|
نشوء الظاهرة الإسلاموية
فارس إيغو
الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 18:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حول أصل وأسباب انبثاق الظاهرة الإسلاموية أو الإسلام السياسي نقاش لم يحسم بعد، فهناك من يقول بأن لها جذور في التاريخ الإسلامي الوسيط، وقد بدأت في سقيفة بني ساعدة، ومن أشهرهم المفكر الإسلامي السوري أحمد الرمح، ومنهم كثيرون يعتبرونها ظاهرة حديثة، ولكنهم يختلفون حول الأسباب التي دفعت لظهورها وانبثاقها. تاريخياً يمكننا التأكيد على أنّ جماعة الإخوان المسلمين انبثقت بعد حدث سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية في الآستانة في مارس 1924، صحيح أن استعادة الخلافة كانت من المطالب الرئيسة للجماعة في مرحلها الأولى، ولكن الأسباب التي دعت لظهور الإسلاموية أو الإسلام السياسي تعود إلى قبل 1924 بعقود، وهي بدأت بتأسيس الجمعيات الدينية التي دافعت عن الهوية الإسلامية، ضد العلمنة والتغريب، ومن هذه الجمعيات: الجمعية الشرعية التي أسست سنة 1912، وجمعية أنصار السنة المحمدية وقد بدأت سنة 1926، وجمعية الشبان المسلمين وقد بدأت سنة 1927، وقد ساهم حسن البنا في المشاركة وتأسيس بعض هذه الجمعيات الدينية، ومنها جمعية محاربة المنكرات، وجمعية الأخلاق الأدبية، وجمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، وصولاً إلى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية عام 1928. وكان في قلب هذه المطالبات لتلك الجمعيات تطبيق أو تحكيم الشريعة الإسلامية، على اعتبار الشريعة عبارة عن أحكام فقهية صاغها الفقهاء والأصوليين المتأخرين، وليست الشريعة بالمعنى المقاصدي، أي عبارة عن قيم عليا ومبادئ حاكمة أو كليات توجه العمل السياسي الإسلامي. بلغة أخرى، إن الأسباب الحقيقية للظاهرة الإسلاموية هي ثورة دينية أصولية ضد مظاهر التحديث التي بدأت تظهر في مختلف جوانب الحياة في المجتمعات الإسلامية، ومن أهمها ظهور التشريع الوضعي إلى جانب المنظومة الشرعية التقليدية التي كانت تشكل المدونة الحصرية لجميع الأحكام قبل القرن التاسع عشر، أي قبل حملة نابليون على مصر عام 1798 والتي انتهت بظهور دولة محمد علي باشا التحديثية. إذن، يمكن اعتبار السبب الجوهري لظهور الحركات الإسلامية الجديدة في العالم العربي والإسلامي هو رد الفعل ضد مظاهر التحديث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والتي أدت إلى نوع من العلمنة الجزئية للعديد من المجالات الاجتماعية، ومن بينها الاقتصاد والسياسة والإدارة والتشريع، ثم ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أصوات تنادي بتحرير المرأة واعتبارها مسألة أساسية عند قاسم أمين تلميذ الشيخ محمد عبده في كتبه: تحرير المرأة (1899) والمرأة الجديدة (1900) وكتاب حقوق النساء في الإسلام (1901). وشكلت هذه الحركات الإسلامية ردود أفعال أصولية عنيفة وحادة ضد الحداثة الوافدة، والتي استطاعت أن تغير بعمق مظاهر الواقع التي كانت سائدة قبل القرن التاسع عشر والنصف الثاني من القرن العشرين في المجتمعات الإسلامية، دون أن تحدث قطيعة كاملة مع التراث. يسمي سيرج لاتوش عالم الاجتماع الفرنسي هذه الظاهرة بالتحديث دون حداثة، بمعنى التغيّر والانقلاب العنيف في المشهد الاقتصادي والسياسي والإداري والتشريعي والاستهلاكي من دون أن يترافق مع حداثة فكرية ودينية تقطع مع اللاهوت القروسطي العتيق، والممارسات الغيبية والسحرية، وبالخصوص تحرر واستقلالية المرأة. وهذا ما يفسر ضعف التيارات الديموقراطية ـ اليسارية أو غير اليسارية ـ في العالم العربي والإسلامي، رغم كل هذه "الثورات" القومية والاشتراكية التي حدثت في بداية الخمسينيات، ابتداءً من الثورة المصرية في الثالث والعشرين من تموز 1952 ووصولاً الى الثورتين الليبية والسودانية عامي 1969 و1970. وهو الأمر الذي لا يمكننا تفسيره إلا في أن الثقافة السياسية والدينية الحديثة بقيت تقليدية لدى الشرائح الشعبية، لأسباب تخص هيمنة التيارات الإصلاحية التوفيقية، وقوة التقليد الديني المتمثل في المؤسسات الاجتماعية وأولها المؤسسة الدينية الرسمية، وليست حركات الإسلام السياسي سوى الإيمان بإمكانية إعادة حركة التاريخ الى الوراء عن طريق تحويل فترة دولة النبيّ والخلافة التي سميت بالراشدة الى نموذج مثالي "متخيل" يمكن تحقيقه في الزمن الراهن، والثورة على الدولة القائمة والمؤسسة الدينية الرسمية التي ما زالت تحتفظ في تعاليمها بكل المرجعيات الكلاسيكية لأدبيات السياسة الشرعية، والتي ترفض الخروج عن الحاكم ـ مهما كان جائرا ـ خوفاً من الفتنة. يقول حسن البنا، مخاطبا المصريين: «إننا نناديكم والقرآن في يميننا، والسُّنة في شمالنا، وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمَّة قدوتنا، وندعوكم إلى الإسلام، وتعاليم الإسلام، وأحكام الإسلام، وهدي الإسلام، فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا، وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسيًّا، فنحن أعرق الناس، والحمد لله، في السياسة» (1)، ويضيف قائلاً إن الأمر يتعلق بهوية (أمَّة) يتهددها «التقليد الغربي، الذي يسري في مناحي حياتها، سرَيان لعاب الأفاعي فيسمم دماءها» (2). ويدعو البنا (الأمة) إلى اختيار طريق الإسلام الشمولي والابتعاد عن الطريق الثاني الذي يروّج له المتغربون، فهناك إذن «طريقان كلٌّ منهما يهيب بكم أن توجهوا الأمَّة وجهته، وتسلكوا بها سبيله، ولكلٍّ منهما خواصه، ومميزاته، وآثاره، ونتائجه، ودُعاته، ومروِّجوه. فأما الأول فطريق «الإسلام»، وأصوله، وقواعده، وحضارته، ومدنيته، وأما الثاني، فطريق «الغرب»، ومظاهر حياته، ونُظمها، ومناهجها، فإن عقيدتنا أن الطريق الأول، طريق «الإسلام» وقواعده وأصوله، هو الطريق الوحيد الذي يجب أن يُسلَك، وأن تُوجَّه إليه الأمَّة الحاضرة والمستقبلة» (3)، وأنّ «نتاج الغرب في كل حقول المعرفة يقوم، ابتداءً، على أساس رواسب مسممة بالعداء لأصل التصوُّر الديني جملة» (4). من الواضح في هذه الاستشهادات من كتابات البنا أن ثورة الجماعة الإسلامية، جماعة الإخوان المسلمين ضد كل مظاهر التحديث التي بدأت تتجسد منذ القرن التاسع عشر في المجال السياسي والاقتصادي والإداري والتعليمي والتشريعي، داعياً إلى العودة لما يسميه بـ (الإسلام الشمولي)، وهو «هذا المعنى الكلِّي الشامل (للإسلام)، وأنه يجب أن يهيمن على كل شئون الحياة وأن تصطبغ جميعها به، وأن تنزل على حكمه، وأن تساير قواعده، وتعاليمه، وتستمد منها ما دامت الأمَّة تريد أن تكون مسلمة إسلامًا صحيحًا. أما إذا أسلمَت في عبادتها، وقلَّدَت غير المسلمين في بقية شئونها، فهي أمَّةٌ ناقصة الإسلام» (5). لكن، كون الظاهرة الإسلاموية هي ثورة أصولية دينية ضد المظاهر التحديثية الجديدة في العالم الإسلامي، لا يمنع إلى أن يكون لها ـ كأي ظاهرة اجتماعية ـ أسباب أخرى ثانوية، وبالخصوص الاستعمار الكولونيالي الذي هيمن على العالم الإسلامي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وإلغاء الخلافة الإسلامية في الآستانة وقيام الجمهورية التركية القومية والعلمانية، وأما تمدده وتعاظم قوته فيعزى أساساً إلى ظهور الأنظمة القومية الطغيانية التي انتشرت في العالم العربي والإسلامي في النصف الثاني من القرن العشرين. نشوء الظاهرة الإسلاموية وتوسعها بداية من الخمسينيات من القرن المنصرم لماذا أصبحت الحركات الإسلاموية هي المعارضة الأساسية ضد السلطات الطغيانية في العالم العربي منذ الربع الأخير من القرن المنصرم؟ حسب تحليلنا أن البنية الإيبستمولوجية الحاكمة لهذه التيارات الإسلاموية لا تختلف سوى في ثوريتها السياسية عن تلك التي كانت متحكمة في العالم العربي والإسلامي حين تم الهجوم على بدايات التفكير النقدي الحر، والذي تمثل في كتابي ((الإسلام وأصول الحكم)) (1925) للشيخ الأزهري علي عبد الرازق وكتاب ((في الشعر الجاهلي)) (1926) لعميد الأدب العربي طه حسين، وأن الاختلاف الوحيد بين الإسلام السياسي والتقليد الديني الرسمي المتحكم الى الآن، هو في الثورية السياسية للأول، والتي يعتبرها التقليد الديني الإسلامي السائد بمثابة الخروج عن الحاكم وإحداث الفتنة داخل "الجماعة" الواحدة (6). يعتقد كثيرين من الحداثيين أن الاستعمار البريطاني هو الذي دفع الى نشوء ظاهرة الإسلام السياسي أو الإسلاموية المتمثلة بجماعة الإخوان المسلمين عام 1928، وأن المركز الإمبريالي العالمي اندفع في تغذيتها في الخمسينيات من القرن المنصرم لمحاربة الأنظمة الشعبوية التي تعارض "مصالح الإمبريالية المهيمنة" حسب تعبيرات س. أمين. والمستغرب أن أكثر المعارضين لهذا التفسير السياسي المؤامراتي، هم أصحاب الشأن أنفسهم. وليس غريباً القول، بأن هذا التفسير يتجه الى اعتبار كل أمور الداخل عجينة في يد الخارج، يوجهها الخارج لمصالحه الخاصة. بحسب هذا التحليل يصبح الاستعمار غير خاضع لأوضاع داخلية مضطربة تولد الضعف في كافة مفاصله الاجتماعية، حيث سماها المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي بـ القابلية للاستعمار (7)، وإنما تطور الرأسمالية نحو مرحلتها الإمبريالية وعولمة نظام السوق والتجارة الحرة التي يتحكم فيهما (المركز). مما لا شك فيه أن رفض التيارات الأصولية السلفية للإصلاحات الاجتماعية ذات الطابع الاشتراكي على يد السلطات "الثورية" الجديدة في مصر وسورية والعراق، شكل حافزاً سياسياً لدى الغرب لاعتبار هذه التيارات الإسلامية حليفاً ممكناً في الصراع مع المعسكر الشيوعي والأنظمة الثورية أو الشعبوية في العالم العربي. إن عداء هذه التيارات الإسلامية للأنظمة القومية ذات التوجه الاجتماعي الاشتراكي وضعها في موقعين أساسيين من السياسة الدولية: الأول، كتيارات معادية للقومية العربية، على اعتبار أن القومية تناهض الطروحات الأممية الإسلامية، بالإضافة الى ذلك، كانت معظم هذه التيارات القومية تتبنى الاشتراكية كمنهج عمل اقتصادي واجتماعي. الثاني، كتيارات ضاغطة على سياسات الاتحاد السوفياتي السابق في شرقي المتوسط. إن التيارات السلفية الأصولية لم تكن حليفة للغرب، ولكن عبر الموقعين السابقين اللذين وضعت نفسها فيهما، دعمت سياسات الغرب بشكل أو آخر. حيث جسدت إعاقة مستمرة لتنفيذ السياسات التي تساعد على نفاذ الاتحاد السوفياتي السابق الى المياه الدافئة، أي الى البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي. وربما نظر الغرب، في وقت من الأوقات، خلال صراعه مع الاتحاد السوفياتي والكتلة الشيوعية في أثناء الحرب الباردة، على أن هذه الحركات الإسلامية قد تكون شريكاً طبيعياً له، نظراً لعدائهم "للملحدين الشيوعيين" وتأييدهم الثابت للملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (8). لكن، هل يمكن اعتبار هذا التلاقي الظرفي في المصالح تحالفاً سياسياً؟ وهل يمكن، من ناحية أخرى، إرجاع أسباب نشوء الحركات الإسلامية الى هذا العامل الخارجي؟ يمكن، اعتبار هذا العامل الخارجي، وبالخصوص، تسهيل ودعم الولايات المتحدة الامريكية للجهاديين الإسلاميين في الحرب في أفغانستان، من العوامل التي ساعدت على تضخيم الظاهرة الإسلاموية، وبالخصوص التيارات السلفية الجهادية منها، بعيداً عن إمكانية خلقها وتصنيعها من الألف الى الياء. تميل الكثير من التحاليل الرصينة على توجيه الاتهام نحو الأنظمة الاستبدادية الشعبوية ذاتها في العالم العربي بصورة خاصة ـ والتي تحولت فيما بعد إلى أنظمة طغيانية مافيوزية فاسدة ـ والتي اعتبرها س. أمين في مقالته ((الإسلام السياسي والإمبريالية العالمية)) (9) ذات طابع "حداثوي" و"علماني". فهذه السلطات الشعبوية بإلغائها المجتمعات المدنية، وتصحيرها للحياة السياسية لحساب الحزب الأوحد القائد، وإلغاءها كل معارضة مدنية في المجتمع، جعلت "المسجد"، وبالتالي، الثقافة الدينية التقليدية ـ والتي تمتح من نفس المعين الإيبستيمي الأصولي السلفي ـ هي الصوت الوحيد في المجتمع، وبخاصة بعد تصفية كل التيارات الليبرالية واليسارية، سواء عن طريق التضييق أو السجون أو النفي الى خارج الأوطان. يقول المفكر السوري ياسين الحافظ عن نظام جمال عبد الناصر ـ والكلام اللاحق يصلح لكل الأنظمة الشعبوية الطغيانية في العالم العربي ـ في كتابه ((الهزيمة والأيديولوجية المهزومة)): في الوقت الذي كان فيه النظام الناصري يحصد الإخوان المسلمين سياسياً، كان يزرعهم ثقافياً وأيديولوجياً، الأمر الذي ألق به في سلسلة اختناقات انتهت بضربة الخامس من حزيران القاصمة (10). ولا ننكر أن سياسات الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة الامريكية خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، حضنت وشجعت التنظيمات الإسلامية للوقوف في وجه المد الشيوعي في العالم الثالث، وبالخصوص أثناء الغزو السوفياتي لأفغانستان. وكانت هذه السياسات الخرقاء هي أحد العوامل التي دفعت الى انفجار الأصوليات، وبالخصوص في أفغانستان وباكستان. لكن، تبقى الأسباب الأساسية لظاهرة الإسلام السياسي والراديكالي كامنة في العوامل الداخلية، في داخل النطاق الديني الإسلامي، وأيضاً في الممارسات القمعية الوحشية للسلطات الشعبوية (مصر، سورية، العراق، ليبيا، السودان)، وكذلك للممارسات الاستبدادية للنظم التقليدية (دول الخليج في معظمها، وبالخصوص المملكة العربية السعودية والتي تنافس النظم الشعبوية العسكرية في وحشيتها وبطشها للمعارضين). فخلف الاختلاف الشكلي في المظهر السياسي، تتشابه كل السلطات والأنظمة العربية، وبشكل مدهش، في جميع الميادين. فمن الناحية الاقتصادية، مارست كل البلدان العربية سياسات اقتصادية متشابهة، وهي تغليب الدولة الرعوية والاقتصاد الريعي بدلاً من تشجيع الإنتاج الاجتماعي الفعلي، مما كرس نوع من الاتكالية، والابتعاد عن الفعالية الاقتصادية الاجتماعية الإنتاجية التي تساهم في صنع التاريخ بإنتاجه من خلال البنية التحتية. أما في الجانب السياسي، فقد احتكرت هذه السلطات العربية ممارسة السياسة في الحزب الواحد أو حاشية الأمير أو الملك أو العشيرة والطائفة والعائلة القريبة؛ وبقي الشعب بفئاته وشرائحه المختلفة مُغيباً ومبعداً عن العملية السياسية، حتى وصلنا الى انتشار شعور من العدمية السياسية بين الأفراد. وبغياب الأحزاب، فقد المجتمع بوصلته، مما قوّض كل إمكانية لتقدم التاريخ، سوى عن طريق بعض الحركات "الاعتمادية" بحسب مصطلحات علم الكلام الإسلامي. وحركة الاعتماد حسب وصف المتكلم المعتزلي إبراهيم النظَّام (777 ـ 836) هي السكون المتحرك، أي حركة الشيء في نفس موضعه، بالمقارنة مع حركة النقلة، أي الانتقال من مكان الى آخر، ومن مرحلة الى أخرى. حركة الإخوان المسلمين يعتبر س. أمين في مقالته أن حركة الإخوان المسلمين هي صناعة بريطانية، بمساعدة الملكية في مصر: ((إن تاريخ الإخوان المسلمين معروف للجميع. فقد نشأت هذه الحركة في العشرينيات من القرن الماضي على أيدي البريطانيين والنظام الملكي بهدف قطع الطريق أمام حزب الوفد الوطني الديموقراطي العلماني. ويعلم الجميع أيضاً أن السادات ووكالة المخابرات الامريكية نظّما عودة جماعية لعناصر الحركة وجمهورها من أماكن لجوئهم في السعودية بعد وفاة جمال عبد الناصر. ونحن جميعاً على بيّنة من تاريخ حركة طالبان التي شكّلتها وكالة المخابرات المركزية الامريكية في باكستان لمحاربة الشيوعيين الذين فتحوا مدارس للجميع، ذكوراً وإناثاً. بل إنه معروف جيداً أن الإسرائيليين ساندوا حماس في البداية من أجل إضعاف التيارات العلمانية والديموقراطية في المقاومة الفلسطينية)). ويضيف لاحقاً ((بأن الإسلام السياسيّ جرى تخليقه من خلال العمل المنهجيّ للإمبريالية، المدعومة ـ بالطبع ـ من قبل القوى الرجعية الظلامية والطبقات الكومبرادورية التابعة. ولا ينفي ذلك، بطبيعة الحال، أنّ هذا الوضع هو أيضا مسؤولية قوى اليسار التي لم تر ولم تعرف كيف تتعامل مع هذا التحدّي الذي لم يزل مستمرا دون أدنى ريب)) (11). قد يكون لهاتين الجهتين (بريطانيا والملكية المصرية) نوع من تحضير الساحة لتشكيل هذه الحركة أو الحساسية السياسية الدينية، واستغلالها في المستقبل لأغراض خاصة، تخص هاذين الطرفين، الاستعمار البريطاني والملكية في مصر. وكما فعلت الإدارة الأمريكية في دعم وتسليح التيارات الأصولية الجهادية في باكستان وأفغانستان واستخدمتهم لمحاربة الوجود السوفياتي والنظام الشيوعي القائم في أفغانستان، وتسهيل إسرائيل لقيام وتوسع منظمة حماس على حساب منظمة التحرير الفلسطينية ـ التي لا تتشكل من تيارات علمانية وديموقراطية كما يدّعي س. أمين، بل تيارات قومية ـ تقليدية. بالرغم من ذلك، فإنه لا يمكن فهم ظهور حركة الإخوان المسلمين في مصر، بما يسميه س. أمين، المؤامرة البريطانية ـ الملكية، أو قيام حماس بالفعل الإسرائيلي المحض إلخ. الإسلام السياسي له وجهان، وجه أيديولوجي يحتكم اليه، وجانب حركي يفعل وله أثر في الواقع. أما الجانب الأول، الأيديولوجي فلا يمكن فهمه إلا بالانطلاق من الواقع المحلي، ودراسة نمط التدين الإسلامي السائد، وما هي التيارات المتحكمة في الإسلام وتوجيهه تاريخياً وحاضراً، وبالطبع دراسة الجانب السياسي وطبيعة الحكم ومنسوب العنف الممارس من قبل السلطة تجاه المجتمع. ويأتي التداخل بين الإسلام السياسي والأجهزة المخابراتية، سواء منها المحلية أو الغربية، في الجانب الحركي من الإسلام السياسي. نعتبر ظاهرة الإسلام السياسي، والتي تجسدت لأول مرة مع تشكيل جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 والجماعة الإسلامية في الهند عام 1940، هي ظاهرة وقوة اجتماعية وليست مؤامرة سياسية حيكت في دهاليز وزواريب الأجهزة الأمنية، وإن كانت هذه الأخيرة ليست بعيدة عن استغلال هذه الظاهرة السياسية ـ الدينية لأغراض أخرى هي كسر المعارضة وتمزيقها بشعار التخويف من الإسلاميين، دون أن تعمل هذه السلطات أي شيء للرفع من المستوى الثقافي والتربوي والتنويري لتحصين الشباب ضد هذه الظواهر المقلقة. لكن، التنويه لخطورة الظاهرة الإسلاموية لا يدفعنا للجوء الى تفسيرها بنظرية المؤامرة، ولا يدفعنا الى التقليل من المشروعية التي تملكها في الأوساط الشعبية المؤمنة بطريقة بدائية. والدليل على مشروعيتها هو دوامها (تقريباً قرن كامل) وعموميتها التي تمتد الى معظم البلدان "الإسلامية"، وحتى التجمعات المسلمة في بلدان الاغتراب الغربية (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا). وقد شهدنا الكثير من المناورات السلطوية في تشكيل أحزاب "كرتونية" تدور في فلك السلطة، وهي صناعة أمنية من ألف الى ياء، الهدف منها تلميع صورة السلطة الاستبدادية الأحادية وإعطاء بعض الصبغة التعددية الكاذبة، كما هي الحال في ظواهر الجبهات الشعبية التي تكثر في الأنظمة الجمهورية الشعبوية في العالم العربي والتي تدور في فلك السلطة وتحت رعايتها الأمنية والمالية. إن تصاعد ظاهرة الإسلام السياسي التي بدأت في مصر، ثم انتشرت لاحقاً الى باقي الدول العربية والإسلامية، لا يمكن فهمه إلا نتيجة إنهيار طروحات الإصلاح الديني الجريئة، وتحوّل معظم رجال الإصلاح الديني نحو السلفية المتوهبنة. ويعزى السبب في تراجع وإنهيار مشروع الإصلاح الديني الى ظروف ذاتية تتعلق بالفكر الإصلاحي نفسه، وبالخصوص المحاولة الدؤوبة للتوفيق بين الحداثة والأصالة، والظروف الموضوعية وبالخصوص السياسية التي طرأت على المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، التي أدت في المرحلة الأولى الى سقوط الامبراطورية العثمانية وتوزيع ممتلكاتها بين بريطانيا وفرنسا، ووعد بلفور، من ثم إلغاء السلطنة (1923) والخلافة (1924) على يد مصطفى كمال أتاتوتورك. وتمثّل حياة محمد رشيد رضا الطرابلسي المولد، أكبر دليل على بداية انهيار الفكر الإصلاحي منذ الثلث الأول من القرن العشرين، فأغلب مؤرخي عصر النهضة العربي قسموا حياة الرجل الى مرحلتين: (1) المرحلة الأولى، كانت متماهية مع طروحات الإصلاح الديني للشيخ محمد عبده. (2) المرحلة الثانية، بدأت مع كتابه ((الخلافة أو الإمامة الكبرى))، والذي صدر بعد عدة أشهر من إلغاء الخلافة العثمانية وقيام الجمهورية التركية العلمانية، فقد تحوّل رضا الى السلفية القريبة من الوهابية، متخلياً عن الطروحات الإصلاحية التي أطلقها أستاذه محمد عبده. وتمثّل حركة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا عام 1928 في الإسماعيلية تكريساً وتجسيداً لهذا التحوّل في فكر الإصلاحية الدينية المستنيرة، وشكلت أول تحدي كبير ضد محاولات التحديث والنهضة منذ دولة محمد علي باشا الى ثورة عام 1919، وقد نجح هذا الرد الأصولي ـ السلفي، وبداية بروز المحور السعودي الوهابي في المنطقة، الى وأد محاولات النهضة العربية باكراً. هذا لا يعني أن الفترة ما بين تشكيل حركة الإخوان المسلمين عام 1928 وبداية العصر الثوري والنظم الشعبوية العسكرية في بداية الخمسينيات خلت من الطروحات والكتابات النهضوية التنويرية، وإنما هذه الكتابات المتفرقة شكلت نوعاً من الارتدادات الاهتزازية باستعارة مصطلحات علم الزلازل. لقد حدث انتصار للخط الديني المتزمت، وانتقال فكر المجتمع الى مرحلة جديدة، هي مرحلة الاتكال على الدولة في حل الخصومات الاجتماعية والأيديولوجية بالأسلوب القسري. الهوامش 1ـ حسن البنا، مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، دار الشهاب، القاهرة، 1992، ص: 37، نقلاً عن علي مبروك، مفهوم الشريعة: بين تسييس الإسلام وتحريره (مؤسسة هنداوي، طبعة عام 2023، ص: 242 ـ 243). 2ـ البنا، المصدر السابق، ص: 28، نقلاً عن علي مبروك، مفهوم الشريعة: بين تسييس الإسلام وتحريره (مؤسسة هنداوي، طبعة عام 2023، ص: 242 ـ 243). 3ـ حسن البنا، الرسائل الثلاث، دار الشهاب، القاهرة، (د. ت)، ص: 90، نقلاً عن علي مبروك، مفهوم الشريعة: بين تسييس الإسلام وتحريره (مؤسسة هنداوي، طبعة عام 2023، ص: 242 ـ 243). 4ـ البنا، المصدر السابق، ص: 90. 5ـ حسن البنا، مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، مصدر سابق، ص: 120، نقلاً عن علي مبروك، مفهوم الشريعة: بين تسييس الإسلام وتحريره (مؤسسة هنداوي، طبعة عام 2023، ص: 242 ـ 243). 6ـ إن الرد التقليدي لشيخ الازهر أحمد الطيّب على رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت، في مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد الديني الذي انعقد في القاهرة في فبراير 2020، حيث تمسك شيخ الازهر بكافة المسلمات التقليدية للمؤسسة الدينية، ولنذكر بعضها: الأشعرية ستبقى عقيدة الأزهر الأساسية وهي التنظير للوسطية؛ لا تجديد عميق للتراث الديني الإسلامي بل كل ما يمكن عمله هو بعض الرتوش السطحية؛ التمسك بالخطاب التمجيدي للتراث؛ والتصفيق الجماعي لخطاب شيخ الازهر يدل على غياب الروح العلمية الموضوعية على حساب التمسك بروح الجماعة الكهنوتية والعصبية داخل البيت الازهري؛ ورمي كل ما يمكن أن يحرج الخطاب الديني التقليدي في سلة السياسة، وبالخصوص في موضوع الفتنة الكبرى التي حدثت في ولاية الخليفة عثمان بن عفان، بينما يستمر الازهر في رفض العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة والدولة عن الدين، وبالتالي، تحيّد السياسية عن التدخل في الشؤون الدينية وتضمن للمؤسسة الأزهرية استقلاليتها الكاملة في إدارة شؤونها الداخلية ومؤسساتها التعليمية؛ وأخيرا، فإن الشيخ أحمد الطيّب الذي وضّع الفتنة الكبرى على ظهر السياسة لم يمنع نفسه ـ وهذه عادة سيئة لدى رجال الدين عندنا ـ في الحديث في السياسة الدولية وبشكل يزايد على الخطابات المهووسة بالمؤامرة واعتبار المسلم في كل مكان وزمان ضحية دائمة من طرف الكبار في العالم، وليس عليه أي مسؤولية في شعور الغربيين المتزايد من خطر الإسلاموية والإسلام الراديكالي في مجتمعاتهم. 7 مالك بن نبي ((شروط النهضة)) ترجمة عمر كامل مسقاوي وعبد الصبور شاهين (دار الفكر، دمشق 1986، ص: 152 ـ 155. 8ـ مازن بلال ((أزمة التفكير التراثي)) (الأولى للنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى 2003). 9ـ سمير أمين ((الإسلام السياسي في خدمة التوسع الإمبريالي))، ترجمة انتصار العزيزي (موقع الأوان، 08/12/2013). 10ـ ياسين الحافظ ((الهزيمة والأيديولوجية المهزومة)) (دار الطليعة، بيروت 1978، ص: 32). 11ـ سمير أمين، المرجع السابق. تكثر التعليلات المؤامراتية لظاهرة الإخوان المسلمين بالخصوص، وظاهرة الإسلام السياسي بالعموم، وخاصة لدى كثيرين من الكتاب الماركسيين. فمنهم من يعتبرها ملء للفراغ الناتج عن دحر النزعة القومية العربية أمريكياً واسرائيلياً. هكذا، وبجرة قلم، تقتلع الظاهرة من كل شروطها المحلية، وأولها الشروط السياسية، وليس آخرها الثقافية التي في داخلها تشتغل أنماط التدين السائدة. نجد الكثير من هذه الأقوال في كتابات المفكر اللبناني الأصل جيلبير أشقر، والذي يكتب باللغتين الفرنسية والعربية. حيث نراه يفسر ما يحدث في الشرق الأوسط وكأنه شريط أمريكي. في كتاباته تصبح الولايات المتحدة الامريكية أخطبوطاً لا يُقهر، كلّي القدرة والفعل، ويصبح ـ في هذه الحالة ـ الساسة والحكام في هذه المنطقة منزهين عن المسؤولية في كل ما يجري من مآسي وحروب وكوارث اقتصادية واجتماعية تحل في شعوب هذه المنطقة. وأحياناً نجد ج. أشقر يتباكى على نظام جمال عبد الناصر، لأنه استطاع تهميش الإخوان المسلمين عن طريق خطاب يناهض الاستعمار والامبريالية. وكأن المؤلف يريدنا الرجوع الى سياسات الشعارات الزائفة في الستينيات، لوقف زحف الأصوليات الإسلاموية (انظر كتابه المعنون ((صدام الهمجيات))، دار الطليعة، 2002). ونجد مثل هذه الآراء عند كاتب لبناني "مسيحي" آخر هو جورج قرم، حيث نجد في كتاباته مزيج من الأيديولوجية القومية العربية والنزعة القريبة من تيار الدراسات ما بعد الكولونيالية.
#فارس_إيغو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رؤية الرئيس أحمد الشرع للمستقبل السوري
-
السويداء تشتعل!
-
سورية الجديدة: من العدالة الانتقالية إلى بناء مؤسسات الحرية
-
الأفغاني بين السيرة والفكر (المقاومة المزدوجة: الاستعمار في
...
-
ملاحظات على موضوعة العلمانية في وثيقة توافقات وطنية
-
سمير أمين: الإسلام السياسي والامبريالية العالمية
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
-
الرأسمالية إنتصرت، لكن؟ مع نظرة نقدية لأخلاقيات المنشأة
-
كيف دخل مصطلح العلمانية في الثقافة العربية المعاصرة والحديثة
...
-
حول التسمية الربيع العربي أم الثورات العربية
-
كيف دخل مصطلح العلمانية في الثقافة العربية المعاصرة والحديثة
...
-
النساء في إيران وتجديد دماء الثورة في العالم الإسلامي
-
الهاربون من الاستبداد، والهاربون من الجوع والموت البطيء
-
إشكاليّة مفهوم ((الأمة)) في الفقه السياسي الأصولي (قراءة نقد
...
-
الحرب الروسية على أوكرانيا والنزعة السلافيّة المتطرفة في روس
...
-
صراع الديموس والكراتوس في الديموقراطية على ضوء نتائج الدور ا
...
-
الحملة الروسية على أوكرانيا وبداية تداعي الإمبراطورية الروسي
...
-
هل يستطيع الرئيس الروسي أن يربح هذه الحرب؟
-
الإصلاح الديني والإسلام السياسي في عصر النهضة بين القطيعة وا
...
-
معضلة الإصلاح الديني ومقولة ((الإسلام الصحيح)) والحل التأويل
...
المزيد.....
-
الإخوان المسلمون ما بعد غزة بين عبء التاريخ واستحقاقات المرا
...
-
مصدر قياديّ في -فتح-: شعبنا سيتصدّى للشرذمة التكفيريّة ونطال
...
-
بزشكيان: على الدول الإسلامية أن تخطو كجسد واحد على طريق السل
...
-
الكوتا المسيحية في دوامة صراع .. خلافات وإتهامات بالاختطاف ا
...
-
عراقيون يحمّلون الطائفية مسؤولية اغتيال المرشح البرلماني صفا
...
-
من 5 بيوت إلى 200 ألف مسلم.. حكاية الجالية الإسلامية في كالغ
...
-
لمسة أمل من الفاتيكان: 5 آلاف جرعة دواء في طريقها لأطفال غزة
...
-
الملكة رانيا تختار الأناقة الكلاسيكية في لقاء بابا الفاتيكان
...
-
كيف نجا الإسلام في البوسنة والهرسك؟
-
الملك عبدالله يلتقي بابا الفاتيكان ويدعوه إلى زيارة الأردن
المزيد.....
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
المزيد.....
|