|
أكتوبر الأخضر والخروج من التخلف والتبعية
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 10:08
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
١ أشرنا سابقا الي الذكرى ٦١ لثورة أكتوبر التي كانت محاولة للخروج من التخلف والتبعية فقد ورث السودان بعد الاستقلال تركة اقتصادية اجتماعية استعمارية مثقلة بالتخلف والتبعية كان حصادها: - أصبح السودان خاضعا لاحتياجيات بريطانيا ومد مصانعها بالقطن الذي كان المحصول النقدي الرئيسي في تلك الفترة، وقامت مشاريع زراعة القطن لتلبية ذلك الاحتياج الخارجي. - أحكمت بريطانيا سيطرتها علي تجارة السودان الخارجية من خلال سيطرتها علي البنوك الأجنبية التي كانت تتحكم في حركة رأس المال في اتساعها وانكماشها، كما كانت الشركات البريطانية تسيطر علي معظم تجارة الصادر والوارد، أما ماتبقي فقد سيطرت عليه الشركات الأجنبية الأخري (الأجانب المتسودنين) من يونانيين وشوام، والجزء الضئيل المتبقي للنشاط التجاري فقد عملت فيه الرأسمالية السودانية المحلية. - ترتب علي نمط التنمية التي فرضها المستعمر علي السودان وهي التخصص في زراعة محصول نقدي واحد(القطن)، أن تخلفت الصناعة، وتم اجهاض أي محاولة من جانب الرأسمالية السودانية الناشئة لاقامة صناعة وطنية. - ظل حوالي 90% من السكان مسجونا في القطاع التقليدي الذي يعتمد علي أساليب الزراعة التقليدية وتربية الماشية. أما ميزانية التعليم فقد كانت متواضعة لاتتعدي 2% من الميزانية العامة، وميزانية الصحة بلغت 4%، أما نفقات قوة دفاع السودان فقد كانت 8،9%( تقرير الحاكم العام 1938م). - لم يعرف السودان برامج التنمية الا في الأعوام: 1946م – 1951م، 1953م – 1956م، بعد ضغط الحركة الجماهيرية وازدياد نمو الوعي الوطني الذي كان يطالب بزيادة ميزانية التعليم. ٢ بعد الاستقلال لم يحدث تغيير يذكر في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية التي خلقها المستعمر وازداد الوضع سوءا بسبب عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية، وفشل الأنظمة الحاكمة (المدنية والعسكرية) في التنمية، اضافة لتعميق حرب الجنوب، وكان الحصاد بعد اكثر من64 عاما من الاستقلال علي النحو التالي: - انهيار كل البنيات التي خلفها الاستعمار مثل مشروع الجزيرة، والسكك الحديدية، والنقل النهري، والخطوط الجويّة السودانية. - ديون خارجية بلغت تجاوزت 60 مليار دولار. - عجز غذائي ومجاعات. - حروب وعدم استقرار داخلي. - نماذج فاشلة للتصنيع حيث انهارت حتي الصناعات الخفيفة مثل: النسيج والزيوت. الخ. - عدم تحقيق الأهداف المباشرة المنشودة من التنمية الرأسمالية التي قادتها الفئات المدنية والعسكرية في السودان، وكانت هناك آثار سلبية لتضخيم دور الاستثمار في التنمية. - عدم الثقة بالنفس وتزايد الاعتماد علي الغير. علي أن الوضع شهد تدهورا سريعا في فترة مايو (1969- 1985م)، ولاسيما بعد التخفيضات المتوالية في الجنية السوداني بعد عام 1978م وتصاعد النشاط الرأسمالي الطفيلي علي حساب النشاط الانتاجي في الصناعة والزراعة، وظهرت فئات الرأسمالية الطفيلية والبنوك الأجنبية التي أسهمت في تدمير الاقتصاد السوداني وتهريب الأموال اللازمة للتنمية الي الخارج ( الفائض الاقتصادي). وبعد انقلاب 30 يونيو 1989م، ورغم الشعارت الدينية التي رفعها النظام لتحقيق العدالة، الا ان سياسات النظام التي اعتمدت الخصخصة وسحب الدعم عن السلع والخدمات الأساسية أدت الي افقار أغلبية الشعب السوداني حسب الاحصاءات الرسمية 94% يعيشون تحت خط الفقر(التقرير الاستراتيجي 1997م)، وتصاعد النشاط الطفيلي وتدهور الإنتاج الصناعي والزراعي، وتزايدت الهجرة من الأرياف الي المدن، واصبح تبديد الفائض الاقتصادي في الصرف البذخي وتهريبه للخارج والاستثمار في العقارات هو السائد. ولم ينعكس استخراج البترول والذهب علي حياة المواطنين العادية، وعلي تطور الزراعة والصناعة وتوفير ودعم خدمات التعليم والصحة، بل تدهورت تلك الخدمات الي درجة الانهيار التام، وأي تنمية يمكن تحقيقها بدون تعليم وصحة؟!!. كما اختل توزيع الدخل القومي حيث أصبح العشرة الأغني لديه حوالي 60%، وال 40% الأفقر لديهم 8% فقط من الدخل القومي (بروفيسور محمد هاشم عوض: السوداني الدولية، السبت 19/3/ 1994م). بعد ثورة ديسمبر تم الانحراف عن مسار الثورة وتعطل تفكيك التمكين وضم شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية وكانت شركات الجيش تستحوذ على ٨٢ ٪ من موارد البلاد وتم تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي القاسية في تخفيض العملة ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء والتعليم والصحة والدواء مما فاقم من تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية والتعليمية إضافة تفاقم الصراع على السلطة بين الجيش والدعم السريع بعد المقاومة الكبيرة التي واجهها انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ وتدخل المحاور الاقليمية والدولية لفرض الاتفاق الإطارى الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير وقاد للحرب اللعينة الجارية حاليا التى دمرت البلاد والعباد. ٣ خلاصة القول: ان التجارب التنموية بعد الاستقلال في السودان فشلت في الخروج من التخلف والتبعية للخارج وتجديد البلاد ووضعها علي أعتاب المجتمع الصناعي الزراعي المتطور، رغم عراقة شعب السودان وحضاراته القديمة التي كانت لا تقل تطورا عن الحضارات المعاصرة لها، كما تم الفشل في ترسيخ الديمقراطية والسلام ورفع مستويات المعيشة والارتقاء بخدمات التعليم والصحة والكهرباء والمياه وتوفير البنيات الأساسية اللازمة للتنمية، وأصبح السودان في ذيل قائمة الدول الأكثر تخلفا في العالم، ورغم امكانياته وموارده الزراعية والحيوانية والبترولية والمعدنية والسياحية، وما زالت مهام التنمية قائمة تنتظر الانجاز في ظروف عالمية(العولمة) وداخلية معقدة . هشيما أم نسلك سبيل التوجه الداخلي دون ٤ فما هي أهم عناصر التوجه الداخلي أو التنمية المستقلة؟ عندما نتحدث عن التنمية ننطلق من الواقع في تجلياته وتحولاته المختلفة، كما ان طرق التنمية متعددة ويتم فيها تفاعل بين الأصالة والمعاصرة، كما انه عندما نتحدث عن تنمية مستقلة، لايعني ذلك الانعزال عن العالم، كما ان طريق التنمية الرأسمالية الذي سارت عليه البلاد منذ الاستقلال كان فاشلا، وان هذا الطريق استند علي النظريات الغربية حول مفاهيم التخلف والتنمية، وعجزت تلك النظريات عن تفسير التخلف وأهملت الطبيعة الخاصة للبلاد المتخلفة وتراثها وتقاليدها وظروفها الخاصة، ومن خلال النقد للفكر الاقتصادي الغربي التقليدي وفشل مفاهيمه ومقولاته حول التخلف والنمو وعجزها عن تفسير التخلف، ظهرت دعوات بديلة للتنمية المستقلة علي النحو التالي: *- الاعتماد علي النفس في مواجهة الاعتماد فقط علي المعونات والقروض والاستثمارات. - ظهرت فكرة التوجه الداخلي للتنمية في مواجهة انقسام الاقتصاد الي قسم حديث مرتبط عضويا بالشركات متعددة الجنسيات، وقسم (تقليدي) وتسمي احيانا تنمية متمحورة حول الذات . - الوفاء بالاحتياجات الأساسية في مواجهة اثراء الأقلية وفقر الأغلبية. - التنمية البيئية في مواجهة نهب الموارد الطبيعية حتي الاستنفاد. - وفي مواجهة النظم العسكرية الديكتاتورية الشمولية، ظهرت فكرة الديمقراطية ومشاركة الجماهير باعتبارها الشرط لنجاح التنمية. - التكنولوجيا الملائمة في مواجهة الانبهار بأحدث تكنولوجيا العصر. - بناء قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية في مواجهة التبعية الناشئة عن الاعتماد علي استيراد تقنيات الانتاج. - الأصالة والهوّية الثقافية والحضارية في مواجهة الذوبان في الثقافة أو الحضارة الغربية. - الانفلات الجزئي عن الدوران في مسار او فلك النظام العالمي. - الاستقلالية بمعني انتقال مركز صنع القرار من الخارج الي الداخل. وعندما نتحدث عن التنمية في السودان نأخذ في الاعتبار الاتي:- - السودان دولة متعددة الثقافات والأديان والمناخات والأعراف، ويتميز بمستويات تطور متباينة ومتعددة في أنماط المعيشة وقوي الانتاج وعلاقات الانتاج، وهذا الوضع له انعكاسه في بنية المجتمع الفكرية والثقافية والايديولوجية ويؤثر علي تطوره السياسي. تأخذ التنمية في الاعتبار هذا الواقع باعتباره مصدر غني واخصاب، وبالتالي يكون النظام السياسي والاجتماعي والثقافي متوافقا مع هذا التعدد، وأن وحدة وتكامل السودان تتم من خلال التنوع واحترام حق كل شعب في تطوير ثقافاته وممارسة شعائره الدينية ومعتقداته، وان يتم التعبير عن ذلك في دستور ديمقراطي يجسد هذا الواقع. - لايمكن الحديث عن التنمية دون أخذ خصائص وموروثات شعب السودان وتقاليده ودمجها في البناء الثقافي العام، ومساهمتة المتميزة في مجري الحضارة العالمية، تلك الخصائص التي تنطلق من واقع السودان العربي- الافريقي وتعدد دياناته، دون ان يعني ذلك الانغلاق باسم الخصوصية المحلية، ولكن بهدف التطلع الي الأمام والمستقبل. - اعادة بناء الاقتصاد السوداني علي أساس اعطاء الأسبقية للانتاج الصناعي والزراعي والحيواني، وتشجيع الرأسمالية المنتجة، سواء كان ذلك في قطاع الدولة أو الخاص او التعاوني، والقضاء علي النشاط الطفيلي الضار بالحياة والمجتمع والفكر والثقافة. - بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل الحقوق والحريات الأساسية واحترام المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق وحريات الانسان، وذلك شرط هام للتنمية والسلام وتوحيد الوطن علي أسس طوعية وديمقراطية. - لا يمكن الحديث عن التنمية بدون وقف الحرب واستعادة مسار الثورة وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي واشراك أوسع قطاعات الجماهير في عملية التنمية نفسها التي تهدف الي توفير احتياجات الانسان الأساسية، واحداث التنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكرى ثورة اكتوبر والمخرج من الأزمة
-
بعد ادانة على كوشيب ادانة مجموعة -بي ان بي باربيا-
-
في ذكرى أكتوبر تصعيد لطي صفحة الحرب وترسيخ السلام
-
تسارع الضغوط لوقف الحرب والتسوية
-
لنكثف الجهود لوقف الحرب في الذكرى ٦١ لثورة أكتوب
...
-
كيف تناول عبد الخالق محجوب وخليل فرح كنه الاستعمار؟
-
استمرار نهب الذهب وسيطرة الشركات
-
إدانة على كوشيب خطوة نحو العدالة والسلام
-
كيف ازدهرت الثقافة النوبية في العصر الوسيط؟
-
كيف كانت إرهاصات انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠
...
-
كيف تدهورت الأوضاع المعيشية والاقتصادية بعد الحرب؟
-
جذور حرب دارفور وعدم الإفلات من العقاب
-
من المستحيل تجاوز ثورة ديسمبر ٢٠١٨
-
التمديد للبعثة المستقلة خطوة موفقة بعد إدانة على كوشيب
-
إدانة على كوشيب وجرائم لاتسقط بالتقادم
-
ادانة على كوشيب َوجرائم لا تسقط بالتقادم
-
في ذكراها ٦١ اهم دروس ثورة أكتوبر ١٩
...
-
لا مناص من وقف الحرب وعودة الحكم المدني الديمقراطي
-
مرور خمس سنوات على اتفاق جوبا
-
كيف تسارع انهيار الانقاذ بعد انفصال الجنوب؟
المزيد.....
-
إدانة جماعية لمتظاهرين عشية انتخابات كوت ديفوار
-
أوقفوا جريمة الإهمال الطبي.. الحرية لـ “هدى” و”مروة”
-
مؤتمر صحفي للمطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي في مقر حزب الكرا
...
-
-أنتيفا- حركة يسارية عالمية مناهضة للفاشية
-
-رايتس ووتش- تتهم الإكوادور باستخدام القوة المفرطة ضد المتظا
...
-
«جيل زد» المغربي والبركان الإقليمي
-
الصحراء الغربية: جبهة البوليساريو مستعدة للتفاوض مع المغرب و
...
-
تونس .. آلاف المحتجين يطالبون بوضع حد للتلوث في قابس
-
بيان مشترك من الحزبين الشيوعيين العمالي العراقي والكردستاني
...
-
The Genocide Will Not End Unless the Palestinian Political L
...
المزيد.....
-
ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا
...
/ بن حلمي حاليم
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|