أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صافي صافي - مجتمع قعيد في رواية “أحلام القعيد سليم” لنافذ الرفاعي















المزيد.....

مجتمع قعيد في رواية “أحلام القعيد سليم” لنافذ الرفاعي


صافي صافي

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 23:25
المحور: الادب والفن
    


لا أتفق مع المحللين الذين اعتبروا هذه الرواية اجتماعية، بما في ذلك الكاتب نفسه، فكل رواية لها بعد اجتماعي، وبعد سياسي وبعد فلسفي وغيره من المجالات، فالرواية حياة بكل تشعباتها، وهي بالتأكيد لا تتحدث فقط على أحلام رجل كسر عموده الفقري، ومحاولته تحقيق أحلامه الكبرى في تسلق شجرة الجميز، على طريقة الحيوان الثدي ذو المخالب الطويلة، سلاحه الوحيد “القرد الكسلان”، هذا الكائن الذي يتغذى فقط على أوراق النباتات، فلا يؤذي حيوانا ولا إنسانا إلا دفاعا عن نفسه.
إنها شجرة الجميز المعمرة، عميقة الجذور، بارتفاع المنابر القديمة، ما يزيد على العشرين مترا، مما يعني أن عمرها يزيد على الألفي عام. هذه الشجرة، دائمة الخضرة، التي تنمو ثمارها حتى على سيقانها، حلوة المذاق، فإن لم يأكلها الإنسان، أكلتها الطيور، وبعض الحيوانات، وحتى الديدان والحشرات.
يقوم سليم بتسلق شجرة الجميز، تلك الشجرة التي تسلقها من قبل “زكا العشار”، بل يعلوه بخطوات، والعشار، قصير القامة، هو الذي كان يعمل جابيا للضرائب أيام الامبراطورية الرومانية، الذي اعتبر خائنا، وسارقا لأموال الرعية. عندما مر السيد المسيح من هناك، قرر ملاقاته، فصعد الشجرة، وأعلن أنه سيتناول العشاء في منزله، وأعلن توبته، وأنضم لتلاميذ السيد المسيح بعد أن لاقي يهوذا الاسخريوطي حتفه، واصبح أسقف قيساريا.
سليم ليس مذنبا، بل هو نقي بهي، تعرض لكسر في عموده الفقري، وهو يعمل في مهنة البناء، سقط عليه السقف. سليم لم يكن مخطئا، ولا سارقا لأموال الناس، بل مكافحا لتوفير لقمة العيش لأسرته الفقيرة الموعزة. وها هو يعيد سيرة “زكا العشار”، في المكان نفسه تقريبا الذي مر به السيد المسيح، في كنيسة يصعب دخولها وتسلق شجرتها، وهو بذلك يقترب من السماء بعيدا بعيدا في خطوات بطيئة في عددها ثلاث وعشرين، وأكثر قليلا، بعدد أزواج كروموسومات الإنسان.

سليم البناء، على خطى والده، الخطاط، المبدع، الشغوف بالموسيقى، بالصوت الجبلي، العاشق لحزن الناي أولا، والمنبهر بالكمان، والمحب الولهان، والمبدع بصنع السرير المتحرك، والمقلد لعباس بن فرناس في الطيران، والمصمم على السباحة، والفارس الخيال. لم تكن رحلة سليم سهلة، فكل خطوة هي جهد، وكل خطوة تعادل خمسين عاما، تحبس الأنفاس، خطوات بعدد الفصول: خطواته الثلاث الأولى، والرابعة، والخامسة، ...، ويكسر الرتم عند الخطوة الثامنة، والتزحلق خطوة وعودة للتاسعة، (وصل خطوه الثامن)، ومجددا الخطوة العاشرة، والخطوة الحادية عشر، ... والخطوة الثالثة ما بعد والعشرين، يفصلها فنيا بالعائدة، واللقاء، وعواطف والراوي، والمخرور والقعيد والمغامرة، وينهيها بنصف خطوة.

إننا لسنا أمام قعيد واحد هو سليم، فسليم مقعد حركيا، لكنه المتمرد الذي لم يقبل الانتحار، فعبث الحياة تفرض عليه الاختيار، واختياراته تفوق قدراته، وفق فلسفة الديناميكا اللولبية حيث يحاول التفوق على ذاته، مرحلة وراء أخرى ليصل العلى والسمو. إن كل الشخصيات الواردة في الرواية هي مقعدة بشكل آو بآخر، فهو جزء من أسرة تتكون من تسع أخوات وولدين، بالإضافة للوالد والوالدة. سامي، أخوه الأصغر، شخصت عيناه، وهلوس بكلمات غير مفهومة، وامتنع عن الكلام، ثم انطوى على نفسه، عانى من وجع المسؤولية والعجز والاكتئاب، والانهيار العصبي، وأدخل مستشفى المجانين، فسفروه إلى الأكوادور، عاش في بيت خالته، ليتزوج ابنتها. والده هو البناء الذي تتلمذ سليم على يديه، وهو المخمور في الحانات هربا من وضع عائلته الصعب. أما أمه فهي تحمل هموم الكون كله، وهموم كل فرد من أسرتها.
صديقه الفضوي، يعشق السهر وينام متأخرا، العاقر، يتبنى وزوجته طفلة بطريقة مواربة، لكن زوجته تحمل أخيرا (من الله). طبيب الأعصاب المريض المقيم في المستشفى، ويستعين به الأطباء. رواد المشفى: أحدهم طبيب، والثاني من الأوائل في الجامعة، انهار في السنة الرابعة، والثالث أصيب بلوثة حب عندما زوجوا حبيبته من رجل آخر، فقام بطعنها، أما الرابع فقد أفلس بعدما كان من أصحاب الشركات التجارية. عواطف هي عشيقة سليم، جاء مغترب من أقاربها، يسكن خلف المحيط، أعجبت بأناقته وسيجاره الفخم، فتزوجها، وعاملها بقسوة، كخادمة، فهو زير نساء، ويسجنها في بيته، تفقد أباها في الوطن دون أن تدري. تقرر الهرب، والعودة إلى الوطن، فتعود لسليم مقعدا وثائرا.
أمل هي الوحيدة العاقلة التي تساعد الجميع، شبه أمه، تعلم معها في الكتب المدرسية، ليعوض ما نقصه، طفلته المدللة. علمها البناء، ابنته التي لم ينجبها، مشروع حياته، حتى أنه لم يوافق على زيجتها، تعلمت في معهد، وعملت في بيت كفيفات، وشاركت في الندوات الثقافية، كأنها هو.
نعم، لقد قرأت الرواية مرتين، لأدرك كم هي الحياة جميلة، ولأعرف أن سليم خرج من جلده، فتسامت روحه وعلت، ورممت نفسها، وانطلقت في دوائر زمبركية نحو العلى.

سليم ليس هو المقعد الوحيد، رغم التركيز عليه، كلهم مقعدون، مجتمع بكامله، فلم نر شخصية واحدة كاملة، وليس هناك كمال في أوصاف الشخصيات. من هنا تبدأ الرواية كما أعتقد. الاعتراف بالقعود، حتى يتجاوز المحنة، الأزمة، الحالة المرضية، ليقوم. الاعتراف بالمرض هو البداية، ثم التحدي. المرض يمنع سليم وغيره من حوله للنهوض، لكن سليم يقرر أن ينهض خطوة وراء أخرى، وإن تراجع مرة، يعود فيكمل المشوار. خطواته قصيرة، وبطيئة، مثل “القرد الكسلان”، لكن إرادته صلبة، يعتمد أولا على ما في داخله، وثانيا على يديه القوتين، ومخالبه الطويلة. المشوار طويل يحتاج ما يزيد على عشرين خطوة، وكل خطوة بمئة مما تعدون، لعبور السنين التي فاتت والسنين التي ستأتي. يبدأ الصعود من العقل، من القدرة على اتخاذ القرار، فاتخاذ القرار هو الذي يحدد الكينونة، والكائن بقراراته حتى في أشد الظروف قسوة.
كلنا معاقون، ليس بخاطرنا، وإنما لظروف خارجية، ولظروفنا الداخلية، ولقراراتنا السابقة، وعلينا أن نتحمل المسؤولية، ونفض شرنقة الإعاقة، والانطلاق إلى العلى. سليم المعاق هو مثال للانطلاق، وفعل مثله صديقه واخته وعواطف وغيرهم.
الخطوات ما فوق العشرين، ليست فقط حركة، وإنما تركيز، وتأمل، وتذكر، ورسم مستقبل يعيه المعاق جيدا، بل يقرر أن يصله.
هل يجوز اعتبار مجتمعنا معاقا؟
هل الاعتراف بواقعنا هو نقطة الإنطلاق؟
هل لدينا التصميم للخروج من وضعنا السيء؟
هل سليم هو القدوة؟ وهل السلامة هي نفسية أم حركية؟
هل وضع خطة للنهوض تشكل منارة للمجتمع؟
هل يشكل الحب حافزا وشغفا لمواصلة المشوار؟
هل الخطوات البسيطة هي البديل للنهضة والخلاص من الحالة السيئة؟
كلها أسئلة بحاجة لإجابات
عدا عن أسئلة فنية ولغوية أخرى، ستظل مطروحة في سياق الرواية وما بعدها



#صافي_صافي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي أدوات نشر -الفلسطينزم- في الوعي والمعنى؟
- المورسكي والفلامنغو في رواية “ عودة الموريسكي من تنهداته” لع ...
- بين موسى الأندلسي وموسى النابلسي في رواية عودة الموريسكي من ...
- العابرون والمقيمون في رواية تزوجت شيطانا”/ لكفاح عواد
- شهادة عين التينة
- الذاكرة والرواية
- اللون الأزرق في رواية -عداء الطائرة الورقية- لخالد حسيني
- سينمائية رواية -وجع لا بد منه-
- تداخل الأجتاس الأدبية
- قراءة في رواية -علبة حذاء- لصونيا خضر
- رموز ومعاني في -حليب الضحى-
- -الرغيف الأسود: قصص الطفولة المنسية-
- -تحرير الشرق-: نحو إمبراطورية شرقية ثقافية
- شهادتي حول رواية زرعين
- العاشق/ة في -نساء من صمت-
- أطوار الغواية مسرحية في رواية
- أساطير الأولين ما بين الرواية والقصة
- الكتابة والمرأة في إشراقات صباح سالم
- أكاذيب المساء/ محمد رمضان الخضور/ عمان 2020
- الخاصرة الرخوة/ المطلقة/ روايتان لجميل السلحوت


المزيد.....




- قناطر: لا آباء للثقافة العراقية!
- المخرج الايراني ناصر تقوائي يودَّع -خاله العزيز نابليون-
- إنجاز جديد للسينما الفلسطينية.. -فلسطين 36- بين الأفلام المر ...
- وليد سيف يسدل الستار على آخر فصول المشهد الأندلسي في رواية - ...
- موسم أصيلة الـ 46 يكرم أهالي المدينة في ختام فعاليات دورته ا ...
- الوجع والأمل في قصص -الزِّرُّ والعُرْوَة- لراشد عيسى
- المخرج المصري هادي الباجوري يحتفل بعقد قرانه على هايدي خالد ...
- سينمائيو بلغاريا ينصرون غزة ويغضبون إدارة مهرجان -سيني ليبري ...
- سينمائيو بلغاريا ينصرون غزة ويغضبون إدارة مهرجان -سيني ليبري ...
- تايلور سويفت تواصل تحطيم الأرقام القياسية.. بيع 4 ملايين نسخ ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صافي صافي - مجتمع قعيد في رواية “أحلام القعيد سليم” لنافذ الرفاعي