خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم
(Khaled Ali Silevani)
الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 14:48
المحور:
كتابات ساخرة
في بلاد بعيدة، حيث لم يؤمن أهلها بالشعارات، بل آمنوا بشيء واحد: قيمة الإنسان وعمره. اجتمع علماؤهم وأطباؤهم ومهندسوهم وخبراء البيئة والزراعة، وسألوه السؤال الوحيد الذي شغلهم:
– كيف نُطيل أعمار أبناء شعبنا؟
لم يكن أحد منهم يدعي غير ما يقدمه من انجاز، ولم يُقترح أي طقس أو نذر مقدس. بل سلكوا طريق العقل والعمل:
– نظّموا غذاءهم بعناية فائقة.
– طوّروا الرعاية الصحية إلى أعلى المستويات.
– نشروا التثقيف الصحي والوعي العام.
– جعلوا الرياضة نمط حياة يومي.
– حاربوا التلوث وصمّموا مدنًا نظيفة ووسائل مواصلات متقنة.
ومع مرور السنين، ارتفع متوسط أعمارهم جيلًا بعد جيل، حتى بلغ تسعين عامًا. لم يدهشوا كثيرًا؛ فقد كانت النتيجة حصيلة جهد وعلم، لا هدية أو ثمرة صدفة.
أما في بلاد الخرافات، فقد وصلهم الخبر، فاهتزت الجموع تكبيرًا وتهليلًا:
– "كيف يسبقنا أولئك؟!"
– "نحن أولى بطول العمر منهم!"
تشكّلت اللجان، ثم تفرّعت عنها لجان فرعية، ثم لجنة عليا للإشراف على كل هذه اللجان، تلتها هيئة استشارية لمراقبة الأداء، وصُرفت الميزانيات، وانتهى الأمر بابتلاع ملايين على الاجتماعات وورش التفكير الاستراتيجي.
بعد أكثر من عشرين عامًا، خرجت اللجنة العليا بنتيجة لم تخطر على بال أحد:
لا حاجة لنظام صحي متكامل، ولا للغذاء المتوازن، ولا للرياضة أو البيئة أو أي من هذا العناء. الحل بسيط: كل من يصل إلى التسعين عامًا سينال جائزة مالية ضخمة قدرها مليونا دولار!
وهكذا، بكل بساطة، اعتقدوا أن الحافز أهم من العمل الجاد.
لكن منذ إعلان القرار التاريخي، لم يزد متوسط الأعمار في البلاد يومًا واحدًا. مات الجميع قبل بلوغ التسعين، ليس بسبب المرض، بل من قهَر الانتظار، وهم يشاهدون الجائزة تنتظرهم على الورق، بينما كانت وزارات الدولة بكاملها تتنافس على أمر أهم:
من سيصبح مدير اللجنة العليا لمنح جائزة إطالة العمر!
وفي النهاية، كتب أحد الحكماء في دفتر قديم:
"أحيانًا نضيع أعمارنا في انتظار الجوائز، وننسى أن الحياة نفسها هي الجائزة… أما الجهة الرسمية المسؤولة عن منح الجوائز، فستعيش عمرًا غير محدود، لأن الكراسي لا تموت."
#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)
Khaled_Ali_Silevani#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟