أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث














المزيد.....

بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8268 - 2025 / 3 / 1 - 19:58
المحور: قضايا ثقافية
    


في معادلة الزمن، يُفترض أن يتقدم الإنسان بخطى ثابتة نحو المستقبل، متسلحًا بإرثه دون أن يكون سجينًا فيه، ومستفيدًا من معارف الآخرين دون أن يكون تابعًا أعمى. لكن واقعنا يعاني من مأزق فكري حاد: تقليد الغرب دون استيعاب حقيقي لمفاهيمه، والعودة إلى الماضي دون قدرة على تجديده. هذه الازدواجية ليست مجرد حالة فكرية، بل مأساة حضارية تُنتج لنا شعوبًا تسير بلا بوصلة، تعيش الحداثة بملامحها السطحية بينما تبقى في جوهرها عالقة في أقبية تاريخ لم تعد تفهمه.
التقليد الأعمى:
لطالما كان التحديث ضرورة، لكن التحديث الحقيقي يقتضي الفهم قبل التقليد. في واقعنا، نجد أن الحداثة غالبًا ما تُستهلك كمنتجات لا كأفكار. نأخذ التكنولوجيا دون استيعاب فلسفتها، نروج للديمقراطية كمصطلح دون تطبيق آلياتها، ونتبنى شعارات الحرية بينما نخشى تبعاتها.
مثال جوهري: ربما نجد أكاديميًا حاصلًا على شهادة عليا من جامعة أوروبية مرموقة، يتحدث بطلاقة عن نظريات الحداثة والتنوير، ويكتب عن فلسفة العقلانية، لكنه في الشارع - عند أول مشادة كلامية لأي سبب كان- يبدأ بالصراخ والسبّ والشتم، وربما يلجأ إلى العنف الجسدي؛ لأنه لا يزال أسير عقلية عشائرية ترى الخلافات الشخصية كمسألة "كرامة" تستدعي الرد الفوري. هذا ليس مجرد تصرف فردي، بل انعكاس لعقل لم يستطع استيعاب الحداثة كمنظومة قيم، فبقي يعيش في زمنين متناقضين.
مثال آخر: انتشر مفهوم "تمكين المرأة" في الخطاب الرسمي، لكن في جوهره غالبًا ما يُطبق بطريقة شكلية: تُمنح المرأة مناصب عليا كديكور سياسي، بينما يُعاد إنتاج نفس الأنماط الذكورية في التشريعات والقوانين والأعراف. لقد استوردنا خطاب المساواة دون أن نفكك جذور التمييز في ثقافتنا.
العودة إلى الماضي: هل نحن ورثة أم أسرى؟
في المقابل، هناك تيار يحاول الهروب من "أزمة الحداثة" عبر الغوص في الماضي، لكن ليس كإرث متجدد، بل كمعتقل فكري. يتم استدعاء التاريخ كملاذ نفسي، لكنه لا يُستخدم كنقطة انطلاق، بل كعائق أمام أي حركة تقدمية.
مثال جوهري: الخطابات التي لم تزل تقدّس "أمجاد الماضي"، لكنه يعجز عن إنتاج نموذج مستقبلي يتناسب مع العصر. يتم استحضار بطولات شخصيات تاريخية مختلفة في سياقات سياسية معاصرة، مع أن أدوات الصراع والمعرفة والقوة قد تغيرت جذريًا. نحن لا نستلهم الماضي، بل نعيد إنتاجه كطقس شعائري بلا روح.

التفكير بين شلل الإدراك وسراب التجديد
إذا كان الغرب قد مر بما تسمى بالعصور المظلمة ثم خرج إلى عصر التنوير، فإن عالمنا يبدو عالقًا في حقبة بينيّة: فلا هو قادر على الخروج من الماضي، ولا هو قادر على الولوج إلى المستقبل. يعيش في زمن افتراضي، حيث تتجاور التكنولوجيا مع الخرافة، والديمقراطية مع الاستبداد، والانفتاح مع الانغلاق.
سنبقى عالقون بين عصرين مختلفين وذلك لأننا نرفض تفكيك ذواتنا ونصرّ إلقاء اللوم على الظروف والمؤامرات الخارجية، أو حتى القدر.
سنبقى عالة على الأرض لأننا مستهلكون استوردنا مظاهر التقدم لكننا لم نفهم الأسس الفلسفية التي قامت عليها.
سنقبى في تفكيرنا الجامد لأننا نواجه أي محاولة تهدف إلى تجديد الفكر باتهامات التخوين أو الزندقة والتكفير، مما يجعل النخب الثقافية نفسها تتجنب المواجهة.
إذن ما الحل؟
لا يكمن الحل بقطيعة مع الماضي، ولا بانبهار أعمى بالغرب، بل عبر خلق عقل مستقل قادر على الاستيعاب والنقد والابتكار. وإعادة قراءة التراث بعيون العصر، لا عيون الماضي. وتوطين المفاهيم الحديثة بدلًا من استيرادها كسلع جاهزة. علاوة على كسر التابوهات الفكرية وفتح فضاءات للنقاش الحر دون رقابة سياسية أو اجتماعية.

وفي الختام، يجب أن ندرك تمامًا بأننا لسنا ضحايا المؤامرات، ولا ضحايا التاريخ، بل ضحايا عقولنا التي اختارت أن تعيش بين عالمين دون أن تنتمي لأي منهما. إذا أردنا كسر هذه الدائرة، فعلينا أن نتحلى بالشجاعة الفكرية لإعادة بناء ذواتنا، وإلا سنبقى عالقين بين ماضٍ لا يتجدد، وحداثة لا نفهمها.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلاسل من حرير
- التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف
- جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا
- سارع إلى تعلم السباكة قبل غيرك: متغيرات قادمة والمستقبل مجهو ...
- فلسفة السرد الروائي: الأخطاء التي تشوّه البنية الأدبية
- التفاهة: نظام بين التافه والأتفه
- بوصلة التيه
- الدكتاتوريات الصغيرة وسياسة الفصل الطبقي في المؤسسات الحكومي ...
- لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية
- كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجت ...
- قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991) ...
- خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
- النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع ...
- بين بَيْنَيْن بَيْنٌ
- طقوس بناء النصوص
- كذبة نيسان


المزيد.....




- الأميرة ريما بنت بندر تتألق بهذا التصميم عند استقبالها الرئي ...
- تحديث مباشر.. ترامب يلتقي الشرع حاليا ببداية ثاني أيام زيارت ...
- بريطانيا: دعوى قضائية ضد حكومة ستارمر بسبب بيعها مكونات طائر ...
- اليونان: زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب سواحل اليونان وتصل ارتدادا ...
- بالتعاون مع الإمارات والسعودية.. إيران تقترح إنشاء ائتلاف نو ...
- في الرياض.. قمة بين ترامب وقادة الخليج ولقاء وجيز مع الشرع
- كاتس يجدد اتهاماته لـ-حماس- باستخدام المستشفيات كغطاء لعمليا ...
- هل تتعرض مصر لتسونامي بعد زلزال البحر المتوسط؟
- السعودية تحذر: -لا حج بلا تصريح-
- الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن غوريون الإسرائيلي بصاروخ فرط ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث