أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - تقاطعات بين الأديان 18 ، إشكاليات الرسل والأنبياء 3 إبراهيم















المزيد.....



تقاطعات بين الأديان 18 ، إشكاليات الرسل والأنبياء 3 إبراهيم


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 6710 - 2020 / 10 / 21 - 17:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تقاطعات بين الأديان
18
إشكاليات الرسل والأنبياء
3
إبراهيم
1
يحتل إبراهيم في الكتب المقدسة ؛ التوراة والقرآن ، مكانة لم يحظ بها سابقوه أو لاحِقوه من الأنبياء والرسل . التوراة ، أو العهد القديم في الكتاب المقدس عند المسيحيين ، خصته بخمسة عشر إِصحاحا ، بدءا من نهاية الإصحاح الحادي عشر ، وحتى الإصحاح الخامس والعشرين من سفر التكوين ، غير ذكره المتكرر في الإصحاحات والأسفار الأخرى ، فيما خصه القرآن بسورة كاملة هي سورة إبراهيم ، وبذكره في سبع عشرة سورة أخرى وَبمجموع مائة وخمس وتسعين آية ، وذلك غير تكرار ذكره في الصلوات ، وحيث مثلا يذكره المسلمون ، من خلال التشهد ،عشر مرات على الأقل في اليوم الواحد ، في حال اقتصار صلواتهم على الفرض فقط .

إذاً ، وبسبب ما سبق ، ما زال اليهود والعرب يتنافسون ويتسابقون على الانتساب لَإبراهيم وَيحيطونه بكل هذا التقديس الذي يتفوق على ما يحظى به الأنبياء والرسل الآخرون . العرب من جِهتهم يقولون ، كما يقول الكتابان المقدسان ، بانتسابهم لابنه البكر إسماعيل ، والذي هو من زوجته هاجر المصرية ، ذات النسب والمكانة الاجتماعية الأدنى ، كونها خادمة سارة ، زوجة إبراهيم وأخته من أبيه ، حسب نص التوراة ذاتها . فيما يقول اليهود ، وَالكتابان المقدسان ، بانتسابهم لِإسحاق ، ابن الحسب والنسب والمكانة الاجتماعية الرفيعة .
لكن ، وبالرغم من كل هذا التقديس ، والعناية والاهتمام من الكتب المقدسة ؛ التوراة ، أو العهد القديم من الكتاب المقدس ، والقرآن ، فإن قارئ الإصحاحات والسور التي سبقت الإشارة إليها ، يفاجأ بكم الإشكاليات التي أحاطت بهذه الشخصية المقدسة ، والتي بزت نظيراتها عند الآخرين . الإشكاليات التي تدفع بالقارئ إلى التساؤل : من هو إبراهيم ، وهل كان نبيا ورسولا ، وَخليلا للرحمن ، كما يقول المسلمون ، وكان الرب دائم النزول ، لمحادثته ، لحواره ، لمواساته ، لشد أزره ، لِقطع العهود وإبرام المواثيق معه ، كما تقول نصوص التوراة ؟

2
من هو إبراهيم ؟
بداية ، اسمحوا لي بالتذكير أن علم الآثار الحديث ، واستنادا لكم الحفريات الهائل في فلسطين ، وبشهادة علماء آثار اسرائيليين ، قطع بعدم تاريخية التوراة ، وبلا تاريخية شخصياتها . أي قطع بأن إبراهيم وباقي الأنبياء والملوك المنتسبين له ، حسبما ورد في التوراة ، هم شخصيات لا وجود لها في التاريخ ، وأنهم شخصيات خيالية ، أو روائية ، ابتدعها وطورها خيال شعبي لأجيال عديدة على مر العصور . ولكن …
ولكن سندع هذا القطع العلمي ونضعه جانبا ، وسنتعامل في هذا البحث مع شخصية إبراهيم ، والشخصيات الأخرى في الحلقات القادمة ، باعتبارها شخصيات حقيقية ، كما تؤكد التوراة ، ويصادق عليها القرآن .
ونبدأ مع التوراة :
أول ذكر لإبراهيم في سفر التكوين تطالعنا به الآيات من 27 إلى 32 من الإصحاح الحادي عشر . الآيات تحكي عن نسب إبراهيم قائلة أن اسمه كان في البدء أبرام ، وأنه آرامي من مواليد أور الكلدانيين في جنوب العراق ، وأن اسم أبيه تارح ، وكان له أخوان شقيقان ؛ هاران والد لوط الذي مات وترك لوطا في رعاية جده وعمه أبرام ، ثم ناحور ، جد رفقة ، زوجة إسحاق بن إبراهيم فيما بعد . ثم تنص الآيتان 31 و 32 على :" وأخذ تارح أَبرام ابنه ولوطا بن هاران ابن ابنه وساراي كنته امرأة أَبرام ابنه فخرجوا معا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان فأتوا حاران وأقاموا هناك 31 وكانت أيام تارح مائتين وخمس سنين ومات تارح في حاران 32" .
لا تفصح هذه الآيات عن الأسباب التي دفعت بالأب تارح للنزوح عن موطنه ، أور الكلدانيين ، واصطحاب جزء من عائلته ، والسير بهم مع ضفة الفرات اليسرى إلى حاران في شمال العراق ، محافظة نينوى الحالية . صحيح أن الآية 31 تقول بأنهم خرجوا للتوجه لأرض كنعان . لكن تارح لم يكن على علم بوعد الرب لإبراهيم منحه وذريته أرض كنعان ، أي فلسطين الحالية ، بدليل ، كما تقول الآية 32 أنه استقر في حاران ومات فيها ، وأن مدة الاستقرار كانت طويلة لأن أبرام ولوط كونا فيها ثروة بما ذلك عبيدا وإماء ، كما يقول الإصحاح الثاني عشر .
يقول هذا الإصحاح أن أبرام ، حين غادر حاران متوجها لأرض كنعان ،ومعه ساراي ولوط ، حاملين مُقتنياتهم ومعها النفوس التي امتلكوها ، كان عمره 75 سنة . ويقول أَن الرب ظهر له أكثر من مرة ، طمأنه ، وشجعه ، قطع له العهود بِتمليكه وذريته أرض كنعان ، وتكثير هذه الذرية لتكون بعدد رمل البحر ونجوم السماء ، وكل ذلك حدث قبل أن يحظى بالخلفة ، لأن ساراي كانت عاقرا ، بنص التوراة ، وَليتساءل القارئ : من كان ذلك الرب ؟ هل كان رب قومه وعشيرته في أور الكلدانيين ، أي ميردوخ كبير آلهة الكلدانيين ، أم هو إله الكنعانيين ، إيل ، بسبب ظهوره المتكرر في بلاد وأرض كنعان ؟ أم هو الله كما يقول المسلمون استنادا لنصوص القرآن ؟
في القرآن
3
لكن ، قبل محاولة الإجابة ، تعالوا ننتقل إلى القرآن ، ومتابعة الإجابة على السؤال : من هو إبراهيم ؟
قلنا أن القرآن خصص سورة باسم إبراهيم ، وأن ذكره جاء في سبع عشرة سورة أخرى ، وفي مائة وخمس وتسعين آية . لكن القرآن لم يشر إلى نسبه ، أصله ، قومه ، موطن ولادته ، غير ذكر أن اسم أبيه آزر الآية 74 من سورة الأنعام . وفي عدة سور ، أن قومه كانوا يعبدون الأصنام . كما قالت السور والآيات ، أنه ومن صغره رأى أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر ، وأنه رفض عبادتها ، وأكثر من ذلك بحث عن آلهة يعبدها ، متنقلا من التفكير في عبادة الكواكب ، القمر ، الشمس ، وحيث عبادتها كانت سائدة في قومه وعند العديد من شعوب العالم القديم ، وأنه رفضها لأنها تأفل في الليل وهو لا يحب الآفلين ، كما ورد في سورة الأنعام . وتقول عديد الآيات أنه حاور أباه أولا وقومه بعد ذلك ، وأن أباه خاصمه وطرده . قال له أبوه : { لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا } الآية 46 من سورة مريم ، مما اضطره لترك موطنه والهجرة إلى فلسطين :{ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين }الآية 71 من سورة الأنبياء . وإذا كان هذا كافيا للإجابة عمن هو إبراهيم ، يبرز سؤال جديد : هل كان إبراهيم نبيا ورسولا ؟
4
كما أسلفنا ، تقول التوراة ، وفي آيات عدة أن الرب واصل النزول والالتقاء بأبرام الذي صار اسمه إبراهيم . ظل يحادثه ، يواسيه ، يطمئنه ، يبشره ، يحاوره ، ويقطع العهود معه بإكثار نسله ، وَبمنحه وتمليكه وذريته أرض كنعان التي هي فلسطين . ذلك ما يقطع بأن إبراهيم كان نبيا ورسولا . لكن يبرز سؤال جديد : رسول لمن ؟
لا تنبس التوراة ببنت شفه عن دور ما لِأبرام مع قومه في أور الكلدانيين . كما لا تشير ، ولو بإشارة ضعيفة بدور ما ، برسالة ما ، للكنعانيين الذين حل بين ظهرانيهم ، بعد هجرته الأولى من موطنه في جنوب العراق ، من مدينته أور ، وهجرته الثانية من حاران إلى فلسطين .
القرآن ، وعلى عكس التوراة ، يركز على إبراز أن إبراهيم كان صديقا نبيا ، الآية 41 من سورة مريم ، و{ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين } 51 الأنبياء ، وأنه كان رسولا { وإن تُكَذِّبوا فقد كذَّب أمم من قبلكم فما على الرسول إلا البلاغ المبين } الآية 18 سورة العنكبوت . و{ وإذ ابتلى إبراهيم َ ربهُ بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } 124 البقرة .
أكثر من ذلك فسور مريم ، الأنبياء ، الشعراء ، العنكبوت ، الصافات ، البقرة .. الخ حافلة بمحاورات إبراهيم لأبيه ثم لقومه ، لهدايتهم فتركهم لعبادة الأصنام ، وردهم عليه بتمسكهم بدين آبائهم من جهة ، ورفضهم للدين الجديد الذي يبشر به ، الأمر الذي اضطره إلى تحطيم أصنامهم ، فَغضبهم منه ومحاكمته والحكم عليه بالحرق بالنار التي نجاه الله منها وجعلها بردا وسلاما عليه من جهة أخرى . ولكن …
5
ولكن لا بد أن يلفت انتباه القارئ المُتعمن والمدقق أمران . أولهما أن القرآن نفسه يشير إلى أن إبراهيم كان فتى أثناء تلك المحاججات ، وأثناء إقدامه على تحطيم وتفتيت أصنام قومه - جعلها جذاذا - عدا صنم كبير علق الفأس في رقبته كما تقول الأية 58 من سورة الأنبياء . وكلمة فتى تعني أنه كان حينها دون العشرين من عمره ، حسب نص الآيتين { قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين 59 قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم 60 } من سورة الأنبياء . كما تقول الآيات أنه لم يؤمن به من قومه أحد غير لوط ابن أخيه . والأمر الثاني أنه ، وبعد أن شهد قومه معجزة نجاته من النار ، اضطر لاعتزال أهله وقومه ، وترك موطنه ، تصحبه زوجته وابن أخيه لوط فقط . هنا تتدافع أسئلة عديدة : كيف للرب أن يُحَّمِّل فتى عبء النبوة والرسالة معا ؟ وكيف تكون لفتى ملة ، دين ، يكرر القرآن التحذير من تركها ، ومن الحض على اتباعها ، ملة ودين لا وجود أو ذكر لها خارج القرآن ؟ وكيف يحدث لصاحب ملة ، دين ، كإبراهيم ، أن يتقاعد عن التبشير بدينه ، بعد اكتمال رجولته ، وبعد تقدمه في العمر ، في أرض كنعان التي استقر فيها ؟ وَلنصل إلى السؤال الأهم : من كان ، من هو الرب إله إبراهيم ؟
6
الجواب محسوم في القرآن . إله إبراهيم هو الله ، الواحد الأحد ، إله الكون كله . لكنه ليس كذلك في التوراة .
يقول لنا الإصحاح الثالث عشر أن أبرام ولوط انفصلا عن بعضهما بعد العودة من مصر ، وفي حين سكن أبرام جنوب فلسطين ، بجوار الخليل ، نقل لوط خيمته إلى سدوم . ويقول الإصحاح الرابع عشر أن خمسة من الملوك الكنعانيين اجتمعوا على حرب سدوم وعمورة ، وأنهم في انتصارهم أخذوا لوطا وأسرته وَمواشيه أسرى وغنائم . ولما سمع أبرام بأسر ابن أخيه ونهب أملاكه ، جمع غلمانه - عَبيده - وشن غارة على الملوك الخمسة ، هزمهم وحرر لوطاً واسترجع أَمواله وَمواشيه . فرح ملك سدوم وحلفاؤه بهذا النصر وقاموا إلى استقبال أبرام وتهنئته . والملفت للنظر هنا أن ملكي صادق ، كاهن الله العلي ، كان من بين مستقبليه . " وملكي صادق ملك شاليم أخرج خبزا وخمرا وكان كاهنا لله العلي 19 وباركه وقال مبارك أبرام من مالك السموات والأرض 20 ومبارك الله العلي الذي أسلم أعداءك في يدك 21 " .
ولأننا نعرف أن صفات الله العلي ، وَمالك السموات والأرض هي صفات تطلق على الإله إيل ، كبير مجمع الآلهة الكنعانية ، يتبادر إلى ذهننا سؤال : هل كان إله إبراهيم هو الإله إيل ؟ لا تعطينا الآيتان السالفتان جوابا قطعيا أو غير قطعي على هذا السؤال ، ولكن …
ولكن يحكي الإصحاح السادس عشر عن زواج أبرام من جارية زوجته ساراي ، والمدعوة هاجر المصرية ، وأنها حملت بابنه الأول . ولكن مرة ثالثة ، حين بان حملها غارت ساراي ، وأخذت في إذلال هاجر بمعرفة وموافقة الزوج أبرام . وكان أنَّ هاجر هربت إلى البرية ، وعند وصولها لعين ماء جاءها ملاك الرب الذي أمرها بالعودة إلى ساراي وتقبل إذلالها . وهنا يلفت النظر ، كما الانتباه ، ما قاله ملاك الرب هذا لهاجر . " وقال لها ملاك الرب أنت حبلى فتلدين ابنا وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لِمذلتك
11 وإنه يكون إنسانا وحشيا يده على كل واحد ويد كل واحد عليه وأمام جميع إخوته يسكن 12 فدعت اسم الرب الذي تكلم معها أنت إيل رُئي " . وبعد وقت من عودتها " ولدت هاجر ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل 13 وكان أبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إِسماعيل لِأبرام 15 " .
والآن ، ولأن هاجر مصرية تعرف آلهتها ولا تعرف الإله إيل ، ولأنها عرفته من الملاك الذي تحدث وقالت أنت إيل رُئي ، ولأن أبرام وافق على طلبها وسمى ابنه اسما يحمل اسم الإله إيل ، هل يحق لنا القول أن إله أبرام ، إبراهيم ، كان هو الإله إيل ؟ الجواب نعم صريحة . لماذا ؟ لأن الرب في لقاءاته المتكررة مع أبرام ، ظل يعرف على نفسه بأوصاف الإله إيل ، مثل أنا الله العلي ، كما مر معنا ، وانا الله القدير كما في الآية 1 من الإصحاح السابع عشر ..الخ .
أكثر من ذلك ، تتأكد معرفة رب إبراهيم بأنه إيل في سيرة يعقوب ، والتي سَنعرضها في حلقة قادمة .ذلك أن الإصحاح الحادي والثلاثين يخبرنا أن راحيل ، زوجة يعقوب الحبيبة ، كانت قد أخذت معها ، في طريق العودة لفلسطين ، أصنام أبيها لابان . وأن لابان ، حفيد ناحور شقيق أبرام ، الذي هزه خبر سرقة أصنامه ، لحق بقافلة يعقوب يسأل بنته عن أصنامه التي كانت قد خبأتها في خرج جلست عليه ، ومنعت أباها من تفتيشه بدعوى أنها حائض . ذلك يعني أن خال يعقوب ، أبو زوجتيه ، ليئة وراحيل كان على دين فيه تعدد للآلهة ، وأن يعقوب حين تستر على فعلة زوجته ، كان هو أيضا على دين غير توحيدي . ولنتذكر أن الديانة الكنعانية ، بكبير آلهتها إيل ، كانت ديانة غير توحيدية . وأكثر من ذلك يحكي لنا الإصحاح الثاني والثلاثين عن مصارعة وقعت بين يعقوب وَالإله إيل استمرت طوال الليل ، وأن الإله إيل قال له في نهايتها " لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت 27 وسأل يعقوب وقال أخبرني عن اسمك فقال لماذا تسأل عن اسمي وباركه هناك 28 " . وجاهدت مع الله تعني صارعته طوال الليل ، وقدرت ، أي كنت على وشك التغلب عليه .
وبعد معرفة اسم إله إبراهيم ، يأتي السؤال : ماذا عن صفات ، أخلاقيات وقيم إبراهيم ؟
7
في الأدبيات الإسلامية يوصف إبراهيم بِخليل الله تارة وبِخليل الرحمن تارات . والخليل أكثر كثيرا من صديق مقرب لا يفترق عن صديقه . هو صديق تتماهى شخصيته وأخلاقه مع شخصية وأخلاق الآخر الذي هو خليله . وإذا كانت الحكمة الشعبية قد لخصت الصداقة في عبارة : قل لي من صديقك أقل لك من أنت ، فما بالنا إذن عن معرفة الخليل من الخليل . إذاً ، هنا يتوجب السؤال : هل كانت أخلاق إبراهيم على هذه الدرجة من الرفعة لتسمح له بأن يكون خليل الله ؟
أول ما يطالعنا به الإصحاح الثاني عشر ، وبدءا من الآية 12 ، أي بعد وصول أبرام - إبراهيم - ، ساراي - سارة - ولوط إلى فلسطين وبوقت قصير ، قول الإصحاح بحدوث جوع - قَحط - في أرض كنعان - فلسطين - ، وأن أبرام بسبب هذا الجوع - القحط - خسر مواشيه ، وَاضطر للبحث عن مصدر للعيش . وأن البحث قَاده للارتحال مع ساراي إلى مصر . ودعونا نتذكر أن عمر أبرام وقت الوصول لفلسطين ، حسب الآية 4 من هذا الإصحاح كان 75 سنة ، وساراي 65 سنة . ولكن …
ولكن تطالعنا الآيات التالية بالقول : " وحدث لما قَرُبَ أن يدخل مصر أن قال لساراي امرأته إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر* 12 فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فَيقتلونني ويستبقونك * 13 قولي إنك أختي ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك * 14 فحدث لما دخل أبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جدا *15 ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون فأخذت المرأة إلى بيت فرعون *16 فصنع إلى أبرام خيرا بسببها وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال *17 فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امرأة أبرام *18 فدعا فرعون أبرام وقال ما هذا الذي صنعت بي . لماذا لم تخبرني أنها امرأتك * 19 لماذا قلت لي أنها أختك حتى أخذتها لتكون زوجتي . والآن هوذا امرأتك خذها واذهب *20 فأوصى عليه فرعون رجالا فشيعوه وامرأته وكل ما كان له " .
ويكمل الإصحاح الثالث عشر حكاية تأجير أبرام - إبراهيم - زوجته ساراي - سارة - لِفرعون قائلا :" فصعد أَبرام من مصر هو وامرأته وكل ما كان له ولوط معه إلى الجنوب * 1 وكان أبرام غنيا جدا في المواشي والفضة والذهب * 2 " .
8
والآن ، وقبل أي تعقيب على ما نصت عليه هذه الآيات ، دعونا لا نتوقف عند الآيات 18 ، 19 ، و20 والتي لا تعدو أكثر من محاولة تلطيفية لهذه الحكاية . لأن الفرعون يدين بالديانة المصرية ، ومن ثم ، كما هو حال أصحاب الديانات الحاضرة ، لا يقدس إله أبرام ولا يخشى غضب هذا الإله ، وعليه يكون تركه لساراي لأنه شبع منها ، بدليل أنه لم يعاقب أبرام ، وأكثر من ذلك أجزل له العطايا ، وكلف جنوده لتشييعه وساراي ، وما جنوه من أموال ، إلى حدود مصر . إضافة لذلك دعونا نتوقف هنيهة عند موضوع السن . هنا ، واضح أن تعداد الناس آنذاك للسنين مغاير تماما لِتعدادنا لها الآن . فَإبنة الخامسة وَالستين ، أَو السَبعين ، من غير الممكن أن تكون على حسن أو جمال يوقع في هواها ملكا كالفرعون ، ولا حتى قائدا صغيرا في جيشه ، لكن يحدث ذلك لوكانت في الثلاثين أو حتى الخامسة والثلاثين .
بعد هذا ، وقبل أن نسأل : ما يسمى صاحب فعل كهذا في مجتمعنا وفي المجتمعات البشرية كافة ؟ وهل من الممكن أن يكون مثله صديقا لأحد ما محترم ، قبل أن يكون خليلا للرحمن ؟ نصل إلى السؤال الأهم : ماذا يقول القرآن في هذه الحادثة ؟
والجواب أن ما يثير الانتباه ، قبل الدهشة ، أن ليس القرآن فقط ، وإنما الحديث أيضا ، قد تَجاهلا الحادثة تجاهلا تاما . وأكثر ، لم يرد اسم سارة صريحا فيهما ولا لمرة واحدة. ولكن ، وبالرغم من ذلك ، اعترفت الأدبيات الإسلامية بالحادثة . ويبدو أن الآيات 18 ، 19 ، 20 هي السبب . ذلك أن هذه الأدبيات ، وهي تعترف بالواقعة دأبت على تجاهل فعل إبراهيم من جهة ، وعلى تبرئة سارة من ارتكاب الدنس من جهة أخرى . الأدبيات تقول أن الله تدخل وحماها . كيف ؟ تقول أن يد فرعون شلت حين مدها لجس جسد سارة أول مرة . طلب فرعون منها دعوة ربها لإطلاق يده مع التعهد بعدم مسها ففعلت . لكنه عاود الفعل ثانية وثالثة وسارة بدعائها تطلق يده ، حتى اعتبر وامتنع عن لمسها . ولكن الأدبيات الإسلامية تتجاهل عطايا فرعون لإبراهيم بسبب سارة ، كما تتجاهل أسباب هذه العطايا .
ونعود هنا لنسأل : ألم يكن خوف إبراهيم ، فعليا وحقيقة ، من إقدام فرعون على قتله ، كي يحظى بامرأته سارة هو السبب الحقيقي لما فعل ؟ وأهم من ذلك : هل حياة إنسان شهم ، محترم وشريف ، أهم عنده من الحفاظ على عرضه ؟ وأكثر من ذلك القبول بتأجير هذا العرض واستقبال الخير ثمنا له ؟
9
وربما لحسن حظنا ، أو لسوئه ، تَكَفَّل الإصحاح العشرون بالإجابة على الأسئلة السابقة . يقول لنا هذا الإصحاح أن القحط في أرض كنعان تكرر ، وتكرر وقوع إبراهيم في ضنك الفقر . لم يتغرب إبراهيم وامرأته سارة هذه المرة إلى مصر . تغربا إلى مدينة جرار الفلسطينية الواقعة في السهل الساحلي ، وعند ملكها أبيمالك. وكرر إبراهيم وامرأته سارة ذات الفعل وذات الرواية مع أبيمالك الملك ، وأن الله تدخل هذه المرة ، ومن البداية ، وحال دون وقوع أبيمالك في خطيئة معاشرة زوجة نبي . يقول الإصحاح :" وانتقل من هناك إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور وتغرب في جرار * 1 وقال إبراهيم عن سارة امرأته هي أختي فأرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة 2 " . جاء الله إلى أبيمالك في المنام وهدده بالموت لأنه أخذ امرأة متزوجة . حاور أبيمالك الله ، مخاطبا إياه بعبارة يا سيد - سيد لقب أو اسم من ألقاب أو أسماء الإله إيل - " فقال يا سيد أَأُمَّةً بارة تَقْتُل * 4 ألم يقل هو لي إنها أختي وهي نفسها قالت هو أخي . بسلامة قلبي ونقاوة قلبي فعلت هذا *5 " . رد الرب بأنه يعرف كل ذلك ، وأنه لذلك تدخل منعا له من وقوعه في خطيئة معاشرة زوجة نبي . ثم أمره بردها إلى زوجها وإلا معاقبته بموته وموت كل من له .
في الصباح قص أبيمالك الملك حلمه على حاشيته ، ثم استدعى إبراهيم وسأله عن مبررات وأسباب فعله . " فقال إبراهيم إني قلت ليس في هذا الموضع خوف الله البتة فَيقتلونني لأجل امرأتي *11 وبالحقيقة أيضا هي أختي ابنة أبي غير أنها ليست ابنة أمي ، فصارت لي زوجة *12" .
عند هذه النقطة اعترف إبراهيم أنها خطة اتفقا عليها من البداية ، أي منذ الخروج من حاران متوجها لأرض كنعان . أضاف في اعترافه لِأبيمالك : " وحدث لما أَتاهني الله من بيت أبي أني قلت لها هذا معروفك الذي تصنعين إليَّ . في كل مكان نأتي إليه قولي عني هو أخي *13 " .
الملك الفلسطيني أبيمالك رد سارة لِإبراهيم وأعطاه غنما وبقرا وعبيدا وَإماءا ، وألفا من الفضة . إبراهيم رد جميل هذا العطاء بأن صلى إلى الله ودعا لشفاء أبيمالك وامرأته وجواريه فَولدن ،" لأن الرب كان قد أغلق كل رحم لبيت أَبيمالك بسبب سارة امرأة إبراهيم *19" .
في خاتمة هذه الرواية سأتجاوز التعليق على الآية الأخيرة التي توضح أن سارة مكثت عند أبيمالك فترة طويلة ، وليس يوما أو بعض يوم . ولنسأل في هذه الخاتمة : ترى بِمَ تصف كل شعوب الأرض قاطبة مثيل فعل إبراهيم هذا ، وبِم تصف فاعل مثل هذا الفعل ؟ الجواب أتركه لكم .
10
وننتقل إلى مسألة قيمية وأخلاقية كبرى ، مسؤولية الأب وعلاقته بأبنائه ، وموقف إبراهيم منها .
وكنا قد أشرنا إلى أن إبراهيم رزق بأول أبنائه ، إسماعيل ، وعمره 86 سنة بحساب تلك الأيام ، أو ما بين الأربعين والخمسين في حسابنا . ويقول لنا الإصحاح السابع عشر أن الله فرض على إبراهيم الختان وعمره 99 سنة ، وأنه تلبية لأمر الرب ختن نفسه ، وختن كل ذكر في بيته ومنهم إسماعيل الذي كان عمره 13 سنة . وقبل الختن كان الرب قد غير اسم أبرام إلى إبراهيم ، ومعناه أبو الأمم ، وساراي إلى سارة ، وبشره بابن منها . ولما بلغ إبراهيم مائة سنة ، وسارة 90 سنة ، كما يشير الإصحاح الحادي والعشرون ، ولدت له إسحاق .
إذاً كان إسماعيل بعمر 14 سنة بحسابهم ، ما بين 7 إلى 8 سنوات بحسابنا ،عند ولادة أخيه إسحق . وكان من الطبيعي أن يلعب ويمرح ولد بهذا العمر . لكن سارة انزعجت من مرح إسماعيل ، كما يخبرنا الإصحاح 21 . " ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبرام يمرح *9 فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني اسحق *10 "
تقول بقية الآيات أن إبراهيم لم يتقبل أوامر سارة لطرد إسماعيل وأمه - قبح الكلام في عينيه بسبب ابنه - لكن الرب سارع وحسم الأمر بأن أمره بالنزول على طلب سارة . " فبكر إِبراهيم صباحا وَأخذ خبزا وقربة ماء وَأعطاهما لهاجر واضعا إِياهما على كتفها والولدَ وصرفها فمضت وتاهت في برية بئر سبع *14 " . ويمضي الإصحاح في القول أن الخبز والماء نفدا ، وأن الولد عطش عطشا شديدا وَلدرجة الإشراف على الموت ، فما كان من أمه إلا أن سجته تحت شجرة ، وقعدت بعيدا عنه باكية تلهج بالدعاء ، ومديرة له ظهرها كي لا تشهد موته . هنا جاءها ملاك الرب الذي شد أزرها ودلها على بئر ماء قريبة . بعدها سكنت وإياه برية قريبة من الحدود المصرية . كبر الولد وزوجته أمه بنتاً مصرية ، أي من بني قومها . كل ذلك جدث وإبراهيم غائب لم ير ابنه ولو لمرة واحدة .
ما يلفت الانتباه أكثر أن ذكر إسماعيل انقطع في باقي الإصحاحات التي واصلت سرد سيرة إبراهيم . ولم يعد ذكره إلا حين شارك أخاه إسحاق بدفن أبيهما الذي مات عن عمر بلغ 175 سنة . وأخيرا يأتي ذكره ابتداءاً من الآية 12 إلى الآية 18 ، من الإصحاح الخامس والعشرين . الآيات تقول أنه ولد لإسماعيل 12 ابنا ، عددت أسماءهم : بنايوت ابنه البكر وقيدار وَأدبئيل وميسام ومشماع ودومة ومسَّا وحدار وتيما وبطور ونافيش وقدمة . أي ليس بينهم اسم عربي واحد . وتقول أن إسماعيل توفي عن 137 سنة .
11
ونصل إلى السؤال : وماذا يقول القرآن في تخلي إبراهيم عن زوجته هاجر وابنه إسماعيل تلبية وَإطاعةً لأمر زوجته سارة ؟
اقتصر ذكر صرف إبراهيم لِهاجر وإسماعيل في القرآن على آية واحدة ، هي الآية 37 من سورة إبراهيم ، ونصها { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } . أما الحديث فقد تجاهل تخلي إبراهيم عن أبوته لإسماعيل تماما ، كما تجاهل قبلها حادثي المتاجرة بعرض سارة . وكل ذلك على عكس الأدبيات الإسلامية التي تزخر بالروايات عن هذه الحادثة ، ولكن ….
لكن ، وفيما يبدو تستند الروايات الإسلامية لحديث منسوب لابن عباس ، والذي من قراءته يشير إلى تفسير ، أو تأويل للآية السابقة .
ابن عباس يقول أن سارة أمرت إبراهيم بإبعاد هاجر وابنها الرضيع إسماعيل إلى أبعد مدى ممكن ، وأن إبراهيم سار ، موجها بالعناية الإلهية ، متخيلا في كل مرة رأى فيها واديا مُعشبا ، أو عين ماء ، أنه وصل إلى غايته ، حتى وصل إلى مكة حيث جاءته الإشارة الإلهية بأن هذا المكان هو المكان المقصود . وهناك ترك هاجر ورضيعها وعاد .
رواية ابن عباس تكرر حكاية التوراة عن عطش إسماعيل الولد وليس الرضيع ، وإشرافه على الموت ، وبحثها هي عن الماء ، تلك التي وردت في التوراة كما أسلفنا ، ولكنه يستبدل بئر الماء التي أشار إليها الملاك بتفجر عين زمزم تحت الرضيع إسماعيل .
الأهم في رواية ابن عباس ، وما بني عليها من الروايات الإسلامية ، من وجهة نظرنا ، إشارات الروايات الخفية ، بأن إسماعيل نما بجهد أمه ، كبر وتعلم الرماية والصيد ، تعلم اللغة العربية وتزوج بنتاً من قبيلة جرهم العربية ، دون رؤية لأبيه إبراهيم ولو لمرة واحدة . ولكن …
ولكن رواية ابن عباس ، والروايات التي بنيت عليها ، تعود لتحكي عن زيارات متكررة لإبراهيم ، بعد أن كبر إسماعيل وتزوج ، ربما في محاولات لتفسير الآيات 125 إلى 129 من سورة البقرة ، والخاصة ببنائهما - إبراهيم وإسماعيل - لِلكعبة ، والتي تقول تلك الروايات أنها قبل ذلك كانت مجرد مرتفع من الأرض يمر السيل من حولها دون أن يجرفها .
ويُدهش القارئ كم الغيبيات في رواية ابن عباس والروايات الأخرى . الروايات تصور رحلة إبراهيم من جنوب فلسطين إلى مكة وكأنه انتقال من حارة إلى حارة أخرى في نفس القرية ، أو من قرية إلى قرية مجاورة . يقوم إبراهيم بالرحلة الشاقة ، عبر صحاري ، لا يمكن عبورها إلا مع قوافل بأدلة طرق وحراسات ..الخ ، لِيقفل راجعا بعد لقاء زوجة ابنه وسؤالها عن أَحوالهما ، مع ترك ملاحظة لابنه بتغيير عتبة بيته مرة والإبقاء على هذه العتبة في ثانية .
ولا يتذكر ابن عباس وغيره من الرواة أن النبي محمد احتاج لرفيق طريق ، وإلى دليل ، ومزودين بالماء والطعام ، في رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة ، الرحلة الأقصر بمرات من رحلات إبراهيم من جنوب فلسطين إلى مكة ، وذلك بالرغم من أن النبي مشى هذا الطريق أكثر من مرة في رحلات التجارة إلى بلاد الشام ، وقطعها مرتين على ظهر البراق ، كما تحكي قصة الإسراء والمعراج . إذاً ، لا بد أن يتساءل قارئ الأدبيات الإسلامية : كيف تأتى لِإبراهيم الذي لم ير الجزيرة العربية ، أن يقطع هذه المسافة الهائلة ، عبر الصحاري القاتلة ، مرات ومرات وحيدا ؟
12
لكن التساؤل الأكبر يبرز من حقيقة أن الله أمر إبراهيم إطاعة أمر سارة ، وإبعاد إسماعيل عن حضنه ، والتخلي عن واجباته الأبوية في رعايته وتربيته ، بسبب انحياز الرب لإسحاق وحصر نسل إبراهيم في نسل إسحق فقط . هذا الانحياز الذي يتجلى في نصوص التوراة مرات ومرات . والقارئ لا يرى سببا لهذا الانحياز إلا لكون سارة ، أم إسحاق ، كانت آنذاك ، وبالرغم من كل ما حدث معها ، أعلى نسبا ، وأرفع مكانة اجتماعية من هاجر ، أم إسماعيل العبدة والخادمة المصرية ، والتي كانت إحدى عطايا الفرعون لسارة .
والمدهش في هذا الأمر أن القرآن ،هو الآخر ، ينحاز إلى إسحاق وعلى حساب إسماعيل ، وَللأسباب ذاتها . كيف ؟
آيات القرآن تتحدث عن التبشير بإسحاق أربع مرات ؛ الآية 71 من سورة هود ، الآية 57 من سورة الحجر ، الآيتان 101 و113 من سورة الصافات ، وَالآية 20 من سورة الذاريات ، ولا تشير إلى هذا التبشير باسماعيل ولو لمرة واحدة .وتتحدث الآيات : 84 من سورة الأنعام ، 49 من سورة مريم ، 72 من سورة الأنبياء ، 27 من سورة العنكبوت ، أي خمس مرات عن هبة الله لإبراهيم بِإسحاق ويعقوب . بينما يقتصر ذكر الهبة باسماعيل مقرونا بإسحاق على آية واحدة هي الآية 39 من سورة إبراهيم . ويتساوى ذكر نبوة إسماعيل مع نبوة إسحاق ، وبآية واحدة لكل منهما ؛ الآية 55 من سورة مريم لإسماعيل ، وَالآية 112 من سورة الصافات لإسحاق . وَيذكرهما القرآن معا ومع إبراهيم ويعقوب في آيتين هما 133 و 140 من سورة البقرة . هل يمكننا القول هنا أن القرآن سار على درب التوراة في تبني التمييز بين الأخوة استنادا لرفعة النسب والمقام الاجتماعي للأم ؟
13 وخاتمة
والحقيقة أن التوراة كانت قد سبقت إلى الإجابة على هذا السؤال . فَإبراهيم لم يتخل عن أبوته لإسماعيل فقط ويحرمه من ميراثه . إبراهيم فعلها مع أبنائه الآخرين . من هم ؟ وكيف ؟
تقول بداية الإصحاح 25 أن إبراهيم ، بعد موت سارة ، اتخذ له زوجة اسمها قطورة ، وأن قطورة هذه ولدت له ستة من الأبناء هم : زِمران ، يغشان ، مدان ، مديان ، بشياق وشوحا . كما تقول أنه كان له أبناء آخرين من سراريه ، وأنه أعطاهم ، وأبناء قطورة عطايا وصرفهم إلى الشرق ، بعيدا عن إسحاق ، وأنه أعطى لإسحاق كل ما كان له . وهنا يلاحظ القارئ أن إبراهيم أضاف لتخليه عن أبوته لإسماعيل حِرمانه من ميراثه .
المدهش مرة أخرى ، أن الأدبيات الإسلامية تعترف بزواج إبراهيم من قطورة ، وتضيف أنه تزوج إمرأة رابعة وأنه أنجب منها ، لكنها تتجاهل حقيقة إنجابه أولادا من سراريه . كما تعترف بقصر ميراثه على إسحاق ومقدسة ذلك .
وعلى العموم ، يلاحظ القارئ المدقق أن القرآن يتبنى الروايات التوراتية الخاصة بِإبراهيم ونسله ، لكنه ، أي القرآن ، يعود ويرويها من زاوية معاكسة ، نزعاً لِبشرية إبراهيم وبنيه من جهة ، وَتنزيها للأنبياء عن الوقوع في الخطأ من جهة أخرى .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقاطعات بين الأديان 17 إشكاليات الرسل والأنبياء 2
- تقاطعات بين الأديان 16 إشكاليات الرسل والأنبياء 1
- يا مثقفي التنوير اتحدوا
- تقاطعات بين الأديان 15 الحكمة والحكماء
- تقاطعات بين الأديان 14العادل المعذب ....صبر أيوب
- تقاطعات بين الأديان 13 الصعود إلى السماء
- تقاطعات بين الأديان 12 الروح والموت
- تقاطعات بين الأديان 11 المرأة في روايات الخلق
- تقاطعات بين الأديان 10 غايات الآلهة من خلق الإنسان
- تقاطعات بين الأديان 9 خلق الإنسان
- تقاطعات بين الأديان 8 قراءة في رواية حلق الكون القرآنية
- حدود الدولة
- تقاطعات بين الأديان 7 قراءة في روايات خلق الكون
- تقاطعات بين الأديان 6 نظرية الخلق 1 خلق الكون
- تقاطعات بين الأديان 5 قراءة مقارنة في روايات الطوفان
- تقاطعات بين الأديان 4 الطوفان
- في البحث عن الأمل والسقوط في الأحضان االقاتلة
- تقاطعات بين الأديان 3 الأضاحي البشرية
- الإستراتيجية الفلسطينية .....وضرورة التغيير 3/3 البديل تقصير ...
- الإستراتيجية الفلسطينية ......وضرورة التغيير 2/3 الحركة بفعل ...


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - تقاطعات بين الأديان 18 ، إشكاليات الرسل والأنبياء 3 إبراهيم