أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حامد فضل الله - الرؤية القرآنية، قراءة تحليلية نقدية















المزيد.....



الرؤية القرآنية، قراءة تحليلية نقدية


حامد فضل الله
كاتب

(Hamid Fadlalla)


الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 14:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محمد محمود*
مدخل لقراءة النص، حامد فضل الله / البرليني
صدرَ عن منشورات دار الجمل بيروت ــ بغداد الطبعة الأولي 2025، والطبعة الثانية ــ في نفس العام ــ عن مركز الدراسات النقدية للأديان ــ لندن، كتابٌ بالعنوان أعلاه، للدكتور محمد محمود. والكتابُ من الحجم المتوسّط ويضمّ 674 صفحة، ويحتوي إلى بجانب المقدّمة و الخاتمة، والملحقين، أربعة أبواب ثم الهوامش والمراجع والفهرس وقد جاءت عناوين الأبواب كالاتي: المصحف، الثالوث، المسير، المصير، وكل باب يضم ثلاثة فصول (أي محاور).
جاء في المقدمة" هذا الكتاب هو تكملة لكتابنا نبوة محمد: التاريخ والصناعة، مدخل لقراءة نقدية. وإن كان كتابنا الأول هو محمد الذي قدم نفسه كنبي وقدم نبوته بأنها ذروة وخاتمة سلسلة طويلة من النبوات فإن موضوع كتابنا هذا هو القرآن باعتباره كتاب نبوة محمد الذي يقدم رؤيته الكونية وصوتها وهي تتطور مُتَشَكًلة بالواقع التاريخي الذي نبتت فيه ومُشَكًلة له". ويقول: "والقرآن الذي كان طيلة حياة محمد مجرد آيات وشَذَرَات شفهية متفرقة لم يتم جمعها بين دفًتَي مصحفٍ كتابٍ إلا بعد وفاته". ويواصل: " ومنهجنا في قراءة القرآن منهج تحليلي ونقدي ينطلق من النظر له وباقي ما اُعتبر تاريخيا نصوصا مقدسة كنصوص بشرية، وهي بهذه الصفة نصوص يخضع فهمها وتفسيرها في نهاية الأمر لنفس المناهج والاِجراءات التي تخضع لها باقي النصوص غير المقدسة".
الباب الأول بعنوان " المُصْحَف"، يضم ثلاثة محاور: الجمع، والمصدر، والنص.
الجمع: يقول المؤلف مفتتحا هذا الفصل: "مثلما أنه كان لابد للمسيحيين الأوائل من أن يتفقوا على طبيعة عيسى الموصوف بالمسيح ليصنعوا دينهم فلقد كان لابد للمسلمين الأوائل من أن يتفقوا على طبيعة القرآن ليصنعوا دينهم". ويقول بأن مادة السيرة تحكي عن اللحظة التأسيسية لنبوة محمد باعتبارها لحظة تلقيه لأول آيات القرآن ويطرح مسألة تصوّر ثلة المؤمنين الأوائل الذين أحاطوا بمحمد لطبيعة ما سمعوه منه. ويقول بهذا الصدد إن إدعاء محمد للنبوة لم يكن مصدر استغراب لمعاصريه من المكيين لأن المفهوم نفسه لم يكن غريبا عليهم أو صادما لهم، بيد أن ما كان غريبا في نظرهم هو أن يدّعي مكي مثلهم النبوة ويطمح بذلك أن يخضعهم لسلطته. ويشير إلى علاقة جيل الصحابة بالقرآن ومساهمته الأساسية الفاعلة في تشكيله التي وصلت حد تبنًي مقترحاتهم لتصبح جزءا من الرسالة الاِلهية، كما هو الأمر في حالة ما أطلق عليه "موافقات عمر". ويسرد المشاكل التي رافقت جمع القرآن والتحدي الأكبر في ترتيب المادة القرآنية، أي ترتيب السور ثم ترتيب السور لآيات والخلافات التي نشأت وخاصة الخلاف والصدام مع عبد الله بن مسعود الذي غيبه عثمان وعزله عن المشاركة في جمع القرآن. وعقب الجمع قام عثمان بحرق صحف القرآن التي بأيدي الناس. ولقد تحقق هذا إلى حد كبير وأضحى مُصحف عثمان هو "المُصحف الاِمام" و"القرآن" الذي يؤمن المسلم بصحته واكتماله وسلامته التامة لأن الله صانه من التحريف. ويختتم المؤلف الفصل بقوله إن من احتشدوا ليشهدوا حرق المصاحف "لم يعلموا لحظتها، وما كان من المكن ان يعلموا، أن كتابهم الموحًد لن يوحدهم كما كانوا يطمحون ولن يجنبهم شر الاختلاف وتكفيرهم لبعضهم البعض وسفكهم لدماء بعضهم البعض، وأن سيرتهم في قابل تاريخهم لن تختلف عن سيرة سائر أهل الكتاب".
المصدر: يعالج هذا الفصل السؤال عن مصدر القرآن وما ارتبط به من مسائل في فترة مكة والمدينة وما بعد ذلك. ويقول عن الثلة التي آمنت في مكة: " إن المؤمنين الأوائل الذين صدقوا محمدا وقبلوا دعواه بالنبوة دخلوا في واقع الأمر في تعاقد إيماني معه استند على بنية إيمانية موروثة وذات وجود سابق على لحظتهم التاريخية، وقبلوا بأن القرآن الذي كان محمدُ يتلوه عليهم هو "كلام الله"، في مقابل ذلك كانت هناك في مكة الأغلبية الوثنية التي لم تقبل الادعاء النبوي ورأت أن ما يقوله محمد هو كلامه، ولم ترَ في التأثير الساحر لأسلوب القرآن ما لا يستطيع البشر إتيانه وجاء ردّهم: "قَالُوا: قد سَمِعْنَا، لو نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا" (8 : 31، الأنفال). والدليل التاريخي يشير إلى أن محمدا لم يقنع المشركين وأنهم وطالبوه بمعجزات محسوسة وملموسة ليثبت نبوته. وإن كانت فترة مكة هي فترة سيادة النبوة في سيرة محمد فإن فترة المدينة كانت فترة صعود وهيمنة مشروع الدولة الذي لم ينفصل عن مشروع تأسيس الدين الجديد، وهذا الترابط الوثيق بين الدين والدولة في الرؤية القرآنية يأتي من نموذج اليهودية التي لا ينفصل فيه الدين عن الدولة. وتدريجيا وفي ظل الدولة وهيمنتها ورعايتها نشأت وترعرعت طبقة العلماء الذين طرحوا مشاريعهم تأسيسا على التعاقد الاِيماني وعلى مركزية القرآن. وعند ما بدأت حركة الترجمة والانفتاح على الفكر الإغريقي تبلور موقف متكلمي المعتزِلة ومفهوم خلق القرآن، وهو موقف عارضه تيار من تمسّكوا بتراث السلف أو أهل السنة والجماعة (وخاصة أحمد بن حنبل)، وتيار كلامي مثله أبو الحسن الأشعري. ويختم المؤلف الفصل بقوله: "وهكذا وبغروب نجم المعتزلة أصبح القول بأن القرآنَ كلامُ الله غيرُ المخلوق هو العقيدة الرسمية السائدة وسط سواد المسلمين إلى اليوم".
النص: يقول المؤلف أنه وبجمع القرآن أصبح "المصحف الإمام" هو ما يعرِّف هُوية المسلمين. ويشير إلى أننا عندما ننظر لسور القرآن من بداية المُصحف لنهايته فإننا لا نجد أن انتظامها قد خضع لما خضع له انتظام أسفار التوراة أو الأناجيل. فالقرآن لا يقدم لمن يسمعه أو يقرأه خيطا زمنيا تنتظمه قصة لها بداية ووسط ونهاية، وإنما يقدم سورا تنتمي لمرحلتين مختلفتين في حياة محمد وتحوي مواضيع مختلفة وتعكس هموما متنوعة ومتغيرة. ولقد كانت لغة القرآن وطبيعتها من أول ما شغل علماء المسلمين وهم يؤسسون لدينهم ويرسون قواعده ويؤكدون على تميزه وتفوقه. ورغم أن غرض المُصحف العثماني كان جمع المسلمين على قراءة واحدة (أو على حرف واحد) إلا أن آثار القراءات المتعددة السابقة على الجمع، والتي يعكسها حديث الأحرف السبعة، لم تَزُل زوالا نهائياً. ويتعرّض الفصل لظاهرة النسخ والتي تثير المشكلة اللاهوتية العويصة بشأن تغيير الله لكلامه، كما يتعرّض لمسألة المُحْكم والمتشابه، والتي أضحت سلاحا ماضيا في الحرب المذهبية التي استعرّت بين الفرق.
ويختتم المؤلف هذا الفصل والباب شارحا خطته في باقي الكتاب بقوله: " لقد كان القرآن هو إنجاز محمد الباقي وكان جمعه من أعظم إنجازات الدولة الاِسلامية التي ذهبت ولكن بقي القرآن نواة صلبة لعقيدة المسلمين وهُويتهم. ولقد بذل المسلمون في الماضي والحاضر وقتا كثيرا وجهدا بالغا ومتواصلا ركزوا فيه على قشرة النواة من خلال نظرية الاِعجاز اللغوي للقرآن ... ويقينا فإن لغة أي نص ذات أهمية أولية وبالغة، إلا أننا لن نتعامل مع لغة القرآن من زاوية ما يُوصف بالإعجاز ولكن من زاوية دورها الوظيفي كناقلة لعالم مواضيع القرآن وأفكاره وتصوراته أو ما يُوصف برؤيته الكونية".
الباب الثاني "الثالوث" ويضم ثلاثة محاور: الاِله، الشيطان، الاِنسان.
الاِله:
قدم محمد القرآن منذ أول آية تلاها باعتباره "كلام الله". ويشير المؤلف أنه وبصرف النظر عن طبيعة تفاعل من استمعوا للقرآن من معاصريه فإنهم جميعا كانوا يدركون مدلول كلمة "الله"، وأن الكلمة استبطنت تأكيدين ونفيين في نفس الوقت: تأكيد على توحيد الاِله لا ينفصل عن نفي الشرك، وتأكيد على الطبيعة الذكورية للإله لا ينفصل عن نفي الطبيعة الأُنثوية، وأنه كان انبعاثا وامتدادا لإله التوراة. ويؤكد المؤلف أن الصوت القرآني في مجموعه هو صوت محمد، وهو صوت يعبر عن نفسه عبر صوت إلهي وصوت نبوي وصوت مُختلط.
والقرآن يرسم ملامح صورة الاِله عبر صفاته وأفعاله. ولأن القرآن ليس بنص فلسفي فأنه لا يقدم لنا تعريفات للألفاظ التي يستخدمها في وصف الاِله وإنما يعلق إدراك هذه الألفاظ على مدلولاتها العامة والمألوفة في مجتمع المتلقين الأوائل للنص. وأسطورة الخلق التي قدمها القرآن لمن خاطبهم تستند على الأسطورة التوراتية التي تصف فِعْلَ خلق إلهي يبدأ بخلق الكون ويصل ذروته ومنتهاه بخلق الاِنسان. وحدود المكان والزمان في القصة القرآنية لخلق الكون هي نفس حدود القصة التوراتية، ولحظة الخلق هي اللحظة التي يبدأ فيها تاريخ الأشياء و"تاريخ" الاِله نفسه لأنها اللحظة التي يدخل فيها الاِله في علاقة مع مخلوقاته ويدخل فيها في بُعْدَي المكان والزمان اللذين خلقهما.
ويسرد المؤلف الألفاظ الأساسية التي يستخدمها القرآن في وصف الاِله. وتبلغ القصة القرآنية، مثلها مثل القصة التوراتية، ذروتها بخلق الاِنسان، وهكذا نقرأ: "و قدم القرآن صورة لإله تحدث بصوت محمد وعكس مسيرته وتطوره وتغيراته، وأصبح اسمه مقترنا باسم محمد وأصبحت طاعته مقترنة بطاعة محمد. وعبر نمو الاِسلام عكس الصوت القرآني نمو سلطة محمد، وفي ظل واقع القوى في الفترة المكية ظل الصوت القرآني صوتا مسالما، ولكنه اكتسب طبيعة جديدة عندما تغيرت موازين القوى بعد الهجرة ليثرب بقيام دولة المدينة وامتلاك المسلمين للآلة العسكرية وأصبح صوتا محاربا. وثمة انقلاب كبير وخطير آخر تمخضت عنه الفترة المدنية وهو أن صوت القرآن الذي سبق أن صَادَقَ على ادعاء بني إسرائيل بأنهم "شعب الله المختار" ما لبث أن سحب هذا التفضيل لينقله لأمة المسلمين.
الشيطان:
يلاحظ المؤلف في عرضه لصورة الشيطان في القرآن أنه يقف مكتملاً عاتياً منذ أول وهلة لظهوره، وهو في هذا يختلف عن شيطان التوراة الذي ينمو وئيدا. إلا أن شيطان القرآن كان ملتحما بشيطان العهد الجديد الذي قدم للقرآن نموذج كائن ناضج الملامح وذي (تاريخ) لا نظير له من التمرد والخروج الأول على الاِله والخصومة والعداوة العاتية المستمرة له، وذي حضور دائم في داخل الناس وخارجهم ونشاط لا ينقطع لإغوائهم وإضلالهم. ولحظة البداية التي يظهر فيها الشيطان في القرآن هي لحظة الخلق والعصيان. والتنافس على الاِنسان بين الاِله والشيطان هو الموضوع المهيمن على القرآن. ونقرأ: "إن الاِنسان حسب الرؤية القرآنية يُولد في قلب واقع خلاصي يتصارع فيه الاِله والشيطان. وحسب مادة الحديث فإن أول ما ينتظر المولود لحظة دخوله العالم هو الشيطان الذي يمسه فيصرخ. وعند ما يتوق المسلم للعودة للحظة الميلاد تلك الخالية من الذنوب والآثام فإن اغتساله يكون بِحَجه لمكة. وفي مكة لا يجد الحاج الكعبة، بيت الله، فحسب وإنما أيضا أثرَ أقدام الشيطان وقد انتصبت عمودا حجريا. وفي هذا المكان الذي يتجاور فيه الله والشيطان وهما ملتحمان في صراعهما الأبدي يتوزع الحاج، ضمن طقوسه، طقسان متكاملان: يطوف حول بيت الله ملبياً وبعدها يَخِفّ لنُصْب الشيطان وهو يرمي بجَمَراته لاعنا."
الاِنسان:
وفي إبرازه لمكانة الإنسان في الخطة الإلهية يقول المؤلف إن " ... خلق السموات والأرض ما هو في واقع الأمر إلا مقدمة للحظة الخلق الكبرى، أي لحظة خلق الاِنسان ــ فالكون، وتحديدا الأرض، كمكان وزمان هو المسرح الذي سيعمره الاِنسان (خليفة الله في الأرض) وتتحقق فيه قصته الخلاصية، حيث هو المركز والغاية." وعن مادة الخلق وتواصله يقول: "يؤكد القرآن على عنصر التراب كعنصر أولي في خلق الاِنسان وكذلك أيضا علي عنصر الطين، ويضيف عنصرا آخر غير مادي هو النفخ الاِلهي، وهو عنصر توراتي. وقصة الخلق في القرآن لا تقف في واقع الأمر عند لحظة الخلق الأولى وإنما تتواصل وتمتد باعتبار الخلق عملية متجددة مستمرة مع ميلاد كل مخلوق أو ما يمكن أن نسميه بالخلق التناسلي."
والقصة الخلاصية التي يقدمها لنا القرآن تستند على الميراث التوراتي ولا تفترق عنه افتراقا ملموسا إلا في اعترافها بنبوة عيسى تم تفترق بعد ذلك عن الميراثين التوراتي والاِنجيلي في تأكيدها على نبوة محمد (وأنبياء عرب آخرين)، وعند النظر للقصة الخلاصية وفحصها عن قرب من خلال اللحظات العليا التي يمثلها كل من نوح وإبراهيم وصالح وموسى وعيسى ومحمد".
ويبرز المؤلف في تفصيله عن هذه اللحظات العليا عن سمة هامة لظاهرة النبوة وهي نزعتها للانقفال، وهكذا يقول: "فتحت اليهودية باب السماء لأبناء بني إسرائيل ثم أغلقته، وفتحت المسيحية باب السماء لعيسى ثم أغلقته. وجاء محمد ليعلن أن الله بعث في الأميين رسولا منهم، ثم فعل الاِسلام ما فعلته اليهودية والمسيحية وأغلق باب السماء." ويقول عن نبوة محمد: "ولم تختلف نبوة محمد على النبوات التي سبقتها في أنها قدمت صوت النبي باعتباره صوت الله ــ فهذا في نهاية الأمر هو ما يعرف النبوة ويخصصها. ولقد تطورت نبوة محمد من نبوة متواضعة لينذر "أم القري ومن حولها" لتصبح دعوة لكل البشر. وهكذا يصبح الاِسلام هو الدين الناسخ لكل الأديان وتصل القصة الخلاصية بعد رحلتها الطويلة منذ لدن آدم لذروتها العليا بمجيء رسوله و"نزول" كتابه. ... وهكذا قدم محمد نبوته باعتبارها غاية كل النبوات ونهايتها، وقدم القرآن باعتباره كلمة الله الأخيرة لكل إنسان في كل مكان وزمان التي لن يسمع غيرها فيما تبقى له من رحلته الخلاصية ــ إذ أنه لن يسمع صوت الله إلا عنما يَنْسِل من جَدَثه يوم قيامته".
الباب الثالث "المسير" ويضم ثلاثة محاور: الشعائر، الشريعة والأخلاق.
الشعائر:
يقول المؤلف عن الشعائر: "الشعائر أو الطقوس خاصية أساسية من الخصائص التي لا نستطيع فهم الدين وتعريفه بدونها، والاِسلام منذ بدايته المكية حوى مكوّنا طقوسيا علاوة على مكوّنه العقيدي والأخلاقي. وبينما أن المكون العقيدي يضع "الأرضية التي يستند عليها المؤمن في رحلته الخلاصية" فإن المكون الشعائري يعطيه "الطقوس التي لابد من أن يؤديها لقطع مراحل رحلة كدحه نحو ربه". ويأتي هنا أيضا شرح وتفصيل مسهب لكل الشعائر. وهذا ينطبق أيضا على محوري الشريعة والأخلاق، وهي مسائل لا نتعرض لها هنا.
الباب الرابع (الأخير) "المصير" ويضم ثلاثة محاور: القيامة، الجنة والنار.
ونقدم هنا أيضا ملخصا للمحاور الثلاثة:
في الحديث عن موضوع القيامة يعود بنا المؤلف لأصول الفكرة ويقول:" في النظر لفكرة القيامة في الاِسلام بوصفها قمة القصة الخلاصية القرآنية ومنتهاه لابد أن نرجع للأثرين اليهودي والمسيحي كأثرين مباشرين، ولكن لابد أن نضع في اعتبارنا أيضا ثمة مؤثرات أخرى غير مباشرة أتت في الساق الأكبر الذي لعب دوره في تشكيل رؤية اليهودية وفيما بعد المسيحية نفسها وشمل الاِسلام". ويشير النص إلى فكرة قيامة الموتى والأثر الكنعاني والبابلي والفارسي والمصري واليوناني الذي تسرب للفكر اليهودي، وكذلك اليوناني والزرادشتي، مما أدى لاستيعاب فكرة قيامة الأموات والحياة الأخرى التي تنظمها ثنائية الجنة والنار.
وفي النظر للفكرة في إطار القرآن يقول: " عندما ننظر للخط الزمني للقصة الخلاصية في القرآن فإننا نجده ينقسم لأربع مراحل: مرحلة البداية الآدمية في الجنة، ثم مرحلة الحياة الدنيا بعد إهباط أو سقوط آدم وحواء، وهي الحياة الحالية، والتي تليها المرحلة الثالثة عندما يغادرها الاِنسان بموته ثم تأتي المرحلة الأخيرة عندما يُبْعَث الاِنسان ــ ويحرص القرآن على تأكيد أن كل فرد بشري سيبُعث ــ ويحاسب لتبدأ الحياة الآخرة... لقد أضحت فكرة عذاب القبر محل إجماع المسلمين، إلا أن البعض مثل المعتزلة مثلا رفضها. والقيامة تنقضي بعد أن يَزِن الله أفعال البشر لينقسموا لمفلحين وخاسرين".
ويستمر في الإمساك بخيط ما تصل إليه القصة الخلاصية ويقول: "وبانتهاء القيامة وحسابها تبرز ثنائية الجنة والنار التي ستصبح واقعا جديدا وخالدا ملازما لوجود ما بعد القيامة. إن دخول الجنة يعني أن الاِنسان قد تحرر من كل شقاء الحياة الدنيا. ودخول الجنة يعني أيضا أن تجربة الموت قد خرجت من حياة الاِنسان".
وعندما يأتي المؤلف للجنة يقول: " أن جنة القرآن تعكس واقع مجتمع محمد وقيمه. فعلى المستوى المادي هي جنة كلُّ عناصرها المادية مألوفة ... وعلى مستوى واقع القيم هي جنة تعكس التراتبية المألوفة لمجتمع محمد وعصره ــ التراتبية الذكورية التي تبيح استمرار مؤسسة تعدد الزوجات، وتراتبية السيد والمسود التي تتيح لأهل الجنة خدمة الولدان المخلدين، والانحياز الثقافي للون الأبيض ... وجنة القرآن تختلف عن الجنة الأولى في أنها موجودة في ظل النار. والنار وجنة الخلد، تولدان كتصورين متزامنين في لحظة العصيان عندما يعلن إبليس عن خطته لإغواء بني آدم وعندما يطرده الاِله".
ويعود المؤلف لخيط القصة الخلاصية وهو ينظر للصورة الكبري: " وبوصول القصة الخلاصية لنهايتها نصل لعالم منقسم ــ لسنا بإزاء عالم الاِله وجنته الأولى وبراءتها وإنما بإزاء عالم يشكله عصيانُ إبليس، وعصيانُ الاِنسان الذي أغواه إبليس ومشيئة الإله الذي لا يغفر. وهكذا وبانتهاء القصة الخلاصية والقيامة ينشأ عالم ثنائي، خالد الثنائية ــ يقف فيه الاِله في معارضة أبدية لاِبليس وتقف فيه الجنة في معارضة أبدية للنار، ولا معنى فيه لتنعم الجنة وسعادتها بدون شقاء النار وعذابها".
وعن النار ومغزاها يقول: "إن النار في القرآن هي الوجه الآخر للجنة، وكلاهما يمثل ذروة القصة الخلاصية وانحلالها ... ورغم أن ما يُذكر في لحظة العصيان الاِبليسي هو اسم جهنم إلا الاسم الغالب في القرآن هو النار". ثم يأتي الوصف الدقيق في الفصل للنار، مكانها وصفاتها الخارجية وسعتها، وعذابها الحسي والنفسي.
" إن القصة الخلاصية للقرآن، كما رأيناها تبدأ بعالم موحد منسجم، مركزه الجنة وتنتهي بعالم منقسم انقساما أبديا. وأصل هذا الانقسام ... يرجع للحظة العصيان الاِبليسي، تلك اللحظة الفاصلة التي يدخل فيها عنصر جديد للوجود ــ عصر الشر الذي يجسده الشيطان. وهي أيضا ... اللحظة التي يصبح فيها الاِنسان مسرح الصراع بين الاِله والشيطان ــ الصراع الذي يصنع القصة الخلاصية ويعطي الوجود معناه. وبنهاية القصة الخلاصية وانتهاء محاسبة يوم القيامة فإن ما يبرز للوجود هو عالمُ جديدُ إبدي عناصره الأساسية هي الله وإبليس والاِنسان والجنة والنار. وعندما نقارن عالم ما بعد القيامة بعالم ما قبل لحظة العصيان الاِبليسي وما أعقبه من سقوط فإننا نجد أن عالم ما بعد القيامة هو عالم انتصار الشيطان إذ ينشأ واقعٌ أبديٌ جديدٌ هو النار التي تقف موازية لجنة الاِله الأبدية. إنه وجود يعكس عجزا أبديا من ناحية في مواجهة مشيئة أبدية لا تتبدل من ناحية أخرى. فالشيطان عاجز عن الخروج من الجحيم الذي يظل خالدا فيه، ومشيئة الاِله تنتقل من منزلة: "إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" (39 : 53، النجم) للمقام الذي تصفه آية الدخان ("يوم نَبْطِش البَطْشة الكبرى إنا منتقمون") (44: 16) أو آية النساء: ("والله أشدُ بأسا وأشد تنكيلا") (4: 84) ــ مقام الأبد الجديد الذي سيذوق فيه الشيطان ومن اتبعوا خطواته في كل لحظة من لحظات وجودهم بطش الاِله وانتقامه وبأسه وتنكيله الذي لا نهاية له".
والآن نصل للخاتمة والتي هي عبارة عن عرض مكثف لما جاء في متن الكتاب: "القرآن كتاب مقدس، وهو بهذه الصفة ينتمي لطائفة محدودة من أكثر الكتب تأثيرا في تاريخ البشرية. ورغم أنه كان من آخر هذه الكتب تاريخيا إلا أنه يأتي من حيث اتساع تأثيره في المرتبة الثانية بعد أوسع الكتب تأثيرا وهو الكتاب المقدس اليهودي ــ المسيحي. نبلغ الآن نهاية رحلتنا في هذا الكتاب بعد عبورنا لأربع مراحل بدأناها في المرحلة الأولى بالنظر لتاريخ القرآن وهو يتطور من شذرات موزعة على الذاكرة الجماعية لمحمد وأصحابه إلى أن أصبح مصحفا مكتوبا، ثم نظرنا بعد ذلك لصورة النص عن مصدره ثم طبيعته. وفي المراحل الثلاثة التالية نظرنا لثالوث الاِله والشيطان والاِنسان ثم لرحلة الاِنسان الخلاصية واخيرا لمصيره الموعود". ويواصل المؤلف وهو يقترب من تلك النهاية التي يسميها "نهاية النهايات" ويعود لاقتباس آية الحديد: "هو الأول والآخِر" (57: 3)، وآيتَي الرحمن: "كل من عليها فَانٍ * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» (55: 26 – 27) ويقول "وهي آيات مع تأكيدها على "المركزية الإلهية" تنطوي على ما يمكن وصفه بالتعبير الأعلى عن فكرة سرمدية الله، أي عن وجوده الذي لا بداية ولا نهاية له. إلا أن ما يتّضح أيضا عند النظر أن مفاهيم "الأول" و"الآخِر" و"الفناء" تحيلنا لمفهموم الأمَد أي ما له أول وآخِر ، وهكذا نعود للإنسان الذي هو أمَدي الوجود حتى نفهم ما تعنيه سرمدية الله، وعندها يصبح الإنسان هو "مقياس الله" الذي لا يصبح الكلام عنه على أي مستوى ذا معنى وممكنا بدون القياس والمقارنة به." ويصل لخلاصته الخاتمة قائلا: "إن سرمدية الله تظل أقصى ما نستطيع تصوره لنهاية النهايات. وهذه السرمدية التي لا تقبل نظيرا تقتضي موت الاِنسان. وهكذا فلعلّ أبلغ ما يصوّر نهاية النهايات من زاوية نظر الاِنسان هي صورة ذلك الخواء العدمي الذي تصوره المكيون وتصالحوا معه وهو يقولون: "ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر".
التذييل:
وينتهي الكتاب بـ " تذييل" يضم ملحقين: الملحق 1 وموضوعه المُحْدَثون وإشكاليات القرآن، والملحق 2 وموضوعه أصوات القرآن.

المُحْدَثُون وإشكاليات القرآن
ويبدأ المؤلف حديثه عن المُحدّثين بقوله: " كان من الواضح للمسلمين في الماضي، وخاصة عندما ظهر المتكلمون والفلاسفة، أن قبول سلطة القرآن يستوجب تعطيلين: تعطيل عقلي وتعطيل أخلاقي. ولذا فقد كان من الطبيعي أن ينصرف همهم التفسيري والكلامي للدفاع الدؤوب عن القرآن وهم يواجهون التحديات الدينية والفكرية التي برزت في سياقهم الاِمبراطوري الذي جعلهم يحتكون ويصطدمون بتيارات دينية وفكرية عديدة تنتمي لأفق فكري أكثر اتساعا وتعقيدا من الأفق الذي نشأ فيه القرآن."
ويفصّل المؤلف بشأن التعطيل على مستوى المواجهة مع العلم بالقول إن التحديات التي واجهت المسيحية هي نفس التحديات التي تواجه الإسلام. ويأخذ المثالين المشهورين في السياق المسيحي للمواجهة بين الكنيسة والرؤية الكونية لقاليليو قاليلي التي أكّدت على مركزية الشمس ودوران الأرض حولها، والمواجهة مع شارلس داروين ونظريته عن الأصل المشترك بين الحيوان والإنسان وتطوره التدريجي. ويعالج المؤلف هذه القضايا باستعراض آراء وتفسيرات بعض المفكرين المحدثين من العرب والمسلمين مثل العراقي محمد محمود الصواف، ومحمد عبده من مصر، وأبو الأعلى المودودي من شبه القارة الهندية ومحمود محمد طه من السودان ومحمد شحرور السوري وأمينة ودود النسوية الأمريكية، وهي معالجة لا يسمح المجال للتعرض لها هنا.

ــ أن طريقتي في التعامل مع الكتب الجادة والرصينة، تبدأ بقراءة أولية أي استكشافية، ثم أعود بعد ذلك إلى القراءة المتأنية والمركزة، ولذلك جاءت مراجعتي بعنوان " مدخل لقراءة النص"، لذلك أقدم هنا أيضاً بعض الملاحظات الأولية.
ــ قدم محمد محمود مادة علمية رصينة، محيطاً موضوعه من كل جوانبه، عارضاً ومستشهداً بآيات وسور من القرآن الكريم فقط، محللاً وشارحا وناقداً لها، ومقارنتها مع آراء وشروح أساطين علمائنا السابقين مثل الطبري، والزمخشري، وفخرالدين الرازي، وصحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهم وقليل من المُحدثين، عارضاً آراءه واستنتاجاته بوضوح وحيادية، لا يقول القول الفصل وإنما يفتح آفاقا جديدة من البحث والتلقي، محترماً بذلك قارئه بأن يأخذ بعد ذلك ما يتفق مع قناعاته وثوابته.
ــ بالرغم من أن الكتاب علمي صرف فقد جاءت لغته رصينة وسلسة ورشيقة، بعيدة عن اللغة الأكاديمية الجافة أحياناً، كما أن اختيار اللون وتزيين الغلاف الأمامي والخلفي بآيات قرآنية بجانب اختيار الخط والتبويب معطيا الكتاب بعداً جمالياً يتناسب مع جلال المادة.
ــ لم يشر أو يستعين بأبحاث العلماء الغربيين، ليس عزوفا وعدم احترام للآخر، وإنما يريد أن يقول علينا أولاً أن نبدأ بأنفسنا وأننا نملك المقدرة والمعرفة والشجاعة لمناقشة قضايانا العويصة والحساسة مثل قضية الدين والتراث، إذا أردنا أن نشارك في صنع حضارة اليوم، وهو القائل في مقدمة كتابه:
"وهدف كتابنا لا يختلف عن كتابنا السابق الذي رجونا أن يكون لَبِنَة من لَبِنات المساهمة في المشروع الكبير لنقد الدين ( سواء كان الاِسلام أو الأديان الأخرى)... ونحن مقتنعون بأن ما حدث في باقي العالم سيحدث في البلاد والمجتمعات الاِسلامية وأن واقعها الفكري سيتحول لواقع حواري يتصالح ويتعايش مع الاختلاف داخل الاِسلام والاختلاف مع الاِسلام والحق في نقده".
ــ عند عرضه لآراء الُمحْدثين، لم يذكر محمد أركون ونصر حامد أبوزيد فلهما أبحاث عميقة عن والتراث، كمثال "القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني" (محمد أركون)، والكتاب الرائد " مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن" (نصر حامد أبوزيد). كما هناك تغييب شبه كامل للباحثين والعلماء من المغرب العربي، مثل محمد عابد الجابري بأبحاثه الهامة والعديدة في التراث والحداثة ومجلداته الأربعة المشهورة، بجانب كتابه عن القرآن جزاءين: "مدخل إلى القرآن الكريم"، " وفهم القرآن الحكيم: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول.
ــ جاء في ملحق 2 بعنوان " أصوات القرآن"، عدة قوائم رصد فيها محمد محمود عدد ونسب الأصوات الأساسية في القرآن، أي الصوت الاِلهي والصوت المختلط والصوت النبوي، أنني لا أريد أن أعرف مدى الجهد المضنى والوقت الثمين، الذي بذله المؤلف لتحقيق ذلك، ورغم أنه ذكر في المتن ما يعنيه بهذه الأصوات، فأنني أتساءل، إذا كان سيدنا محمد هو مؤلف القرآن، كما يقول محمد محمود، فلماذا إذن تعدد الأصوات؟
ــ هل كان نبيّنا ورسولنا محمد (صلعم) يقدم لنا قصة أو يكتب لنا رواية ؟ فالرواية أحياناً ليست مجرد صوت واحد، بل فضاء تتجاور فيه الأصوات وتتقاطع، حيث يتقمص الروائي شخصيات متباينة، يستحضرها بخياله، ليمنح النص بعده الدرامي وإيقاعه المشوّق. هكذا يبدو لنا في قراءة كتاب محمد محمود، إذ نسمع صوت النبي (المؤلف) ونسمع أصواتا أخرى تستحضرها مخيلته ويتكلم باسمها: صوت الإله المهيمن، وصوت إبليس المتمرّد، وأصوات المشركين المتوجسين. فيتشكّل النص كجوقة متنافرة، لكنها متكاملة، تُضفي على الحكاية طابعها المسرحي وعمقها الإنساني.
ــ لعلني أشير هنا باقتضاب لبعض الدراسات الألمانية، وهي معروفة لمحمد محمود، فهو ليست له إشكالية في القراءة باللغة الألمانية:
ــ لقد نشر أبراهام جايجر Abraham Geiger في عام 1833 (جاء ذكره في مراجع محمد محمود) دراسته بعنوان "ماذا أخذ محمد عن اليهودية؟" التي أحدثت صدىً كبيراً. واعتبرت الدراسة تحليلاً للقرآن على ضوء التراث اليهودي. وتوصل جايجر في حينها عبر دراسته هذه إلى قناعة بأن القرآن ومنذ البدء هو تعبير عن الأفق الواسع لتطور ظاهرة التدين في أواخر العصر القديم للشرق الأوسط.
ــ تيودور نولدكه ألذي اشتهر لدى العرب والمسلمين بسبب كتابه "تاريخ القرآن.

Theodor Nöldeke,Geschichte des Qorans

صدر الكتاب عام 1860، وعالج فيه المؤلف مسألة نشوء القرآن الكريم وجمعه وروايته، والكتاب يتألف من أبحاث أدبية ــ تاريخية، تسعى إلى أن تؤرخ النص القرآني، أي أن تعالجه كوثيقة من وثائق التاريخ الاِنساني، رابطةً إياه بموقعه في الحياة، لتتابع بعد ذلك عملية جمعه وتعدد قراءته والأداة الأساسية المعتمَدة في الدراسة هي البحث اللغوي وتخضع الآيات والسور القرآنية لتمحيص لغوي دقيق يستخرج منه ترتيباً زمنياً للسور، يختلف عن ترتيب نزولها من وجهة نظر التراث الاِسلامي و يعتمد المؤلف إضافة إلى الفيلولوجيا على الأحداث التاريخية التي تشير إليها بعض السور والآيات، ويربطها ببعضها البعض بهدف تشكيل قاعدة تاريخية، جديرة بالثقة، يكمن الاعتماد عليها في إعداد ترتيب زمني للسور والآيات، يؤدي بدوره إلى فهمها بشكلٍ أفضل. وقائع التاريخ تشكل بالنسبة إليه معالم ثابتة، يستطيع العالم أن يتمسك بها في سعيه الجاد إلى معرفة المعاني الصحيحة في خضم المعلومات، التي كثيراً ما يغلفها الغموض بسبب طول المسافة الزمنية التي تفصلنا عنها، واختلاف الظروف التي نشأت فيها، وعدم وجود وثائق مباشرة عنها.
وقد تم مؤخراً ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية قام بها جورج تامر، وصدر في بيروت 2004 ، وحقوق النشر محفوظة لمؤسسة كونراد ــ أدناور.
ــ أنجليكا نويفرت مديرة معهد الدراسات العربية بجامعة برلين الحرة سابقاً، وتعتبر من أبرز دارسي القرآن والنص القرآني في العقدين الأخيرين، في المانيا، وربما في العالم الغربي، وقد نشرت العديد من المقالات الطويلة عن القرآن، وقد تأثرت بالدراسات البنيوية. ونشير إلى مشروعها البحثي الذي تأسس عام 2007 في أكاديمية العلوم برلين / براندنبورغ بعنوان: Corpus Coranicum "مدونة قرآنية ـ توثيق للنص وتعليق أدبي – تاريخي". وإلى كتابها الأخير بعنوان:
القرآن بوصفه نصّاً من نصوص أواخر العصور القديمة: مقاربة أوروبية.
Angelika Neuwirth,der Koran als Text der Spätantike „ 2010
جاء فيه "هل يمكن النظر إلى القرآن على أنه نصّ إسلامي خالص، ومن ثمَّ غريب عن فضائنا الثقافي؟ أم ينبغي بالأحرى فهمه باعتباره صوتاً جديداً ومتميزاً في *جدل أواخر العصور القديمة*، ذلك الجدل الذي أُرسيَت فيه أيضاً الأسس اللاهوتية لليهودية والمسيحية؟
يُقارب هذا الكتاب القرآن على أنه نصّ ينتمي إلى حقبة أواخر العصور القديمة، وهي المرحلة التاريخية التي أسهمت إسهاماً تأسيسياً في تكوين التاريخ الثقافي الأوروبي. كما يدعو القارئ إلى أن يتلقى القرآن بوصفه «تدويناً» لخطاب نبوي أفضى إلى نشوء كتاب مقدّس جديد وإلى تأسيس جماعة دينية جديدة.
وبما أنّ هذا النصّ المقدّس قد انطبع على نحو لا يُمحى في التقاليد اليهودية والمسيحية، فإنّه يشكّل جزءاً عضوياً من الإرث الثقافي المشترك لأوروبا والشرق الأوسط.
ــ وأشار محمد محمود إلى كتاب كرستوف ليكسنبرج، بعنوان " القراءة السريانية – الآرامية للقرآن: إسهام في فكّ شفرة لغة القرآن.
Luxenberg, Christoph. Die Syro – Aramäische Lesart des Koran: Ein Beitrag zur Entschlüsselung der Koransprache.
وليكسنبرج أسم مستعار، والمؤلف لبناني ماروني، وتحوم شكوك حول تأهيله الأكاديمي.
ــ يلاحظ القارئ لهذا الكتاب الضخم، بأن المؤلف عندما يعرض أفكاره ويناقشها ويصل إلى استنتاجاته، كان يدعمها مستشهداً دائما بآيات أو سور من القرآن الكريم ولم يحد عن هذا الخط عند عرضه، إلا عند الاِشارة القليلة جدا للأحاديث النبوية أو آراء بعض المفسرين، وكذلك فكرة جمع الأصوات القرآنية وتقسيمها، أكسبت هذا الكتاب قوته وفرادته.
ــ كان لابد من تكثيف واختصار هذا العرض، حتى لا يخرج المقال عن نطاق المراجعة.
ــ قال محمد محمود كلمته وصدر الآن الكتاب، وأصبح الآن متاحاً للمسلمين وغير المسلمين، اتمنى أن تتم مناقشته من الذين يهتمون بمثل هذه الدراسات وأيضاً من ذوي الاختصاص، باستخدام أدوات مناهج البحث العلمي وبالمحاجة العقلانية، بعيدا عن الهرج والتجريم والنفاق السياسي والنقاش الأيديولوجي. من أجل خدمة الفكر ومنفعة الناس.
ــ تُظهر كتابات محمد محمود نزعة تحليلية تتسم بالعمق والموضوعية، وتطرح مقاربات نقدية تستند إلى منهجية صارمة، وتسعى إلى تفكيك بنى فكرية ودينية وثقافية معقّدة، وتسلّط الضوء على قضايا مثيرة للجدل في السياق المعرفي الراهن. فتحليلاته النقدية لا تترك لنا مجالاً للراحة.
ــ حين يطوي القارئ الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب، يرفع نظره متأمّلًا، وقد تداخلت في ذهنه الأسئلة وتنازعت الأفكار ِ الحيرة والدهشة، وبين يقينٍ يتشكّل وآخر يتبدّد. وإذ يستعيد في تلك اللحظة الفقرة الختامية من كتاب "نبوة محمد": "وسيبقى واقع التشوه والانقسام الأخلاقي المرتبط بالنبوة حياً طالما بقيت النبوة حية في عقول الناس وأفئدتهم، ولن يزول إلا عندما تموت النبوة وتتحرر عقول الناس وأفئدتهم من ذاكرتها وعبئها وميراثها"، و كذلك الإهداء، الذي جاء في صدر الكتاب: " إلى من هم وهنّ على استعداد للاِمساك ببوصلة العقل والأخلاق في لُجًة معترك الحياة المتلاطم". سيدرك القارئ أن ما بين العملين خيطًا خفيًّا يشدّه إلى منطقة السؤال، حيث يصبح النصّ مرآةً للعقل، ومختبرًا للوعي. عندها يعود إلى هذا الكتاب من جديد، لا بصفته قارئًا فحسب، بل شريكًا في فعل التفكير ذاته، يواجه النصّ كما يواجه ذاته، محاطًا بالسؤال، ومثقلًا بوجع الإجابة ومسؤوليتها الوجودية والفكرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أكاديمي وباحث عمل بالتدريس في كلية الآداب بجامعة الخرطوم ومعهد الدراسات الشرقية بجامعة أكسفورد وجامعة تفتز بالولايات المتحدة حيث كان رئيسا لقسم الأديان. نشر العديد من الأبحاث من أهمها دراسته الرائدة عن فكر المفكر الصوفي السوداني محمود محمد طه (بالإنجليزية)، وكتاب نبوة محمد: التاريخ والصناعة، مدخل لقراءة نقدية الذي يأتي هذا الكتاب كتكملة له.



#حامد_فضل_الله (هاشتاغ)       Hamid_Fadlalla#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 1Das Narrenschiff سفينة الحمقى Christoph Hein2 كريستوف هاين
- حماية المدنيين في السودان هناك بدايةً نقاط، حتى بدون وقفٍ لإ ...
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ...
- الفلسفة العربية - الإسلامية: ما بين إرث الماضي وتحديات الحاض ...
- في تذكر الدكتور عبد الرحيم بلال
- طبيب نساء سوداني برليني عند بحيرة ليتزينزي
- رحلة في ذاكرة المسرح السوداني
- الاِسلام السياسي وجدلية التأويل
- في ذكرى اللاهوتي والمفكر والمناضل الحقوقي Friedrich Schorlem ...
- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
- الرحيل نحو الأبديّة في تذكّر يحيى علوان (العراق).
- عودة الروح ! مع حرب بوتين، يعيش عالم الغرب آخر نهضة أيديولوج ...
- هل الأخلاق قبل كل شيء؟ لماذا قلما تتوافق القيم والمصالح الوط ...
- أبو شوك: العطاء المستمر والصبر على الوفاء
- المرأة السودانية في برلين حاضِرة ومُكرّمة
- من بوتن إلى أردوغان كيف السبيل إلى تهدئة المراجعين عودة الجغ ...
- كولونياليّة الإسلام السياسي - مرة أخرى حول كتاب د. فتح الرحم ...
- يوتوبيا الاشتراكية: بوصلةٌ لثورةٍ مُستدامةٍ
- كولونيالية الإسلام السياسي
- زمن التحوّل العالمي في عالم متعدد الأقطاب، لا غِنى عن التعاو ...


المزيد.....




- رئيس القضاء العراقي يدعو إلى خطاب وطني موحد بعيد عن الطائفية ...
- وكالة معا الفلسطينية: فتح معبر رفح بعد أعياد اليهود بموجب ات ...
- فوق السلطة.. ممثلة يهودية: هتلر من انتصر بغزة والسيسي يحذر م ...
- دخول الاسلام الى بلاد السودان
- انشاء ركن القدس في مركز الحضارة الإسلامية في طشقند
- مقبرة الساهرة إحدى أقدم المقابر الإسلامية في القدس
- اتفاق غزة يفضح صراع جبهات الإخوان.. مصر بمرمى المزايدات
- اتفاق غزة يفضح صراع -جبهات الإخوان-.. مصر في مرمى المزايدات ...
- بابا الفاتيكان يشيد بالصحفيين لنقلهم الحقائق من غزة
- المستوطنون يستبيحون المسجد الاقصى وسط إجراءات عسكرية مشددة


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حامد فضل الله - الرؤية القرآنية، قراءة تحليلية نقدية