أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد علي سليفاني - فلسفة النوروز التاريخية وفق رؤية المؤرخ علي تتر نيروي














المزيد.....

فلسفة النوروز التاريخية وفق رؤية المؤرخ علي تتر نيروي


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 02:47
المحور: القضية الكردية
    


في كتابه الرائد "كوردستان القديمة" والذي تشرفت بترجمته إلى اللغة العربية، يقدم المؤرخ الدكتور علي تتر نيروي رؤية فلسفية وتاريخية معمقة للنوروز، ذلك العيد الذي يمتد جذوره إلى أعماق التاريخ الآري، ويُعدّ من أبرز رموز التجدد والبعث في الذاكرة الجماعية للشعوب الآرية، ولا سيما الكورد. يتجاوز نيروي الطابع الاحتفالي السطحي للنوروز، ليغوص في أبعاد رمزية وفلسفية تعبّر عن صراع وجودي بين النور والظلام، الخير والشر، الحرية والاستبداد. بذلك، يصبح النوروز شعلة لا تنطفئ عبر الزمن. يشكل كتاب "كوردستان القديمة" مرجعًا فريدًا يستعيد فيه المؤرخ ذاكرة النوروز ويعيد بناء فلسفته ضمن إطار تاريخي واجتماعي وسياسي عميق.

النوروز: تجسيد صراع الوجود والبعث الدائم
ينطلق البروفيسور الدكتور علي تتر نيروي من مفهوم أساسي في الفكر الآري القديم، وهو الصراع الأزلي بين قوى النور وقوى الظلام، كرمزية كونية تعبر عن تناوب الحياة والموت، الشتاء والصيف، الظلم والعدل. يرى أن النوروز ليس مجرد احتفال ببداية السنة الجديدة أو حلول فصل الربيع، بل هو حالة فلسفية تعكس الانتصار الوجودي للنور، رمز الحياة المتجددة والانبعاث الذي يتكرر بلا نهاية.

في هذا الإطار، تتبلور فلسفة النوروز كاحتفال بالتحرر من قيد الظلمة، وهو ما تجسده أسطورة كاوه الحداد، بطل الثورة ضد الطغيان والظلم، الذي كان شرارة التغيير التي أضاءت ظلام الاستبداد.

وفقًا لنيروي، فإنّ كاوه الحداد ليس شخصية أسطورية فحسب، بل رمز فلسفي للثورة على القهر، ولانعتاق الروح من قيود الجهل والظلم. لذلك، يُنظر إلى النوروز كإحياء لهذه الروح الثائرة، وفعل وجودي يعبر عن إرادة الإنسان في المقاومة والتجديد.

الجذور التاريخية للنوروز: طقس طبيعي متجذر في الذاكرة الجماعية
يرى نيروي أن النوروز يحمل إرثًا زراعيًا عميقًا مرتبطًا بدورة الطبيعة ومواعيد تحول المواسم، تحديدًا انبعاث الأرض بعد سبات الشتاء الطويل. هذه الدورات الطبيعية ارتبطت بعقائد الشعوب الآرية، وأصبحت طقوس النار والاحتفال بالضوء ممارسات رمزية تعكس أمل الإنسان في انتصار الخير على الشر، وتجدد الحياة المستمر.

كما يوضح كيف أن طقوس النار والنور في النوروز ليست طقوسًا عابرة، بل تجسيد لمفهوم كوني حول التجدد والحياة الأبدية، حيث تحترق الظلمة مع حرارة النار لتفسح المجال للنور والدفء، وتتحقق بذلك دورة الكون التي تحكم حياة الإنسان والمجتمعات.
النوروز في الأدب والذاكرة الشعبية: حالة وجودية متجددة

يلفت نيروي الانتباه إلى الحضور العميق للنوروز في الأدب الشعبي والملحمي، حيث يصبح العيد رمزًا للنضال ضد قوى الظلام والاضطهاد. يتجلى ذلك في الملحمة الفارسية الشهيرة "الشاهنامة" لفيروزي، التي تصف كاوه الحداد كبطل خالد يصنع تاريخ التحرر. هذه الحكايات ليست مجرد قصص تراثية، بل تراكمات لوعي جماعي يعبر عن صراع الوجود، والإيمان بالعدل والحرية كقيم حيوية.

النوروز، وفق نيروي، هو لحظة زمنية تلتقي فيها الذكرى والتجربة، وحالة وجودية تُظهر قدرة الإنسان على الصمود والتمرد والبحث المستمر عن العدالة، مما يجعله أكثر من مجرد طقس موسمي، بل حالة من الاستمرارية الفلسفية.

الهوية والانتماء: النوروز رمز المقاومة الثقافية للكورد
يركز المؤرخ نيروي على أن النوروز يتجاوز كونه عيدًا تقليديًا، ليصبح عنصرًا محوريًا في تشكيل الهوية الثقافية للكورد، الذين واجهوا عبر التاريخ محاولات متكررة لمحو وجودهم الثقافي والسياسي.
النوروز هو إعلان وجود وشهادة على الصمود، وأداة مقاومة ثقافية ضد الطمس والتهميش.

بهذا المعنى، يمثل النوروز لدى الكورد ليس احتفالًا بالربيع فقط، بل موقفًا سياسيًا وثقافيًا يؤكد التمسك بالكرامة والحرية، ويجسد تلاحم الجماعة وتمسكها بخصوصيتها في مواجهة تحديات الانصهار أو الإلغاء.

إن فلسفة النوروز كما يقدمها المؤرخ علي تتر نيروي في كتابه الرائد "كوردستان القديمة" ليست مجرد تاريخ لعيد قديم، بل قراءة عميقة في الروح الإنسانية التي تسعى إلى البعث والتجدد وسط ظلمات الوجود. النوروز هو شعلة لا تنطفئ، رمز للحرية والإرادة المستمرة في مواجهة القهر، ورسالة أبدية حية في ذاكرة الشعوب التي اختارت الحياة وتمسكت بالكرامة عبر التاريخ.

إنّ إعادة قراءة النوروز وفق هذه الفلسفة التاريخية تفتح آفاقًا جديدة لفهم أعمق للهوية والوجود، وتعزز مكانة هذا العيد كرمز حضاري عالمي يستحق الاهتمام والدراسة المستمرة. ويتميز المؤرخ علي تتر نيروي في طرحه بخصوصيته الواضحة، حيث لا يقتصر على عرض النوروز كحدث واحد، بل يسلط الضوء على تنوع أنواع النوروز المختلفة، ويحلل تعدد الروايات والأساطير المحيطة به، بالإضافة إلى الشخصيات المرتبطة به، مما يضفي على دراسته غنىً تاريخيًا وثقافيًا وفلسفيًا فريدًا، يعكس تعقيد وتعددية هذا العيد في الذاكرة الجماعية للشعوب الآرية، وبالأخص الكورد.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيد العمال: صيغة الجمع ومحنة الفرد
- وسائل التواصل الاجتماعي: مرآة القلق الجمعي وتجليات الذات الم ...
- الرواية الخالدة: حين يصبح الأدب فخًا نفسيًا وتجربة وجودية
- من أجل واقع أقل وحشية
- العراق وكوردستان: تجليات الدولة المأزومة في فضاء الجغرافيا ا ...
- تغريد الإبداع أمام تهريج الجهلة
- إنتاج الغباء
- حين يشكر الكاتبُ الناشرَ: أزمة التقدير في عالم الكتب – تفكيك ...
- فساد بالتقسيط... حتى إشعار آخر!
- الشخصية الكوردية بين إرث الصراعات وغياب الرؤية الاستراتيجية
- وهم المجد ومجد الوهم
- التكوين الفلسفي للهوية الكوردية في كتاب -كوردستان القديمة-
- بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث
- سلاسل من حرير
- التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف
- جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا


المزيد.....




- مركز حقوقي فلسطيني: نساء وأطفال غزة الأكثر تضررا جراء التجوي ...
- -الأونروا-: الساعة تدق باتجاه المجاعة وشعب غزة يموت
- مصطفى محمد يرفض المشاركة في حملة ضد رهاب المثلية بالدوري الف ...
- لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب تعلن إطلاق مشروع «أضاحي 20 ...
- حملة اقتحامات واعتقالات بالضفة ومستوطنون يحرقون القمح برام ا ...
- -اليونيسف-: مقتل 45 طفلا في غزة خلال يومين و950 خلال شهرين
- حول أكذوبة نتنياهو وزبانيته ان سبب اغلاق المعابر وتجويع اهل ...
- الاحتلال الإسرائيلي يعدم المعتقلين من غزة ويُخفي العشرات منه ...
- صادم/اليونيسيف تعلن ان الاحتلال قتل 45 طفلًا خلال اليومين بغ ...
- الأمم المتحدة: مستويات قياسية في نسبة الجوع عبر العالم بسبب ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد علي سليفاني - فلسفة النوروز التاريخية وفق رؤية المؤرخ علي تتر نيروي