أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حامد فضل الله - الفلسفة العربية - الإسلامية: ما بين إرث الماضي وتحديات الحاضر.















المزيد.....


الفلسفة العربية - الإسلامية: ما بين إرث الماضي وتحديات الحاضر.


حامد فضل الله

الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 22:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تقديم وترجمة حامد فضل الله برلين
بدعوة كريمة من الديوان ــ البيت الثقافي العربي، التابع لسفارة قطر في برلين للمشاركة في مؤتمر " الفلسفة العربية ــ الاِسلامية: ما بين إرث الماضي وتحديات الحاضر"، الذي انعقد يوم الثلاثاء، 3 يونيو 2025، في مدينة برلين، والذي جمع نخبة من الأكاديميين والباحثين المرموقين من ألمانيا والعالم العربي لمناقشة واقع الفلسفة العربية الإسلامية، من خلال استعراض إرثها التاريخي والتحديات التي تواجهها في العصر الراهن.
بدأت فعاليات المؤتمر بكلمة افتتاحية قدمها سعادة السيد عبد الله بن إبراهيم الحمر، سفير دولة قطر

ورئيس مجلس أمناء الديوان. أعقبتها الكلمة الرئيسية للبروفيسور د. محمد تركي (جامعة مونستر) حول

موضوع "نحو فلسفة تثاقفية في العالم العربي - الإسلامي".

ركز المؤتمر عبر ثلاث جلسات (محاور) رئيسية:

1 ــ لماذا نقرأ اليوم الفلسفة العربية الاِسلامية؟

ــ إشكالية الاتصال والقطيعة في الفكر العربي الاِسلامي وسؤال العلاقة بين السلف والخلف.

ــ مفهوم التراث الحي من منظور فهمي جدعان.

ــ التصوف والوجودية: أصوات عربية حول الغربة في العالم.

2 ــ التراث الفلسفي العربي ــ الاِسلامي، وأسئلة الحاضر.

ــ القرآن في الخطاب الفلسفي العربي المعاصر: قراءة في إشكالية قديمة ومتجددة.

ــ كيف يمكن للفلسفة الاِسلامية أن تسهم في طرح حلول لمشكلات العصر: التقليد والاجتهاد عند الغزالي في مواجهة الأخبار الزائفة.

ــ الفلسفة العربية والمعاصرة وقراءة التراث السياسي في الاِسلام.

ــ الضمير في التراث الاِسلامي ودوره في التقويم الأخلاقي.

3 ــ الفلسفة العربية الاِسلامية وسؤال الآخر

ــ مبدأ الشكر: إيتيقا بيثقافية من وجهة نظر إسلامية.

ــ رحلة فلسفية مع ابن رشد وابن خلدون: قراءة محمد عزيز لحبابي الاِبداعية للفكر العربي الاِسلامي.

ــ ابن تيمية والآخر: قراءة جديدة.

ــ الجينيالوجيا والفلسفة العربية: نحو فهم لتحولات الذات المسلمة.

ــ قدم البروفيسور الدكتور أودو شتاينباخ الورقة الختامية باللغة الألمانية، وأرسل لي مشكورا النص، وأقدم هنا ترجمتي له:

محاضرة في إطار فعالية "الفلسفة العربية الإسلامية : ما بين إرث الماضي وتحديات الحاضر
Vortrag im Rahmen der Veranstaltung „Die arabisch-islamische Philosophie Erbe der Vergangenheit und Herausforderungen der Gegenwart“
: البروفيسور د. أودو شتاينباخ1 Prof. Dr. Udo Steinbach

ملاحظة تمهيدية: بأسلوب حرّ بعض الشيء ومتحرر من صرامة الموضوع الرئيس، سأدخل في سياق
الجزء الثاني من الموضوع: تحديات الحاضر
وسأستند في حديثي إلى محاضرة ألقيتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، بمناسبة منح جائزة حقوق الإنسان التي قدمتها مؤسسة ابن رشد للفكر الحر في برلين2، للناشطة السورية في مجال حقوق الإنسان، رزان زيتونة.
كانت الانتفاضة في سوريا أيضاً في نوفمبر من ذلك العام، مصحوبة بأعمال حربية في غزة، لقد كنت
أرى دائماً مستقبل العالم العربي وحلّ القضية الفلسطينية في سياق مترابط.
كانت الانتفاضة السورية من بين جميع الانتفاضات العربية، هي الأطول زمنًا. وقد انتهت بسقوط الديكتاتور بشار الأسد.
اندلعت قبل ذلك بعام، الحرب مجددةً على غزة، وهي أطول الحروب وأشدها فتكًا حول فلسطين منذ عام 1948
ولا تزال في الوقت الراهن، مسألة المنتصرين والمنهزمين مفتوحة على كل الاحتمالات.
لم تتمكن رزان زيتونة من الحضور شخصيًا إلى برلين؛ لتتسلم الجائزة ويُرجَّح أنها كانت قد قُتلت في ذلك الوقت. لذلك، اغتنمنا الفرصة في تلك الليلة لتكريم جميع النساء والرجال الذين شاركوا في الثورة السورية. وكان ذلك على نهج رزان زيتونة؛ إذ قالت في مقابلة في أكتوبر 2011 بمناسبة منحها جائزة آنا بوليتكوفسكايا3: "هذه الجائزة كأنها جائزة لكل السوريين وثورتهم. "
نحن نعلم ما الذي كانت تمثله: النضال من أجل الكرامة الإنسانية، الحرية، والعدالة. وفي الوقت نفسه، رأيناها كناشطة في سياق ذلك الحراك الذي انطلق في المجتمعات العربية منذ 17 ديسمبر 2010، ليواجه القمع والظلم. وقد رأينا ضمن هذا النضال أيضًا، كفاح الشعب الفلسطيني من أجل إنهاء الاحتلال منذ عام 1967
ترتبط الثورة السورية منذ عام 2011، بعدة سياقات. أحد هذه السياقات هو سعي الشعوب العربية منذ نهاية الاِمبراطورية العثمانية، إلى الاستقلال والحرية. لقد تم قمع هذه الثورة العربية الأولى، التي شملت في عشرينيات القرن الماضي كلاً من سوريا وفلسطين، من قبل الإمبريالية التي مارستها القوى الأوروبية. أما الثورة العربية الثانية، فقد بدأت مع استيلاء الضباط الأحرار على السلطة في مصر وسقوط الملكية. وعلى مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، غيّرت هذه الثورة الخريطة السياسية في المنطقة العربية بين الجزائر واليمن. لكن في النهاية، وقع روادها في فخاخ طموحاتهم السياسية المفرطة، وصراع الشرق والغرب، والصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، وممارسة الحكم الاستبدادي، وسياسات تنموية أدت إلى الفساد والمحسوبية، بالإضافة إلى تفاقم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بشكل مأساوي.
التقطت الثورة العربية الثالثة الخيط من حيث أسقطه الفاعلون الفاشلون في الثورة الثانية. عندما أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده في 17 ديسمبر كانون الأول 2010 في قرية سيدي بوزيد ، يائسًا من إهانة كرامته، كان ذلك بمثابة إشارة لملايين الناس، لإعادة تحديد مكانة المجتمعات العربية في القرن الحادي والعشرين. وقد تبيّن في عين الوقت، بأن الثورة قد وجدت مكانتها ومشروعيتها من صميم التاريخ نفسه. وكانت انتفاضات غزة جزءًا من الثورة العربية.
لكن أين نقف نحن – أوروبا وألمانيا – في خضم هذا الحدث التاريخي؟ إن التزامنا في تلك الليلة التي مُنحت فيها الجائزة لرازان زيتونة – وكذا في هذه الأمسية، هنا والآن – يتناقض بوضوح صارخ مع تقاعس السياسة الغربية. فلا نرى سوى كلمات، ومراوغات دبلوماسية، ونداءات، لكن من حيث الأفعال الفعالة لوقف العنف، فهناك القليل جدًا. ولكن – وياء له من تناقض صارخ – أليست أوروبا تعتبر نفسها صوتًا للحرية؟
يمتد في الواقع، قوس التأمل في الحق في الحرية والتمرد ضد السلطة الاستبدادية بين شعراء ومفكرين مثل فريدريش شيلر (1759-1805) وألبرت كامو (1913-1960) – لنذكر هذين الاسمين فقط.
ما هو الإنسان المتمرد؟ يتساءل كامو في مقالته الرائعة "الإنسان المتمرد". "إنه الاِنسان الذي يقول لا. ملايين العرب قالوا "لا". وشيلر، في مسرحية "وليام تيل"، التي أصفها بمسرحية الاِرادة نحو الحرية، يقول "لا" أيضًا. "لا، هناك حدود لقوة الطغاة، / حين لا يجد المظلوم عدلاً في أي مكان، / عندما يصبح العبء لا يُطاق - يمد يده بشجاعة إلى السماء، / ويسترد حقوقه الأبدية، / المعلقة هناك، غير قابلة للتصرف / وغير قابلة للكسر مثل النجوم ذاتها".. لا حاجة لذكر أوجه التشابه مع انطلاقة الثورة العربية ــ فالأمر جليّ.
سعت رزان زيتونة مع ملايين آخرين إلى جلب هذه الحقوق غير قابلة للتصرف، والتي ليست سوى حقوق الاِنسان، إلى مجتمعها - السوري - بل إلى المجتمعات العربية ككل. لقد عانى مئات الآلاف من الناس من إدراك أن هذا لا يمكن تحقيقه إلا على حساب حياتهم - كما في حالة رزان زيتونة. يقبل "كامو"، على أقل تقدير بالخراب النهائي : الموت: إذا حُرم من ذلك الاعتراف الحصري الذي يسميه الآن حريته. من الأفضل أن يموت "واقفًا على أن يعيش راكعًا". "الموت أفضل من الحياة في العبودية" ، كما يقول ويليام تل.
"لماذا هذا الاستطراد؟
لنبين أننا – في البلدان الأوروبية والعربية، رغم كل الاختلافات في التاريخ والثقافة والدين – نقف على أرضية مشتركة. نظر "الغرب" لعقود من الزمن، إلى "العرب" و"المسلمين" بازدراء، مزيج من الغطرسة والمعرفة الزائفة، مدعياً أنهم غير قادرين جينياً تقريباً على الديمقراطية. حتى أن بعض "العباقرة" طالبوا بأن يمرّ المسلمون أولاً بـ"مرحلة تنوير" قبل أن يتمكنوا من الالتحاق بالحداثة. لكن الانتفاضات العربية، والثورة السورية، والمقاومة الفلسطينية أثبتت لنا عكس ذلك: كلنا ملتزمون بقيم الإنسانية.
فالحرية هي الشرط الذي لا غنى عنه.
ففكر الفلاسفة والشعراء مثل فريدريش شيلر وألبير كامو، يقوم على نفس الأسس التي يقوم عليها فكر واستنتاجات المفكرين العرب مثل رفاعة رافع الطهطاوي، ومصطفى كامل، وعبد الرحمن الكواكبي، والعديد من الآخرين. هذه القناعة يجب أن تكون مستقبلاً الأساس الذي نبني عليه لقاءاتنا.
ومن هذه القناعة تنبثق إمكانية إدراك متبادل جديد بيننا. أما الصور النمطية التي تُروّج هنا عن "العرب"، و"الإسلام"، و"المسلمين"، فيجب أن تُرمى في مزبلة الأوهام العنصرية.

السؤال عمّا نفعله، وكيف ندعم هذا الحدث الذي يجري في سياقات تاريخية، يفرض نفسه بلا شك. فإذا كانت الثورة العربية بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، تُدرج في ذلك السياق المرتبط بالحرية وكرامة الإنسان، وهو السياق الذي نعتبره نحن في الغرب مُلزِماً لنا، فلا يمكننا أن نتنصّل من المسؤولية. إن فشل السياسة الغربية، والتغاضي شبه التام عن القتل والتعذيب في سوريا، والتدمير العشوائي في غزة، يقترب من حدود السخرية القاسية. ويزداد ذلك وضوحاً حين نضع موقف المجتمع الدولي من مبدأ "مسؤولية الحماية" الذي تم الترويج له لتبرير تدخل الناتو في ليبيا عام 2011، في موضع مقارنة. إن تعامل أوروبا، وألمانيا، والغرب بشكل عام مع الحرب في أوكرانيا يكشف عن المعايير المزدوجة: التأثر والتعاطف في حالة أوكرانيا؛ وغض الطرف في حالة سوريا وغزة. إن مصالحنا تتمحور حول أمننا؛ أما أمن وسلامة الناس في سوريا وغزة فلا تدخل ضمن دائرة مصالحنا.
نحن نعلم أن كثيراً من الناس في سوريا ترددوا في الانضمام إلى الثورة، بل وكان لديهم خوف من المستقبل. وكذلك في غزة، هناك العديد من الناس الذين لا يريدون شيئاً سوى البقاء على قيد الحياة؛ والذين يرفضون المقاومة العنيفة. وهناك أسباب كثيرة لذلك. فليس كل إنسان وُلد من أجل الثورة – هذا ما أدركه أيضاً ألبير كامو، الذي وضع الإنسان في الثورة أمام مسؤولية خاصة.
يقول كامو: "إن الحرية لم تزد بنفس القدر الذي زاد فيه وعي الإنسان بها. ومن هذه الملاحظة لا يمكننا استخلاص سوى شيء واحد: الثورة هي فعل الإنسان المثقف، الذي يمتلك وعياً بحقوقه. لكن لا شيء يجيز لنا القول إن الأمر يتعلق فقط بحقوق الفرد. بل يبدو، على العكس، أنه وعي آخذ في التوسع، وعي يكتسبه الجنس البشري عن نفسه خلال مغامراته عبر الزمن."
تصبح الثورة عند كامو "بداهة أولى"، أساسية بقدر ما كان "التفكير عند ديكارت تجربة ذاتية أساسية: "أنا أفكر، إذن أنا موجود".(cogito)
ويقوم كامو بتعديل هذا الاستنتاج الأساس ليقول: "أنا أتمرد، إذن نحن موجودون".
فالإنسان في الثورة لا يعمل من أجل نفسه فقط؛ بل يمتد احتجاجه إلى ما هو أبعد من الفرد – إلى الآخرين أيضاً.
________________________________________
لكن في هذه اللحظة – عند التحول من الاحتجاج الفردي إلى الاحتجاج الجماعي – يكمن الجوهر الغامض لثورات سوريا، وفي باقي الدول العربية التي انتفض فيها الناس ضد القمع، وكذلك في فلسطين. لقد تم في هذا السياق التأكيد مرارًا وتكرارًا على أهمية وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا صحيح بالطبع. لكن هذه الوسائل ليست سوى أداة يتم من خلالها التعبير عن إصرار عميق وفعّال على تجاوز نظام لم يعد من الممكن تحمله، نظام عفا عليه الزمن. إنها القناعة بأن زمنًا قد ولى، حتى وإن حاول الحكام بكل الوسائل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وعلى عكس التحولات التي شهدتها الدول العربية في الخمسينيات والستينيات، والتي أطلقتها شخصيات أو مجموعات معينة، وخصوصًا من الجيش، فإن الثورة الحالية هي حركة من الشعب. "نحن الشعب" – هذا الشعار المعروف لدينا، وحّد رجالاً ونساءً، من جميع الطوائف والإثنيات (الأعراق)، في الاحتجاج بأشكال متعددة.
ما الذي يوحدهم؟ ما الذي يمنحهم القوة لمواجهة حكام مصممين على استخدام أقصى درجات القمع وجميع أدواته ضد الشعب، أو الدبابات لمواصلة الاحتلال؟
رزان زيتونة قدمت الجواب:
لا شك أن المحتجين والثورة سوف ينتصرون في النهاية. "لو لم نكن نؤمن بأننا سننتصر، لما استطعنا الاستمرار في مواجهة وحشية النظام. لما كنا قادرين على تحمل كل هذه الجرائم ضد شعبنا. أنا على يقين أن كل فرد من السوريين يؤمن بأن الثورة في النهاية ستنتصر".
الناس يشعرون بأن التاريخ يقف إلى جانبهم. لقد تحول نضالهم من احتجاج فردي إلى قضية باسم الجميع وتحقق تفاؤلهم.
________________________________________
ومرة أخرى في هذا الموضع، يُطرح السؤال: هل أدركنا – وأقصد بذلك جيراننا الأوروبيين – مدى أهمية ما يجري في جوارنا العربي؟ لقد أشرت سابقًا إلى الأصل المشترك للسعي نحو الحرية. فما الشكل الجديد من اللقاء بيننا وبين جيراننا، الذي يتماشى مع هذا الفهم؟
إن التاريخ لا يُبشّر بالخير. فمنذ أن التقى الأوروبيون والشعوب العربية في نهاية القرن الثامن عشر تحت راية التوسّع الأوروبي، كان لهذا اللقاء اسم: "عبء الرجل الأبيض" أو "الرسالة التمدنية". وحتى بعد الحرب العالمية الأولى، كان لا بدّ من "حماية" أو "وضع الشعوب العربية تحت الانتداب" من أجل رفعها من "انحدارها الحضاري" إلى مستوى المعايير الأوروبية للحداثة.
أما سياسة الاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط خلال العقود الماضية، فقد تحوّلت إلى إدارة خائفة للواقع القائم. فأُعطيت الأولوية للمحافظة على الأنظمة القائمة على حساب دعم قوى التغيير الديمقراطي.
اكتفى الأوروبيون في فلسطين، بالتفرج بينما تُنتهك حقوق الشعب الفلسطيني باستمرار. وحتى قبل 48 . عرضت وزيرة الخارجية الفرنسية على بن علي، ساعة سقوطه في يناير 2011، دعمه بقوات الأمن الفرنسية "المجرّبة".
الناس الذين انتفضوا في البلدان العربية منذ 17 ديسمبر 2010 لم يسألوا أوروبا؛ بل فعلوها دونها. ولو كانوا قد طلبوا دعم أوروبا، لكان الرد غالبًا بالرفض.
لذلك فإن استعادة المصداقية تُعدّ خطوة أولى وهامة نحو إعادة تحديد علاقتنا.
فهل أضاع الغرب هذه الفرصة في سوريا، كما أضاعها – ولا يزال – في فلسطين؟
بالطبع، يغذي النزاع الأخير في غزة أيضًا الشكوك حول اقتراب حدوث تغيير في عزم أوروبا على تجديد علاقاتها مع جيرانها على أساس المصداقية. إنه غير مهم تقريباً، من بدأ بإطلاق النار والقتل. و من البديهي أن من حق أي دولة أن تدافع عن نفسها إذا تعرضت لهجوم. ولكن إذا أكد الساسة بتأكيد عاطفي أن لإسرائيل "كل الحق" في الدفاع عن نفسها، فعليهم في الوقت نفسه، وبنفس القدر من التأكيد، أن يقروا بأن على إسرائيل التزامًا كاملاً باحترام قواعد القانون الدولي ومبادئ الإنسانية.
لم يتم في هذا الشأن، إحراز أي تقدم على مدى السنوات؛ بل على العكس، فإن ممارسات الاحتلال والاستيلاء على الأراضي، والازدراء الذي يظهره المستوطنون تجاه الشعب الفلسطيني، والمدعومة والمحمية من قبل الحكومة الإسرائيلية الحالية، والتي أصبحت أكثر منهجية في ممارسة السياسات القمعية. ومرة أخرى، غضت أوروبا الطرف. غير أن العنف لا يولد إلا العنف.
فقد كانت حالة انعدام الأفق والإذلال هي التربة الخصبة لانتفاضة الشباب العربي، من المغرب في الغرب إلى اليمن والبحرين في الشرق، وكذلك في سوريا. كما أن انعدام الأفق والإذلال هما أيضًا التربة الخصبة لعنف الفلسطينيين ضد قوة تتعامل مع القانون بلا اعتبار – أو لنقل بشكل انتقائي – كما فعلت الحكومات الإسرائيلية على مدى العقود الماضية.
إن الصلة بين النضال ضد القمع الاستبدادي والاحتلال العنيف من قبل قوة أجنبية والمقاومة ضد ذلك، قد بينها لنا فريدريش شيلر في مقدمة كتابه "تاريخ انفصال مقاطعات هولندا المتحدة عن الحكم الإسباني"، حيث قال:
"المواطن اليائس، الذي تُرك له خيار موتين، يختار الموت الأكرم في ساحة المعركة. الشعب الميسور والمترف يحب السلام، ولكن عندما يُصاب بالفقر. فعندئذ يتوقف عن الخوف ويصبح محارباً ضد حياة تفتقر إلى كل شيء يجعلها مرغوبة".
ومن المخزي أن حكومة ألمانيا، بلد فريدريش شيلر، لا تدعم الفلسطينيين في طريقهم الوحيد المتبقي نحو الحرية والدولة، وهو الطريق عبر موافقة الغالبية الساحقة من دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة. سنحمل هذا العار معنا، أمام جميع الشعوب والمجتمعات الساعية إلى الحرية، لا سيما في جوارنا الإسلامي.
تم في نوفمبر تشرين الثاني 2012، منح رزان زيتونة جائزة ابن رشد. لماذا فعلنا ذلك؟ هل فعلناه – كما هو الحال مع العديد من الجوائز السياسية – لنؤكد لأنفسنا مرة أخرى قيمنا النبيلة؟ ثم لنبتعد بعد ذلك، متخفّين بعريّنا العادي بورقة تين توزيع جائزة؟
إذا كان لمنح الجوائز أي معنى، فهو فقط عندما تكون فعلاً وليس مجرد كلام. عندما نُلزم أنفسنا بالتصرف وفقًا لمعنى الجائزة ووفقًا لما تمجّده.
إذا كنا قد كرّمنا رزان زيتونة، فكان ينبغي أن نرغب بأن نكون نحن أنفسنا رزان زيتونة.
ففي سعي الشعب السوري لإنهاء الحكم غير الشرعي، لم يكن ينبغي لنا أن نقف على الحياد، تمامًا كما لا ينبغي لنا أن نقف على الحياد في نضال الشعب الفلسطيني للتخلص من الاحتلال غير الشرعي.
________________________________________
كيف يمكن لأوروبا أن تكتسب المصداقية؟ الجواب هو: يجب أن نغير طريقة الإدراك. المطلوب هو إدراك شامل؛ أي يجب أن نعترف بأن مستقبل المجتمعات العربية وجوارنا في الشرق الأوسط – كما هو الحال مع العالم الإسلامي بشكل عام – هو جزء من مستقبل أوروبا. إن مكانة أوروبا في النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين ستعتمد بشكل كبير على نوعية العلاقات مع الترتيبات الجديدة التي تتشكل في المنطقة العربية – بما في ذلك فلسطين. لقد اعتمدنا لفترة طويلة على إدراك إقصائي: فالشعوب العربية – "المسلمون" – كانوا "الآخرين". كانت تفاعلاتنا معهم خاضعة لمخاوفنا: من عدم الاستقرار، والهجرة غير النظامية، والتطرف الإسلامي العنيف، والمواقف العدائية ضد إسرائيل. وتُرك حل القضية الفلسطينية جانباً. إن الإدراك الجديد – الشامل – يتطلب التوجه نحو، ودعم أولئك الذين يمنحون القادة السياسيين الشرعية؛ وهؤلاء هم الشعب. ولوقت طويل جداً، كنا نحافظ على علاقات مع من ادعوا لأنفسهم الشرعية – دون الشعب أو ضد إرادته.
لقد وصلت دكتاتورية النظام السوري إلى نهايتها. والفلسطينيون في طريقهم إلى التخلص من الاحتلال. وفي كلا الأمرين تكمن فرصة جديدة – وتاريخية – لأوروبا: أن تساهم بشكل فاعل في قيام نظم في سوريا وفلسطين تقوم على قيم الحرية، واحترام حقوق الإنسان، والعدالة، والمشاركة الاقتصادية. إنها القيم التي ناضل من أجلها الأوروبيون طويلاً. لكنها لم تكن غريبة أيضًا عن الوطنيين العرب الذين نادوا بعد عام 1918 بالاستقلال وتقرير المصير. ربما تكون هذه الفرصة الأخيرة لأوروبا لكي تُسمِع صوتها من جديد وتساهم بشكل فعّال في تشكيل النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين. إذ إن عبء فقدان المصداقية ما زال يثقل كاهل أوروبا بسبب تاريخ القرن العشرين. فكيف يمكن لأوروبا أن تصبح ذات مصداقية؟
تنص المادة الأولى من دستور جمهورية ألمانيا الاتحادية على ما يلي:
الفقرة الأولى:
"كرامة الإنسان مصونة، لا يجوز المساس بها. احترامها وحمايتها واجبة على جميع سلطات الدولة."
الفقرة الثانية:
بناء على ذلك "يؤمن الشعب الألماني بأن للإنسان حقوقاً لا يجوز انتهاكها ولا التخلي عنها. وتُعد قاعدة أساسية لتعايش البشر في كل مجتمع وللسلام والعدالة في العالم".
الفقرة الثالثة:
"الحقوق الأساسية التالية تُلزِم السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية باعتبارها قانوناً نافذاً بشكل مباشر."
تمثل هذه الأحكام تحديًا للأخلاق كمنهج فلسفي. وقد قبل العديد من المفكرين الأوروبيين والعرب الذين ذكرت أسماءهم هذا التحدي. لكنها تمثل أيضاً تحدياً للسياسة. وسوريا وفلسطين هما ميدانا الاختبار. إذا فشلت أوروبا في هذا الامتحان، فإنها ستغرق في غياهب التهميش. فالبدائل بدأت تلوح في الأفق العالمي بالفعل.
أختتم الدكتور عبد الحكيم شباط مسؤول البرامج الثقافية والفنية في الديوان، ــ الذي قام بتقديم المحاضرين وسيرتهم العلمية، و أدارة جميع الجلسات بمقدرة وهمة عاليتين ــ اليوم الحافل بالعلم والفكر، بشكر الحضور ومنوهاً بأن الديوان سيصدر جميع الأوراق العلمية باللغتين العربية والألمانية في ملف خاص قريباُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـــــــ أودو شتاينباخ
درس الاستشراق والفيلولوجيا الكلاسيكية، وباحثاً في التاريخ المعاصر والشؤون الإسلامية وسياسات الشرق الأدنى والمدير السابق لمعهد الشرق في هامبورغ ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة ماسيناتا..
2 ــــــــ تقدم المؤسسة الرائدة " مؤسسة ابن رشد للفكر الحر في برلين "، جائزة سنوية معنوية ومادية للعلماء والمفكرين والأدباء والفنانين العرب، وقد خصصت المنظمة جائزة عام 2012، "لناشطة شابة أو لناشط شاب خاطر بحريته الشخصية وسلامته وناضل نضالا "سلميا وميدانيا من أجل التغيير والعدالة الاجتماعية والحرية وحقوق الإنسان والدولة المدنية لكل مواطنيها". وحصلت عليها الناشطة الحقوقية السورية رزان زيتونة، التي "تمثل نموذجا لجيل الشباب السوري الثائر الذي يخاطر بحريته الشخصية وأمنه وحياته في سبيل تحقيق التغيير والانتقال من دولة الاستبداد إلى دولة المواطنين المدنية الديمقراطية مهما كان الثمن".
3 ــ أنا بوليتكوفسكايا صحفية وكاتبة وناشطة في مجال حقوق الإنسان روسية، وقد تم اغتيالها في السابع من أكتوبر عام 2006 داخل مصعد منزلها في موسكو. كانت معروفة بتقاريرها النقدية حول الحرب الثانية في الشيشان وبانتقاداتها لحكومة فلاديمير بوتين.



#حامد_فضل_الله (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تذكر الدكتور عبد الرحيم بلال
- طبيب نساء سوداني برليني عند بحيرة ليتزينزي
- رحلة في ذاكرة المسرح السوداني
- الاِسلام السياسي وجدلية التأويل
- في ذكرى اللاهوتي والمفكر والمناضل الحقوقي Friedrich Schorlem ...
- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
- الرحيل نحو الأبديّة في تذكّر يحيى علوان (العراق).
- عودة الروح ! مع حرب بوتين، يعيش عالم الغرب آخر نهضة أيديولوج ...
- هل الأخلاق قبل كل شيء؟ لماذا قلما تتوافق القيم والمصالح الوط ...
- أبو شوك: العطاء المستمر والصبر على الوفاء
- المرأة السودانية في برلين حاضِرة ومُكرّمة
- من بوتن إلى أردوغان كيف السبيل إلى تهدئة المراجعين عودة الجغ ...
- كولونياليّة الإسلام السياسي - مرة أخرى حول كتاب د. فتح الرحم ...
- يوتوبيا الاشتراكية: بوصلةٌ لثورةٍ مُستدامةٍ
- كولونيالية الإسلام السياسي
- زمن التحوّل العالمي في عالم متعدد الأقطاب، لا غِنى عن التعاو ...
- »الجاني الوحيد روسيا«: كيفية إخماد الحريق بالبنزين
- التقليد والتجديد في النضال من أجل المستقبل
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ...
- عبد المنعم عجب الفيا قراءة في كتاب الشعر السوداني


المزيد.....




- شاهد.. تكبيل سيناتور أمريكي بالأصفاد لتدخله في مؤتمر صحفي لو ...
- مضيق هرمز... ورقة ضغط إيرانية في ظل التوتر مع الولايات المتح ...
- ريما حسن لبي بي سي: -وضعوني في العزل الانفرادي بعد أن كتبت ش ...
- الإعلام الإيراني يعرض وثائق سرّية تؤيد اتهام طهران لغروسي با ...
- استهدفت أتباعا لحماس.. سوريا تدين عملية إسرائيلية جنوب دمشق ...
- حكومة نتنياهو تنجو من السقوط
- استقبال حافل لقافلة الصمود في مصراته
- روسيا تحتفل باليوم الوطني للبلاد
- طائرة -الكارثة- بمدينة أحمد آباد.. سجل مأساوي لحوادث الطيران ...
- تشريع أمريكي هام لإلغاء قانون -قيصر- ومفاعيله على سوريا بشكل ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حامد فضل الله - الفلسفة العربية - الإسلامية: ما بين إرث الماضي وتحديات الحاضر.