أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خالد علي سليفاني - نوبل للآداب في بلاد الأوهام














المزيد.....

نوبل للآداب في بلاد الأوهام


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 21:29
المحور: كتابات ساخرة
    


قصة قصيرة

لسبب ما، في عام من الأعوام، قررت مؤسسة نوبل نقل امتياز منح جائزة الآداب إلى بلد آخر. ربما كان تجربة، أو مجاملة سياسية، أو خطأً إدارياً كبيراً. لا أحد يعرف بالضبط. المهم أن الجائزة وصلت إلى بلاد الخرافات.
بدأ الصراع فور الإعلان. من سيجلس في لجنة التحكيم؟ رفع الكتّاب المخضرمون أصواتهم: "نحن من كرّسنا حياتنا للأدب! نحن من نفهم النص والسياق والجمالية!". فردّ أساتذة الجامعات، أصحاب الشهادات العليا بغضب: "نحن من نحمل الدكتوراه! نحن من ندرّس الأجيال! المناصب لنا بالأحقية!". وهكذا تحولت الاجتماعات إلى مشادات، والمشادات إلى تهديدات، والتهديدات إلى... تدخل الوسطاء.
في النهاية، حُسم الأمر بالطريقة المعتادة: صفقات في الظل. من يدفع أكثر، يجلس على الكرسي. جلسوا جميعاً، البعض بالمال، والبعض بالنفوذ، والبعض بالولاء، والقليل منهم بالكفاءة.
في العام الأول لعمل اللجنة، أُعلن عن الفائز بجائزة نوبل للآداب: شاب في الرابعة والعشرين من عمره، اسمه لامع، وعائلته أكثر لمعاناً. والده من كبار المتنفذين في البلاد. وقف على المنصة يرتدي بدلة أنيقة ويبتسم بثقة لا تليق بعمره. تسلّم الجائزة تحت أضواء الكاميرات وتصفيق الحضور، وقال في خطابه: "الأدب رسالة إنسانية..."
صفّق الجميع.
وبعد أسابيع، بدأت الهمسات والإشاعات:
"هل قرأ أحدكم روايته؟"
"سمعت أنها صفقة"
"الاسم له، والمال لأعضاء اللجنة."
لم يكن الأمر سرّاً مخفياً جيداً؛ فالجميع يعرف، لكن لا أحد يتحدث علناً. لم يكتب الشاب الفائز حرفاً واحداً. إنما الرواية كُتبت له، أو بالأحرى، اشتُريت له. لكن المصيبة الحقيقية لم تظهر بعد. وقف أحد النقاد الأجانب في مؤتمر أدبي دولي وقال بهدوء: "هذه الرواية... قرأتها من قبل." صمتت القاعة. فتح الناقد حاسوبه وعرض صفحات متطابقة. الجمل نفسها، الشخصيات نفسها، الحبكة نفسها. "هذه رواية مترجمة. النص الأصلي بالفرنسية، من أعمال باتريك موديانو، الحائز على نوبل للآداب عام 2014." سمعت همهمات في القاعة وطغت النظرات المتبادلة.
"مترجمة؟!".. "إذن هي ليست من كتابته أصلاً!".
لكن الناقد لم ينتهِ بعد. رفع إصبعه وأضاف بنبرة أشد: "ليست مترجمة فقط. إنها منقولة حرفياً، مع تعديلات سطحية في الأسماء والأماكن." سرعان ما تحولت الدهشة إلى صدمة: "سرقة أدبية!". ثم جاءت الطامة الكبرى، والضربة القاضية، عندما قال الناقد بصوت حازم: "إنها من روايات موديانو الذي فاز بجائزة نوبل للآداب قبل سنوات. لم يسرق الفائز الجديد عملاً عادياً، بل سرق من كاتب فاز بنوبل نفسها!".
صفّق أحدهم ساخراً من آخر القاعة. انضم إليه آخرون. تحول التصفيق إلى موجة من الضحك المرير، ثم إلى همهمات غاضبة تملأ المكان. لم يسرق مجرد رواية. سرق من نوبل... لنوبل! وفي اليوم التالي، لم يصدر أي بيان رسمي من اللجنة، ولم يُسحب الاسم من قائمة الفائزين، كما لم يُعَد المبلغ، فقط صمت فاضح.
استمرت الحياة كالمعتاد. لا عجب، إنها بلاد الخرافات. نشر الفائز صورة جديدة على حسابه: يحمل شهادة نوبل ويبتسم، وتنهال التعليقات:"مبدع!"... "فخر الوطن!"..."عبقري!"...

أما باتريك موديانو، في شقته بمدينة باريس، فقد أشعل سيجارة ونظر إلى المطر على النافذة. قرأ الخبر في الصحيفة، وابتسم. ليس سخرية، بل شفقة. ثم أغلق الصحيفة، وفتح دفتره، وشرع في كتابة رواية جديدة بعد روايته التي تُوِّج بنوبل في عام نشرها، وهي رواية "حتى لا تضيع في الحي"، مستفتحًا بعبارة: "لقد ضاع الحي بمن فيه". بعيدًا، بعيدًا جدًا، عن بلاد الخرافات.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لجنة الخلود العليا
- مديح الهامش… ومراثي المعنى
- من النوروز إلى الهوية
- الكتابة بوصفها شرارة وجود: تأملات في جدلية الإبداع والتجدد
- كسر المعروف
- فلسفة النوروز التاريخية وفق رؤية المؤرخ علي تتر نيروي
- عيد العمال: صيغة الجمع ومحنة الفرد
- وسائل التواصل الاجتماعي: مرآة القلق الجمعي وتجليات الذات الم ...
- الرواية الخالدة: حين يصبح الأدب فخًا نفسيًا وتجربة وجودية
- من أجل واقع أقل وحشية
- العراق وكوردستان: تجليات الدولة المأزومة في فضاء الجغرافيا ا ...
- تغريد الإبداع أمام تهريج الجهلة
- إنتاج الغباء
- حين يشكر الكاتبُ الناشرَ: أزمة التقدير في عالم الكتب – تفكيك ...
- فساد بالتقسيط... حتى إشعار آخر!
- الشخصية الكوردية بين إرث الصراعات وغياب الرؤية الاستراتيجية
- وهم المجد ومجد الوهم
- التكوين الفلسفي للهوية الكوردية في كتاب -كوردستان القديمة-
- بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث
- سلاسل من حرير


المزيد.....




- -بطلة الإنسانية-.. -الجونة السينمائي- يحتفي بالنجمة كيت بلان ...
- اللورد فايزي: السعودية تُعلّم الغرب فنون الابتكار
- يُعرض في صالات السينما منذ 30 عاما.. فيلم هندي يكسر رقما قيا ...
- -لا تقدر بثمن-.. سرقة مجوهرات ملكية من متحف اللوفر في باريس ...
- رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت ...
- عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
- كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
- نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
- صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
- اللحظة التي تغير كل شيء


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خالد علي سليفاني - نوبل للآداب في بلاد الأوهام