|
تقاطعات بين الأديان 28 إشكاليات الرسل والأنبياء 13 موسى الحلقة الخامسة والأخيرة . دين موسى
عبد المجيد حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 02:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقاطعات بين الأديان 28 إشكاليات الرسل والأنبياء 13 موسى : الحلقة الخامسة والأخيرة دين موسى
وها نحن نصل إلى سنام الإشكاليات الخاصة بنبوة ورسالة موسى . في الحلقات السابقة وقفنا أمام الشق الأول من التكليف الذي حملته رسالة موسى ببنوده الثلاثة : 1- إعتاق بني إسرائيل من ربقة العبودية في مصر . 2- إخراجهم من مصر . 3- إدخالهم أرض كنعان - فلسطين - ، تمهيدا لتطبيق وعد الرب بِإبادة شعبها ، والاستيلاء عليها . نصوص الكتابين المقدسين ، التوراة أساسا ، قالت بنجاح موسى في إنجاز هذا الشق من التكليف . لكن القراءة الدقيقة للنصوص ، بما انطوت عليه من تناقضات صارخة ، وبما اعتمدت من مبالغات مجافية لأي منطق ، قادتنا في الحلقات السابقة للاستخلاص بأنه لم تكن هناك عبودية لبني إسرائيل في مصر من جهة ، وعليه لم يكن هناك خروج من مصر من جهة ثانية ، وبديهي أنه لم يكن هناك دخول لفلسطين من حيث أتى . وهو ، لِحسن طالعنا ، ما يتفق مع معطيات علوم الآثار حتى اللحظة . والآن وقد وصلنا للشق الثاني من رسالة موسى ، أي الديني ، نبدأ القول: هذا الشق يطرح علينا أسئلة أكثر عمقا و صعوبة بما لا يقاس ، من نظيرتها التي واجهناها في قراءة الشق الأول واجتهدنا في الإجابة عليها . أسئلة من مثل : هل استهدفت رسالة موسى ، تحديث ، تجديد ، تطوير ديانة بني إسرائيل أم استبدالها بديانة جديدة ؟ وقبل ذلك هل الديانة التي دان بها بنو إسرائيل في مصر هي ذات ديانة الآباء إبراهيم ، إِسحق ، ويعقوب ، أم كانت ديانة أخرى مغايرة ؟ وهل كان إله الآباء هو ذات إله الأبناء ، وهو نفسه إله موسى ، أم كان إلها آخر ؟ وبمعنى آخر هل كانت ديانة إبراهيم ، إسحق ، ويعقوب ، ومن ثم ديانة بني إسرائيل ديانة توحيدية أم ديانة وثنية ، وواحدة من سائر الديانات الوثنية السائدة في عصر موسى وما قبله ؟ وهل كان إله موسى هو الله الواحد الأحد ، إله كل البشر ، إله ما صار يشار لها بالديانات الإبراهيمية ، أم هو إله قومي خاص لبني إسرائيل ، وواحد من زمرة الآلهة القومية التي كانت منتشرة في الإقليم قبل إبراهيم وبعده ، وقبل موسى وبعده ؟ ومن الأساس من كان رب الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب ، وهل جاء إبراهيم بدين خاص صار يعرف بدين إبراهيم ، ومنه انتقل لإِسحق ويعقوب ، والأخير نقله للأسباط ومنهم لبني إسرائيل ؟ البحث عن إجابات شافية لهذه الأسئلة ، أو حتى لواحد منها ، يقتضي السير في طرق غير مطروقة ،ليس فقط غير ممهدة ، وإنما شديدة الوعورة ، مليئة بالأشواك الحادة ، وبالألغام المتفجرة والقاتلة ، ما يوجب الالتزام بأقصى درجات الحذر . ولكن … لكن ، ولما كان لا بد مما ليس منه بد ، تعالوا نعود إلى البداية . 1 في الحلقة 18 من تقاطعات بين الأديان ، 3 من إشكاليات الرسل والأنبياء ، والتي خصصناها لِإبراهيم ، أبرام الكلداني ، ابن مدينة أور الكلدانيين ، بلاد ما بين النهرين من جنوب العراق ، الآرامي التائه بعد الخروج منها ، في هذه الحلقة رأينا كيف أن التوراة خلت من أي إشارة لخلفية أبرام الدينية ، ومن ثم لأي خلاف ديني مع بني قومه ، قد يكون شكل دافعا لهذه الهجرة . التوراة ، حسب الآية 21 الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين ، قالت : " وَأخذ تارحُ أَبرام ابنه ولوطا بن هاران ابن ابنه وساراي كنته امرأة ابرام ابنه ، فخرجوا معا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان " . التوراة حصرت دافع هجرة العائلة في رغبة تارح أبو أبرام - إبراهيم - الذهاب إلى أرض كنعان . لكن القرآن ، وقد نزل بعد قرابة الألفي سنة من نزول توراة موسى التي هي المصدر الحصري لقصة إبراهيم ، قدم رواية مناقضة . القرآن أكد أن الدافع لهجرة أبرام ديني . أبرام كان قد عمل مساعدا لأبيه في صناعة تماثيل لآلهة الكلدانيين . رأى أن هذه التماثيل - الأصنام - التي يصنعها أبوه ، ويعبدها الناس بكل إجلال واحترام ، لا تضر ولا تنفع . رؤيته هذه قادته لطرح سلسلة من التساؤلات ، والبحث عن إجابات ، انتقلت من أصنام أبيهِ إلى مكونات الديانة الكلدانية التي تعج بعبادات للقمر ، للشمس ، للنجوم ، للهواء وغيرها وغيرها ، وبها عشرات الآلهة بالإضافة لكبيرهم ميردوخ . تساؤلاته هذه ، حسب نصوص الآيات القرآنية ، قادته لرفض هذه العبادات كلها ، ومن ثم إلى الاهتداء لعقيدة التوحيد واعتناقها. حدث كل ذلك وهو فتى لم يدخل طور الرجولة بعد ، وحيث دفعه رفض أبيه ، كما سائر المحيطين لأفكاره إلى القيام بتحطيم أصنام أبيهِ ، فكسب غضب هذا الأب قبل وبعد غضب خاصة الناس وعامتهم ، فالحكم عليه بالحرق في النار التي جعلها الله بردا وسلاما عليه ، وليكون بعد كل ذلك الخروج من أور الكلدانيين في رحلة لم يرافقه فيها أحد غير زوجته ساراي - سارة - ولوط ابن أخيه ، الوحيد من قومه الذي صدقه وشاركه اعتناق عقيدة التوحيد ،{ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين } 71 الأنبياء , هنا يطالعنا سؤالان :الأول: ماذا عن سارة زوجته هل شاركته اعتناق عقيدة التوحيد ؟ 2- هل طور إبراهيم فيما بعد ، بعد البلوغ والنضوج ، عقيدة التوحيد هذه إلى دين ينقض ديانة الشرك عند قومه وديانات الشرك في بلدان مسار هجرته ؟ عن السؤال الأول لم تطرح التوراة موضوع العقيدة فَموضوع الدين من الأصل ، فيما يخبرنا القرآن ، تلميحا لا تصريحا ، بأنها فعلت ذلك . فيما يتفق الكتابان المقدسان على الإجابة بلا عن السؤال الثاني . كيف ؟ ولماذا ؟ 2
تخبرنا التوراة أن أبرام أطال المكوث في حاران ، وأنه ، نزولا على رغبة أبيه الذي توفي بعد بضع سنوات من الوصول ، نوى الاستقرار فيها بعد جمعه ولوط ثروة ؛ مقتنيات ، ماشية ، خدم وعبيد ..الخ . هنا تطالعنا التوراة بِأن الرب ظهر لِأبرام ، لأول مرة منذ بدء هجرته . أمره بالانفصال عن عشيرته وعن بيت أبيه . الخروج من حاران والذهاب إلى أرض كنعان التي ستغدو ملكا للأمة التي سيُنجبها . ولكن … لكن ، يلاحظ القارئ أن أبرام ، وطوال المدة التي قضاها في حاران ، وهي عدة سنوات ، لم ينبس ببنت شفه ، ليس فقط عن عقيدة التوحيد التي اعتنقها ، وعن اسم وصفات هذا الرب ، ولكن أيضا بما يمكن اعتباره رفضا أو معارضة لشرك أبناء عشيرته وبيت أبيه . كما لم يؤد أية شعائر ، أية طقوس ، أية عبادات ، أية مناسك .. الخ ، لِدين يقوم على عقيدة التوحيد هذه . أكثر من ذلك ، وبالرغم من سيرته التي احتلت خمسة عشر إصحاحاً من الإصحاحات الخمسين لسفر التكوين ، سار في أرض كنعان - فلسطين - على ذات المنوال . إذ بالرغم من تكرار زيارات الرب لأِبرام الذي تحول اسمه إلى إبراهيم ، وعلاقة التكافؤ بينهما ، يعجز القارئ عن الظفر بتلميح واحد من إبراهيم لاسم هذا الرب ، لِصفاته وقدراته ، كما لأي معطى عن دين خاص ، محوره عقيدة التوحيد . أكثر من ذلك يخرج القارئ ، استنادا للتلميحات الكثيرة في سيرته ، وسير إسحق ويعقوب ، أن هذا الرب هو إيل كبير آلهة الكنعانيين ، وأن إبراهيم الذي لم يبادر إلى أي نوع أو شكل من المواجهة مع الديانة الوثنية الكنعانية ، اختار التعايش معها ، وأكثر من ذلك مجاراتها من خلال القيام ببعض طقوسها ، كما جرى مع كاهنها الأكبر ملكي صادق . ولكن مرة أخرى … لكن ، قد يسارع مؤمن للاحتجاج بالقول : كيف ذلك والتوراة يتصدرها افتتاح سفر التكوين لرواية الخلق . خلق الله للأرض ، للسموات ، للكون ، لِلحياة ، وللإنسان ؟ أليس الله الذي كلنا نعرفه ونعرف صفاته وأسماءَه الحسنى ، هو الرب ، رب إبراهيم ، إسحق ، ويعقوب ، ورب البشرية كلها ؟ والجواب : هذا صحيح لو أن رواية الخلق هذه جاءت منسوبة لإبراهيم ، أو نزلت على لسانه أو لسان إسحق أو يعقوب . الرواية غير منسوبة لأحد . و القارئ يستنتج الآتي : بما أن التوراة ذاتها هي توراة موسى ، كل أسفارها أملاها موسى ، يكون من البديهي أن تكون رواية الخلق روايته ، نزلت عليه وجرت على لسانه . غير ذلك ، ولأن نظرية الخلق هذه لها مثيل في كل الأديان الوثنية القديمة ، كما أوضحت في سلسلة حلقات تقاطعات بين الأديان ، وبها الكثير الكثير من الثقوب والعيوب ، والأخطاء التي تنسف صِدقيتها ، يكون من غير المعقول أن الله خالق هذا الكون الواسع بملايين مجرَّاته ، ومليارات شموس ، نجوم ، كواكبِ ، كويكباتِ ، أقمار المجرة الواحدة ، لا يعرف ما خلق ، كي يأتي بهذه الرواية المليئة بالثقوب ، المفتقرة والمناقضة لأي سند علمي ، ولتكون في وقت لاحق سهلة التفنيد ، الدحض ،فالرفض . وفوق كل ذلك ليخرج قارئها باستخلاص أن واضعها ما هو إلا واحد من الآلهة القوميين الذين عصفت بنظرياتهم ، أسوة بِأديانهم ، عاديات الزمان . ونخلص إلى السؤال : إذاً، واستنادا لما سبق ، هل يمكننا القول ، فَالجزم ، أن إبراهيم ، وإن كان لم يأت بدين جديد ، حدث أن نقل عقيدة التوحيد لنسله ميراثا ؟ وإن فعل ، كيف كان ذلك ؟ 3 بداية ، علينا أن نعيد التذكير بأن إبراهيم استنفذ كل سبل نشر رسالته لبني قومه في أور الكلدانيين . وأن نتذكر أنه استعاض عن الدعاء عليهم بِإبادتهم ، أسوة برسلٍ سبقوهُ وَلحقوه ، بالهجرة وتركهم في غيهم يعمهون . وأن نتذكر أن بداية الهجرة ، كانت أيضا هي بداية النهاية لرسالته التي كانت لا علاقة لها بالعالمية . بمعنى أن رسالة إبراهيم لم تحمل أي صفة غير محلية ، ومن ثم لا شأن لها بهداية أهل حاران أو أقوام أرض كنعان . في أرض كنعان وقد بقيت له النبوة انحصرت مهامه في الحفاظ على صلاح أبنائه وحمايتهم من الشرك بِتلقينهم عقيدة التوحيد . وهنا قد يحتج قارئ أو أكثر قائلا/ئين : كيف ذلك والقرآن يؤكد : { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ، وما كان من المشركين } الآية 67 من سورة آل عمران . لكن التفسير الإسلامي لهذه الآية يقول بأن الأديان الثلاثة لم تكن قد نزلت في أيامه ، ولأنه هو لم ينشئ دينا ، يمكن لتابعي دين منها الزعم بمطابقة دينه مع دين إبراهيم ، فالإدعاء بأن إبراهيم كان على دينهم ، فإن المسألة تنحصر في أن إبراهيم كان موحدا غير مشرك ، مطيعا لله ومسلما بطاعته ، لا غير . هنا تلفت انتباه قارئ التوراة إشكاليات شديدة التعقيد وقفت عنيدة في وجه الآباء إبراهيم ، اسحق ، يعقوب والأسباط . أولاها أن الآباء الثلاثة خلفوا ذكورا ولم يخلفوا إناثا ، باستثناء يعقوب الذي خلف بنتا واحدة بين اثني عشر ولدا . إبراهيم خلف إسماعيل وإسحق ، وبعد تلقينهِما عقيدة التوحيد وتثبيتها في رأسيهما ، طرد إسماعيل ، بأمر زوجته سارة ، من رحمته . الأمر ذاته فعله إسحق مع ابنيه عيسو ويعقوب . طرد عيسو وأبقى على يعقوب ، وأيضا بتدبير من زوجته رفقة . إبراهيم قبل ذلك كان قد طرد لوطا بحجة خلاف نشب بين رعاة مواشيهِما . ونستخلص أن المطرودين أيضا كانوا قد اعتنقوا عقيدة التوحيد . وعليه نفهم ، استنادا لنشوء بني إسرائيل ، أنه نشأت في المنطقة أربعة أقوام تقول بعقيدة التوحيد : بنو إسرائيل ، الأدوميون - قوم عيسو - ، الموآبيونَ والعمونيون - قوم لوط - ، والعرب - قوم إسماعيل - . وحيث يفاجأ قارئ التوراة بأعجب العجب بعد ذلك : الرب ، إله بني إسرائيل ، رب موسى وإله العبرانيين ، قام بطرد الأقوام الموحدة الثلاثة من رحمته . رفض أن يكون لها إلها وأن تكون له عبادا . فقط اختار بني إسرائيل له شعبا وهو لهم إله . مقدما الدليل على أنه ليس الله إله البشرية كلها ، بل هو إله قومي ، وواحد من الآلهة القوميين الكُثر لأقوام ذلك الزمان ، وهو ما تؤكده نصوص آيات التوراة ذاتها ، كما سنرى لاحقا . وغير ذلك تنفجر في وجه القارئ الحقيقة الصاعقة والصادمة : من البدء ، من الأصل ، من الأساس لم تكن المسألة مطلقا مسألة شرك أو مسألة توحيد . كانت مسألة دوران حول مآرب أخرى . والآن، ماذا عن الإشكالية الثانية 4 في الحلقات السابقة أشرنا إلى أن سارة وإبراهيم ، بعد بلوغ إسحق سن الزواج ، رفضا فكرة زواجه ببنت من بنات أرض كنعان ، حفاظا على نقاوة الدم . بعث إبراهيم بكبير خدمهِ ليعثر على واحدة من عشيرتهم الباقية في حاران . وكانت رفقة ، ابنة ابن ناحور أخيه . وكانت رفقة وثنية الديانة . في الجيل التالي - أبناء اسحق - كان قد تم طرد عيسو من العائلة لأنه تزوج اثنتين من بنات البلاد بحجة أنهما كانتا مرارة نفس لرفقة ولِإسحق . وأما يعقوب الذي هرب والتجأ لخاله لابان ابن ابن ناحور ، فقد تزوج الشقيقتين ليئة و راحيل ، ابنتيّ لابان ، كما تزوج خادمتيهِما . والزوجات الأربعة كن وثنيات . ولما كان أن أبناء يعقوب - الأسباط الإثنا عشر - ، لم يغادروا إلى حاران طلبا للزواج من بنات العشيرة ، ولم يكن في أرض كنعان أحد من تلك العشيرة ، فقد اضطروا لكسر قاعدة الدم النقي ، بزواج أحد عشر منهم من بنات أرض كنعان ، وزواج يوسف الصديق من بنت مصرية . والمهم أن كل الزوجات كن وثنيات الديانة . ويبرز السؤال : لماذا اعتبر الزواج من وثنيات إشكالية وَسَمتْ سير حياة هؤلاء الآباء المؤسسين ؟ والجواب : لأن للزواج من الوثنيات علاقة بصلب ديانة بني إسرائيل والتي جاءت رسالة موسى لتصحيحها . كيف ؟ قلنا أنَّ إبراهيم ، وإن أنشأ واعتنق عقيدة التوحيد ، وأورثها لبنيه ، وهؤلاء لأبنائهم ، وهلمجرا ، لم يأت بدين يقوم على هذه العقيدة . والدين كان وما زال أوسع وأكبر كثيرا من العقيدة بالرغم من كونها عموده الأساس . فالدين عبادات ، طقوس ، فرائض ، مناسك ، سنن ، شرائع ، معاملات ، محللات ومحرمات ، منظومات قيم ، أخلاقية ، سلوكية ، اجتماعية ، معابد ، وقيامة عليها وعلى الدين .. الخ . وفي غياب شعب ، وحضور عقيدة كان من المتعذر إنشاء دين بصورته الكاملة . كما كان أيضا من المتعذر على المرء آنذاك العيش بدون دين .وقد يسارع قارئ للقول : إذاً ، وعلى عكس ما سبق وقررت ، وبالرغم من ترك دين آبائه كان لإبراهيم دين . هذا صحيح . إذ يقال أنه كان له كتاب . لكن لا معرفة لأحد لا بهذا الكتاب ،ولا بأغلب مكونات ذلك الدين . والمرء حين يقرأ التوراة كلمة كلمة ، وحرفا حرفا ، لا يظفر من مسألة دين إبراهيم هذه بشيء .وقد يقول قارئ : كيف ذلك وإبراهيم كاد يضحي بابنه لولا أن تم فداؤه بالكبش ؟ والجواب : المنطقي أن المسألة كانت تتعلق بمنسكٍ من مناسك ديانة قومه في أور الكلدانيين . ذلك أن قومه كانوا قد تجاوزوا التضحية بالبشر إلى التضحية بالحيوان ، وَبالكبش على وجه التحديد . ويبدو أن المسألة كلها جاءت على سبيل الاختبار . فيما إذا كان قد بقي في نفس إبراهيم شيء من ديانة آبائه أم لا . ولما كان أن نجح إبراهيم في الاختبار جاء له الرب بالكبش تعبيرا عن اعتماد هذا المنسك في الدين الجديد . والآن ، وبالعودة لإشكالية الزوجات الوثنيات يلاحظ القارئ أن التوراة لا تشير بحرف واحد إلى امتعاض الأزواج من وثنية الزوجات ، ومن ثم محاولة ثنيهنَّ عن مواصلة هذه العبادة . وعلى العكس تشير حكاية تواطؤ يعقوب مع زوجته في مسألة سرقة أصنام أبيها وإخفائها عنه ، إلى رضى يعقوب بمواصلة زوجاته لهذه العبادة . ولب المسألة أن عشيرة الأسباط بعد أن كبرت وشكلت بدايات قوم ، كان عليها وجوبا أن تبحث عن ، وأن تختار ديانة خاصة بها . وكانت ديانات الأمهات الوثنية توجههم إلى ديانة وثنية جامعة بين النقيضين : عقيدة توحيد - إله واحد - ، وديانة شرك ، تقوم على تعددية الآلهة . وكان أن رسالة موسى جاءت لتقويم هذا الاعوجاج وحل هذا التناقض . كيف ؟ 5 بداية سأكتفي بهذا القدر من هذه المقدمة الطويلة ، وسَأذهب إلى التوراة والإصحاح الثالث من سفر الخروج حيث بدء التكليف لموسى بحمل عبء الرسالة . يقول الإصحاح بينما كان موسى يرعى غنم حميه يثرون في البرية جذب نظره اندلاع نار في عليقة لكن دون أن تحرقها . دفعه حب الاستطلاع للذهاب إليها .. وجد أن الرب هو من نزل إلى وسط العليقة وناداه منها :[ ثم قال أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله 6] . ثم أبلغه الرب أنه سمع صراخ بني إسرائيل من مذلة العبودية في مصر ، وأنه جاء ليخرجهم من مصر ويرسلهم إلى أرض تفيض لبنا وعسلا ، هي أرض كنعان ، ليحلوا محل أهلها ، و معددا أسماء ستة قبائل منها . خاطب موسى قائلا :[ فالآن هلم فَأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر 10 ] . المدهش هنا أن موسى لم تأخذه الرهبة ، لم يرتعش ولم يرتعد من خشية الرب . بل دخل معه في الحوار التالي :[ فقال موسى لله من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أخرج بني إسرائيل . 11 فقال إني أكون معك وهذه تكون لك العلامة أَني أرسلتك . حينما تخرج الشعب من مصر تعبدون الله على هذا الجبل 12 فقال موسى لله ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم . فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم . 13 فقال الله لموسى أَهْيَهِ الذي أَهْيَه . وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أَهْيَه أرسلني إليكم . 14 وقال الله أيضا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يَهْوَهْ إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم . هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دَوْرٍ فَدَوْرٍ .15 ] . والمدهش مرة أخرى أن الرب عاد يؤكد على موسى أن يقول لشيوخ بني إسرائيل في اجتماعه بهم أن الرب وقد افتقد شعبه بني إسرائيل ، سوف لا يكتفي بإخراجه من مصر بل و سيأخذ بيده إلى أرض كنعان التي تفيض لبنا وعسلا ليحلوا محل القبائل الست التي سبق وعددها ، معيدا تعدادها من جديد : الكنعانيين ، الحِثيين ، الأَموريين ، الفِرزيين ، الحُويين ، واليبوسيين . والمدهش أكثر أن الرب في هذا اللقاء الأول ، بعد أن أوضح لِموسى أن ملك مصر لن يطلق بني إسرائيل ولو بيد قوية ، وأنه سيضرب مصر بكل عجائبه ، راح يوصيه بالتالي :[ وأُعطي نعمة لهذا الشعب في عيون المصريين . فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين 21 بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين . 22 ] . يخبرنا الإصحاح الرابع أن الحوار تواصل بين موسى والرب ، وأن موسى عرض فرضية عدم تصديق شيوخ بني إسرائيل لأقواله وأنهم سَيُكذبون حكاية ظهور الرب له . للتغلب على هذه المشكلة علمه الرب بعض الحيل السحرية 1- إلقاء موسى لِعصاه وتحولها حية . إمساكها من ذنبها فتعود عصا كما كانت . 2- إدخال يده في عبه وعند خروجها تخرج بيضاء كالثلج . إعادتها لعبه تعيدها جزءا من جسمه كما سبق وكانت . 3- أن يسكب بعض ماء النهر على الأرض فيتحول إلى دم . وطلب من موسى أن يعمل الأولى أمام شيوخ قومه فإن لم يصدقوا عمل الثانية ، وإن استكبروا ولم يصدقوا عمل الثالثة . لكن موسى واصل الحوار قائلا :[ فقال موسى للرب استمع أيها السيد لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك . بل أنا ثقيل الفم واللسان . 10 فقال له الرب من صنع للإِنسان فماً أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرا أو أعمى . أما هو أنا الرب . 11 فالآن اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به .12] . لكن موسى اعتذر عن قبول التكليف . [ فقال استمع أيها السيد . أرسل بيد من ترسل .13 فحمي غضب الرب على موسى وقال أليس هرون اللاوي أخاك . أنا أعلم أنه هو يتكلم . وأيضا ها هو خارج لاستقبالك . فحينما يراك يفرح بقلبه .14 فتكلمه وتضع الكلمات في فمه . وأنا أكون مع فمك ومع فمه وأُعلمكما ماذا تصنعان. 15 وهو يكلم الشعب عنك . وهو يكون لك فما وأنت تكون له إلها .16 وتأخذ في يدك هذه العصا التي تصنع بها الآيات .17 ] . هنا يخبرنا الإصحاح ضمنا أن موسى عاد وقبل التكليف . رجع إلى حميه يثرون كي يبلغه عزمه الرجوع إلى مصر . لكن موسى وبدل أن يحكي لحميهِ سبب عزمه العودة لمصر كذب عليه . [ فمضى موسى ورجع إلى يثرون حميه وقال له أنا أذهب وأرجع إلى إخوتي الذين في مصر لأرى هل هم بعد أحياء . فقال يثرون لموسى إذهب بسلام .18] كذبة موسى هذه لم تكن المفاجأة الوحيدة التي كشفتها لنا نهاية الإصحاح . شكل سبب نزول الرب بشخصه لتكليف موسى المفاجأة الثانية والتي هي أكبر من الأولى [ وقال الرب لموسى في مديان اذهب ارجع إلى مصر . لأنه قد مات جميع القوم الذين كانوا يطلبون نفسك .19 فأخذ موسى امرأته وبنيه وَأَركبهم على الحمير ورجع إلى أرض مصر . وأخذ موسى عصا الله في يده .20 ] . واتضح فيما بعد أن هذه الحادثة الأخيرة لم تقع . لم يأخذ موسى امرأته وبنيه معه ، ولم يركبهم على الحمير . ذلك أنه ذهب لمصر بمفرده . إذ يطالعنا الإصحاح الثامن عشر بالتالي : [ فسمع يثرون كاهن مديان حمو موسى كل ما صنع الله إلى موسى وإلى إسرائيل شعبه . أن الرب أخرج إسرائيل من مصر .1 فأخذ يثرون حمو موسى صفورة امرأة موسى بعد صرفها . 2 وابنيها اللذين اسم أحدهما جرشوم ….3 ….. وأتى يثرون حمو موسى وابناه وامرأته إلى موسى إلى البرية حيث كان نازلا عند جبل الله . 5 فقال لموسى أنا حموك يثرون آت إليك وامرأتك وابناها معها . 6 ] . ثم كانت مفاجأة ثالثة تمثلت في أن الرب أمر موسى بأن يعرض جميع ألاعيب السحر التي علمه إياها على فرعون . موضحا لموسى أن فرعون سَيعاند ويرفض أن يطلق سراح الشعب الذي هو ابن الرب البكر . وأن الرب سينتقم من فرعون بقتل أبكار المصريين . هنا يتذكر الرب أن موسى لم يختن ابنه ، فكان أن أبلغ موسى أنه سيقتل هذا الإبن . وكانت سرعة البديهة والمبادرة عند صفورة زوجة موسى هي من تولت إنقاذه . [ وحدث في الطريق في المنزل أن الرب التقاه وطلب أن يقتله .24 فأخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها ومست رجليه .فقالت إنك عريس دم لي . 25 فانفك عنه . حينئذ قالت عريس دم من أجل الختان .26 ] . وتحكي خاتمة الإصحاح عن لقاء موسى بِهرون ،جمعهما لشيوخ بني إسرائيل ، وعرض عجائب الرب - ألعاب السحر - أمام الشعب : [ فآمن الشعب . ولما سمعوا أن الرب افتقد بني إسرائيل وأنه نظر مذلتهم خروا وسجدوا . 31]. 6 كثيرة هي الجوانب المثيرة للانتباه والاهتمام في هذا اللقاء الأول بين الرب وموسى ومنها : 1- أن الرب لم يرسل ملاكا يحمل التكليف بالرسالة إلى موسى ، بل نزل هو بها و بكامل جلاله . في حين أن موسى لم تعتريه الرجفة من جلال الموقف ، ولم يرتعد من خشية الرب ، ولم يخر على وجهه ساجدا ، وإنما غطى وجهه فقط ، ووقف أمام الرب شامخا يحاوره حوار الند للند . 2- أن الرب اغتنم فرصة سقوط تهمة جناية القتل عن موسى ، بموت كل طالبي نفس موسى - تقديمه للعدالة - ، فنزل بشخصه لتكليف موسى بالرسالة . هنا لا يجوز السؤال : هل موت طالبي نفس موسى ، أو تفعيل قانون التقادم بلغة عصرنا، شكل صك براءة لموسى عند الرب من فعل جريمة القتل التي ارتكبها موسى بحق المصري ، وكانت سبب هربه واختبائه في سيناء ؟ أم أن فعلا رديئا بحجم جناية قتل عن سابق عمد وإصرار ، لا تخدش عند الرب صورة من هو معد لحمل رسالة بحجم رسائل الرسل إلى أقوامهم في ذلك الزمان ؟ 3 - يوضح النص أن موسى لم يكن عارفا باسم إله الآباء ؛ إبراهيم ، إسحق ، ويعقوب .ذلك أيا من هؤلاء الآباء لم يذكر الاسم ولو لمرة واحدة ، والأغرب أن الرب نفسه ، وهو يجيب على سؤال موسى لا يذكر ذلك الاسم ، بل ويذكر اسما جديدا هو أَهْيَه ، ثم يعود ويقول أنه يهوه ، وأن هذا الاسم الأخير ، الذي سيكون من الآن فصاعدا - فيكون ذكري إلى دور فدور- ، دون أن يشير إلى معنى أي منهما. يسكت موسى ، كما القارئ غير عارف وغير فاهم . إذ ما الذي يعنيه الاسم أهيه ، أو حتى الاسم يهوه ؟ ولماذا لم يشر الرب ، وقد سئل عن اسمه ، بكلمة عن أنه هو الله رب البشرية كلها ، وأنه الله الذي لا إله غيره ، وأنه الله خالق السموات والأرض ، وأنه وأنه .. الخ؟ وثالثة الأثافي ما الذي يعنيه قول الرب لموسى وجعلتك له - لهارون - إلها ؟ وما الذي يعنيه وهو يعاود في مطلع الإصحاح السابع قول الآتي :[ فقال الرب لموسى انظر . أنا جعلتك إلها لفرعون . وهرون أخوك يكون نبيك . 1 ] . هل يريد أن يفهمنا أن الألوهية هي أن يكون للواحد سلطان على الآخر ؟ أي له نفوذ بفعل كاريزما شخصية مثلا ؟ وأن النبوة تعني تنفيذ إرادة الآخر دون سؤال أو جواب ؟ ولكن … لكن هنا قد يقول قارئ ولكن اسم الله تردد مرات في النص . ونقول ذلك صحيح ولكنه تردد على لسان سارد النص ، وعلى سن قلم محرر التوراة ، ولكنه لم يرد على لسان الرب ، ولا حتى عندما سأله موسى عنه . 4 - إضافة لأن موسى كان غير عارف باسم الرب ، كان أيضا غير عارف بعهد الدم الذي قطعه الرب مع إبراهيم ، وهو قطع غرلة الذكر من نسل إبراهيم ، أي الختان . ظهر ذلك في عدم ختن موسى لابنه جرشوم ، ولولا سرعة بديهة صفورة زوجته ومبادرتها لقطع غرلة ابنها بصوانة لكان الرب قد قتل ابن موسى ذاك . والملفت للنظر، والمحير في آن ، أن الرب انفك عنه بعد قطع غرلته .المحير لأن الرب لم يلتفت حتى لعتاب موسى ، المخطئ إن كان من الأصل في الأمر خطأ ، وقد كان قد قرر في ذات الوقت قتل الولد من دون ذنب جناه . 5 - أن أول فعل لموسى ، مع أول خطوة على طريق تطبيق الرسالة ، تمثل في كذبه على حميه يثرون . هنا قد يقول قائل : ولكنها كذبة بيضاء ، ذلك أن الرب لم يشر على موسى بإفشاء السر - سر العودة لمصر - لِيثرون أو لغيره . والجواب أن الكذب كذب . أبيض كان أم أسود . خصوصا في حال أن صدر عن نبي ورسول . 6- أن الرب ، وفي هذا اللقاء الأول ، سارع لإبلاغ موسى أن يطلب من نساء بني إسرائيل ارتكاب فعل سلب حلي ولباس جاراتهن المصريات . فعل السلب هذا ، إذ يتصدر توجيهات اللقاء الأول ، يبدو على ذات قدر فعل إخراج بني إسرائيل من إسار العبودية . وإذا ما تذكرنا أن توجيه السلب هذا ترافق مع تهليل الرب بسقوط جناية القتل عن موسى ، وأعقب ذلك تلك الكذبة التي كذبها موسى على حميه يثرون ، ليقفز في وجهنا سؤال : هل يكون من حقنا أن نسأل إن كان الرب أراد أن يفهمنا أن هذا الثالوث ؛ السلب ، القتل ، الكذب ، سيشكل أعمدة المنظومة القيمية ، السلوكية ، الأخلاقية ، والاجتماعية ، للدين الجديد الذي كان على موسى البدء في إقامة بنيانه ؟ 7- أن الرب ، كزاد لموسى في مواجهة شيوخ إسرائيل ، لم يزودهُ بأية معارف ، معلومات عن قدراته ، عن صفاته ، عن وحدانيته ، أو حتى عن علاقته بالآباء .. الخ بل استعاض عن كل ذلك بتعليمه ثلاث حيل سحرية ، كانت في تقديره كفيلة بتبديد أي شكوك لدى هؤلاء الشيوخ . و الأطرف أنه اعتمد نهج الحيل السحرية مع فرعون . 8- ونصل إلى الموضوعة الأهم ، وهي أن الرب أعاد ، في هذا اللقاء القصير ، ذكر عزمه على إصعاد بني إسرائيل إلى الأرض التي تفيض لبنا وعسلا ، أرض كنعان ، ليحلوا محل أهلها ، معددا أسماء ست من قبائلها . لماذا ؟ لأنه آن أوان تنفيذ وعده للآباء بسلب أرض كنعان من أصحابها الأصليين ومنحها للأمة التي اختار هذا الرب تصنيعها من نسل إبراهيم وزوجته سارة ومن نسل ابنه إسحق وزوجته رفقة ، ولِيوقفها أخيرا على نسل يعقوب . حدث ذلك بعد أن أدار الرب ظهره لمئات الأمم والشعوب التي كان قد خلقها وملأ الأرض بها ، وليكون هذا الشعب الذي قام بِتفصيله على المقاس هو وحدهَ شعب الله المختار ، و لتحتل كل الأمم والشعوب خانة الأغيار . لماذا ؟ لأننا أولا لا نعرف سببا لرفضه سائر الأمم التي سبق وخلقها ، وثانيا لأن هاتين الأسرتين ؛ أسرة إبراهيم وسارة ، وأسرة إسحق ورفقة ، تملكان صفاتا شديدة التميز ، وقفنا عندها مطولا في حلقتي إبراهيم وإسحق ، لم تملكها غيرهما من قبل ومن بعد ، كما فصلنا في حلقتي إبراهيم وإسحق . 7
إذاً ، وبعد قبول بني إسرائيل بما جاء موسى لهم به ، جاء دور فرعون حسب تكليف الرب . يطالعنا الإصحاح الخامس بالآتي : [ وبعد ذلك دخل موسى وهارون وقالا لفرعون هكذا يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبي لِيُعَبِّدوا لي في البرية .1 فقال فرعون من هو الرب حتى أسمع لقوله فأطلق إسرائيل . لا أعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه .2 فقالا إله العبرانيين قد التقانا . فَنذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا . لئلا يصيبنا بِالوبأ أو بالسيف .3 ] في هذا المقطع تبرز ملاحظتان : الأولى أن اسم الرب غدا يأخذ اسم إله إسرائيل تارة وإله العبرانيين تارة أخرى ، وهو ما سيتواصل لاحقا . الثانية أن بني إسرائيل كانوا قبل موسى يمارسون طقسا وثنياً ، وهو الذبح للرب ، وأن الرب بلسان موسى وهارون صادق على استمرار هذا الطقس . أما إعلان فرعون عدم معرفته الرب وبالتالي عدم استجابته لطلبه بإطلاق إسرائيل فأمر بديهي كون فرعون يعبد آلهة قومه ويدين بدينهم . وكان أن فرعون لم يكتف برفض طلب الرب وإنما أثقل على بني إسرائيل بالعمل . جأروا بالشكوى لموسى وهارون اللذين بدورهما نَقلاها إلى الرب الذي رد بالتالي ، حسب الإصحاح السادس : [ فقال الرب لموسى الآن تنظر ما أنا أفعل بفرعون . فإنه بيد قوية يُطلقهم وبيد قوية يطردهم من أرضه .1 ثم كلم الله موسى وقال له أنا الرب. 2 وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحق ويعقوب بأني أنا الإله القادر على كل شيء . وأما باسمي يهوه فلم أعرف عندهم . 3 وأيضا أقمت معهم عهدي أن أعطيهم أرض كنعان أرض غربتهم التي تغربوا فيها . 4 وأنا أيضا سمعت أنين بني إسرائيل الذين يستعبدهم المصريون وتذكرت عهدي . 5 لذلك قل لبني إسرائيل أنا الرب وأنا أخرجكم من تحت أثقال المصريين وَأنقذكم من عبوديتهم وأُخلصكم بذراع ممدودة وبأحكام عظيمة .6 وأتخذكم لي شعبا وأكون لكم إلها . فتعلمون أني أنا الرب الذي يخرجكم من تحت أثقال المصريين .7 وأُدخلكم إلى الأرض التي رفعت يدي أن أعطيها لإبراهيم وإسحق ويعقوب . وأعطيكم إياها ميراثا . أنا الرب . 8 فكلم موسى هكذا بني إسرائيل . ولكن لم يسمعوا له من صغر النفس ومن العبودية القاسية . 9 ] . في هذه الآيات يعترف الرب صراحة ، ودون أية مواربة ، أنه ليس الإله الذي كان بنو إسرائيل يعبدونه ـ ويذبحون له في البرية . قال وبصريح العبارة أنه نسيهم طوال أل 430 سنة التي تغربوا و استعبدوا فيها في مصر ، وأنه الآن بعد أن سمِع أنينهم جاء لينقذهم وَليستعيد مكانته الضائعة عندهم ، بأن يكون لهم إلها ويكونوا له شعبا . أكثر من ذلك يعترف صراحة بأن الآباء إبراهيم ، إسحق ويعقوب لم يعرفوه باسم يهوه ، بالرغم من إبرامه العهود معهم بإعطائهم أرض كنعان ، لا لشيء إلا لأنهم تغربوا فيها . ترى أيحق لنا السؤال : إذاً بأي اسم عرفه إبراهيم ، إسحق ، ويعقوب ؟ لا يقول لنا موسى شيئا . لكنه يقول بالرغم من أن هذا الرب بالغ في تزلفه لبني إسرائيل ؛ أنه سيعطيهم أرض كنعان ميراثا ، وأنه سَيفعل الأفاعيل لِفرعون والمصريين ، انتقاما على عبوديتهم لبني إسرائيل ، فإن بني إسرائيل رفضوا كل ذلك . لماذا ؟ لأنه كان لهم رب يعبدونه ولا يريدون التخلي عنه ، وليس بسبب صغر النفس وقسوة العبودية كما قالت الآية . بعد هذا هل يقع في باب الاستعجال طرحنا السؤال : إذاً من هو بالضبط هذا الرب يهوه ؟ ترى أَنكون مخطئين إن أجبنا أن كل ما ظهر حتى الآن من إشارات ، وبعضها دلائل ، أنه ربما يكون واحدا من حاشية رب إبراهيم ، إسحق ، ويعقوب . وأنه استغل فرصة سقوط جناية القتل عن موسى ليقفز نازلا عليه بالبراشوت ،كما نقول في لغتنا الحاضرة ، هابطا في العليقة ، و فارضا نفسه إلها قوميا لبني إسرائيل ، بعد إزاحته آلهتها الحاضرة ؟ 8 ويطالعنا الإصحاح السابع بخبر بدء مباريات الألعاب السحرية بين موسى وهارون من جهة والسحرة - العرَّافين - المصريين من جهة أخرى . بدأت بالتالي :[ فقال الرب لموسى انظر . أنا جعلتك إلها لفرعون . وهارون أخوك يكون نبيك .1 أنت تتكلم بكل ما آمرك . وهارون أخوك يكلم فرعون ليطلق بني إسرائيل من أرضه .2 ولكني أقسي قلب فرعون وأكثر آياتي وعجائبي في أرض مصر . 3 ولا يسمع لكما فرعون حتى أجعل يدي على مصر فأخرج أجنادي شعبي بني إسرائيل من أرض مصر بأحكام عظيمة .4 فيعرف المصريون أَني أنا الرب حينما أمد يدي على مصر وأخرج بني إسرائيل من بينهم . 5 ] . تشير هذه الآيات بوضوح أن مباريات الألعاب السحرية القادمة ليست في الحقيقة غير مباراة في استعراض القوة بين هذا الرب ، سند موسى وهارون ، وبين آلهة المصريين سند العرافين المصريين ، وحيث ستكون الغلبة للرب ، الأمر الذي يوصله للغاية المعلنة ، وهي قبول بني إسرائيل به إلها لهم ، وهم شعب له . تبدأ المباراة برمي العصا التي تنقلب حية . تليها ضرب ماء النهر بالعصا وتحول الماء إلى دم . وتكون الثالثة بالضفادع التي تغطي وجه أرض مصر . أما الرابعة فتحويل تراب الأرض إلى بعوض ، وحيث تم تسجيل أول فشل للعرافين المصريين . [ فقال العرافون لفرعون هذا أُصبع الله ولكن اشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما - لموسى وهارون - كما تكلم الرب . 16 الإصحاح الثامن ] . والخامسة بالذباب ، فيما تكون السادسة بضرب المواشي والدواب بِالوبأ : [ فها يد الرب تكون على مواشيك التي في الحقل على الخيل والحمير والجمال والبقر والغنم وبأ ثقيلا جدا . 3 ويميز الرب بين مواشي إسرائيل و مواشي المصريين . فلا يموت من كل ما لبني إسرائيل شيء . 4 وعين الرب وقتا قائلا غدا يفعل الرب هذا الأمر في الأرض . 5 ففعل الرب هذا الأمر في الغد فماتت جميع مواشي المصريين . وأما مواشي بني إسرائيل فلم يمت منها واحد . 6 وأرسل فرعون وإذا مواشي إسرائيل لم يمت منها ولا واحد . ولكن غلظ قلب فرعون فلم يطلق الشعب . 7 الإصحاح التاسع ] . أما السابعة فَبتحويل رماد الأتون إلى غبار ينتشر على كل الأرض ويصيب الناس والبهائم بالدمامل . [ …… فأخذا رماد الأتون ووقفا أمام فرعون وذراه موسى نحو السماء . فصار دمامل بثور طالعة في الناس وفي البهائم .10] .هنا يعلن العرافون المصريون انسحابهم من المباراة ، إذ خرجت عن مسار الألعاب السحرية إلى أفعال أذى تَقَصَّدَ إله العبرانيين إلحاقها بالمصريين صغيرهم قبل كبيرهم ناهيك عن الحيوانات . أما الإصحاح فيرد الانسحاب إلى : [ ولم يستطع العرافون أن يقفوا أمام موسى من أجل الدمامل . لأن الدمامل كانت في العرافين وفي كل المصريين . 11 ] . وكانت الثامنة بالبرد: [ ثم قال الرب لموسى بكر في الصباح وَقِفْ أمام فرعون وقل له هكذا يقول إله العبرانيين أطلق شعبي ليعبدوني . 13 لأني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض .14 فإنه الآن لو كنت أمد يدي وأضربك وشعبك بِالوبأ لكنت تباد من الأرض .15 ولكن لأجل هذا أقمتك لكي أريك قوتي ولكي يُخْبَر باسمي في كل الأرض . 16 أنت معاند بعد لشعبي حتى لا تطلقه .17 ها أنا غدا مثل الآن أمطر بردا عظيما جدا لم يكن مثله في مصر منذ يوم تأسيسها إلى الآن . 18 فالآن أرسل احم مواشيك وكل ما لك في الحقل . جميع الناس والبهائم الذين يوجدون في الحقل ولا يجمعون إلى البيوت ينزل عليهم البرد فيموتون .19…….فضرب البرد في كل أرض مصر جميع ما في الحقل من الناس والبهائم . وضرب البرد جميع عشب الأرض وكسر جميع شجر الحقل . 25 إلا أرض جاسان حيث كان بنو إسرائيل فلم يكن فيها برد . 26 ] . أول ما يلفت انتباه القارئ في هذه الآيات والتي قبلها ذلك التناقض الصارخ فيما تقدمه من معلومات ، والذي هو ديدن رواية التوراة كلها . 1- مثال ذلك التأكيد في فقرة المباراة الخامسة أن كل مواشي و دواب المصريين أهلكها الوبَأ ، فيما نجت مواشي ودواب بني إسرائيل . لكنه يفاجئنا في الفقرة السادسة ، فقرة الدمامل ، بأن هذه المواشي والدواب لم تمت وأنها أصيبت كما البشر بالدمامل . ويعود في الفقرة السابعة ، فقرة البرد ، إلى تأكيد المؤكد وهو أن مواشي المصريين ودوابهم كانت بخير ، وأن من ترك في الحقل منها هو ما قتله البرد . 2- أن ذكر الرب في مخاطبة فرعون غدا و استدامَ مقرونا بِإله العبرانيين . ربما لكي يفهم القارئ أن صفة إله العبرانيين ، بعيدا عن أية أمة من مئات أمم الأرض ، هذه الصفة قد غدت و استدامتْ الصفة الأسمى للرب . 3- ثم يكون على المرء أن يتوقف متمعنا في الآية 14 ، خاصة في جزئها [… لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض ] . الله لا يسكن الأرض . آلهة الأمم والشعوب تسكن جبالا في الأرض وفي مجمعات لها رأس هو كبير الآلهة . إله العبرانيين يقول مخاطبا فرعون ، صحيح أنني واحد منهم ولكن لا يوجد من هو مثلي بينهم . لماذا ؟ لأنه الوحيد بين آلهة الشعوب والأمم الذي يحكم شعبا بمفرده ودون شراكة من آلهة أخرى . 4 - ويستعصي على القارئ فهم الغرض من تكرار الرب القولَ لموسى [أنا جعلتك إلها لفرعون وهارون أخوك يكون نبيك ] ، وليسأل : ألكي يترسخ لنا مفهوم يتعلق بمعنى الألوهية ، مفهوم يقول أن كل صاحب نفوذ ، صاحب كاريزما على آخر أو آخرين ، يكون له/م إلها ، ويكون كل ناطق بلسان آخر نبيا لمن ينطق بلسانه أم ماذا ؟ ذلك أننا تربينا على فهم أن صفة الألوهية لا تطلق بتاتا و قطعيا على أحد غير الله . هنا نعود ونتذكر أن اسم الله ، كاسم للرب ، أخلى مكانه لِاسم إله العبرانيين ولم يعد يطالعنا في كل فقرات عجائب الرب وتمجده في عقاب وإيذاء المصريين . 9 ونواصل مع عجائب الرب والفقرة التاسعة . في هذه الفقرة ، كما في كل الفقرات السابقة ، يذكرنا الرب بأنه هو من يقسي قلب فرعون ويدفعه لِعدم تلبية طلب إطلاق بني إسرائيل . لماذا ؟ لكي تتجدد فرص استعراض الرب لقوته ، ولكي يتمجد في عقاب المصريين وإيذائهم بكل أشكال وألوان الأذى . وكمثال يطالعنا الإصحاح العاشر بهذه المقدمة للفقرة التاسعة من عجائبه : [ ثم قال الرب لموسى ادخل إلى فرعون . فإني أغلظت قلبه وقلوب عبيده لكي أصنع آياتي هذه بينهم . ولكي تُخْبَرَ في مسامع ابنك وابن ابنك بما فعلته في مصر و بآياتي التي صنعتها بينهم . فتعلمون أني أنا الرب .1] . امتثل موسى لأمر الرب . دخل هو وهارون على فرعون . نقلا له طلب الرب إله العبرانيين إطلاق بني إسرائيل . حذراه أن الرب سيضرب مصر بالجراد الذي سيأكل ما تبقى من كارثة البرد . ولأن الرب أغلظ قلب فرعون . تكرر الجدل بينهم وكذلك رفض فرعون الذي قام بطردهما - موسى وهارون - من حضرته . هنا ، وكالعادة في الفقرات السابقة ، جاء دور الرب بالتالي : [ ثم قال الرب لموسى مد يدك على أرض مصر لأجل الجراد . ليصعد على أرض مصر ويأكلَ كل عشب الأرض كل ما تركه البرد . 12 فمد موسى عصاه على أرض مصر . فجلب الرب على الأرض ريحا شرقية كل ذلك النهار وكل الليل . ولما كان الصباح حملت الريح الشرقية الجراد . 13 فصعد الجراد على كل أرض مصر وحل في جميع تخوم مصر . شيء ثقيل جدا لم يكن لم يكن قبله جراد هكذا ولا يكون بعده كذلك .14 وغطى كل وجه الأرض حتى أظلمت الأرض .وأكل جميع عشب الأرض وجميع ثمر الشجر الذي تركه البرد . حتى لم يبق شيء أخضر في الشجر ولا في عشب الحقل في كل أرض مصر .15 ] . وكالعادة تمسكن فرعون لموسى . اعترف بخطأه . وعد بإطلاق بني إسرائيل . قبل موسى . صلى للرب . أزال الرب البلاء : [ فرد الرب ريحا غربية شديدة جدا . فحملت الجراد وطرحته إلى بحر سوف لم تبق جرادة واحدة في تخوم مصر . 19 ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يطلق بني إسرائيل 20 ] . هنا قد يذهب حب الاستطلاع ، أو ربما الضيق بالقارئ إلى السؤال : لماذا هذا الاستطراد في لعبة الرب هذه ؟ ضرب مصر بِعجيبة من عجائبه. اقتراب فرعون من الموافقة على تلبية طلب إطلاق بني إسرائيل . تدخل الرب بتغليظ قلب فرعون . رفض فرعون إطلاق بني إسرائيل . ضرب الرب مصر بعجيبة أقسى وأكثر أذى .. وهكذا دواليك . لماذا فعل الرب كل ذلك ؟ ألم يكن في جعبته وسيلة أقل أذى ، أكثر إنسانية ، وأشد فاعلية ؟ والسؤال الأصعب : لماذا كل هذا الحقد لدى الرب ، هذا الكره لفرعون ولشعب مصر وحتى يكون العقاب على هذه الدرجة من القسوة والظلم و للطائع قبل العاصي ؟ والجواب : لم يقصر الرب ذلك الحقد ، ولم يحمل كل ذلك الكره لشعب مصر فقط ، بل خص بمثله وأكثر كل الشعوب المجاورة ، والتي احتك بها بنو إسرائيل ، احتكاكا ناعما أو خشنا ، والفلسطينيون والكنعانيون في المقدمة من الكل كما سنرى . ونعود إلى عجائب الرب والفقرة العاشرة ، عجيبة ضرب مصر بالظلام ، وحيث نبقى مع الإصحاح العاشر . [ ثم قال الرب لموسى مد يدك نحو السماء ليكون ظلام على أرض مصر حتى يُلمسَ الظلام .21 فمد موسى يده نحو السماء فكان ظلام دامس في كل أرض مصر ثلاثة أيام . 22 لم يبصر أحد أخاه ولا قام أحد من مكانه ثلاثة أيام . ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم . 23 ] . هل كسفَ الرب الشمس كسوفا شاملا وفي ذات الوقت خسف القمر خسوفا كاملا وثلاثة أيام متتاليات ؟ أم أنه وارى الشمس ووارى القمر أو نفاهُما من مجرتنا ثلاثة أيام ؟ أيا كان ما فعل فقد أقنعت هذه العجيبة فرعون بالسماح لبني إسرائيل الذهاب إلى البرية ، أخذ بنيهم معهم وعبادة ربهم . اشترط فرعون إبقاء غنم ، بقر ، وسائر مواشي بني إسرائيل في المكان . رفض موسى لأن عبادة الرب تقضي بتقديم ذبائح مُحرقات له . وكالعادة جرت ملاسنة مع فرعون الذي لم يتفهم الحاجة لهذا الطقس الوثني : [ فقال موسى أنت تعطي أيضا في أيدينا ذبائح ومحرقات لنصنعها للرب إلهنا . 25 فتذهب مواشينا أيضا معنا . لا يبقى ظلف . لأننا منها نأخذ لعبادة الرب إلهنا . ونحن لا نعرف بماذا نعبد الرب حتى نأتي هناك .26 ] هنا بلغ السيل الزبى مع فرعون . رجع عن سماحهِ بذهاب بني إسرائيل لعبادة ربهم . اعلم موسى بإيقاف مقابلاته معه : [ وقال له فرعون إذهب عني . احترز . لا تر وجهي أيضا . إنك يوم ترى وجهي تموت .28 فقال موسى نعما قلت . أنا لا أعود أرى وجهك . 29 ] . وقعت القطيعة ، وكانت الأعجوبة الحادية عشرة وانتقام الرب الأفظع ، وبدء الخروج من مصر . 10 يطالعنا الإصحاح الحادي عشر بالتالي : [ ثم قال الرب لموسى ضربة واحد أيضا أجْلب على فرعون وعلى مصر . بعد ذلك يُطلقكم من هنا . وعندما يطلقكم يطردكم طردا من هنا بالتمام .1] ما الذي يترتب على هذا الرب الحريص على بني إسرائيل فعله ،وهو يبشر موسى بأن هذه الفقرة من أعاجيبهِ ستكون الأخيرة ، وأن فرعون من شدتها لا يملك إلا أن يستسلم ويقوم بطرد بني إسرائيل طردا ، بدلا من إطلاق سراحهم بهدوء وروية ؟ الإجابة جاءت كالتالي : [ تكلمْ في مسامع الشعب أن يطلب كل رجل من صاحبه وكل امرأة من صاحبتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب .2 وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين . وأيضا الرجل موسى كان عظيما جدا في أرض مصر في عيون عبيد فرعون وفي عيون الشعب .3] هكذا إذاً لم ينس الرب التأكيد على موسى بتلك الوصية التي أوصاه إياها وهو يتوقد نارا في العليقة في ذلك اللقاء الأول . وصية سلب المصريين ، و مطمئنا إياه هذه المرة أنه وفر شرط تنفيذ السلب وهو شحن قلوب المصريين بالطيبة ، ومنذ اللحظة . ولكن .. لكن ما هي الأعجوبة ، والأدق الجريمة التي ستطيح بعقل فرعون وتجعله يسارع لطرد بني إسرائيل طردا ؟ الجواب يأتي على لسان موسى :[ وقال موسى هكذا يقول الرب إني نحو نصف الليل أخرج في وسط مصر .4 فيموت كل بكر في أرض مصر من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلف الرحى وكل بكر بهيمة . 5 ويكون صراخ عظيم في كل أرض مصر لم يكن مثله ولن يكون مثله أيضا 6 ولكن جميع بني إسرائيل لا يسنن كلب لسانه إليهم لا إلى الناس ولا إلى البهائم . لكي تعلموا أن الرب يميز بين المصريين وإسرائيل .7 ] . هنا ظني أن القارئ المالك لشيء من العقل ، لا بد من أن يقفز عن كرسيه صائحا : مرحى لهكذا رب وضع بهكذا جريمة ، لا مثيل لها من قبل ومن بعد ، هذه القاعدة للتمييز بين بشر وبشر ،قيل فيما بعد أنه هو خالقهم . ويعود الإصحاح الثاني يطالعنا بالتالي ، ولكن على لسان الرب هذه المرة : [ فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم . وأصنع أحكاما بكل آلهة المصريين أنا الرب . 12 ] ليقفز القارئ من جديد صائحا : مرحى لإله يقول أن لا إله إلا هو ، إله لا شريك له ، إله واحد أحد ، ولكنه يعترف وبملء الفم بوجود آلهة أخرى للشعوب ، ومنها آلهة للمصريين ، وأن كل ما فعله من عجائب - هي في حقيقة الأمر جرائم يندى له الجبين - لا لشيء إلا لكي يصنع أحكاما بآلهة المصريين أولئك ، أي ليقنع بني إسرائيل أنه إله أعظم من كل هؤلاء . كما ويدهش القارئ أن الرب لا يكتفي بهدف صنع الأحكام في آلهة المصريين ، إذ يضيف التالي : [ ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها . فأرى الدم وأعبر عنكم . فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر . 13 ] ، وحيث يتساءل القارئ مندهشا هذه المرة . ما حكاية علامة الدم على بيوت بني إسرائيل هذه ؟ يأتي الجواب على لسان موسى بالتالي : [فدعا موسى جميع شيوخ إسرائيل وقال لهم اسحبوا وخذوا لكم غنما بِحسب عشائركم واذبحوا الفصح .21 وخذوا باقة زوفا و اغْمسوها في الدم الذي في الطست ومسوا العتبة العليا والقائمتين بالدم الذي في الطست .وأنتم لا يخرج أحد منكم من باب بيته حتى الصباح .22 فإن الرب يجتاز ليضرب المصريين . فحين يرى الدم على العتبة العليا والقائمتين يعبر الرب عن الباب ولا يدع المهلك يدخل بيوتكم ليضرب . 23 فتحفظون هذا الأمر فريضة لك ولأَولادك إلى الأبد .24 ……….ومضى بنو إسرائيل وفعلوا كما أمر الرب وموسى وهارون هكذا فعلوا . 28 ] . ولا أظن إلا أن القارئ ينقلب على ظهره ضاحكا هذه المرة ، و متسائلا ما هذا البكش -بلغة أخوتنا المصريين - ؟ الرب الذي ميز ماشية وبهائم بني إسرائيل عن ماشية وبهائم المصريين ، لم يضربها بِالوبأ ، وحصنها من الدمامل ، الرب الذي أضاء منازل بني إسرائيل ، حين ضرب مصر بالظلام الدامس ثلاثة أيام ، يعجز عن تمييز بيوت بني إسرائيل هذه المرة ، فيأمر بعمل علامة دم عليها لتمييزها ومنع الهلاك من دخولها ؟ أي منطق بل أي إله هذا ؟ 11
أقنعت فاجعة قتل الأبكار ، وضغط الشعب المصري ، فرعون بإطلاق إسرائيل : استدعى موسى وهارون ليلا وَأبلغمها قراره . [ فقام فرعون ليلا هو وكل عبيده وجميع المصريين .وكان صراخ عظيم في مصر. لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميت .30 فدعا موسى وهارون وقال قوموا اخرجوا من بين شعبي أنتما وبني إسرائيل جميعا . واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم .31 خذوا غنمكم أيضا وبقرَكم كما تكلمتم واذهبوا . و باركوني أيضا . 32 وألح المصريون على الشعب لِيطلقوهم عاجلا من الأرض . لأنهم قالوا جميعنا أموات .33 ] إذاً ، وقد بدأ مشوار بني إسرائيل مع الحرية لا بد أن يدور في رأس القارئ سؤال : ما الفعل الذي كان متوقعا أن يدشن به بنو إسرائيل مسيرة حريتهم هذه ؟ ويصدمه الجواب :أنجزوا أمر الرب . سلبوا المصريين .[ فحمل الشعب عجينهم قبل أن يختمر ومعاجِنهم مصرورة في ثيابهم على أكتافهم .34 وفعل إسرائيل بحسب قول موسى . طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا .35 وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أَعاروهم . فسلبوا المصريين .36 ] . هذا الجواب يضع القارئ في حيرة : أي فيلم آكشن هذا الذي صنعه الرب : مسؤول الأمن يتواطأ مع عصابة اللصوص في سرقة البنك . ولكن .. لكن ، دعونا نضع التساؤلات ، ومعها الحيرة ، ونتابع النص : بدأت مسيرة ارتحال عدد هائل من البشر ، المواشي والدواب ، كاتبة فصولا أشد غرابة بكثير من فقرات عجائب الرب الإحدى عشرة السابقة . [ فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلى سكوت . نحو ستمئة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد .37 وصعد معهم لفيف كثير أيضا مع غنم وبقر مواشٍ وافرة جدا .38 ] . هنا تطالعنا أولى الغرائب والمتمثلة في هذا العدد المهول لِلمرتحلين بشرا وبهائم ، وتعامل النص معهم كحفنة صغيرة . يخبرنا الإصحاح الثالث عشر أن ثاني الغرائب لم تتمثل في أن الرب أخذ يكرر تذكير المرتحلين بأن الهدف هو أرض الكنعانيين التي تفيض لبنا وعسلا ، والتي سبق ووعد آباءهم بإعطائهم إياها . كما لم تتمثل في بدئه تعليم طقوس الدين الجديد ، بتكريس يوم الخروج هذا عيدا يذبحون فيه للرب الذكور من كل فاتح رحم . جاءت ثاني الغرائب على النحو التالي : [ وكان لما أطلق فرعون الشعب أن الله لم يهدهم في طريق أَرض الفلسطينيين مع أنها قريبة . لأن الله قال لئلا يندم الشعب إن رأوا حربا ويرجعوا إلى مصر. 17 فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف . وصعد بنو إسرائيل متجهزين من أرض مصر .18 ……. وكان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلا في عمود نار ليضيء لهم . لكي يمشوا نهارا وليلا . 21 لم يبرح عمود السحاب نهارا وعمود النار ليلا من أمام الشعب .22 ] . لاحظوا عودة اسم الله بعد غياب طويل واستبدال بِاسم إله العبرانيين . نص الآيات هذا فيه استغفال واستهانة بعقل القارئ . ذلك أن النص قبل ذلك أفهمنا أن الغالبية الساحقة من بني إسرائيل الذين استوطنوا ، تَوالدوا و تكاثروا في مصر كانوا قبائل بدوية رعوية ، أعطاها فرعون أرض جاسان الممتدة على مساحة واسعة شرق الدلتا ، يسرحون ويمرحون فيها كيفما شاءوا . كما أفهمنا النص أن جزءا صغيرا منهم عاش في العاصمة رعمسيس ، وهو ، أي هذا الجزء ، من وقعت عليه ظلامة العبودية - هنا أذكر القارئ أنني في حلقة سابقة أثبت ، استنادا للنص ، أنه لم تكن هناك ، و بالمطلق ، عبودية لبني إسرائيل في مصر -. ذلك عنى ، وبما لا يقبل التأويل ، أن بني إسرائيل كانوا على معرفة دقيقة بمداخل ومخارج سيناء . وموسى أيضا كان يملك ذات المعرفة . موسى حينما خرج من جوار جبل حوريب عائدا وحده لمصر لم يحتج دليل طريق . والقارئ لما بين سطور النص ، يعرف أن الرب ، وأن موسى ، استهدفوا ، ومن البداية إيصال بني إسرائيل إلى قلب جنوب سيناء . لأنهما كانا يعرفان أن أهل فلسطين لن يستقبلوا جموع الملايين هذه بالزهور . كانا يعرفان أن هذه الملايين ليست بأهل حرب ، وأن عليهما إعدادها كي تكون كذلك . هنا يأتي السؤال الفاصل : إذاً لماذا ، لأي غرض ، لأي هدف اصطنع الرب تمثيلية إدارة مسار المرتحلين إلى طريق برية بحر سوف ؟ وكيف ولماذا ارتضى لنفسه القيام بدور دليل يمكن أن يؤديه بدوي أو أكثر من بني إسرائيل ؟ لماذا لم يوكل هذه المهمة لأحد مساعديه من الملائكة ؟ تمهيدا للإجابة تعالوا نبدأ من السؤال الثاني . يلفت الانتباه أن هذا الرب ، ومنذ نزوله في العليقة ،نفذ كل المهمات شخصيا . لم يعتمد ملاكا مساعدا . ما يطرح سؤالا تقليديا : ألم يكن للرب هذا حاشية من الملائكة ، بينهم كبار يوكل لهم هذه المهمة أو تلك ؟ أين ذهب الملكان المساعدان اللذان رافقا الرب في مروره على بيت إبراهيم ، وهم في الطريق لإحراق سدوم وعمورة ؟ الجواب : لا بد أن هذا الرب ليس ذاك ، غير المعرَّف وغير المعروف ، وهذا ليس له من الملائكة حاشية ما ، صغرت أو كبرت ، وهو ما ينطق به الحال كما يشي النص . وفي التمهيد للإجابة على السؤال الثاني تعالوا نتذكر أن بني إسرائيل ، بالرغم من مشاهدتهم و معايشتهم لعجائب الرب الأحد عشر ، وذروتها جريمة قتل أبكار المصريين ، ثم سلب أمتعة الفضة ، أمتعة الذهب ، والثياب ، لم يقبلوا تبديل دينهم ، ولم يرتضوا هذا الرب إلهاً ، وموسى وهارون أنبياء لهم . وعليه نستخلص أن مهمة الرب هذه إن لم تكتمل ستذهب كل ألوهيته إلى حيث لا ندري . ونعود إلى النص : 12
يطالعنا الإصحاح الرابع عشر بالتالي : [ وكلم الرب موسى قائلا .1 كلم بني إسرائيل أن يرجعوا وأن ينزلوا أمام فم الحيروث بين مجدل والبحر أمام بعل صفون . مقابلهُ تنزلون عند البحر . 2 فيقول فرعون عن بني إسرائيل هم مرتبكون في الأرض .قد استغلق عليهم القفر .3 وأشدد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم . فأتمجدُ بفرعون وبجميع جيشه . ويعرف المصريون أنِّي أنا الرب . ففعلوا هكذا . 4] . انطلت حيلة الرب هذه على فرعون . جهز جيشه ولحق بهم . [ فسعى المصريون وراءهم وَأدركوهم . جميع خيل مركبات فرعون وجيشه وفرسانه وهم نازلون عند البحر عند فم الحيروث أمام بعل صفون .9 ] . أتذكر أنني أول مرة قرأت فيها التوراة وقفت حائرا أمام ذكر بعل صفون . تساءلت ، وعاد التساؤل يراودني في كل مرة أعدت فيها القراءة : ما الذي جاء بذكر بعل صفون في أرض مصر ؟ هل هو ذلك الخلط في السرد الذي كثيرا ما يصيب الرب أم ماذا ؟ إذ ما أمر بعل صفون هل كانت له عبادة في أرض مصر؟ بعل هو إله العواصف الكنعاني . تمرد هذا الإله الشاب وانشق على أبيه المسن إيل ، كبير مجمع الآلهة الكنعانية والتي مقرها على جبل الأقرع شمال غرب سوريا ، على الحدود بين لواء الإسكندرون الذي انتزعته تركيا وضمته في العام 1936، ومحافظة اللاذقية الحالية . بعل ، في تمرده وانشقاقه على أبيه إيل ، لم يكتف بانتزاع بعض صلاحيات أبيه ، وإنما أضاف لها هجره مجمع آلهة أبيه ، واتخاذ جبل صفون،الواقع إلى الجنوب من جبل الأقرع ، مقرا له . وحيث صار يعرف عند عبدته بِبعل صفون . إذاً ، كيف ومتى أقيم لهذا الإله غير المعبود في مصر مقاما ، أو تمثالا ، صنما ، وأين ؟ على شاطئ البحر الأحمر - خليج السويس - بحر سوف ؟ لو كان هذا المقام داخل سيناء لربما قلنا أن المديانيين ، أهل سيناء ، قد عبدوه وأقاموا له ذلك التمثال أو المقام ، ولكن سيكون على أرضهم داخل سيناء . ما يهمنا أن الآيات كشفت لنا سر تمثيلية - حيلة - الرب هذه . كان الهدف أن يتمجد الرب بفرعون وبجميع جيشه . لماذا : كي يقتنع بنو إسرائيل ، وليس المصريين الذين في الأصل لم يستهدفهم الرب أمة له ، أنه هو الرب . يتخلون عن آلهتهم ، و يرتضونهُ إلههم الخاص والوحيد . كيف ؟ نتابع . ارتعب بنو إسرائيل لما رأوا المصريين يَتعقبونهم . طمأنهم موسى : [ فقال موسى للشعب لا تخافوا . قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم . . فإنه كما رأيتم المصريين اليوم لا تعودون ترونهم إلى الأبد . 13 الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون . 14] . بأمر الرب فلق موسى البحر بعصاه . شق في البحر - بحسب الأدبيات الإسلامية - اثني عشر طريقا بعدد قبائل إسرائيل . عبرتها جموعهم العظيمة من البر الغربي للبحر إلى البر الشرقي في سيناء . دفع الرب فرعون وجيشه للحاق بهم ، وفي وسط البحر أرجع الماء فأغرقهم جميعا وإسرائيل ينظرون . [ فخلص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين . ونظر إسرائيل المصريين أمواتا على شاطئ البحر . 30 ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين . فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى .31] وهكذا كان أن انتصر الرب . تحقق الهدف بالخوف الذي زرعه في قلوب بني إسرائيل . سقط تمنع إسرائيل ، ولأول مرة أعلنوا إيمانهم بِهذا الربِ الذي نزل لهم فجأة في جبل حوريب ، كما أعلنوا إيمانهم بعبده موسى ، وفيما يبدو دفعتهم قوة الحدث ومفاجأته لنسيان هارون . ولكن .. لكن ، يطل علينا برأسه سؤال : هل كان هذا الإيمان الجديد بالرب يعني انتقال بني إسرائيل من ديانة وثنية تقوم على ، أو لا تنكر ، تعددية الآلهة إلى ديانة توحيد تقوم على الإيمان بالإله الواحد الأحد ؟ 13 الإصحاح الخامس عشر ينقل لنا ترنيمة تحمل الإجابة ، أملتها حالة الفرح والبهجة بسبب الخلاص التام والناجز من يد المصريين ، ومن بهجة الإيمان بالرب الجديد . تأليف الترنيمة ، ونشيد التسبيحة تم بمشاركة موسى ، ومن هنا جاءت قوة بيانها .تقول الترنيمة : [ حينئذ رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبيحة للرب وقالوا . أرنم للرب فإنه قد تعظم . الفرس وراكبه طرحهما في البحر .1 الرب قوتي ونشيدي . وقد صار خلاصي. هذا إلهي فَأمجده . إله أبي فأرفعه . 2 الرب رجل الحرب . الرب اسمه .3 مركبات فرعون وجيشه ألقاهُما في البحر. فغرق أفضل جنوده المراكبية في بحر سوف .4 تغطيهم اللجج . قد هبطوا في الأعماق كحجر .5 يمينك يا رب معتزة بالقدرة . يمينك يا رب تحطم العدو .6 وبكثرة عظمتك تهدم مقاوميك . ترسل سخطك فَيأكلهم كالقش . 7 وبريح أنفكَ تراكمت المياه .انتصبت المجاري كرابية . تجمدت اللجج في قلب البحر . 8 قال العدو أتبعُ أُدرك أقسمُ غنيمة . تمتلئ منهم نفسي . أجرد سيفي تفنيهم يدي .9 نفخت بريحك فغطَّاهم البحر. غاصوا كالرصاص في مياه غامرة . 10 ] . وإذا كانت هذه الآيات قد اقتصرت على مديح أفعال الرب ، فإنها مع الاستمرار توصلنا إلى زبدة الأمر ، حيث تقول : [ من مثلك بين الآلهة يا رب . من مثلك معتزا في القداسة . مخوفا بالتسابيح . صانعاً للعجائب . 11 ] هذه الآية ، ونحن نرى أن موسى مشارك في تأليف وإنشاد الترنيمة التسبيحة ، تقول بوضوح ما بعده وضوح ، أن هذا الرب ليس هو ، ولا علاقة له بالله الواحد الأحد ، وأن الدين الذي أتي به موسى ، ونسب لِإبراهيم ، ما كان ، وليس على وجه القطع بدين توحيد . لا يغير من هذه الحقيقة ما تصرخ به باقي الترنيمة وهو : [ تمد يمينك فَتبتلعهم الأرض .12 ترشد برأفتك الشعب الذي فديته . تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك .13 يسمع الشعوب فَيرتعدون . تأخذ الرعدة سكان فلسطين .14 حينئذ يندهش أمراء أدوم . أقوياء موآب تأخذهم الرجفة . يذوب جميع سكان كنعان .15 تقع عليهم الهيبة والرعب . بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر . حتى يعبر شعبك يا رب . حتى يعبر الشعب الذي اقتنيته .16 تجيء بهم وتغرسُهم في أرض ميراثك . المكان الذي صنعته يا رب لسكنك . المقدس الذي هيأتهُ يداك يا رب . 17 الرب يملك إلى الدهر والأبد .18 ]. ترينا هذه الآيات ، كيف حرك الانتصار الأول لبني إسرائيل - الخلاص من يد المصريين - أطماعهم في أراضي الشعوب المجاورة لفلسطين . وضعهم في خانة الأعداء ، والاعتماد على مساندة الرب في إبادتهم . أخيرا تكشف لنا نهاية الإصحاح أنه كانت لهارون وموسى أختٌ نبيةٌ اسمها مريم ، وأنها ثملت بالنصر وخرجت تقود نساء بني إسرائيل في حفل ضرب بالدفوف ورقص . لماذا لأن الرب كما أجابت النبية مريم :[ فأجابتهم مريم . رنموا للرب فإنه قد تعظم .الفرس وراكبه طرحهما في البحر .21 ] . 14
بانفكاك أسر بني إسرائيل من يد المصريين بدأت رحلة عبورهم أرض جنوب سيناء . لنتذكر أن موسى ، في رحلة هروبه من جناية القتل ، اختار هذه المنطقة ملاذا ، قطعها في رعي ماشية حميه يثرون مرات ، شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا ، وبما شكل لدية معرفة دقيقة بكامل تفاصيلها ، بدءا بقساوة مناخها وطبيعة أرضها ، ومرورا بشح الماء والغذاء فيها . ولنتذكر أن النص بصرنا بأن بني إسرائيل الذين في أغلبهم بدو رحل ، سكنوا وارتحلوا في أرض جاسان قريبة الشبه جدا في طبيعتها من سيناء المحاددة من الشرق ، اصطحبوا معهم مواشيهم ودوابهم الوفيرة ، كل وسائل عيشهم في مصر سابقا . وإذا أضفنا لكل ذلك معرفة السيناويين وموسى بطرق التجارة العابرة سيناء إلى مصر ، وخبرة السيناويين في احتراف التجارة ، يضاف لها سلب بني إسرائيل فضة وذهب المصريين ، لعرفنا ، وعلى وجه اليقين ، توفر كل إمكانيات ووسائل العيش لهم في هذا المكان الجديد . وغير ذلك ، وهو الأهم لدى الرب ، يدلل الرضى أو التذمر على عمق أو ضعف إيمانهم بالرب وبموسى ، الإيمان الذي أعلنوه عند ساحل البحر ومشهد مقتلةِ المصريين . المدهش أن النص عن الارتحال في سيناء تجاهل كل ذلك . طالعنا بتذمر بني إسرائيل من قلة الماء مرات ، ومن الجوع مرات أخرى . وطالعنا بشكاوى موسى إلى الرب ، ومسارعة الرب إلى تلبية الشكاوى بفعل معجزات تحويل الماء المر إلى ماء عذب ، وضرب عصا موسى للصخر وتفجير عيون الماء ، وإلى إنزال الرب للمنِّ بديلا للخبز ، وإغراق المتذمرين بسمك السلوى قطعا لدابر الجوع بتوفير اللحم . والمدهش ، كما يبين لنا النص ، أنه وإن كان الرب بمعجزاته المتفرقة ولكن المتواصلة ، ظل يحصل على رضى مؤقت من بني إسرائيل ، إلا أنه لم يحصل على رضى دائم ثابت ومستقر ، ما عني له ضعف وعدم استقرار الإيمان به وقبول ألوهيته لهم وعبوديتهم له . في بدايات قراءاتي للتوراة راودتني جملة من التساؤلات ، كبحتُها آنذاك. وظلت تعود أقوى مع كل قراءة جديدة . تساءلت مثلا لِمَ حل الرب مشكلة ماء الشرب بمعجزة فلق الصخر عن عيون ظل ماؤها شحيحا أو غير كاف إلى يومنا هذا ؟ لِمَ لجأ لإغراق الشاطئ بسمك السلوى ، وإنزال المن قرب الفجر ، ولم ينبت عشبا ، قمحا ، أشجارا مثمرة وغيرها وغيرها وهو القادر على ذلك ؟ ثم تطورت تساؤلاتي لمنحى أبعد : لِمَ ، وهو القادر بدليل عيون الماء ، لم يغير طبيعة سيناء الصحراوية والوعرة ، ومناخها القاسي ، ولم يجعلها جنة خضراء منتجة و مورفة ، وتركها لأهلها هكذا بعد إنتقال شعبهِ لِأرض كنعان، أرض اللبن والعسل ، تعبيرا عن امتنان مقدس لأهلها هؤلاء على كرم ضيافتهم لشعبه المختار والمقدس ؟ ثم كان أن فهمت . لم يفعل لأن أيا من ذلك لم يمر ولا حتى في خياله . وكان أن عمل عكسه تماما . لم تعوزه الحجة ، فعمل في شعب مديان تقتيلا وسلبا ونهبا ، عمل فعل إبادة . راجع الحلقة السابقة . كان استرضاء شعبه ، رشوة شعبه ، تدليل شعبه ،سعيا وراء تثبيت إيمانهم به ، قبولهم به إلها ، رضاهم أن يكونوا له شعبا ، هو كل مدار تفكيره . وقبل أن نسأل : و كيف كان ذلك ؟ وبمناسبة حديث مديان اسمحوا لي بإعادة نص اللقاء بين موسى وحميه يثرون ، كاهن مديان ، إثر حمل يثرون لابنته وولديها للحاق بالزوج والأب موسى . في اللقاء ، وحسب الإصحاح الثامن عشر ، حدث التالي : [ فقص موسى على حميه كل ما صنع الرب بفرعون والمصريين من أجل إسرائيل وكل المشقة التي أصابتهم في الطريق فَخلصهم الرب .8 ففرح يثرون بجميع الخير الذي صنعه إلى إسرائيل الرب الذي أنقذه من أيدي المصريين .9. وقال يثرون مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين ومن يد فرعون . الذي أنقذ الشعب من تحت أيدي المصريين . 10 الآن علمت أن الرب أعظم من جميع الآلهة لأنه في الشيء الذي بغوا فيه كان عليهم .11 فأخذ يثرون حمو موسى محرقة وذبائح لله . وجاء جميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعاما مع حمي موسى . 12 ] . والآن يمكننا ملاحظة الآتي : ما وقع في هذا الحدث وقع أمام عيني موسى و بمشاركته ، ويدلل نشره ليس فقط على مباركة موسى بل وعلى موافقة الرب ومباركته . وفيه : أولا تأكيد على تعددية الآلهة آنذاك ، وأن هذا الرب واحد منها وليس الوحيد . وثانيا أن ديانة بني إسرائيل السابقة على وصول هذا الرب ورسوله موسى ، كانت أكثر تسامحا وانفتاحا على الأديان الأخرى من تلك التي أكملها موسى فيما بعد . دليلنا ذبائح يثرون لله وتناول شيوخ بني إسرائيل طعامه . ونعود لنسأل : لماذا كان اكتفاء الرب بتدليل بني إسرائيل و تدليعِهم وعدم مبادرته لتغيير طبيعة ومناخ سيناء ؟ ولأن الجواب المباشر متعذر ، وقد يبدو محاولة لاستباق الأحداث ، نعود لمواصلة استنطاق النص . 15 يخبرنا الإصحاح التاسع عشر أن ترحال إسرائيل في سيناء أوصلهم إلى الجبل - جبل حوريب - في الشهر الثالث على خروجهم من مصر ، وأنهم نزلوا مقابل الجبل . ولما كان الجبل مهبط الرسالة على موسى ، يفهمنا النص أن الرب اختاره مسكنا له إذ يقول : [ وأما موسى فصعد إلى الله . فناداه الرب من الجبل قائلا هكذا تقول لبيت يعقوب وتخبر بني إسرائيل .3 ] . وهنا كما يبدو أن الرب ، وعلى عكسس ما قلناه قبل قليل ، راودته طمأنينة ما تقول أن إيمان بني إسرائيل به إلها اتصف بشيء من الثبات ، ومن ثم آن أوان إملاء تعاليم الدين الجديد على موسى ، والذي بدوره سيُمليها على بني إسرائيل . وكان أن بدأ الرب في هذا اللقاء إملاء ما يمكن وصفه بمقدمة موجزة لهذه التعاليم ، بدأها على النحو التالي : [ أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين .وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ . 4 فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب . فإن لي كل الأرض .5 وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة . هذه هي الكلمات التي تُكَلِّمُ بها بني إسرائيل .6 ] . ويكمل الرب وصيته الأولى هذه ، والخاصة بألوهيته ، في الإصحاح العشرين وبالتالي : [ ثم تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلا .1 أنا الرب إلهك الذي أخرجْتُك من أرض مصر من بيت العبودية .2 لا يكن لك آلهة أخرى أمامي .3 لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض .4 لا تسجد لهن ولا تعبدهن . لأني أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي . 5 وأصنع إحسانا إلى ألوف من محبييَ وحافظي وصاياي .6 ………فقال الرب لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل . أنتم رأيتم أنني من السماء تكلمت معكم .23 لا تصنعوا معي آلهة فضة ولا تصنعوا لكم آلهة ذهب .24 ]. من جديد توضح لنا الآيات أن بني إسرائيل ، قبل موسى ، دانوا بديانة تقوم على تعدد الآلهة ، وأن من الآلهة هذه من يسكن السماء ومنها من يسكن الأرض وما تحت الأرض من الماء . وأكثر من ذلك كان بنو إسرائيل يصنعون لها جميعا تماثيل - أصنام - يعبدونها . ومن بين هذه التماثيل - الأصنام ، كانت تماثيل فضة وتماثيل ذهب . والرب هنا أمرهم بالتخلي عن كل ذلك واقتصار عبادتهم عليه وحده . الملفت للانتباه والاهتمام هنا أن الرب لم يكفرهم ، لم يزجُرهم ، وحتى لم يلمهم أو يُعاتبهم على سابق دينهم . وهو إذ يذكرهم بفضل إخراجهم من مصر ومن بيت العبودية على أجنحة النسور ، يذكرهم كذلك بأن كل الأرض له ، وأنهم في حال تمام إيمانهم به إلها ، استماعهم لِتعاليمه ، حفظهم لعهده ، يثبت اختياره لهم مملكة كهنة وأمة مقدسة .وأن هذا الإختيار ما هو إلا اصطفاء لهم من بين كل شعوب الأرض التي لا تعود تشغل باله أو تنال اهتمامه . كان الرب قد قال لموسى : [ فقال الرب لموسى ها أنا آت إليك في ظلام السحاب لكي يسمع الشعب حين أتكلم معك فيؤمنوا بك أيضا إلى الأبد . وأخبر موسى الربَّ بكلام الشعب .9 فقال الرب لموسى اذهب إلى الشعب وقدسهم اليوم وغدا . ولِيغسلوا ثيابهم .10 ويكونوا مستعدين في اليوم الثالث . لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء . 11] . أوصى الرب بعمل احتياطات الأمان ، تحديد حدود حول الجبل ، يموت من يتخطاها من البشر والحيوان . نفذ موسى والتزم الشعب . [ وحدث في اليوم الثالث لما كان الصباح أنه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق شديد جدا . فارتعد كل الشعب الذي في المحلة . 16 وأخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله . فوقفوا في أسفل الجبل .17 وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار . وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جدا .18 فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا وموسى يتكلم والله يجيبه بصوت .19 ] . هنا ، وكالمعتاد في التقديم والتأخير في السرد ، ينقلنا النص إلى موجز التعاليم التي أملاها الرب على موسى مواصلا سردها على طول أربع إصحاحات ، ولِيعاود الربط في الإصحاح الرابع والعشرين وحيث يُبادئنا قائلا : [ وقال لموسى اصعد إلى الرب أنت وهارون وناداب وأَبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل .واسجدوا من بعيد .1 ويقترب موسى وحده إلى الرب وهم لا يقتربون .وأما الشعب فلا يصعد معه.2 ………. ثم صعد موسى وهارون وبادابُ وأَبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل .9 ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شِبْهُ صنعة من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة . 10 ولكنه لم يمد يده لِأشراف بني إسرائيل . فرأوا الله وأكلوا وشربوا .11 ]. هنا قد يتساءل القارئ والحيرة تطوقه : لماذا لجأ الرب لعمل هذه المسرحية المرعبة ؟ ألم يتجلى لبني إسرائيل عمود سحاب وعمود نار في قيادة مسيرتهم ؟ ألم يكن دائم الحضور وهو يفعل عجائبه مع فرعون لإطلاق سراحهم ؟ ألم يكن معهم وهو يحول الماء المر إلى ماء عذب ، يفلق الصخر ليخرج عيون ماء ؟ ينزل المن ويطرح السلوى …الخ ؟ هل كان في كل نزول يسبق ببروق ورعود ، بسحاب ثقيل ، وبدخان وارتجاف للمكان ؟ ثم كان أن رآه سبعون من الأشراف . لم يمد له يده لِمصافحتهم ، لكنهم كلموه وسمعوا منه مباشرة . ومثل الأصحاب أكلوا وشربوا على مائدته ؟ وماذا بعد ؟ كل ما خرجوا به أنه كان يقف على شبه صنعة من العقيق الأزرق كزرقة السماء في نقاوتها . وماذا بعد ؟ هل كان شكله كشكل البشر ؟ وجه جميل ؟ عيون كحيلة ؟ أيدي وأرجل ؟ يلبس حلة أم كان عاريا ؟ …الخ . ما الهدف من كل هذه التمثيلية التي يحتار المرء في توصيفها ؟ الجواب : لكي يزرع الإيمان في قلوب شعبه المختار بألوهيته لهم ،ولكن عن طريق الخوف . فهل نجح ؟ هل أدت المسرحية غرضها وتحقق الهدف ؟ الجواب ، ويا لسخرية الأقدار ، جاءت بلا قاطعة . كيف ؟ 16
قبل الإجابة ، وحتى لا تأخذنا فصول المسرحية - المقدمة الموجز - الى منافاة العقل ، تعالوا نتوقف قليلا عند بعض التعاليم التي تلقاها موسى في واحد من فصول هذه المسرحية . التعاليم تراوحت بين العبادات - أوصاف الرب التي سبق وثبتنا بعضها ، وبين المعاملات وفي المقدمة منها الوصايا العشر التي ستتكرر بصورة أكمل في سفر التثنية ، ثم بعض الحدود ، فبعض المناسك كعطلة السبت والتقدمات من الذبائح والمحرقات وغيرها . وفي هذه المقدمة القصيرة من التعاليم ،والتي هي إشارة لأسس ، لأركان ، لأعمدة الدين الجديد ، لم ينس الرب أن يفرد مساحة محترمة لتعاليم معاملة أهل أرض الميعاد ، أرض كنعان - فلسطين . والقارئ ، وهو يمر عليها جميعا ، لا بد أن يتساءل : أين هو دور الآباء ؛ إبراهيم ، وإسحق ، ويعقوب من كل ذلك ، ومن طقوس مناسك العبادات على أقل تقدير ؟ ذلك أن النص لا يحمل إشارة ، ولو تلميحا ، لعلاقة ما لهؤلاء الآباء بأي مما أخذ الرب يمليه على موسى ، سوى ما يتعلق بوعد الرب لهم بإعطائهم أرض فلسطين ، الأرض التي تفيض لبنا وعسلا ، ملكا أبديا لِنسلهم . ويبرز أمامنا تساؤل جديد : هل على القارئ أن يفهم من غياب أي تلميح ، من بعيد أو قريب ، لعلاقة هؤلاء الآباء بالدين الجديد ، وحصر هذه العلاقة بأرض الميعاد ، أنهم ، منفردين ومجتمعين ، لا علاقة لأي منهم بما صار يعرف بدين - أديان - التوحيد ؟ بعد هذا الاستطراد تعالوا نعود لِلإصحاح الثالث والعشرين ووصايا معاملة أهل فلسطين . يقول : [ ها أنا مرسل ملاكا أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجيءَ بك إلى المكان الذي أعددته .20 احترز منه واسمع لصوته . لا تتمرد عليه . لأنه لا يصفح عن ذنوبكم .لأن اسمي فيه .21 ولكن إن سمعت لصوته وفعلت كل ما أتكلم به أُعادي أعداءك وأُضايقك مضايقيك .22 فإن ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين والحويين واليبوسيين فَأبيدهم .23 لا تسجد لآلهتهم ولا تعبدها ولا تعمل كَأعمالهم بل تبيدهم وتكسر أَنصابهم .24 وتعبدون الرب إلهكم . فيبارك خبزك وماءك وأزيل المرض من بينكم .25 لا تكون مُسقِطَة ولا عاقر في أرضك . وأُكمل عدد أيامك .26 أرسل هيبتي أمامك وأُزعج جميع الشعوب الذين تأتي عليه وأُعطيك جميع أعدائك مدبرين .27 وأُرسل أمامك الزنابير فَتطرد الحُويين والكنعانيين والحثيين من أمامك .28 لا أَطردهم من أمامك في سنة واحدة لئلا تصير الأرض خربة فتكثر عليك وحوش البرية .29 قليلا قليلا أَطردهم من أمامك إلى أن تثمر وتملك الأرض . 30 وأجعل تخومك من بحر سوف إلى بحر فلسطين ومن البرية إلى النهر .فإني أَدفع إلى أيديكم سكان الأرض فتطردهم من أمامك .31 لا تقطع معهم ومع آلهتهم عهدا .32 لا يسكنوا في أرضك لئلا يَجعلوك تخطئ إليّ .إذا عبدت آلهتهم فإنه يكون لك فخا .33 ]. وبعد . يُفاجأ قارئ هذا النص أولا : أن لهذا الرب مساعدين ، لكن لا يُحيره ولا يوقفه السؤال : إذاً لماذا في كل الفترة الماضية انشغل هو بكل الأعمال ، حتى البسيط منها - دليل الطريق - ، ولم يكلف أحدا من مساعديه بشيء ؟ والجواب : لأن اقتناص شعب ، وبعيدا عن حدوتة الشعب المختار - يتطلب مباشرته هو لكل الأعمال ، صغيرها قبل كبيرها . ثم نأتي إلى السؤال الأهم . ترى لو أن مثل هذا الكلام صدر ، أو يصدر ، عن شخص ما ، إنسان ما ، وفي أي عصر ، كيف يكون ، وماذا يكون الرأي فيه والحكم عليه ؟ هل يمكن تصنيفه إنسانا عاقلا ؟ حكيما ؟ خيرا ؟ شريرا ؟ أم يتم القبض عليه ، حَمله وإيداعه في مستشفى للمجانين ؟ وفي حال أن كان ربا ، إلها ، اسمه يهوه ، هل يصح بأي وجه توصيفه بأنه الله الواحد الأحد ؟ الرحمن الرحيم ؟ العادل والحكيم ؟ السميع المجيب؟ .. أم الظالم الشرير ؟ الحقود اللئيم ؟ صانع التمييز بين البشر أجمعين ؟ أذكر أنني في أول مرة قرأت فيها هذا النص ، والكثير مما يماثله ، طرحت على نفسي السؤال التالي : هذا الرب وقد طردنا من فردوسه ، أخرجنا من رحمته ، رفضنا له عُبَّادا ، أمر بإبادتنا وطردنا من أرضنا على النحو الذي تقول به الآيات ، هل يعقل أن يغدو مطلوبا منا تقديسه وإطاعة أوامره ؟ لماذا اختارنا محرقات على مذبح شعبه المختار ؟ لماذا، وهو القادر، لم يخلق لهم وطنا غير مسكون ببشر ؟ جزيرة يخرجها من تحت الماء ؟ لماذا كل هذا الكره ، كل هذا الحقد علينا وعلى جيراننا ؟ كل هذا الشر في معاملتِنا ومعاملة جيراننا ؟ والآن أدعوكم للنظر في مسيرة تطبيق برنامج الحركة الصهيونية منذ وضع أقدام أول فوج مهاجرين على أرضنا . برنامج وخطط الاستيطان في الضفة بدءا من العام 67 . ثم أسأل : هل خرجت هذه المسيرة قيد أنملة في التطبيق العملي عن النص السالف ؟ أليس تطبيقها الجاري في القدس والضفة منذ بدء احتلالهِما في العام 67 ملتزما وحرفيا بهذا النص ؟
17
ولأن الرب يبدأ كل خطوة بالمَنِّ على إسرائيل بفضله عليهم في تحريرهم من العبودية في مصر ، ولدرجة يصح معها وصفه بالإله المنان ، كان موقفه ، ويا للدهشة ، من العبودية التي كانت سمة العصر آنذاك كما العصور التالية ، حاضرا في مقدمة التعاليم الموجزة ، إذ يبادئنا الإصحاح الحادي والعشرون بالتالي : [ وهذه هي الأحكام التي تضع أمامهم .1 إذا اشتريت عبدا عبرانيا فست سنين يخدم وفي السابعة يخرج حرا مجانا .2 إن دخل وحده فَوحده يخرج . إن كان بعل امرأة تخرج امرأته معه .3 إن أعطاه سيده امرأة وولدت له بنين أو بنات فالمرأة وأولادها يكونون لسيده وهو يخرج وحده .4 ولكن إن قال العبد أحب سيدي وامرأتي وأولادي لا أخرج حرا .5 يقدمه سيده إلى الله ويقربه إلى الباب أو القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب . فَيخدمه إلى الأبد .6 وإذا باع رجل ابنته أمَةً لا تخرج كما يخرج العبيد . 7 إن قبحت في عيني سيدها الذي خطبها لنفسه يدعها تُفَك وليس له سلطان لبيعها إلى قومٍ أَجانب لغدره بها .8 وإن خطبها لابنه فبحسب حق البنات يفعل لها .9 إن اتخذ لنفسه أُخرى لا ينقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها .10 وإن لم يفعل لها هذه الثلاث تخرج مجانا بلا ثمن . 11 ……. وإذا ضرب إنسان عبده أو أمته بالعصا فمات تحت يده يُنتقم منه . 20 لكن إن بقي يوما أو يومين لا ينتقم منه لأنه ماله .21 …….وإذا ضرب إنسان عين عبده أو عين أمته فَأتلفها يطلقه حرا عوضا عن عينه . 26 وإذا أسقط سن عبده أو سن أمته يطلقه حرا عوضا عن سنهِ .27 …….إن نطح الثور عبدا أو أمة يُعطى سيده ثلاثين شاقل فضة والثور يرجم .32 ] . وهكذا يلاحظ القارئ أن رسالة التوحيد الأولى لم تكتف بشرعنة التمييز العنصري ، من خلال تقسيم البشرية بين شعب مختار هو إسرائيل ، في المرتبة العليا ، وبين بقية شعوب الأرض ، الأغيار والمرتبة الدنيا . أضافت لِمكرمة التمييز العنصري هذه مكرمة شرعنة العبودية ، وحيث يلاحظ القارئ حتى هذه طالها التمييز العنصري ، إذ انصب الاهتمام على عبودية العبرانيين بعضهم لبعض . عبودية الأجناس الأخرى لم تحظ باهتمامها ، ليف والشعوب الحرة ذاتها لا مكان لها عن ديانة ورب التوحيد هذا . 18 ونعود إلى ما سبق وقطعنا به عن فشل عمليات زرع الإيمان بألوهية هذا الرب في قلوب بني إسرائيل بسائر وسائل الترغيب ، قبل وبعد إخراجهم من مصر ، وبالخوف من خلال ما وصفناه بمسرحية جبل سيناء . يخبرنا الإصحاح الرابع والعشرون أن الرب ، بعد رجوع وفد شيوخ بني إسرائيل من لقاء إلههم على جبل سيناء ، رؤيته والأكل والشرب على مائدته ، طلب من موسى الاختلاء به على الجبل . قال : [ وقال الرب لموسى اصعد إليَّ إلى الجبل وكن هناك .فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم .12 فقام موسى ويشوع خادمه وصعد موسى إلى جبل الله .13 وأما الشيوخ فقال لهم اجلسوا ههنا حتى نرجع لكم . وهوذا هارون وحور معكم . فمن كان صاحب دعوى فليتقدم إليهما .14 فصعد موسى إلى الجبل فغطى السحاب الجبل .15 وحل مجد الرب على جبل سيناء وغطاه السحاب ستة أيام . وفي اليوم السابع دعي موسى من وسط السحاب .16 وكان منظر مجد الرب كنار آكلة على رأس الجبل أمام عيون بني إسرائيل . 17 ودخل موسى في وسط السحاب وصعد إلى الجبل . وكان موسى في الجبل أربعين يوما وأربعين ليلة .18 ] . تنقطع الحكاية بالآية 18 السابقة ، نهاية الإصحاح الرابع والعشرين ، فيما تنشغل الإِصحاحات التالية في تسجيل وصايا الرب حول التقدمات ، إقامة بيت الرب ، محتوياته ، تشكيل جماعة الكهنة ، لباسهم أدواتهم .. الخ ، لتعود الحكاية وتطل علينا في الإصحاح الثاني والثلاثين ، وبالتالي : [ ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا . لأن موسى الرجل الذي أَصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أَصابه .1 فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وَآتوني بها . 2 فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون .3 فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا . فقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أَصعدتك من أرض مصر .4 فلما نظر هرون بنى مذبحا أمامه . ونادى هارون وقال غدا عيدٌ للرب . 5 فَبكروا في الغد وأَصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامة . وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب . 6 ] . يجيب هذا الجزء من الحكاية على تساؤلاتنا حول ماهية ديانة بني إسرائيل، قبل نزول هذا الإله في العليقة ، وبصورة قطعية ، بأنها كانت وثنية . عبدوا الأصنام . وكان لهم ، كما في كل الأديان المزامنة ، كهنة ومتخصصون في صناعة تماثيل من الذهب ومن الفضة للآلهة . ذلك يفسر أن الرب في لقاء التعاليم الأول ، شدد على منع - تحريم - صناعة هذه التماثيل ، تحريما قطعيا . أكثر من ذلك توضح الآيات أن هارون كان أحد صناع هذه التماثيل . يدلل على ذلك ليس استجابته الفورية لطلب الشيوح ، وإنما لطلب الأقراط ومعالجتها بالإزميل ، وبديهي بعد صهرها وسبكها ، وإخراج العجل الذي كان معبود قومه ، بدلالة فرحهم به وتقديم كامل طقوس عبادته . هنا لا يهم القارئ السؤال لماذا نزع الأقراط من الآذان وهناك أمتعة الذهب التي سلبوها من المصريين ، ولا لماذا كانت استجابة هارون السريعة وانخراطه الصادق في صناعة العجل ؟ هل صدَّق أن أخاه مات ، أنه بموته ارتفعت عصا الرب عنهم ، فكان أن كشفوا ، وكشف هو ، عن حقيقة إيمانهم بهذا الرب الذي لم يصدقوا كلمة عن علاقته بآبائهم . وإذا كان كل ما قلناه هنا قد يبدو غريبا تعالوا نطالع ما هو أغرب . يواصل الإصحاح السرد بالتالي : [ فقال الرب لموسى اذهب انزل .لأنه قد فسد شعبك الذي أَصعدتَه من أرض مصر .7 زاغوا سريعا عن الطريق الذي أَوصيتهم به .صنعوا لهم عجلا مسبوكا وسجدوا له وذبحوا له وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أَصعدتك من أرض مصر .8 وقال الرب لموسى رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة .9 فالآن اتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم . فأُصيرك شعبا عظيما .10 فتضرع موسى أمام الرب إلهه . وقال لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك الذي أخرجته من أرض مصر بقوة عظيمة ويد شديدة .11 لماذا يتكلم المصريون قائلين أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويُفنيهم عن وجه الأرض . ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك .12 اذكر إبراهيم وَإسحق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم أُكثر نسلكم كنجوم السماء وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فَيملكونها إلى الأبد .13 فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه .14 ]. في هذا يلاحظ القارئ أن الرب وقد رأى أن الشعب لم يؤمن به وقت أن أعلن ذلك ، ولا يؤمن به الآن ، بالرغم من مشاهدته ومعايشته لكل المعجزات التي أتى بها هذا الرب ، الأمر دعاه لنعت الشعب بأنه شعب صلب الرقبة ، أي عنيد ، شديد العناد تجاه دينه القديم .كما و يلاحظ القارئ كيف غير الرب لهجة خطابه مع موسى ، إذ بدل نسب الشعب بشعبي ، كما جرى حتى الآن ، إلى نسب الشعب لموسى ، قال له شعبك ، والذي أنت أخرجتَه من مصر . الأغرب تلك السرعة التي يَحمى بها غضب الرب ، غضب يتبعه فقدان أي بوصلة للحكمة ، فَالاندفاع ِللتصرف بحماقة ، تقابلها سرعة بديهة موسى وحكمته . موسى يدخل في حوار استعطاف ونصح مع الرب الغاضب الذي هدد بِإفناء الشعب ، واستيلاد شعب جديد من نسل موسى ، مذكرا إياه من احتمالية تشفي المصريين بفشله من جهة ، و بالوعد الذي قطعه لإبراهيم وإسحق ويعقوب بتكثير نسلهم بعدد نجوم السماء ورمل البحر ، وإعطاء هذا النسل أرض الميعاد ميراثا أبديا من جهة أخرى. التدقيق في كلام موسى للرب يبين أنه كان أقرب إلى التوبيخ منه إلى الاستعطاف والنصيحة . والدليل نص الآية الأخيرة [ فندم الرب على الشر الذي قال - الرب - إنه - انتوى أن - يفعله بشعبه ]. ذلك من جهة ، ومن جهة أخرى أبان أن موسى ، كما إبراهيم في حوار قرار إبادة سدوم وعمورة ، كان أكثر نضجا وحكمة من الرب . ولكن .. 19 لكن ، إن كان ما سبق من فصول الحكاية قد قبل التصنيف بالغرابة ، فإن ما بقي منها كان أغرب . كيف ؟ يتابع النص بالآتي :[ فانصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة في يده . لوحان مكتوبان على جانبيهِما . من هنا ومن هنا كان مكتوبين .15 واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين .16 وسمع يشوع صوت الشعب في هتافه . فقال لموسى صوت قتال في المحلة .17 فقال ليس صوت صياح النصرة ولا صوت صياح الكَسْرَة بل صوت غناء أنا سامع .18 وكان عندما اقترب إلى المحلة أنه أبصر العجل والرقص . فحمي غضب موسى وطرح اللوحين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل .19 ثم أخذ العجل الذي صنعوا وأحرقه بالنار وطحنه حتى صار ناعما وذراه على وجه الماء وسقى بني إسرائيل .20 ] يوضح هذا المقطع أن موسى لم يكن بالثبات النفسي التي ظهر بها وهو يحاور الرب . كما بدا أنه كان أكثر حماقة . ذلك أنه ارتكب في حمى غضبه جرما هو الأشنع ، حسب مقاييس هذه الديانة . طرح اللوحين ، قدس أقداس الدين ، وكسرهما . تلاه بفعل خارج نطاق العقل . فعل لا تفعله معجزة إلهية . حرق العجل المصنوع من الذهب وطحنه . هذا فعل من عاشر المستحيلات . ذلك لأن الذهب ينصهر في النار ، يتحول إلى سائل ، والسائل لا يطحن ، لا ناعم ولا غير ناعم . يعود صلبا بشكل آخر ، بمجرد انخفاض حرارته . وعلى افتراض أن موسى امتلك معجزة طحنه ناعما ، بعد عودته صلبا ، بأقصى درجات النعومة ، فهو لا يذوب في الماء ، بل تترسب ذراته الناعمة في القاع ، ومن ثم يغدو سقيه للشعب هو مستحيل آخر . ونذهب لمقطع جديد وغرائب جديدة . [ وقال موسى لِهارون ماذا صنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطية عظيمة .21 فقال هارون لا يحمُ غضب سيدي . أنت تعرف الشعب أنه في شر . 22 فقالوا لي اصنع لنا آلهة تسير أمامنا . لأن هذا موسى الرجل الذي أَصعدنا من أرض مصر لا نعرف ماذا أصابه . 23 فقلت لهم من له ذهب فَلينزعه ويعطِني . فطرحته في النار فخرج هذا العجل .24 ولما رأى موسى الشعب أنه مُعرّى . لأن هارون كان قد عراه لِلهزء بين مُقاوميه .25 وقف موسى في باب المحلة . وقال من للرب فإليّ. فاجتمع إليه جميع بني لاوي .26 فقال لهم . هكذا قال الرب إله إسرائيل ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومروا وارجعوا من باب لباب في المحلة واقتلوا كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه .27 ففعل بنو لاوي بحسب قول موسى . ووقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل .28 قال موسى املأوا أيديكم اليوم للرب حتى كل واحد بابنه وبأخيه فيعطيكم اليوم بركة . 29 ] . يفهم القارئ من هذا النص أن موسى قبل دفاع أخيه الهزيل هذا ، أو للدقة كذبة هارون الفاضحة ، وبرأه من كل ذنب . فعل ذات الأمر مع رؤوس التحريض . وعوض كل ذلك استدعى رجال سبطهِ ، لاوي ، وكلفهم بتنفيذ مذبحة مروعة ، طالت من الأبرياء أضعاف المحرضين المذنبين : ثلاثة آلاف رجل قتيل . فيما بعد اختار الرب سبط لاوي كهنة دينه الجديد ، وبما يعنيه هذا الاختيار من الامتيازات العديدة التي يوفرها سلك الكهنوت هذا . التقدمات لبيت الرب ، على وفرتها ، مثال . كان سر الاختيار هذا عصيا على الكشف . لكن الآية 29 كشفت الغطاء وبان المستور . إثابة بني لاوي على المجزرة وما أثارته من الرعب في قلوب الشعب ، وما استهدفته من اقتلاع لأي تفكير لدى هذا الشعب العنيد - صلب الرقبة - في إمكانية الخروج على الإيمان بهذا الرب مرة أخرى . ولكن … لكن ، لم يركن الرب إلى الاعتماد على فعل الرعب في تثبيت الإيمان به في قلوب شعب صلب الرقبة - متمسك بقوة بدينه القديم - كشعبه هذا . كان أن اعتمد وسائل أخرى . فماذا كانت ؟ 20 لعلنا نتذكر أن موسى ، في حمو غضبه من مرأى العجل ، ارتكب جرم طرح اللوحين ، قدس الأقداس ، وكسرهما . وكان المتوقع أن يغضب الرب من موسى ، وأن يعاقبه ، أو على الأقل يمتعض من فعلته ، يعاتبه ، يلومهُ …الخ . لم يفعل الرب شيئا من ذلك . وكان على موسى أن يحصل على لوحين بديلين . مهد لذلك باستصدار عفو من الرب لخطيئة قومه : [ وكان في الغد أن موسى قال للشعب أنتم قد أخطأتم خطية عظيمة . فأَصعد الآن إلى الرب لعلي أُكفر خطيتكم .30 فرجع موسى إلى الرب . وقال آهِ قد أخطأ هذا الشعب خطية عظيمة وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب .31 والآن إن غفرت خطيتهم . وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت .32 فقال الرب لموسى من أحطأ إليَّ أمحوه من كتابي .33 والآن اذهب واهد الشعب إلى حيث كلمتك . هوذا ملاكي يسير أمامك . ولكن في يوم افتقادي أفتقد فيهم خطيتهم .34 فضرب الرب الشعب لأنهم صنعوا العجل الذي صنعه هارون .35 ] . إذاً ، تقول الآيات ، خصوصا الآية 35 أن الرب اكتفى بعقوبة قتل الآلاف الثلاثة الذين قتلهم في المجزرة . وأنه ، مع ذلك ، يواصل عقابهم بامتناعه هو عن قيادتهم إلى أرض الميعاد ، و إيكال أمر هذه القيادة لملاك من ملائكته . ونسأل ، تمهيدا للحديث عن ردة فعل موسى ، هل استعطف موسى الرب كي يغفر خطية قومه أم هدد بالاستقالة من الرسالة كلها ؟ الآية 32 تقول بوضوح : كانت مرافعته تهديدا لا استعطافا ، ولكن الرب فوتها له ، كما تقول الآية 34 . لماذا ؟ لأن الرب كان محتاجا لمواصلة دور موسى في إنجاح مشروع الرب تكريس بني إسرائيل شعبا له وهو إله لهم . كيف ؟ كأي سياسي محنك من ساسة عصرنا بدأ الرب محاولة إعادة الشعب لحظيرة طاعته بتقديم عرضه الجزرة الجائزة التي دأب على تقديمها ومعها عصا غليظة . قال - الإصحاح الثالث والثلاثون - : [ وقال الرب لموسى اذهب اصعد من هنا أنت والشعب الذي أَصعدته من أَرض مصر إلى الأرض التي حلفت لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلا لنسلك أعطيها .1 وأنا أرسل أمامك ملاكا وأَطرد الكنعانيين والأموريين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين .2 إلى أرض تفيض لبنا وعسلا . فإني لا أصعد في وسطك لأنك شعب صلب الرقبة . لئلا أَفنيك في الطريق . 3 فلما سمع الشعب هذا الكلام السيء ناحوا ولم يضع أحد زينته عليه .4 وكان الرب قد قال لموسى قل لبني إسرائيل أنتم شعب صلب الرقبة . إن صعدت لحظة واحدة في وسطكم أفنيتكم . والآن اخلع زينتك عنك فأعلم ماذا أصنع بك .5 فنزع بنو إسرائيل زينتهم من جبل حوريب .6 ] . نجح مخطط الرب وأبدى الشعب تراجعا واضحا عن عناده المتمثل في ثباته على دينه وعبادة آلهتهِ القديمة - نواحه وخلع زينته - . ولكن … لكن ، بهدف تثبيت تراجع الشعب عن عناده ، عمد موسى والرب لعرض تمثيلية جديدة . أقام موسى خيمة كبيرة خارج المحلة سماها خيمة الاجتماع . اجتماعه مع الرب أمام أعين الشعب ونقل طلباتهم إليه . يذهب موسى إلى الخيمة ، ويقف أفراد الشعب كل أمام باب خيمته ، يتابع خطوات موسى حتى دخول الخيمة . الرب بدوره دائم الحضور على شكل عمود سحاب : [ وكان عمود السحاب إذا دخل موسى الخيمة ينزل ويقف عند باب الخيمة . ويتكلم الرب مع موسى .9 فيرى جميع الشعب عمود السحاب واقفا عند باب الخيمة . ويقوم الشعب ويسجدون كل عند باب خيمته .10 ويكلم الرب موسى وجها لوجه كما يكلم الرجل صاحبه . 11 وإذا رجع موسى إلى المحلة كان خادمه يشوع بن نون الغلام لا يبرح من داخل الخيمة . 12 ] . ولما كان أن نجحت التمثيلية نجاحا باهرا ، كما تخبرنا الآيات ، كان على موسى أن يحاول إقناع الرب بالرجوع عن قراره إيكال قيادة الشعب لأرض كنعان إلى موسى بمساعدة ملاك . أدار موسى حوارا بارعا مع الرب مبينا الأهمية البالغة لقيادة الرب قال : [ وقال موسى للرب انظر . أنت قائل لي أَصعد هذا الشعب . وأنت لم تُعَرِّفْني من ترسل معي . وأنت قد قلتَ عرفتُك باسمك . ووجدتَ أيضا نعمة في عيني .12 فالآن إن كنتُ قد وجدتُ نعمة في عينيك فعلمني طريقك حتى أعرفك وأجد نعمة في عينيك . وأنظرُ أن هذه الأمة شعبك .13 فقال وجهي يسير أمامك فأريحك .14 فقال له إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا .15 فإنه بماذا يُعْلَمُ أني وجدت نعمة في عينيك أنا وشعبك . أليس بمسيرك . فنمتاز أنا وشعبك عن جميع الشعوب الذين على وجه الأرض . 16 فقال الرب لموسى هذا الأمر أيضا الذي تكلمت عنه أفعله . لأنك وجدت نعمة في عيني وعرفتك باسمك . 17 ] والآن هل يفتري القارئ على الرب إن أصر على القول بأنه ، بأن دينه الجديد هذا ، هو من صنع ، من شرعن ، ومن أطلق وحش التمييز العنصري بين البشر ؟ ألا تصرخ الآية 16 بأن هذا الرب قسم البشرية إلى صنفين : أَعلون هم بنو إسرائيل ، وأَدنون هم الأغيار أي كل الأمم والشعوب الأخرى ؟ وأن لهؤلاء الأعلون ، شعب الله المختار ، بحكم قربهم أو التصاقهم بالرب امتيازات فحقوق غير تلك التي لِلأدنون ، الأمم والشعوب الأخرى ؟ وأنه استنادا لشرعة التمييز العنصري هذه أعطى أرض كنعان ، فلسطين ، ملكا أبديا لشعبه المختار ؟ وأن حكمه بإبادة أهل الأرض الأصليين ، القبائل التي ظل يعاود تعدادها بالاسم ، ويضيف في كل مرة من كان قد نسيه منها ، عادل ومبرر أخلاقيا :ونهم من جنس أدنى ، كما وصالح لكل زمان ؟ والآن ، وقد نحج مسعى موسى ، وعاد الرب عن قراره . رجع لقيادة الشعب إلى أرض كنعان الأرض التي تفيض لبنا وعسلا . فماذا بعد ؟ 21 نجاح موسى الباهر هذا أيقظ طموحا آخر لديه . طموح أن يرى وجه الرب عيانا . صحيح أن الآية 11 تقول أن الرب كان يكلم موسى وجها لوجه ، كما يكلم الرجل صاحبه ، الأمر الذي يوحي للقارئ بأن كل واحد منهما كان يرى وجه الآخر . لكن الأمر لم يكن كذلك ، بدليل أن كلمة وجه حملت أكثر من تفسير . "وجهي يسير أمامك " في الآية 14 ، و" إن لم يسر وجهك " في الآية 15 ، تبين أن لفظة الوجه هنا كناية عن شخص الرب ، لا عن وجهه . هكذا كان أن الرب رفض طلب موسى بحزم قال : [ وقال لا تقدر أن ترى وجهي . لأن الإنسان لا يراني ويعيش .20 وقال الرب هوذا عندي مكان . فتقف على الصخرة . 21 ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى أجتاز . 22 ثم أرفع يدي فتنظر ورائي . وأما وجهي فلا يرى .23 ] لم يدفع رفض الرب بموسى إلى اليأس . كان عليه ، وقد سامحه الرب على فعل جرم كسر اللوحين اللذين هما قدس الأقداس ، أن يحصل على لوحين بديلين . استجاب الرب لطلب موسى بأريحية ، حسبما يطالعنا به الإصحاح الرابع والثلاثون : [ ثم قال الرب لموسى أَنحت لك لوحين من حجر مثل الأولين . فأكتب أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتَهما .1 وكن مستعدا للصباح . واصعد في الصباح إلى جبل سيناء وقف عندي هناك على رأس الجبل .2 ولا يصعد أحد معك وأيضا لا يُرَ أحد في كل الجبل . الغنم أيضا والبقر لا ترعََ إلى جهة ذلك الجبل . 3 فنحتَ لوحين من حجر كَالأولين . وبكر موسى في الصباح وصعد إلى جبل سيناء كما أمره الرب وأخذ في يده لوحي الحجر .4 ] . يفترض القارئ أن المسألة برمتها انتهت . موسى ، كونه رسولا ، لم يرتكب جرما ولا حتى جنحة بكسر اللوحين ، أقدس المقدسات . وهارون ، كونه نبيا ، لم يرتكب معصية أو ذنبا بالاستجابة لطلب قومه صنع صنم لإلههم ، ولا حتى لفت نظر . ذنب النبي مغفور ومثلها جرم الرسول . ولكن .. لكن الرب لم يرد أن تنتهي الحكاية عند تعويض موسى بلوحين بديلين . نزل الرب في السحاب ووقف عند موسى . ولأول مرة تلا على موسى بعض صفاته . قال :[ فاجتاز الرب قدامه ونادى الربُ الربُ إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء .6 حافظ الإحسان إلى ألوف . غافر الإثم والمعصية والخطية . ولكنه لن يبرئ إبراء . مفتقد إثم الآباء في الأبناء وفي أبناء الأبناء في الجيل الثالث والرابع .7 ] . هنا سوف لا يقول القارئ : يا للهول ، ولكن كل مسيرة الرب من لحظة نزوله في العليقة حتى الآن أرتنا منه ما هو على الضد تماما مما نصت عليه الآية 6 ، أما الآية 7 فَتستدعي للذهن وفورا الآية القرآنية الكريمة { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء … } . وهو هنا ، أي في الآية 7 لا يغفرها لمن يشاء وإنما يلاحق الأبناء وأبناء الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع . ولكن أخرى . لكن ما الذي فعله موسى ؟ خر على الأرض وسجد . ثم أخذ يستعطف الرب ويطلب المغفرة للشعب والعفو عن خطيئتهم . قال: [ وقال إن وجدت نعمة في عينيك أيها السيد فليسر السيد وسطنا . فإنه شعب صلب الرقبة . واغفر إِثمنا وَخطيتنا واتخذنا مُلْكا . 9 فقال ها أنا قاطع عهدا . قدام جميع شعبك أفعل عجائب لم تخلق في كل الأرض وفي جميع الأمم . فيرى جميع الشعب الذي أنت في وسطه فعل الرب . إن الذي أنا فاعله معك رهيب . 10 ] . ما هو هذا الفعل الرهيب الذي وعد به الرب ؟ الرب لم يفصح بشيء . لكنه ، ويا للهول ، انتقل لِإملاء تعاليمه على موسى ، بادئا بوصايا التعامل مع أهل فلسطين ، كأنما ليقول : ههنا سيكون الفعل الرهيب.أعاد ذات الوصايا التي أملاها في بداية حكاية - مسرحية - البروق والرعود ، السحاب الثقيل واهتزاز الجبل ، مضيفا إليها بعض البهارات الجديدة . قال : [ إحفظ ما أنا موصيك اليوم . ها أنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين .11 احترز من أن تقطع عهدا مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخا في وسطك . 12 بل تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم . 13 فإنك لا تسجد لإله آخر. لأن الرب اسمه غيور . إله غيور هو .14 احترز من أن تقطع عهدا مع سكان الأرض . فَيزنون وراء آلهتهم و يذبحون لآلهتهم فتدعى وتأكل من ذبيحتهم .15 وتأخذ من بناتهم لبنيك . فتزني بناتهم وراء آلهتهِن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهِن . 16 ] . ما الذي يمكن قوله في رب لا يمل من تكرار تعاليم الحقد ،الكراهية والإبادة هذه ؟ يمكن القول ، و بتلخيص شديد : هذه التعاليم ما هي إلا ركن أساسي من أركان هذا الدين الجديد .كما هي ركن من أركان الإيمان برب الحقد ، برب الكُره ، رب التمييز العنصري هذا . الرب الذي يقال عنه زورا وبهتانا أنه رب البشرية كلها . 22 بدا من دأب الرب على إملاء تعاليم دينه على موسى ، والتي استغرقت باقي إصحاحات سفر الخروج الأربعين ، والإِصحاحات الإثني عشر الأوائل من سفر عدد ، بدا من دأبه هذا اطمئنانه على ثبات إيمان الشعب به إلها ، وقبوله بالتخلي عن دينه السابق وتحوله للدين الجديد. هكذا كان على الرب بدء تنفيذ وعده بتصعيد الشعب إلى أرض الميعاد التي تفيض لبنا وعسلا . وفي خطوة تمهيدية ، حسب الإصحاح الثالث عشر من سفر عدد ، فعل الآتي : [ ثم كلم الرب موسى قائلا .1 أرسل رجالا ليتجسسوا أرض كنعان التي أنا معطيها لبني إسرائيل . رجل واحد لكل سبط من آبائه ترسلون . كل واحد رئيس فيهم .2] . جمع موسى الرجال الإثني عشر الذين تم فرزهم ، شرح لهم المهمة وأَوصاهم بالتالي :[ فَأرسلهم موسى ليتجسسوا أرض كنعان وقال لهم اصعدوا من هنا إلى الجنوب واطلعوا إلى الجبل .17 وانظروا الأرض ما هي . والشعب الساكن فيها أَقويٌ أم ضعيف . قليل أم كثير .18 وكيف هي الأرض التي هو ساكن فيها أَجيدة أم رَدية . وما هي المدن التي هو ساكن فيها أَمخيمات أم حُصون . 19 وكيف هي الأرض أَسمينة أم هزيلة . هل فيها شجر أم لا . وتشددوا فخذوا من ثمر الأرض . وأما الأيام فكانت أيام باكورات العنب .20 ] . لغاية تنفيذ المهمة توزعت جماعة الإثني عشر رجلا - عدد أسباط بني إسرائيل - إلى مجموعات صغيرة - اثنان إلى ثلاثة - لكل منها وجهتها . وصلت واحدة إلى حبرون - الخليل -، وثانية إلى مدخل حماة ، وهكذا مع بقية أرض فلسطين . استغرقت العملية أربعين يوما . عادت الجماعة بعنقود عنب حمله اثنان منهم على دُقرانة ، وعاد آخرون بثمار متنوعة منها رمان وتين . وقفت المجموعة بين يدي موسى وهارون وشيوخ إسرائيل وقدمت لهم الثمار التي أحضرتها ، تلتها بتقريرها التالي لموسى : [ أَخبروه وقالوا قد ذهبنا التي إلى الأرض التي أَرسلتنا إليها وحقا إنها تفيض لبنا وعسلا وهذا ثمرها .27 غير أن الشعب الساكن في الأرض معتز والمدن حصينة عظيمة جدا .وأيضا قد رأينا بني عناق هناك .28 العمالقة ساكنون في أرض الجنوب والحثيونَ واليبوسيونَ والأموريونَ ساكنون في الجبل والكنعانيون ساكنون عند البحر وعلى جانب الأردن .29 لكن كالب أنصتَ الشعب إلى موسى وقال إننا نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها .30 وأما الرجال الذين صعدوا معه فقالوا لا نقدر أن نصعد إلى الشعب فهم أشد منا .31 فأَشاعوا مذمة الأرض التي تَجسسوها في بني إسرائيل قائلين الأرض التي مررنا فيها لِنتجسسها هي أرض تأكل سكانها وجميع الشعب الذي رأينا فيها أناس طوال القامة .32 وقد رأينا هناك الجبابرة بني عناق من الجبابرة .فكنا في أعيننا كالجراد وهكذا كنا في أعينهم . 33] . أقر عشرة من هؤلاء الجواسيس بعدم قدرة بني إسرائيل على مواجهة أهل البلاد . في البداية شذ عنهم كالب بن يفنة من سبط يهوذا ، ثم انضم إليه هوشع - يشوع - بن نون من سبط أَفرايم ، قائلانِ بقدرة بني إسرائيل ، استنادا لمساندة الرب ،على طرد سكان الأرض وامتلاكها . انحاز شيوخ بني إسرائيل لرأي العشرة ، وأعلنوا ليس فقط رفضهم الدخول في المغامرة ، وإنما انفجروا في البكاء والعويل مصحوبا باتهام موسى قيادتهم للذبح بحد السيف . الإصحاح الرابع عشر روى لنا التالي : [ فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت وبكى الشعب تلك الليلة . 1 وتذمر على موسى وهارون جميع بني إسرائيل وقال لهما كل الجماعة ليتنا متنا في أرض مصر أو ليتنا متنا في هذا القفر .2 ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف . تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة . أليس خيرا لنا أن نرجع إلى مصر . 3 فقال بعضهم لبعض نقيم رئيس ونرجع إلى مصر . 4 ] . ذعر موسى وهارون من حديث القوم و عزمهم العودة لمصر . مزق كالب ويشوع ثيابهما . بالرغم وقفا أمام الشعب يُعددان مزايا الأرض التي تجسسَاها ، محاولين إقناع الشعب بأن فعلهم هذا إنما هو تمرد على الرب من جهة ، وأن ثقتهم بمساندته كفيلة بتذليل كل الصعوبات وجعل أهل البلاد خبزا لهم من جهة أخرى . لم يقتنع الشعب بكلام الإثنين وكاد أن يَرجمهما بالحجارة . هنا سارع الرب إلى الحضور والتدخل . فماذا فعل ؟ 23 بداية تعالوا نطالع ما أورده القرآن عن الحدث . طالعتنا سورة المائدة بالتالي : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤتِ أحدا من العالمين .20 يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين .21 قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون .22 قال رجلان من الذين أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين .23 قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون .24 قال ربِ إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافْرُقْ بيننا وبين القوم الفاسقين .25 فقال إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الكافرين .26} . والآن ، دعونا لا نتوقف عند الاختلاف المعتاد في سرد الحدث بين الكتابين المقدسين ، ونعود لمتابعة الحدث في التوراة . من سرد نقف على حقيقة أن الرب فهم من موقف بني إسرائيل هذا أنه لا يُدلل فقط على ضعف إيمانهم به وبقدرته على تنفيذ وعوده ، وإنما فوق ذلك يوجه إهانة مباشرة له : [ وقال الرب لموسى حتى متى يهينني هذا الشعب . وحتى متى لا يُصدقونني بجميع الآيات التي عملتُ في وسطهم . 11 ] . وكعادته في التسرع أبلغ موسى أنه قرر إفناءَهم بِالوبأ ، و بإنشاء شعب جديد من صلب موسى . ذعر موسى من حماقة الرب هذه ، خصوصا من عودته لذات قرار الإفناء وإعادة الإنشاء وللمرة الثانية . أخذ موسى الذي بدا أكثر ثباتا وحكمة من الرب في استعطافه وطلب المغفرة للشعب من جهة ، وفي تذكيره بإمكانية شماتة المصريين ، وإمكانية ذهابهم للقول بعجزه عن تنفيذ وعوده من جهة أخرى . وكما في المرة السابقة نجح موسى في إعادة الرب عن قرار الإبادة هذا . ولكن .. لكن الرب استبدل قرار الإبادة بقرارين أخف وطأة . الأول : حكم بِقتل الجواسيس العشرة بِالوبأ أمام الشعب ، والإبقاء على كالب بن يفنة وهوشع - يشوع - بن نون ونفذ الحكم فورا . [ أما الرجال الذين أرسلهم موسى ليتجسسوا الأرض ورجعوا ومجَّسوا عليه كل الجماعة بإشاعة المذمة على الأرض .36 فمات الرجال الذين أشاعوا المذمة الرديئة على الأرض أمام الرب .37 ] بالوبأ . الثاني : كان قرارا من شقين : 1- بتيهِ بني إسرائيل في سيناء عددا من السنوات يساوي عدد الأيام التي قضاها الجواسيس في جس أرض فلسطين ، أي أربعين سنة .2- بتدبيرهم أمر عيشهم وشربهم بالاعتماد على أنفسهم ، أي لا من ولا سلوى ولا شق صخر .. إلخ . بمعنى آخر أن أوقات الدلال ولت ، وأيام الرعي كما في أرض جاسان حلت . أوضح الرب أن الغرض من حكمه هذا يتمثل في إفناء كل الأجيال التي أخرجها من مصر وشهدت عجائبه ، أي من عمر عشرين فصاعدا ، ودفنهم في هذه البرية . تعهد أن الأبناء الذين خاف هؤلاء الآباء وقوعهم غنيمة في أيدي القبائل الكنعانية والفلسطينية ، هم الذين سيصعد الرب بهم أرض اللبن والعسل ، والذين سَيبيدون من أهل فلسطين من سَيبيدون ـ وَسيطردون منها من سيطردون ، وفي المحصلة سيفوزون بالأرض ملكا أبديا لهم . [ وكلم الرب موسى وهارون قائلا .26 حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة علي . قد سمعت تذمر بني إسرائيل الذي يَتذمرونه عليّ .27 قل لهم حي أنا يقول الرب لأفعلن بكم كما تكلمتم في أذني . 28 في هذا القفر تسقط جثثكم جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعدا الذين تذمروا عليّ .29 لن تدخلوا الأرض التي رفعت يدي لَأُسكننكم فيها ما عدا كالب بن يفنة ويشوع بن نون .30 وأما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمة فإني سأُدخلهم فيعرفون الأرض التي احْتقرتموها . 31 فَجثثكم أنتم تسقط في هذا القفر .32 وَبنوكم يكونون رعاة في هذا القفر أربعين سنة ويحملون فجورَكم حتى تفنى جثثكم .33 كعدد الأيام التي تجسستم فيها الأرض أربعين يوما للسنة يوم تحملون ذنوبكم أربعين سنة فتعرفون ابتعادي . 34 أنا الرب قد تكلمت لأفعلن هذا بكل هذه الجماعة الشريرة المتفقة عليّ . في هذا القفر يفنون وفيه يموتون .35 ] . ولعل القارئ هنا يتساءل : هل يعقل أن يكون هذا الرب المملوء بكل هذا القدر من الحقد ومن الحماقة ، المتعطش للبطش ، المتلذذ بإيذاء وإِشقاء أحبابه ، شعبه المختار إلها يحتمل أن يملك نسبة مهما كانت ضئيلة من العدل ؟ وهل يمكن أن يكون هكذا إله ربا للبشرية كافة ولهذا الكون الشاسع بمليارات مَجراته ؟ الجواب يدلنا عليه ذلك الذنب الذي ارتكبه أحباب الرب هؤلاء . ارتكبوا ذنبَ التردد في تنفيذ ركن من أركان الدين الجديد . ركن الاستيلاء على أرض شعب آخر . وأما التردد فمرده الخوف من قدرة الشعب الآخر على الدفاع عن أرضه . ولكن … لكن ، هل اكتفى الرب بفعل هاتين الجريمتين ؟ الجواب : لا ، لم يكتف ِ . 24 كان الرب في التعاليم التي أملاها على موسى قد شدد كثيرا على قدسية حرمة يوم السبت ، كما شدد عقوبة المس بها . وحدث أن أول مساس بهذه الحرمة وقع على يدي رجل كان يحتطب في البرية . قدمه من عثروا عليه لموسى وهارون والجماعة للنظر في الجريمة والنطق بالعقوبة . تدخل الرب وفرض عقوبة بالغة القسوة . [ ولما كان بنو إسرائيل في البرية وجدوا رجلا يحتطب حطبا في يوم السبت . 32 فقدمه الذين وجدوه يحتطب حطبا إلى موسى وهارون وكل الجماعة . 33 فوضعوه في المحرس لأنه لم يُعْلَن ماذا يُفْعَل . 34 فقال الرب لموسى قتلا يقتل الرجل . يرجمه بحجارة كل الجماعة خارج المحلة . 35 فأخرجه كل الجماعة خارج المحلة ورجموه بحجارة فمات كما أمر الرب موسى .36] . يحدثنا الإصحاح السادس عشر ، في سردية طويلة ، أن هذا التطبيق الأول للحدود ، وبهذا الكم الهائل من البشاعة ، بدا وكأنه قد أحدث هزة في ضمير بعض رؤساء الجماعة . اجتمع أربعة منهم قورح بن يصهار بن قهات من سبط لاوي ، سبط موسى وهارون ، وأخوان داثان وأَبيرام ابنا أَلياب ، ورابع اسمه أُون بن فالت من سبط رأوبين ، بادئين ما يمكن وصفه بِتمرد على موسى وهارون .انضم للتمرد مائتان وخمسون من رؤساء الجماعة : [ فاجتمعوا على موسى وهارون وقالوا لهما كفاكما . إن كل الجماعة بأسرها مقدسة وفي وسطها الرب . فما بالكما ترتفعان على جماعة الرب .3] . حاول موسى كسر التمرد باستخدام القاعدة القديمة قدم البشرية ، فرق تسد ، من خلال استمالة سبطه بني لاوي . قائلا لهم كفاكم يا بني لاوي : [ أَقليل عليكم أن إله إسرائيل أَفرزكم من جماعة إسرائيل لِيقربكم إليه لكي تعملوا خدمة مسكن الرب وتقفوا قدام الجماعة لخدمتها . 9 فَقربك وجميع إخوتك بني لاوي معك وتطلبون أيضا كهنوتا .10 إذن أنت وكل جماعتك متفقون على الرب . وأما هارون فما هو حتى تتذمروا عليه .11 ] . بعد هذا أرسل موسى في طلب الأَخوين داثان وأَبيرام . ردا برفض المثول بين يديه . قالا : [ أَقليلٌ أنك أَصعدتنا من أرض تفيض لبنا وعسلا لِتُميتنا في البرية حتى تترأس علينا ترؤسا .13 كذلك لم تأتِ بنا إلى أرض تفيض لبنا وعسلا ولا أعطيتنا نصيب حقول وكروم . هل تقلع عيون هؤلاء القوم . لا نصعد . 14 ]. فشل موسى في معالجة التمرد وكان أن تقدم الرب . وكالعادة كان قراره بالإبادة :[ وكلم الرب موسى وهارون قائلا . 20 افْترزا من بين هذه الجماعة فإني أُفنيهم في لحظة . 21 فَخرا على وجهيهما وقالا اللهم إله أرواح جميع البشر هل يخطئ رجل واحد فَتَسْخَط على كل الجماعة .22 فكلم الرب موسى قائلا .23 كلم الجماعة قائلا اطلعوا من حوالي مسكن قورح وداثان وأَبيرام .24 ] . نفذ موسى أمر الرب وطلعت الجماعة من حوالي مساكن الثلاثة الذين وقفوا مع زوجاتهم ، بَنيهم وأطفالهم بباب خيامهم ينتظرون فعل الرب . خاطب موسى الجماعة قائلا : [ إن مات هؤلاء كموت كل إنسان وأَصابتهم مصيبة كل إنسان فليس الرب قد أرسلني . 29 ولكن إن ابتدع الرب بدعة وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم وكل ما لهم فهبطوا أحياء إلى الهاوية تعلمون أن هؤلاء القوم ازدروا بالرب .30 .] وما أن أكمل موسى كلامه حتى كانت الأرض قد فتحت فاها وابتلعت الثلاثة وَنساءهم وأطفالهم وكل ما لهم . ولم يكتف الرب بهذه العقوبة فائقة البشاعة ، بل أعقبها بنار خرجت من عنده وأكلت المائتين وخمسين رجلا ، المشاركين الآخرين . كان منطقيا أن تتذمر الجماعة من قسوة الأحكام . فكان أن عاجلهم الرب بضربهم بِالوبأ . وحدث أن سارع موسى وهارون لتهدئة غضب ، ولكن كان الوبأُ قد أودى بحياة أربعة عشر ألفا وسبعمائة ، قبل أن ينجح موسى في اعتراضه ووقفه . وماذا كانت النتيجة ؟ كانت النتيجة أن دخل الإيمان عميقا وترسخ في قلوب الشعب بهذا الرب شديد العدالة و شديد الوحشية والحماقة في آن . وخاتمة أعيد ما قلته في ختام سائر الحلقات السابقة : لو أننا وقفنا عند حقيقة أن ما نطالعه يقع في خانة الأسطورة ، وهي في الحقيقة كذلك ، لأَرحنا القارئ واسترحنا من مشقة النظر في هذا الكم الكبير من التناقض والتصادم بما تحويه النصوص من معلومات ، وبين القوانين ، القواعد والنظريات المثبتة بالأدلة والتطبيق لمختلف العلوم ، الأركيولوجية - الآثار - التاريخية والطبيعية -الرياضيات ،الفيزياء ، الكيمياء ، الأحياء ، الجيولوجيا - علوم البحار ، القارات ، المناخ ، البيئة ، الفلك ، الأكوان والمجرات .. الخ . لكن ، ولأن الأديان الموصوفة بالتوحيديةِ تارة وبالإبراهيميةِ تارات ، تصر على أن النصوص تحكي عن وقائع تاريخية ثابتة ، وحقائق علمية راسخة ، يجد الباحث نفسه مضطرا لتنحية الأسطرة جانبا والتعامل مع النصوص من خلال قراءة نقدية ، وهو ما فعلته في هذه الحلقة وفي سابقاتها . أول ما يلفت الانتباه أن التوراة هي توراة موسى ، وأن الدين هو الذي أتى به موسى . لا تعرفنا التوراة على دين لِإبراهيم ، لِإسحق ولِيعقوب . كما لا تعرفنا على إله لهؤلاء الآباء . وما نسب إليهم من نصوص ورد على لسان الراوي ، وليس على لسان أحد منهم . ميزة رب موسى ، والذي كما تصرخ النصوص ، اختطف بني إسرائيل شعبا له ، أنه خالف سنة الأديان السابقة واللاحقة ، من حيث أن الأخيرة كانت على صورة عائلة كبيرة لها رأس ، أو كبير العائلة ، وَحيث تتوزع مسؤولية إدارة الدنيا بين أعضائها . إله موسى بقي فردا بدون عائلة ، جامعا المسؤوليات والمهام كلها بين يديه . من هنا جاء توصيف دين موسى بالتوحيد . ومن هنا نسب دين التوحيد لإبراهيم . صحيح أن ديانتي التوحيد التاليتين ، المسيحية والإسلام ، قالتا شيئا آخر نحيتهُ ، لأن الأولى جاءت بعد إبراهيم بأكثر من 1800 سنة ، وبعد موسى بأكثر من 1350 سنة ، فيما جاءت الثانية بعد سابقتها بأكثر من 550 سنة ، ولأن الاثنتين حاولتا إصلاح العيوب ، ورتق الثقوب التي شابت ديانة موسى ، وأولها وحدانية الرب الذي لم يعترف مرة واحدة بوحدانيته هذه . أول ما يلفت النظر في تعريف رب موسى على نفسه ليس عدم زعمه ولو لمرة واحدة أنه إله البشرية كلها ، بل لأنه وقد تفرغ كلية لبني إسرائيل ، ترك الكون والبشرية سائبين فترة طويلة . والمدهش أن التوراة لا تشير إلى خلل وقع في الكون نتيجة ذلك ، ولا إلى خلل ، اضطراب وصراعات حدثت بين باقي الأمم ، الأمر الذي يعني أن الكون لا يحتاج عناية هذا الرب لِتسييره ، وأن باقي شعوب وأمم الأرض لا تحتاج عنايته لتنظيم حياتها وإدارة علاقاتها ، بعضها مع البعض الآخر . أكثر من ذلك حدثتنا النصوص أن هذا الرب سن شرعة التمييز العنصري البغيضة بين البشر ، وأضفى عليها قدسية ربانية . قسم البشر بين شعبه المختار في المرتبة الأعلى، وباقي شعوب وأمم الأرض - الأغيار - في مرتبة أدنى . كما حدثتنا أن نفس الرب ظلت معبأة بالحقد والكراهية للشعوب التي كانت على تماس بشعبهِ المختار . حكم بإهانتها ، تعذيبها ، وحتى إبادتها إن هي تباطأت في تلبية مطلب من مطالب شعبه المختار هذا . فيما وقعت ثالثة الأثافي في سن وشرعنة حق الشعب المختار في الطمع بأرض ، بوطن شعب آخر ، حتى وإن ابتدأ هذا الطمع بفرد شكل أبا لنسله . سن وشرعن جملة من القواعد والقوانين الأخلاقية وغير الأخلاقية ، تثبت حق هذا الشعب الطامع في سلب أرض الشعب المطموع به ، بمختلف الوسائل والأساليب الوحشية ، وفي المقدمة منها الإبادة التامة للشعب الممانع في تلبية إرادة الطمع الإلهية في أرضه ووطنه . صحيح أن هذه الشرعة ، هذا الحق الإلهي جرى تطبيقه بقيادة الرب ذاته ، قبل 3500 سنة ، لكنه تكرر مع عشرات شعوب الأرض فيما عرف بِالعالم الجديد - الأمريكتين ، إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ، أستراليا وعالم الجزر المتناثرة في المحيطات - . خلاصة القول : أعتقد جازما أنه سيأتي يوم على هذا العالم يكون فيه على أتباع التوراة ، على أتباع دين موسى ، على أتباع الديانات التي نقلت عنه ، أتباع كتبها المقدسة ، الاعتذار للبشرية كلها عن كل هذا التشويه للفكر والثقافة ، عن كل هذه الكوارث التي تسبب بها هذا الكتاب الموصوف بتوراة موسى .
#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقاطعات بين الأديان 27 إشكاليات الرسل والأنبياء 12 موسى الحل
...
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
-
تقاطعات بين الأديان 25 إشكاليات الرسل والأنبياء 10 موسى الحل
...
-
تقاطعات بين الأديان 24 إشكاليات الرسل والأنبياء 9 موسى
-
تقاطعات بين الأديان 23 إشكاليات الرسل والأنبياء 7 يوسف
-
تقاطعات بين الأديان 22 إشكاليات الرسل والأنبياء 7 الأسباط
-
تقاطعات بين الأديان 21 إشكاليات الرسل والأنبياء 6 يعقوب
-
تقاطعات بين الأديان 20 غشكاليات الرسل والأنبياء 5 إسحق
-
تقاطعات بين الأديان 19 إشكاليات الرسل والأنبياء 4 لوط
-
تقاطعات بين الأديان 18 ، إشكاليات الرسل والأنبياء 3 إبراهيم
-
تقاطعات بين الأديان 17 إشكاليات الرسل والأنبياء 2
-
تقاطعات بين الأديان 16 إشكاليات الرسل والأنبياء 1
-
يا مثقفي التنوير اتحدوا
-
تقاطعات بين الأديان 15 الحكمة والحكماء
-
تقاطعات بين الأديان 14العادل المعذب ....صبر أيوب
-
تقاطعات بين الأديان 13 الصعود إلى السماء
-
تقاطعات بين الأديان 12 الروح والموت
-
تقاطعات بين الأديان 11 المرأة في روايات الخلق
-
تقاطعات بين الأديان 10 غايات الآلهة من خلق الإنسان
-
تقاطعات بين الأديان 9 خلق الإنسان
المزيد.....
-
ماذا قال بابا الفاتيكان عن -خطة ترامب للسلام- في غزة.. و-أسط
...
-
رجل دين مسيحي يرد على تصريحات نتنياهو
-
دراسة: يهود ألمانيا يشعرون بالعزلة والرفض منذ هجوم 7 أكتوبر
...
-
دونالد ترامب يتعهد بـ -إيقاظ الروح القتالية- أمام الجنرالات
...
-
بتمويل كويتي.. رئيس كينيا يفتتح رسميا -جامعة الأمة- الإسلامي
...
-
-معادية للمسيحيين-.. ماسك يهاجم -رابطة مكافحة التشهير- اليهو
...
-
خطة ترامب.. مطالب عربية وإسلامية بإغاثة غزة واعتماد حل الدول
...
-
سلفيت: إحياء ذكرى رفع علم فلسطين بالأمم المتحدة
-
حماس: دعوات اقتحام الأقصى في -عيد العُرش- اليهودي إمعان بالح
...
-
الاحتلال يهدم ثلاثة منازل مأهولة في بروقين غرب سلفيت
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|