أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سناء عليبات - الذاكرة الشعبية في مواجهة التطبيع














المزيد.....

الذاكرة الشعبية في مواجهة التطبيع


سناء عليبات

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في زمن تُستكمل فيه جريمةُ الإبادة أمام أعين العالم، يستمر احتلالٌ لا يكتفي بالاستيطان بل يتبوّأ سياسةً منسجمةً مع القتل المنهجي والتجويع، ثم يعمد إلى محاصرة المساعدات والملكيات الإنسانية كأنّها عُصابةٌ منطقية تُبرّرُ الجريمة. وها هو يمعن في جرائمه حتى في وجه المبادرات الإنسانية، كما حدث مع أسطول الصمود الذي حاول كسر الحصار بحمولة دواء وغذاء، فإذا به يواجه آلة القمع الصهيونية كأنّ مجرّد فعل التضامن بات جريمة يعاقَب عليها. هذه ليست شذرات طارئة في المشهد، بل هي البرهان على أنّ المشروع الصهيوني لا يعيش إلا بتوسيع دائرة القتل، وأنّ النظام الدولي ـ الغربي والعربي على حدّ سواء ـ قد ارتضى لنفسه دور الشريك الصامت أو المبرِّر، إذ يكتفي ببيانات جوفاء فيما يواصل الاحتلال فعله اليومي في إنتاج الموت.
وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: ماذا نفعل نحن، في الداخل التونسي، في الجهات البعيدة حيث لا سفارات ولا مواقع مباشرة للتأثير السياسي؟ هل نصمت بدعوى العجز؟ إنّ الصمت في هذه الحالة ليس حيادًا، بل تطبيعٌ نفسيّ مع الجريمة، وتحوّلٌ تدريجيّ في الوعي يجعل المذبحة اعتيادًا، والموت خبرًا عابرًا. ولهذا فإنّ المظاهرات، مهما كانت محدودة، تظلّ ضرورة قصوى: فهي رفضٌ للتطبيع النفسي مع الإبادة، وهي تربيةٌ للأجيال الجديدة على أن الظلم لا يُسكت عنه، وأنّ القضية الفلسطينية ليست شأنًا محليًا أو قوميًّا ضيقًا بل قضية إنسانية كبرى تختبر ضمير العالم.
ومن هنا فإنّ واجب المجتمع المدني لا يقف عند حدود الشجب، بل يتجاوزها إلى تحويل الغضب الشعبي إلى قوة ضغطٍ ملموسةٍ على الحكومات، لإلزامها بسنّ قوانين واضحة وصريحة تجرّم كل أشكال التطبيع، وتقطع الطريق على كلّ محاولات اختراق الوعي الشعبي وتليينه. فالتطبيع لم يعد مجرّد سياسة خارجية، بل صار اختبارًا للأخلاق الوطنية: من يهادن الاحتلال إنما يشارك في الجريمة، ومن يصمت عن المطالبة بتجريم التطبيع إنما يمنح القاتل شهادةَ براءةٍ ضمنية.
ولئن ادّعى البعض أنّ هذه المظاهرات لن تغيّر القرار الدولي، فإنّهم يتغافلون عن أنّ القوة الحقيقية للشعوب ليست في موقعها الدبلوماسي بل في قدرتها على صناعة الذاكرة، والذاكرة حين تُترجم إلى فعل جماعي تصبح أقوى من كلّ بيانات التواطؤ. هي الذاكرة التي تقول: إنّنا لم نصمت، لم نساوم، لم نرضخ، بل خرجنا إلى الشارع، وفضحنا القتلة وحلفاءهم، وتركنا للتاريخ أثرًا لا يُمحى. أمّا الحكومات العربية التي تتلهّى بصفقات الغاز والسلاح، أو التي تخشى على كراسيّها من غضب الشارع، فهي شريكة في الجريمة بالصمت والتواطؤ، كما أنّ أوروبا التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان بينما تسلّح الاحتلال، وأمريكا التي ترعاه بلا مواربة، كلّها أطرافٌ في مسرح الإبادة. ومن هنا فإنّ كلّ مظاهرة، كلّ مسيرة، كلّ صوت يهتف ضدّ الاحتلال، ليس مجرد فعل رمزي، بل هو مقاومةٌ فعليةٌ لمنظومة النسيان والتبرير التي يحاول العالم الرسمي فرضها علينا.
المظاهرة إذن ليست حدثًا فولكلوريًا، ولا تنفيسًا عاطفيًا عابرًا، بل هي فعل تأسيسيّ للضمير الجمعي، فعل يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، فعلٌ يربّي على أن الحرية لا تُستجدى بل تُنتزع، وعلى أن فلسطين ليست ملفًّا خارجيا بل مرآةٌ لكرامتنا نحن. ومن يستهزئ بهذه المظاهرات إنما يستهزئ بذاكرته هو، وينكر على نفسه حقّه في أن يكون جزءًا من التاريخ.



#سناء_عليبات (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «الانسحاب الإيطالي والوجه المزدوج لأوروبا: حماية تتراجع أمام ...
- -خطة ترامب للسلام: قناع زائف لإضعاف المقاومة الفلسطينية-
- الغضب المغربي بين وعود التنمية وخيبة الواقع :دروس الاحتجاجات ...
- من فضاء التعلّم إلى فضاء التدين: هل يعيدنا المعهد إلى أصل ال ...
- -بين الخوارزمية والفعل: الهيمنة الرأسمالية على الفكر الرقمي-
- أسطول الصمود بين الاستهداف الصهيوني والرهان على الموقف التون ...
- في الحديد إذ ينقلب على حتفه: من أبراخيليا إلى استطيقا المقاو ...
- في الحديد إذ ينقلب على حتفه: من أبراخيليا إلى استطيقا المقاو ...
- حين يصبح الترند معيار البطولة: البلوغر VS الشهيد في عصر الحد ...


المزيد.....




- أسفر عن 4 قتلى.. لحظة قصف الجيش الأمريكي قاربًا في البحر قرب ...
- -قبل انتهاء مهلته-.. تفاصيل موافقة حماس وإسرائيل على خطة ترا ...
- -الخيبة والفشل الذريع لأعدائها-.. ضاحي خلفان يعلق على الاحتج ...
- السعودية.. فيديو لسقوط مركبة أمنية من جسر في الرياض والمرور ...
- مصدر إسرائيلي: ترامب فاجأ نتنياهو مرتين بعد رد حماس .. ما هم ...
- إيران تعدم 6 أشخاص بتهمة الانتماء لـ-جماعة إرهابية انفصالية- ...
- لليلة الثانية... رصد طائرات مسيرة يشل الحركة في مطار ميونخ
- ترامب يدعو إسرائيل لوقف الهجوم على غزة بعد موافقة حماس على ص ...
- آلة الحرب الإسرائيلية تواصل قصف قطاع غزة
- فيضانات مياه النيل الأزرق تسببت في إتلاف محاصيل رئيسية في ال ...


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سناء عليبات - الذاكرة الشعبية في مواجهة التطبيع