أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد تركي - لا تُضيّقوها رجاءً !














المزيد.....

لا تُضيّقوها رجاءً !


سعد تركي

الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 15:08
المحور: المجتمع المدني
    


"ماذا أفعل؟ المدينة التي أسكُنها لا تُشبه المدينة التي تسكنني"، عبارةٌ لعلَّ قائلها ضاق بمدنٍ لا تتوسَّع أفقيّاً، بل تنشطر بيوتها وتتقزّم إلى مساحاتٍ أصغر فأضأل.. مدنٌ تتقلّص أرصفتها فيضطرّ العابرون عليها للسير في شوارع مكتظةٍ بعجلاتٍ مختلفة الأنواع والأشكال والأحجام. عابرون تنازلواـ مضطرّين ـ عن مساحاتهم الشخصيَّة ففقدوا الشعور بالاستقرار النفسيِّ والجسديِّ.
أتخيَّل قائل الجملة يخرج من بيتٍ لم تَعُدْ مساحته تتعدّى خمسين متراً بعد أنْ كانتْ يوماً ما ثلاثمئة متر، إلى زقاقٍ استحوذتْ عليه عجلاتٌ خاصَّةٌ وقطع خردةٍ وحاويات نفايات.. أتخيَّله يصل إلى شارعٍ لا يجد في رصيفه متكأً لقدميه، يُحشر بعدها في سيّارة "كيّا" يُجاهد فيها لئلا يسمع جيرانه، المتكدّسون معه، صوت حواره الداخليّ.. يُكابد ألم طرد مقارنةٍ تلحّ على عقله بين مدينةٍ، كانتْ واسعةً رحبة، ومقبرة السلام التي تتوسَّع ضيقاً!
في طريقه إلى عمله، يمرّ بأحياءٍ جديدةٍ تُشبه حيَّه تُستحدَث دائماً وأبداً.. يعصره وجع زوال اخضرارٍ فقدتْه البيوت أوّلاً، وتكفّلتْ كتلٌ كونكريتيَّةٌ بمحوه من بساتين وارفة وحدائق كانتْ تنتشر أينما مدَّ البصر.. يوقن يوماً في إثر يومٍ أنّه سجينٌ بخياره وعلى نفقته الخاصَّة!
إذ يصل إلى مقرِّ عمله، يخنقه هواءٌ اختلط بأنفاسٍ ممزوجةٍ بدخان سجائر مراجعين تعلّقوا بشبابيك "الدائرة"، واكتظتْ بهم ممراتها الضيّقة.. ضجيج الصراخ والصوت العالي يصدّه عن تفهّم سبب عجلة المراجعين ورغبتهم الشديدة في إنجاز ما أتوا لأجله من دون حسبان أولويَّة من سبقوهم، وكأنهم يحاولون الفرار من سجنٍ إلى آخر أقلَّ ضيقاً وأكثر ألفةً!
وإذ يُنهي ساعات عمله بـ"أشغاله الشاقة"، يعجز عن إيجاد مكانٍ يلتقي فيها صديقاً أو حبيبة، فليس هناك من بقعةٍ تحمل مسرّة وعدٍ أُنجز أو فرحة لقاء تحقّق.. أمكنةُ المدينة استباح عفّتها ونقاءها وأصالتها قبحٌ استوطن طرقاتها ومسخَ جمالاً في طريقه إلى الأفول.. لا خيار أمامه إلّا بين ضيقين، فيختار النكوص إلى بيتٍ لا يضطرّ فيه للخجل من دموعٍ يسكبها ألماً على ما مات فيه من حبٍّ وخيرٍ وجمال.
في طريقه إلى البيت، تصفعه "فلكسات" مرشّحين لانتخاباتٍ ما، صيّرتْ أرصفة الشوارع أكثر تشوّهاً وضيقاً. في طريقه إلى سريره يتعثر بقطع أثاث اختيرتْ بعنايةٍ وحرصٍ كي تناسب أبعاد غرفةٍ صغيرة.. لا يجرؤ أبداً أنْ يمدَّ جسده المنهك على فراشه، فقد يصدم حائطاً أو يرتطم بأحد إخوته.. يحلم بمقبرة السلام منجاةً من الضيّق إلى الأضيق، فلعلَّ القبر بوّابةٌ إلى ما هو أوسع وأرحب، ولن يكون مهتمّاً حينها سواءٌ أكان جنةً أم جحيماً!



#سعد_تركي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعالْ ع الخاص!
- وصفة للثراء
- خيبة الأماني
- أخي زهير !
- الرفيقة -سيجارة-!
- 56.. سيرة ضيم!!
- دهنيني يا مره!!
- آباؤنا.. افتراضيون!
- قطع الكيبلات ولا قطع الأرزاق!!
- هوية المدينة.. رصيف!
- الفرحُ ليس مهنتنا!!
- كي لا نخسر أزل وأخواتها
- نادية كومانتشي وصناعةُ البطل
- المياه لا تعود إلى مجاريها!
- وصايا لسياسي مبتدئ!!
- طريق المنافي والمهاجر
- رمضانهم كريم!!
- صحف لقراءة الأبراج!!
- سلام القلوب
- أمنية ابتدائي!!


المزيد.....




- مشاهد مؤثرة من خانيونس.. لحظة وصول الأسرى المحررين إلى مجمع ...
- ردود متباينة بمواقع التواصل بعد تبادل الأسرى بين حماس وإسرائ ...
- ردود متباينة بمواقع التواصل بعد تبادل الأسرى بين حماس وإسرائ ...
- أعضاء الكنيست يصفقون وقوفا لترامب.. حماس تسلّم جميع الرهائن ...
- فنزويليون في كولومبيا يطالبون بالإفراج عن السجناء السياسيين ...
- ++ اتفاق غزة.. سير عملية تسليم الرهائن والإفراج عن معتقلين ف ...
- إصابة واعتقال خلال اقتحام قوات الاحتلال بلدة سبسطية شمال غرب ...
- مجلس حقوق الإنسان يطالب متمردي الكونغو بوقف هجماتهم
- الأمم المتحدة تقدّر أن نحو 300 ألف جنوب سوداني فروا من بلاده ...
- ++ اتفاق غزة.. تسليم الرهائن والإفراج عن معتقلين فلسطينيين + ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد تركي - لا تُضيّقوها رجاءً !