوة الإدريسية فناصرت كلا من إدريس الأول ثم الثاني . من المفارقات الغريبة التي يمكن تسجيلها في هذا السياق، ضمن العلاقة بين المجال والزمن ( التاريخ ) أنه بقدر ما أضفى الموقع الجغرافي والتضاريس إلى حد كبير أهمية بالغة بالنسبة للجيوش والقوافل التجارية والحجية، باعتبارممر تازة وحوض إيناون طريق مواصلات هام حسب فوانو Voinot ، بقدر ما جلبت تلك العناصر جوانب سلبية شتى وصلت إلى مستوى المآسي أحيانا والتي عانت منها ساكنة تازة عبر العصور وبشكل أقل ساكنة الأحواز، ومفهوم الرباط نفسه الذي أطلقه ابن خلدون على تازة / تازى كانت له علاقة بما هو عسكري وحربي أكثر من آي شيء آخر وذلك باختلاف يكاد يكون جذريا عن أربطة أخرى عرف عنها طابعها الديني و الحربي معا ومنه لفظ المرابطين نفسه . يزيد من تعقد الوضع المجالي للمنطقة إضافة إلى مجاورة الريف للأطلس المتوسط وجود عدة أودية حول ممر تازة وحوض إيناون كواد لحضر وواد بوحلو وواد الأربعاء وواد الدفالي وواد أمليل وواد الهدارواد الزيرك وواد بوزملان وواد بولجراف وواد مطماطة، كما أن حوض إيناون نفسه يتوسط حوضين كبيرين هما : منطقة ملوية ومجال سبو مما يكسب ذات الناحية طابعا حوضيا، وحيث تتوفر المياه و الأراضي الخصبة، الشيء الذي أجج صراعات مختلفة بين قبائل المنطقة منذ القدم ونذكر هنا توسع مجموعة بني وراين باتجاه شمال الأطلس المتوسط وتمدد غياثة على حساب مكناسة بدءا من القرن الحادي عشر الميلادي انطلاقا من الجبل ونحو المنخفضات والسفوح . لقد ورد طريق فاس – تازة – وجدة وتلمسان عند الإخباريين القدماء كابن حوقل والبكري والحميري، وببعض التفاصيل يتم ذكر المواقع والقرى المختلفة الواقعة بين هذه المجالات، وقد تُذكر معها قبيلة مكناسة الزناتية، علما بأن مجالها يشكل الطريق الآخر بين فاس وتازة عبر الحياينة وتسول ثم مكناسة الغربية ( حاليا ) ويذهب البعض إلى أن هذا الطريق وإن كان محاذيا هو الآخر لممر تازة، فإنه أكثر أمنا من الطريق الذي يسير مع مجرى نهر إيناون رغم قصر مسافته، والسبب الأساس فيما نتصور هو سيطرة قبيلة غياثة القوية على ضفته اليمنى المحاذية لنفس الطريق، وما يمكن أن يتعرض له المسافرون من مخاطر، ولابد هنا أن نستثني حملات الجيوش في العصور الوسطى وبعض الحركات خلال دول بني مرين والوطاسيين والسعديين ثم العلويين، الشيء الذي جعل المسافرين وحتى المكتشفين أحيانا يلجؤون إلى الزطاط ( وهو المرافق المسلح الذي يضمن أمن القافلة ) أو إلى ما سمي ب" الضامنْ " وهو يحمل نفس المعنى بالتقريب، يورد الأستاذ عبد الأحد السبتي في كتابه " بين الزطاط وقاطع الطريق " بيتين زجليين حول أهمية كل من الزطاط والضامن خاصة خلال القرن التاسع عشر: شَرًبو من الواد الهدار .....وطًلْقو فتازة بلا زطاطْ شربو من الوادْ الهدار..... وطَلْقو فتازة بلا ضامنْ والمقصود بتازة هنا كما هو واضح ليس المدينة في ذاتها وإنما أحوازها وخاصة ممرها ومعه حوض إيناون، مما كان يعرف في بعض الفترات ببلاد تازا أو تازة . من جهته يحدد عبد الواحد المراكشي المسافة بين تازا وتلمسان بسبعة مراحل ( ج مرحلة أي يوما كاملا من السفر) بمعنى سبعة أيام من تازة شرقا نحو تلمسان وثلاثة أيام غربا نحو فاس، وهو ما كان يسمى منذ القديم " طريق السلطان " حسب بوارمور POIRMEUR وقياس المراكشي يجب تناوله بمعايير تلك الفترة لا بالمقاييس الحالية . وتشكل تازة البوابة التي تلقت الكثير من الأحداث الجسيمة سواء من جهة الشرق ( غالبا ) أو الغرب ( في حالات قليلة ) ، حتى أن هنري تيراس H .Terrasse وصفها بأنها" المنطقة القوية التي كانت تحمي فاس " ويمثل لذلك بالصراع الطويل المنهك الذي احتدم بين بني مرين بفاس وأبناء عمومتهم من بني عبد الواد بتلمسان، وهو صراع لم يتراجع إلا مع ضعف الدولتين معا، الشيء الذي خلف خرابا كبيرا على صعيد المباني والمنشآت العمرانية في بعض الفترات ولنا في هدم القصر المريني الفخم بتازة الذي أشار إليه ابن خلدون مثالا واحدا من عدة نماذج . صحيح أن مختلف المناطق المغربية شهدت حركات تمرد أو جهاد أو محاولة بناء دول جديدة على أنقاض أخرى متدهورة، كمناطق السوس وأزمور وآسفي والرحامنة والريف والأطلس والصحراء وغمارة والغرب وقبائل الحدود ( منذ احتلال الجزائر في 1830 ) وطيلة فترات تاريخية متعاقبة، لكن الوضع بالنسبة لتازة وأحوازها كان أكثر حدة وتواترا بسبب العوامل المجالية والبشرية التي ذكرنا بعضها . الأخباريون في العصر الموحدي لم يعدموا إشارات هامة حول المنطقة بعضها مثير فعلا، كطرد ساكنة أمليل ( وادي أمليل ؟) للمهدي بن تومرت داعية الموحدين عند عودته من الشرق حوالي سنة 515 هـــ/ 1121 م حسب ما يورد أبو بكر الصنهاجي المكني بالبيذق، ويعتمد عليه شارل اندري جوليان Charles André Julien في كتابه " تاريخ إفريقيا الشمالية / ج 2 " ويقرالبيذق بمقتل الآلاف ضمن عملية الاعتراف الرهيبة التي تمت في عهد عبد المومن من بين ساكنة وقبائل المنطقة كبني مكود وفروع من مجموعات الأطلس المتوسط، فضلا عن تازة نفسها التي قتل فيها المئات من الناس. رغم أن فتح المنطقة كان أيسر على الموحدين مقارنة بالمرابطين الذين استغرقوا ست سنوات في إخضاع قبائلها ومجالاتها، لكن العصر الموحدي لم يك يخلو من مظاهرعداء تعبر عنه ساكنة المنطقة تجاه دولة المهدي بن تومرت، سواء في عهد الخليفة عبد المومن أوفي عصر إبنه يوسف، رغم الحديث عن ازدهار الطريق التجاري ( السلطاني فيما بعد ) بين فاس وتلمسان وتألق زراعة الزيتون وصناعة الخزف في نفس العصر، فقد قامت ثورتان الأولى سنة 543 هـــ/ 1148 م لما انهمك عبد المومن في إخماد ثورة سبتة والثورة الثانية حدثت سنة 559 هــ/ 1163 م بزعامة مرزدغ الصنهاجي الذي ثار بغمارة ثم اتجه نحو تازة، التي سيطر عليها وسك بها نقدا فريدا كتب على وجهه " مرزدغ الغريب نصره الله عن قريب " كما نكل بأهلها كما تقول مصادر الفترة، حتى تمكنت جيوش يوسف الموحدي من القضاء عليه، ويعزو الباحث حسين أسكان سبب هذه الثورة إلى حرمان قبائل المنطقة من ملكية أراضيهم وهو افتراض تاريخي بدليل استعانة صاحبه بكلمة " يوحي " لكنه مؤسس منهجيا وعلميا . عادت الحركية التاريخية إلى المنطقة مع بدايات المرينيين حيث حدثت أول مواجهة بينهم وبين أواخر الموحدين بتازة سنة 613 هــ/ 1216 م أي قبل فتح مراكش عاصمة الموحدين ب 55 سنة وبناء فاس الجديد ( المرينيين ) سنة 674 هــ/ 1275 م، وشهدت المنطقة أحداثا تاريخية مؤثرة تمثلت في الصراع المريني العبد وادي من جهة والصراع الداخلي ضمن الأسرة المرينية من جهة أخرى، دون إغفال لحظات حضارية فريدة كإصلاح وتوسعة المسجد الأعظم بتازة ووضع الثريا الشهيرة سنة 694 هــ/ 1294 م ثم تهيئة خزانة المسجد العامرة وبناء المدارس والفنادق والمساجد وغيرها. تحولت طبيعة الصراع مع الشرق، منذ مستهل القرن السادس عشر الميلادي في منعطف تاريخي عند احتلال العثمانيين للجزائر بقيادة عروج وخير الدين سنة 1517 م / 922 هــ وباسم الجهاد البحري ضد المسيحيين وكان ظهور الأشراف السعديين بجنوب المغرب، في نفس الفترة عاملا هاما أيضا، حيث استعر الصراع بين الطرفين، باستثناء فترات سلم وتعاون حذر مع السلطانين عبد المالك ثم أحمد الملقب بالمنصور، وقد كان لمنطقة تازة نصيب وافرمن هذا التجاذب خاصة بين سنتـــــي 1553 و1576 م . في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي عرف المغرب أوج التمزق السياسي بعد تدهور الدولة السعدية، حيث توزعته عدة إمارات وزعامات كالدلائيين في الأطلس المتوسط وآل النقسيس والخضر غيلان بتطوان والناحية والسملاليين بسوس وأواخر السعديين وبعدهم عرب الشبانات بمراكش ثم العلويين بتافيلالت، حيث بويع هناك مولاي امحمد ( فتحا ) ولكن البيعة لم تكن شاملة وعامة، فاستغرق الأمير العلوي كل جهوده في شرق المغرب وأجزاء من غرب الجزائر، وما لبث أن نشب الصراع مع أخيه المولى الرشيد الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لدولة الأشراف العلويين، فبعد قضائه على إمارة آهارون بن مشعل الذي كان جبارا مستبدا بالمنطقة وذلك بمساعدة زاوية عبد الله اللواتي بتازة، اتخذ المدينة عاصمة له حسب إبراهيم حركات سنة 1663م/ 1073 هــ قبل أن يسيطر على فاس بالاعتماد على عرب شراكَة والأحلاف ثم قبائل ممر تازة، التي قدمت بيعتها للعاهل العلوي، حسب ماورد عند فوانو Voinot وسقط أخوه مولاي امحمد في أول مواجهة بينهما بفحص أنجاد في يونيو 1664، ثم هاجم فاس أربع مرات إلى أن تمكن منها سنة 1666 م/ 1076 هـــ وعرفت تازة استقبال مولاي الرشيد للتاجرين الفرنسيين فريجوس Fréjus ، وذلك في أفق إقامة علاقات تجارية بين فرنسا ومملكة فاس ( المغرب ) كما قام المولى الرشيد بتحويل دار المخزن من جوار المسجد الأعظم إلى الجنوب الشرقي للمدينة قرب البستيون، وأدخل عدة إصلاحات على مسجد تازة الأعظم . تتوالى المحطات مدا وجزرا وتشاء الأحداث التاريخية أن تشهد المنطقة العديد من أشكال التمرد التي كانت تستهدف غالبا السيطرة على السلطة كتمرد الناصر ضد عمه أحمد المنصورالسعدي ، وثورة أحمد بن محرزسنة 1673م / 1084هـــ وكل منهما اتخذ تازة موقعا متقدما له في مواجهة قوات المخزن، لا بل تم قصف البستيون السعدي الذي لجأ إليه ابن محرز وحاول عبيد المولى اسماعيل ومساعدة خبراء فرنسيين حفره للظفر بالمتمرد لكن دون جدوى، فقد فر ابن محرز إلى تارودانت ثم ما لبث أن خلا الجو للمولى اسماعيل . " أرحل عن تازا قاصدا مليلة وفي العاشر من هذا الشهر أكون بحول الله قد وصلت إليها... لنسترد من إسبانيا جميع حقوقنا " هذه الخطاب الممتلئ عزما وإقداما على تحرير مدينة مليلة، لم يكن غير رسالة السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي موجهة إلى صهره عبد الله الرحماني عامل الرباط في أوائل ديسمبر1774 م / 1188 هــ، فقد توجه السلطان وجيوشه من مدينة مكناس ففاس ثم تازة التي انطلق منها لتحرير مليلة / مليلية من الاحتلال الإسباني، وطبعا لم يكتب لهذه المحاولة النجاح بعد حصار دام ثمانية وتسعين يوما لأسباب متعددة ليس هنا مجالها . في الفترات الحرجة التي هدد خلالها الجيش الفرنسي أطراف البلاد، أيدت قبائل المنطقة الأمير عبد القادر الجزائري في مقاومته، وتحت نفس ادعاء راية الجهاد، ظهر كل من بوعزة الهبري ثم الدعي الجيلالي بن ادريس اليوسفي الزرهوني الملقب ب " بوحمارة " باسم مولاي امحمد الإبن البكر للسلطان الحسن الأول، ومع تغلغل الجيش الأستعماري، عرفت المنطقة بروز عدد من " سلاطين الجهاد " كعبد المالك بن محيي الدين ومحمد بلمامون الشنجيطي ومولاي الكبير وصولا إلى المولى عبد الحفيظ، في خضم البحث اللاهث عن زعامة تاريخية، تستطيع رفع لواء الجهاد والدفاع عن البلاد، أمام خطورة تمدد الجيش الاستعماري شرقا وغربا . كان أغوستان برنار Augustin Bernard قد نبه في أحد تقاريره ضمن ملفت " حوليات جغرافية " Annales de Géographie سنة 1913 إلى أهمية ممر تازة لدى مخططي الحماية الفرنسية بقوله " ما دام هذا الطريق ليس بين أيدينا، فإن وحدة إمبراطوريتنا الإفريقية ستكون محفوفة بالأخطار " ويضف " أيضا فإن وجود معقل للتحريض ضدنا سيجعل الأمر خطيرا بسبب الموقع الاستراتيجي " وخلال الثورة الريفية كان ممر تازة محل رهان حاسم بين مجاهدي الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي والجيش الفرنسي الذي ذاق عدة هزائم في ربيع 1925، كما تم قطع الخط السككي بين تازة وجرسيف قبل أن ينقذ التحالف الاستعماري الوضع ومعه الجيوش الجرارة المسلحة بأحدث العتاد آنذاك . لقد عينت فرنسا على غياثة ادريس المجاطي قائدا للمنطقة، فاستطاع بأساليب السياسة حينا والبطش والقمع المختلف الأشكال والألوان حينا آخر إخضاع تلك القبيلة، رغم أنه دفع الثمن غاليا فيما بعد، حين اغتاله مجاهدو جيش التحرير بمدخل ساحة أحراش/ تازة العليا، عشية الاستقلال مساء يوم 26 فبراير 1956 م. هذا غيض من فيض، ويبقى الإشكال الكبير الذي واجه المنطقة بعد الاستقلال يتلخص فيما وصفه الراحل الحسن الثاني أثناء زيارته لتازة في 17 ماي 1970 ب " التحويل " أي تغيير الوظيفة الاستراتيحية والعسكرية لهذه الناحية، برؤية اقتصادية واجتماعية تنموية، لصالح الساكنة واعترف الملك الراحل بأن هذا التحويل جابهته بعض المصاعب في تازة وطنجة آنذاك، رغم إقراره بوجود مؤهلات هامة طبيعية وتاريخية، وهي الإمكانيات التي يتيحها تصنيف تازة تراثا وطنيا وفقا لمرسومين حكوميين سنة 2017 و2019، علاوة على ما تمتاز به من مؤهلات في مجالي السياحة الجبلية والاستغواريةSpéléologie ثم الثقافية والاستشفائية ومن جهة أخرى، إتاحة فرص الاستثمار المنتج للعمالة المهاجرة، وإنعاش الأحياء الصناعية بالمدينة والمراكز الحضرية التابعة للإقليم، ما يفرض التصدي للتحديات الملحة ومعها أسئلة التنمية المجالية المندمجة وفي أفق جهوي عادل .
#عبد_الإله_بسكمار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسوار تازة المغربية بين الإهمال والنسيان
-
ما هكذا تورد ياسعد الإبل
-
قصبة مسون : معلمة تاريخية تندب حظها التعس
-
مشروعية النقد المزدوج
-
حروب المياه ...إلى أين ؟
-
السياسة الجهوي بالمغرب : من أجل عدالة مجالية
-
مشور تازة : دلالات عمرانية وتاريخية
-
....ويحدثونك عن تصنيف مدينة تازة تراثا وطنيا
-
قبة السوق بتازة : قبس من ذاكرة ممتدة
-
المدارس المرينية بتازة من الوظيفة الأيديولوجية إلى الدور الس
...
-
تازة التي لم تخضع للاحتلال الروماني
-
المنتزه الوطني لتازكة : مكونات متنوعة تحتاج إلى تنمية مندمجة
-
أبواب تاريخية بتازة بين الإصلاح والإهمال
-
كيف انتقل اسطرلاب تازة من المغرب إلى إيطاليا ؟
-
متى تتم إعادة فتح مغارة فريواطو بتازة ؟
-
العودات بتازة بين البعدين التدجيلي والتطبيبي
-
عن أسرة التازيين بفاس
-
تاريخ تازة : أسرارملتبسة وبالجملة
-
عن زمن الانتهازية والانتهازيين
-
حول زمن الانتهازية والانتهازيين
المزيد.....
-
السلطات الأردنية تؤكد أن حل حزب -رؤية- قطعي
-
الأمن يحبط محاولة تخريب على سكة حديد في الشرق الأقصى الروسي
...
-
صحيفة: واشنطن توقف تشديد ضغوط العقوبات على طهران
-
إصابة فلسطينيَّين في اقتحامات الاحتلال بالضفة ومستوطنون يهاج
...
-
وزير خارجية إيران يصل القاهرة
-
إذا فشلت المفاوضات.. كيف تستعد إيران لـ-السيناريو الأسوأ-؟
-
زيلينكسي: الهجوم على روسيا الأحد هو -الأبعد مدى- من جانب أوك
...
-
مرشحا الرئاسة في بولندا يعلنان الفوز والفارق ضئيل في النتائج
...
-
مكتب التحقيقات الفيدرالي يفتح تحقيقا في -هجوم إرهابي- استهدف
...
-
موجة اختطافات تستهدف أثرياء شركات العملات الرقمية في فرنسا
المزيد.....
-
كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية
/ رحيم فرحان صدام
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
المزيد.....
|