أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - تقاطعات بين الأديان 23 إشكاليات الرسل والأنبياء 7 يوسف















المزيد.....



تقاطعات بين الأديان 23 إشكاليات الرسل والأنبياء 7 يوسف


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 7164 - 2022 / 2 / 16 - 17:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مدخل
تحتل سيرة يوسف مساحات واسعة في الكتابين المقدسين ؛ التوراة والقرآن . ولكن يلاحظ قارئ السيرة أنها تحفل بِإشكاليات ، كما الحال مع من سبقوه من الرسل والأنبياء ، فشل احتفاء الكتب المقدسة به في إخفائها .
ولأن سيرة يوسف تتقاطع مع سيرتي أبيه يعقوب ، وَأخوته الأسباط ، يتطلب البدء في عرض السيرة وإشكالياتها التذكير ، وَبإيجاز غير مخل ، بأهم ما سبق عرضه منها في السيرتين السالفتين .
قلنا أن يوسف هو ابن الحبيبة راحيل ، الأصغر سنا والأجمل ، وبالتالي الأقرب لقلب يعقوب ، بين زوجاته الأربعة ؛ شقيقتها الكبرى ليئة وخادمتها زلفة ، وبلهة خادمة راحيل . ولأن راحيل كانت معشوقة يعقوب ، ومسبب خدمته سبع سنوات لخاله لابان ، ولأن لابان لم يف بِالعقد ، خَدعه وزوجه الكبيرة غير الجميلة وضعيفة النظر ، ولأن يعقوب اضطر لتجديد الخدمة سبع سنوات أخرى ليحظى بالجميلة المعشوقة راحيل ، ولأن رحم راحيل أبى أن ينفتح سنوات عدة ، أتى بعدها بيوسف ، وَلِينغلق مرة أخرى ، فقد أدى تراكم العشق واللوعة عند يعقوب ، لِيغدقه حباً لِيوسف ، وتمييزا له على أخوته . نقول هذا لأن الكتابين المقدسين ، بالرغم من اِحتفائمها الكبير بِيوسف ، لا يَعرضان ما يمكن وصفه بِميزات لِيوسف على إخوته ، سواءً أكان ذلك من ناحية جمال الخلقة ، أو تميزا في السلوك .
على العكس تماما تعرض لنا التوراة سلوكيات ذميمة ليوسف ، تدفع بالقارئ إلى التساؤل : إذاً لماذا أحبه أبوه كل هذا الحب ، وَميزه كل هذا التمييز ، حتى على شقيقه بنيامين ، الابن الفعلي لشيخوخة الأب ، والذي ملك كل صفات الجمال الجسدي التي حظي بها يوسف ، والأهم من ذلك أن بنيامين كان اليتيم الذي حرمه القدر من رؤية أمه ، معشوقة الأب راحيل ، ومن حنانها وعطفها ، كونها ماتت وهي تلده ، واحتاج لتعويض كل ذلك لرعاية خاصة ، لحنان مضاعف أضعافا من هذا الأب الذي صرفه كله ليوسف ، وَلدرجة أن أوغر قلب هذا الصغير على شقيقه كما حدث مع الأخوة الآخرين .
لم يكتف يعقوب بهذا التمييز ليوسف ، والذي عبرت التوراة عن صخبه بشراء قميص ملون له ، بل استخدمه يعقوب في التجسس على زوجتيه ، الخادمتين ، زلفة وبلهة ، وأولادهما ، غارسا فيه هذه الذميمة ، والتي لخصتها التوراة بالقول أن يوسف كان ينقل نميمة الزوجتين وَأبنائهما لأبيه ، والذي ظل يستقبل هذا النقل بالرضى .
ثم كان أن حظوة الأب ليوسف أكسبته صفات رذيلة أخرى ، ليس أقلها التنمر على أخوته ، الأمر الذي يزيد من غيرة وحسد هؤلاء الأخوة . غيرة وحسد تحولت إلى كره وبغض وصل حد اجتماع هؤلاء الأخوة ، ولنلاحظ أنهم مثله أنبياء معصومين ، على التفكير فَالتخطيط للتآمر عليه والتخلص منه ، آملا في أن يمنحهم غيابة فرصة التفات الأب لهم .
في التخطيط للخلاص منه اختلف الأخوة بين قتله ، وبين بيعه عبدا لإحدى قوافل التجار التي كانت تعبر المكان . وكان أن تم تطبيق الأخيرة .
1
وبعد هذا العرض الموجز لبعض سيرة يوسف في الحلقتين السابقتين ؛ يعقوب والأسباط ، تعالوا نطالع من جديد سيرة يوسف في القرآن والتوراة ، ونبدأ ، كما اعتدنا في الحلقات الأخيرة ، مع القرآن .
خص القرآن يوسف بسورة كاملة ، سورة يوسف . وورد ذكره فيها صريحا أو بصورة مباشرة في 98 آية من آياتها المِئة وَإحدى عشرة ، وفي سورتي الأنعام ؛ الآية 84 ، وَغافر ؛ الآية 34 .
كما خصت التوراة يوسف بمساحة ربما هي أكبر من تلك التي خصه به القرآن . إذ يمتد ذكره على مدار واحد وعشرين إِصحاحا ، بدءا بآيتين اثنتين ، 24و25 الإصحاح 30 ، وإلى نهاية الإصحاح 50 ، وإن غاب ذكره في بعضها ؛ الإِصحاحان 31 و32 مثالا .
ولأننا سبق وَعالجنا بعض جوانب سيرة يوسف في سيرتي أبيه يعقوب ، وإخوته الأسباط ، تعالوا نقرأ في هذه السيرة بعضا آخر مما لم نتطرق له في السِيرتين السَالفتين ، ولنبدأ كالعادة مع القرآن .
2
يأتي ذكر اسم يوسف صريحا ، في سورة يوسف ، بدءا من الآية 4 وكما يلي : { إذ قال يوسف لأبيه يا أبتِ إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } .
تقول لنا هذه الآية أن يوسف رأى في منامه أنه سيكون يوما ما سيدا على إخوته الأحد عشر ، كما على أمه وأبيه . ولا تقول الآية في أي سن حدثت له هذه الرؤيا ، ولا في أي سن ستتحقق . ولكن …
لكن التوراة ، وقد أوردت الآية ذاتها ، وبنفس النص ، بالرغم من تقديم وتأخير في المفردات : " ثم حلم أيضاً حلما وقصه على أخوته . فقال إني قد حلمت حلما أيضا ، وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدة لي " الآية 9 من الإصحاح 37 .
أول ما يلفت الانتباه في هذه الآية على لسان الرب ، ، ليس الصيغتان المختلفتان ، التقديم والتأخير في الكلمات ، والذي يمكن تفسيره بمقتضيات اللغة من جهة ، ومستوى المخاطبين المعرفي باللغة من جهة أخرى ، بل بما حَملتاه من اختلاف في الجهة التي تم عليها القص ؛ الأب في القرآن ، والإخوة في التوراة . هذا النوع من الاختلاف سيتكرر ، ويمكن فهمه لو كان الراوي ، وبعد الزمن الطويل إنسانا ، أثرت عوامل عدة على ذاكرته ، لكن الاختلاف يغدو غير مفهوم والرواية جاءت على لسان الرب الذي لا تتأثر ذاكرته بعوامل الزمن . وليس ذلك وحسب . فَالآية ، وفي الكتابين المقدسين ، تحمل تناقضا آخر . كيف ؟
الآية تقول باجتماع أمه راحيل وشقيقه بنيامين في السجود له ، أي الإقرار بسيادته عليهم ، أو قيادته لهم ، بالرغم من استحالة هذا الاجتماع . فَراحيل كانت قد ماتت ، وهو يعرف ذلك ، وهي تلد بنيامين ، كما تخبرنا الآيات 16، 17 ، 18 ، 19 و20 من الإصحاح 35 . هذا ، بالطبع ، إن كانت الرؤيا - الحلم - قد وقعت له في وجود شقيقه ، أم إن كانت قد وقعت قبل ولادة شقيقه ، أي في وجود أمه ، فلم يكن يعلم الغيب بأن أمه ستلد شقيقا يكون الأخ الحادي عشر من أخوته .
يكبر هذا التناقض في الروايتين مع ردة فعل يعقوب الأب ، مع قص يوسف لحلمه عليه .
يقول القرآن أن ردة فعل الأب جاءت على النحو التالي : { قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين } الآية 5 .
الآية تقول أن الأب لم يعترض ، وقَبِلَ بأمر سجوده - خضوعه للسيادة - هو وزوجته راحيل لِيوسف ، وتقول أن الأب لم يصحح ليوسف استحالة اجتماع الأم راحيل ، والشقيق بنيامين في تحقيق هذه الرؤيا - الحلم . وكل ما هم الأب كان تحذير الابن من قص الرؤيا على إخوته ، ليس بسبب معرفته لما زرعه هو في نفوسهم من بغض وكره بسبب تمييزه الدائب ليوسف عليهم ، وإنما لما يمكن للشيطان ، لِإبليس فعله من الوسوسة في رؤوس الإخوة ، وسوسة تؤدي للكيد له والتآمر عليه ,
في هذه التفصيلة من الرواية تقول التوراة ، في الإصحاح 37 قولا معاكسا للقرآن : تقول أن يوسف قص حلمه على أبيه وإخوته : " وقصه على أبيه وإخوته فانتهره أبوه وقال ما هذا الحلم الذي حلمت . هل نأتي أنا وأمك وإخوتك فنسجد لك إلى الأرض " الآية 10. تقول الآية الأب استشاط غضبا من هذا الغلو في غرور ابنه . الغرور الذي جاء ثمرة طبيعية لكم الدلال وعمق التمييز الذي دلقه هو في جوف هذا الابن . لم يهتم بتصحيح الخلل في هذه الرؤيا . خلل استحالة اجتماع الأم والشقيق بنيامين . لهذا جاء رده بأن انتهر هذا الابن المدلل مستنكرا حلم هذا الإبن القاضي بأن يجيء هو وزوجته ، بجلالة قَدرهما ، ومعهما باقي الأبناء ليسجدوا جميعا له . أيضا ، غابت عن الآيتين القرآنية والتوراتية مسألة غاية في الأهمية وهي أن يعقوب كان على أعتاب شيخوخته . مسألة حق الأب الشيخ وواجب الابن ، مهما علت مكانته ، في موضوع الرعاية . مسألة أن قيام الإبن بواجب الرعاية لا يعطيه الحق في طلب خضوع الأب لسيادته . أما الأمر الأخير في هذه الآية فإن الآية التوراتية تقول بأن يوسف فاجأ أباه وإخوته بقص الحلم عليهم ، ومن ثم لم تتوفر للأب فرصة النصح بعدم قص الحلم على إخوته ، تَوقيا لخطر إغراء الشيطان أن يكيدوا له ، كما تقول الآية القرآنية ، وهو بداهة يعرف ثمار ما زرعه بينهم من تنامي الحسد إلى البغض فالكره ، أي توفر الدوافع للتآمر على الخلاص منه . ولكن …
ولكن لم يكن ذلك كل شيء مع هذه الآية . إذ يقول الإصحاح في الآيات 5،6،7 و8 أن يوسف درج على محاولات إغاظة إخوته بقص أحلامه عليهم ، وَليطلقوا عليه وصف أبو الأحلام :" وحلم يوسف حلما وأخبر إخوته فازدادوا أيضا بغضا له 5 فقال لهم اسمعوا هذا الحلم الذي حلمت .6 فها نحن حازمون حزما في الحقل . وإذا حزمتي قامت وانتصبت فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتي 7 فقال له إخوته لعلك تملك علينا ملكا أم تتسلط علينا تسلطا . فازدادوا أيضا بغضا له من أجل أحلامه ، ومن أجل كلامه 8 " . كما تقول الآية 11، بعد آية الأحد عشر كوكبا ؛ الآية 9 السابقة ، " فحسده إخوته ، وأما أبوه فحفظ الأمر " .
3
يمضي القرآن بعد ذلك مشيرا إلى الكيفية التي غدت عليها سيرة يوسف وإخوته عبرا لمن جاء بعدهم ، بادئا بعرض أسباب غيرة الإِخوة ، حسدهم ، فتطور الغيرة والحسد إلى بغض ، فكره أوصلهم للتفكير فَالتخطيط للتخلص منه ، كسبيل وحيد لاستعادة التفات الأب لهم ، وربما حُظوتهم بشيء من عطفه وحنانه ، وكالاتي :{ إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين 8 اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يَحِّل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين 9 قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين 10 } .
هكذا كانت المؤامرة وأسبابها ،والعبرة منها تتمثل في المدى الذي يوصله انحياز الأب لبعض أبنائه ، تفضيله لهم ، تمييزه لهم ، وهم اثنان ،على باقي الأخوة وهم عشرة هنا . تمييز الأب أوصل الأبناء لاختيار واحد من اثنين : إما قتل الابن المدلل هذا ، أو تدبير أسره من جماعة وبيعه عبدا في سوق النخاسة ، وكان أن رسوا على الخيار الثاني .
أما التنفيذ فاحتاج إلى حبك مؤامرة أخرى ، وإلى تحايل على الأب { قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لَناصجون 11 أرسله معنا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون 12 قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون 13 قالوا لَإن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون 14} .
تشير الآيات إلى أن يوسف كان طفلا صغيرا ، والغيرة من طفل صغير ، بلغ ما بلغ تمييز الأب له ، لا يدعو الأخوة ، وهم كلهم أنبياء ، إلى مراكمة الغيرة لدرجة تحولها إلى كُره فَتآمر على الخلاص من هذا الطفل .
فيما تقول التوراة في الإصحاح 37 ذات الكلام تقريبا ، أي مع بعض الفوارق التي تضفي على الرواية شيئا من المنطق . تقول ." وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته فصنع له قميصا ملونا 3 فلما رأى إخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع إخوته أَبغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام 4 " و " ومضى إخوته لِيرعوا غنم أبيهم عند شكيم 12 فقال إسرائيل ليوسف أليس إخوتك يرعون عند شكيم .تعال فََأرسلك إليهم فقال له هاأنذا 13 فقال اذهب انظر سلامة إخوتك وسلامة الغنم ورد لي خبراً . فأرسله من وطاء حبرون فأتى إلى شكيم 14 فوجده رجل فإذا هو ضال في الحقل . فسأله الرجل قائلا ماذا تطلب 15 فقال أنا طالب إخوتي أخبرني أين يرعون 16 فقال الرجل قد ارتحلوا من هنا لأني سمعتهم يقولون لنذهب إلى دوثان . فذهب يوسف وراء إخوته فوجدهم في دوثان 17 " .
محتوى الروايتين ، القرآنية والتوراتية ، واحد كما نرى ، وإن ضَمتا اختلافات ، تعارضات ، وفوارق في التفاصيل وكما يلي : 1- القرآن كعادته يوجز ، فيما تنحو التوراة إلى التفصيل ، وحيث ، مرة أخرى ، يمكن عزو ذلك إلى طبيعة اللغتين وقدرات أهلهما على التعبير بهما.
2- يشير القرآن ، وبوضوح ، إلى أن يوسف كان طفلا ، فيما تقول التوراة في نص سابق أن يوسف كان شابا وابن 17 سنة ، وسائر النص يؤكد على ذلك .
3 - يقول النص أن الأب وابنه يوسف كانا يسكنان حبرون - الخليل - والإخوة كانوا يرعون غنمهم عند شكيم - نابلس - ، وبالمناسبة هذا أمر يحدث مع مربي الأغنام ، والمسافة بينها يمكن أن يمشيها شاب وحيدا ، فيمَ القرآن لا يشير إلى موقع الحدث ، مكتفيا بتعريفنا أن الجميع كانوا معا ، لا تفصلهم مسافات ، تحتاج للتفكير في قدرة الإنسان على قطعها . ونتيجة لذلك برزت في القرآن مسألتان نَفتهما التوراة . تمثلت الأولى في احتياج الأبناء للتحايل على الأب كي يتمكنوا من الانفراد بيوسف . فيما تمثلت الثانية في إظهار حكمة الآب وَكشفه للغيب .
4
ولا يتوقف الاختلاف والتناقض على لسان الرب عند هذا الحد ، بل يتواصل . إذ تقول التوراة ، في الآيات اللاحقة ، بدءا من الأية 18 أن ظهور فكرة المؤامرة ، والجدل حول كيفية التخلص من هذا الأخ هبطت على المتآمرين لاحقا وكانت ابنة اللحظة . كيف ؟
:" فلما أَبصروه من بعيد قبلما اقترب إليهم احتالوا عليه ليميتوه 18 فقال بعضهم لبعض هوذا صاحب الأحلام قادم 19 فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول وحش رديء أكله فنرى ماذا تكون أحلامه 20 فسمع رأوبين وأنقذه من أيديهم ، وقال لا نقتله 21 وقال لهم رأوبين لا تسفكوا دما . اطرحوه في هذه البئر التي في البرية ولا تمدوا له يدا ، لكي ينقذه من أيديهم ويرده إلى أبيه 22 فكان لما جاء يوسف إلى إخوته أنهم خلعوا عن يوسف قميصه ، القميص الملون الذي عليه 23 وأخذوه وطرحوه في البئر . وأما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء 24" .
وإذا كانت التوراة هنا قد أوردت فكرة خدعة التمويه على الأب باتفاق الأبناء على فبركة حكاية عن أكل وحش رديء ليوسف ، فقد ناقضها القرآن بعزو الفكرة إلى خوف يعقوب من احتمالية غفلة الأبناء فِإتاحة المجال لِلذئب ، والذئب لا يصنف بالوحش الرديء ، كي يفترسه .
وبالرغم من هذا الاختلاف الجوهري ، فلا أظن أن بعض الفروق الأخرى في الصياغتين ، مثل ما إن كانت الفكرة من بنات أفكار إخوته ، بغرض تبرير فعلتهم ، أو هي من وحي خوف يعقوب عليه . ومثل ما إن كانت فكرة طرحه في البئر كي يتمكن أخ له من انقاذه ، أو لغرض أن ينتشله بعض المارة ويأخذونه عبدا ذات أهمية كبيرة . الأهمية الأكبر تتعلق بذهنية الراوي ، وإن كانت تتأثر بفعل مرور الزمن وتعاقب الأحداث ، مثلها مثل الذاكرة البشرية أم لا . ولكن ..
5
ولكن آيات التوراة اللاحقة تعطينا سردا للكيفية التي تمت بها المؤامرة . تقول الآية 25 أن الإخوة بعد طرحهم ليوسف في البئر الفارغة رأوا قافلة تُجًّار قادمة من جلعاد ، أي من جهة الأردن ، ومتجهة إلى مصر ، أسمتهم الآية بالإسماعيليين . تسمية تلفت انتباه واهتمام القارئ ، لِإيحائها بأن التوراة هي أول من أطلق نِسبة العرب إلى إسماعيل ، وليتم تبني هذا التوصيف فيما بعد ، وإلى يومنا هذا . لماذا ؟
أولاً : لأن خِلفة إسماعيل آنذاك لم تكن ، كِخلفة أخيه إسحاق ، تزيد عن جيلين فقط ، وفي أحسن الأحوال لم تتعد بضع عشرات من الرجال . وبتعداد كهذا لا يمكنهم تشكيل قوافل تجارية ، في حين كان تشكيلها متاحا لأهل المنطقة الذين يُنسبون للعرب . غير هذا تقول الآية أن القافلة كانت قادمة من جلعاد ، وحيث كانت التوراة في وقت سابق قد أخبرتنا أن إسماعيل استقر على تخوم سيناء وتزوج من بناتها ، بنات المديانيين. وثانياً : تعود التوراة وتقول لنا من هم هؤلاء الإسماعيليون :" فقال يهوذا لإخوته ما الفائدة أن نقتل أخانا ونخفي دمه 26 تعالوا نبيعه للإسماعيليين ولا تكن أَيدينا عليه 27 واجتاز رجال مديانيون تجار . فَسحبوا يوسف وَأصعدوه من البئر وباعوا يوسف لِلإسماعيليين بعشرين من الفضة فأتوا بِيوسف إلى مصر 28 " .
إذاً ، كان التجار مديانيين ، وأن أبناء يعقوب أطلقوا عليهم نسب الإِسماعيليين . وَالمديانيون ، كما كان معروفا آنذاك ، هم سكان سيناء ، جنوب فلسطين ، جنوب الأردن ، وساحل خليج العقبة الشرقي . وثالثا : استغل الإخوة المتآمرون فسحة الوقت المتبقية لوصول القافلة . ذهبوا إلى البئر . انتشلوا أخاهم . وعندما وصلت القافلة باعوه لها عبدا وَبعشرين من الفضة . ثم ماذا ؟
يقول القرآن : { وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون } الآية 19 .
بحسب القرآن إذن ، كان في البئر ماء . والطفل - الغلام - يوسف كان في الماء زمنا لا يحدثنا القرآن عن طوله ،وإن كان القارئ يتخيله من المدى الذي أخذه الإخوة في تمزيق قميص يوسف وتلطيخه بالدم الكذب والذهاب لأبيهم وسرد الكذبة عليه ، كما تقول الآية 18 السابقة .
مرة أخرى ليس المهم هنا هذا التناقض في الروايتين ؛ البئر الخربة ، والبئر الملأى بالماء . ولا في تفصيلة إخراجه من قبل الإخوة وبيعهم له ، أو عثور السيارة عليه في البئر ، ولا حتى في أن القرآن لا يخبرنا شيئا عن عمق الماء في البئر ، وكيف لغلام قذف به فيه لم يمت غرقا واستمر بالحياة . المهم أن الاختلاف يشير إلى عطب في ذاكرة الراوي . ثم ماذا ؟
6
ثم كان على الإخوة التفكير في كيفية نقل خبر الفاجعة إلى الأب . وكان ، حسب القرآن ، أن حبكوا رواية نقل الخبر على النحو التالي : { فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب ، وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون 15 وجاءوا أباهم عشاءً يبكون 16 قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين 17 وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون 18 } .
فيما تقول التوراة في ذات الإصحاح 37 : " فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسا من المعزى وغمسوا القميص في الدم 21 وأرسلوا القميص الملون وَأحضروه إلى أبيهم ، وقالوا وجدنا هذا . حقق أَقميص ابنك هو أم لا 22 فَتحققه وقال قميص ابني . وحش رديء أكله . افترس يوسف افتراسا .23 فمزق يعقوب ثيابه ووضع مسحا على حقويه وناح على ابنه أياما كثيرة 24 فقام جميع بنيه وجميع بَناته لِيعزوه ، فأبى أن يتعزى وقال إني أنزل إلى ابني نائحا إلى الهاوية . وبكى عليه أبوه 25 " .
من جديد ، وإن عادت الروايتان واختلفتا اختلافا بينا في التفاصيل . ومن جديد يمكن الإشارة إلى أن أسباب الاختلاف تعود إلى تعارض نظرتي الكتابين المقدسين لموضوع النبوة . ففي حين تركز التوراة في عرضها للحدث على الجوانب البشرية ليعقوب وأبنائه الأنبياء ، يفعل القرآن العكس بتركيزه على معصومية الأنبياء ممثلين في يعقوب ، إذ القرآن في ذات الوقت يتجاهل معصومية أبناء يعقوب - الأسباط - ، في ارتكابهم لهذه الجريمة النكراء ، واستمرارهم في خلق وسرد الأكاذيب لتمريرها على أبيهم . كيف ؟
تقول آيات القرآن السالفة ، بعد فَبركتهم لدليل إخفاء الجريمة أنهم جاءوا أباهم يبكون - يسكبون دموع التماسيح - ، وبوقاحة يقولون لأبيهم أنهم يعرفون أنه لن يصدقهم حتى لو كانوا صادقين . فيما تقول التوراة ، أنهم من البداية لم يحتاجوا ، ولم يسكبوا دموع التماسيح هذه . وتقول أنهم بوقاحة رموا له بقايا قميص ، مدعين أنهم لم يشاهدوا الوحش ، ولم يعرفوا مصير أخيهم ، وفقط عثروا على هذه البقايا ، وَمطالبين الأب المكلوم التحقق من هذه البقايا ، ومن ثم التعرف على مصير الابن المفقود .
صحيح أن القرآن يوافق التوراة ، في هذه الجزئية ، بعرضه سلوكا بشريا لأبناء يعقوب ، لكن الحال يختلف مع ردة فعل يعقوب .
القرآن أشار لِمعصومية يعقوب بإعرابه عن المعرفة بِفعلة أبنائه :{ … قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا } ، فيما ركزت التوراة على بشريته حين امتثل لطلب فحص بقايا القميص ، فَإقراره بأن القميص هو قميص يوسف ، ومن ثم إصداره الحكم بأن وحشا رديئا افترسه .
ثم أن معصومية يعقوب ، حسب القرآن ، تجلت في ردة فعله التي تتسق مع ردة فعل نبي معصوم :{...فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } . أما التوراة ، في المقابل ، فقد ركزت على بشريته حين أشارت إلى فجيعته كأي أب ، حين مزق ثيابه ، ناح عليه ، مسح حقويه ، رفض تعزية أبنائه وبناته ، وأعلن العزم على بكائه بقية عمره .
7
وننتقل إلى الطور اللاحق في الرواية ، أي بيع يوسف عبدا في مصر .
عن أسر يوسف وبيعه ، يضيف النص القرآني ، بدءا من الآية 19 السالفة ما يلي : { وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون 19 وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين 20 قال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا …..21 } .
دعونا هنا لا نتوقف عند عدم تعريف القرآن بنسب التجار الذين عثروا على يوسف في البئر ، وأنه أطلق عليهم نسبا مجهولا حين وصفهم بالسيارة . الأمر هنا مفهوم . القرآن رفض ، أو تجنب إلحاق وصمة أسر يوسف وَبيعه عبداً بِالإسماعيليين ، أو العرب . لكنه أكد على زهدهم فيه ، وتخلصهم منه ببيعه بثمن بخس ، بِدراهم معدودة . ويلفت الانتباه أن الآية 21 لم تعرف هوية المشتري المصري ، واكتفت بتوصيته امرأته العناية به ، إما لإمكانية الانتفاع من خدمته عبدا ،وإما ، وهذا أهم ، لإمكانية اتخاذه ولدا ، في إشارة لكون هذه الأسرة لم ترزق بِخلفة ، لسبب أن أحد طرفيها كان عاقرا .
التوراة من جهتها ختمت الإصحاح 37 ببدء عبودية يوسف في آية واحدة ، هذا نصها :" وأما المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط 36" . لكنها عادت في الإصحاح 39 وفصلت : " وأما يوسف فأنزل إلى مصر واشتراه فوطيفار خصي فرعون وَرئيس الشرط . رجل مصري من يد الإسماعيليين الذين أنزلوه إلى هناك 1 وكان الرب مع يوسف فكان رجلا ناجحا وكان في بيت سيده المصري 2 ورأى سيده أن الرب معه وأن كل ما يصنع كان الرب ينجحه بيده 3 فوجد يوسف نعمة في عينيه وَخدمه . فَوكله على بيته ودفع إلى يده كل ما كان له 4 وكان من حين ما وكله على بيته وعلى كل ما كان له أن الرب بارك بيت المصري بسبب يوسف . وكانت بركة الرب على كل ما كان له في البيت وفي الحقل 5 فترك كل ما في يد يوسف ولم يكن معه يعرف شيئا إلا الخير الذي يأكل . وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر 6" .
تعود التوراة ، في هذه الآيات ، إلى التأكيد على أن يوسف ، وقت بدء عبوديته كان شابا وليس طفلا كما يكرر القرآن . وتضيف أن الرب ، ومنذ بدء هذه العبودية ، أسبغ رعايته عليه ، الأمر الذي أفضى إلى إتقانه لعمله ونجاحه في كل ما يعهد إليه ، فلفت نظر مالكه ، ومن ثم إلى ود متبادل بينهما ، وإلى أن يعهد الأخير إليه بإدارة بيته وكافة أعماله ، في البيت كما في الحقل ، فَالاتكال عليه في كل شيء ، وَلدرجة أن هذا المالك لم يعد يعرف شيئا عن أملاكه التي أثمرت ، وأعماله التي ازدهرت بفضل هذه الإدارة ، غير ما يتعلق بأكله وشربه .
وبديهي أن تلفت الانتباه الجملة الخاتمة للآيات :" وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر " ، ووضعها في سياق ما هو آت ، بعد ربطها بإشارة الآيات مرتين إلى هذا المالك المصري بِأنه خصي ، أي خادم لِفرعون ، وربما كإشارة لضعفه الجنسي ، لكنه بالرغم من ذلك ، صاحب جاه وعز ، وأنه يحوز على وصف العزيز ، لِاحتلاله منصب رئيس الشرطة ، في دولة بحجم مصر آنذاك .
8
وهنا نكون قد وصلنا إلى ذروة الرواية لا عقدتها ، ممثلا في جزئها الأهم من حيث العبرة ، ونقصد به حكاية يوسف مع امرأة سيده .
عن هذا الجزء نصت آيات القرآن : { ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين 21 وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح القوم الظالمون 23 ولقد همَّت به وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين 24 واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم 25 قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قُدَّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين 26 وإن كان قُدَّ من دُبُر فكذبت وهو من الصادقين 27 فلما رأى قميصه قُدَّ من دُبُر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم 28 يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين 29 } .
والآن ، وقبل الذهاب إلى التوراة وروايتها ، تعالوا نتوقف قليلا مع الآيات وَنستذكر الآتي : 1- يوسف كان عبدا ، ونظام العبودية يقوم على قواعد ويحتكم لقوانين قاسية ، بعيدة كل البعد عن إنصاف العبيد . 2- ولأن نظام العبودية لا يقيم محاكمة للعبد في مثل هذه الحالة ، ولا يستدعي شهودا لاستجلاء الحقيقة قبل إصدار الحكم الذي يكون بالقتل عادة ، فإن الآيات هنا تدفعنا للتساؤل : هل قصد القرآن هنا تذكيرنا بأن نظام العدالة المصري آنذاك كان متقدما ، في هذه الجزئية وربما في غيرها ،على نظم معاصريه ولاحقيه ، ومنها نظم العدالة التي أتت بها الديانات السماوية الثلاث ؟ نتساءل لأن الآيات تقول لنا على لسان المرأة أن حكم الفعل - مراودة الحرة - كان السجن في حال ثبوته في محاكمة عادلة ، وقد تمت فعلا ، وليس القتل بدون محاكمة . أكثر من هذا سمح الزوج ، بالرغم من المفاجأة وفورة الدم ، ليوسف بالدفاع عن نفسه ، وحكم هو ، وقبل التحول للقضاء ، ببراءة يوسف وتكذيب زوجته . 3- أن الزوج المخدوع رأى الحادث بنفسه ، ولا يحتاج لأحد كي يوضح له حقيقة ما حدث لِقميص يوسف . خصوصا وأنهما استبقا إلى الباب ، والزوج رآهما ، يوسف في المقدمة وهي تلحقه وَتشده من قميصه . لم تعمه فورة الدم ، ولم يستغل سلطته . برأ يوسف ، أشار عليه بتجاهل ما حصل . أدان امرأته بالكيد . حكم : هذا من كيدكن إن كيدكن عظيم ، وحيث غدت إدانة مسبقة لكل النساء فيما بعد وحتى يومنا هذا . 4- هنا تحضرني حادثة ثبتها موثقة في الجزء الأول من كتابي " قراءة سياسية في العهدين المحمدي والراشدي " . تقول الحادثة أن النبي كان قد أسكن سريته ، أمته ، ماريا القبطية ، بعيدا عن حجرات زوجاته ، في مكان يقال له العالية . ولما كان العبد المصري الذي ضمته هدية المقوقس ، حاكم مصر الروماني آنذاك ، يقوم على خدمتها ، فقد نما لعلم النبي أن هذا الخادم يدخل عليها . وبدون أن يتحقق ، أمر النبي علي بن أبي طالب ، وفي قول آخر عمر بن الخطاب ، بقتله . ذهب علي لتنفيذ الأمر الذي كان خبره قد وصل لمسامع الخادم . ولأنه كان يعرف بانعدام حقه في الدفاع عن نفسه ، ورأى عليا قادما ومشهرا سيفه ، فكر في حيلة لعرض براءته . صعد فوق شجرة ، وأسقط نفسه أمام علي ، مفرجا ساقيه وكاشفا عورته . رأى علي أن الرجل كان مجبوبا ، وَمنعدم إمكانية الممارسة . أغمد علي سيفه وقفل راجعا . أعلم النبي بأن الخادم مجبوب ، وأغلقت القضية . 5 - أن الآيتين 23 و 24 نَاقضتا وَاحدتهما الأخرى ، حيث رفض يوسف دعوتها للممارسة - هيت لك - في الأولى ، وَتحركت غريزته وهَمَّ بها ، وهي في مكانة الأم له ، في الثانية . 6 - أن الآيات تقول بعلو الصوت أن يوسف كان سيقع في الخطيئة ، سَيمارس الفاحشة ، لولا أن الرب سارع لحمايته . 7 - لم تفصح لنا الآيات بشيء عن الكيفية التي تمت بها هذه الحماية ، وتركت لخيالنا استحضار صورها ، لنقول ربما جرى تنبيه عقله ، في اللحظة الحاسمة ، تقرير مصيره بالقتل الحتمي ، كونه عبدا في حال أن مارس الخطيئة مع سيدته الحرة . 8- وقد يقول خيالنا أن يوسف وهو نبي معصوم ، قد سارع الرب لصون عصمته ، عن طريق تحذيره بصورة ما ، في مثل هذه الحالة 9 - لكن تصورا كهذا يستدعي في الحال صورة ما وقع مع أخويه ؛ راؤبين ويهوذا ، وهما نبيان ، كما يؤكد القرآن مرة بعد أخرى ، إذ مارس الأول الخطيئة مع زوجة أبيه ، والثاني الذي اعتاد الممارسة مع الزانيات ، مارس الفحشاء مع أرملة ابنيه ، وخطيبة ابنه الثالث ، فحملت منه سفاحا ، ودون أن يُحرك الرب ساكنا لحفظ مَعصوميتهما - اقرأ حلقة الأسباط السابقة .
9
وبالعودة إلى التوراة والإصحاح 39 نقرأ : " وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف وقالت اضطجع معي فأبى 7 وقال لامرأة سيده هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت وكل ماله دفعه إلى يدي 8 ليس هو في هذا البيت أَعظم مني . ولم يمسك عني شيئا غيرك لأنك امرأته فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله 9 وكان إذ كلمت يوسف يوما فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها 10 ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك في البيت 11 فأمسكته بثوبه قائلة اضطجع معي . فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج 12 وكان لما رأت أنه ترك ثوبه في يدها وهرب إلى خارج 13 أنها نادت أهل بيتها وقالت انظروا قد جاء إِلينا برجل عبراني لِيداعبنا . دخل إِلي لِيضطجع معي فصرخت بصوت عظيم 14 وكان لما سمع أَني رفعت صوتي وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب وخرج إلى خارج 15 فوضعت ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته 16 فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة دخل إلي العبد العبراني الذي جئت به إلينا لِيداعبني 17وكان لما رفعت صوتي وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب إلى خارج 19 فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذي كلمته به قائلة بحسب هذا الكلام صنع بي عبدك أَنَّ غضبه حمي 20 فأخذ يوسفَ سيدُهُ ووضعه في بيت السجن الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه وكان هناك في بيت السجن 21" .
قارئ الرواية التوراتية يلاحظ أنها أكثر اتساقا في السرد ، وأكثر انسجاما ومنطقية من زميلتها الرواية القرآنية . وربما تقف أولى ملاحظاته عند هذا التوصيف لِيوسف بالعبد العبراني . ربما لتعيد الرواية التذكير بأن يوسف عندما تم أسره وبيعه عبدا كان على أعتاب الشباب، في ال17 من العمر . وبديهي أنه لو كان غلاما ، كما يؤكد القرآن ، ما كان ليتمسك بديانته لِضعف ومحدودية ما عرفه منها . وأيضا ما كان من أسروه وباعوه ، ومن ثم من اشتراه ، قد عرفوا جنسيته ، خصوصا وأن اللغة العبرانية لم تكن قد وجدت بعد ، وإبراهيم ونسله ، ومنهم يعقوب ويوسف تكلموا لغة أهل المحيط في أرض الكنعانيين . كما يلاحظ القارئ اتفاق الروايتين على أن عدالة القانون المصري آنذاك تفوقت على نظيراتها المعاصرة واللاحقة . إذ كانت تكفي سيد يوسف الذي حمي غضبه ، وهو من كان قد منح يوسف حبا أبويا ، ووضع فيه كل ثقته ، وَلدرجة أن ساواه بنفسه ، نقول : كانت تكفيه ، وهو رئيس الشرطة ، رواية زوجته حتى يبادر لقتله . لكنه لم يفعل ذلك . لم تعمه فورة الدم عن تنفيذ القانون ، وهو القائم على أمانة وواجبات التنفيذ . اكتفى فقط بإيداعه في السجن . ولكن …
10
ولكن كانت للقرآن رواية مناقضة في مسألة إيداعه السجن هذه . فكيف كان ذلك ؟
نعود للتذكير بأن الآية 29 نصت على طلب الزوج من يوسف نسيان الموضوع ومواصلة حياته وعمله كما كان قبل الحادثة ، كما أدان امرأته وطلب منها الاستغفار لذنبها . ثم كان أن نصت الآيات اللاحقة على التالي :{ وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ، قد شغفها حبا إنا لَنراها في ضلال مبين 30 فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأً وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم 31 قالت فذلكنَّ لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم وإن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين 32 قال ربي السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصبو إليهن وأكون من الجاهلين 33 فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم 34 ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين 35 } .
إذاً ، تقول الآيات أن أمر سيده له بنسيان الحادث ، ومواصلة عمله السابق عليه قد جرى تنفيذه ، ودون تحديد لمدة النفاذ هذه . كما تقول أن امرأة العزيز واصلت مراودته فيما واصل هو التَمنع ، حتى شاع الخبر في المدينة ، ووصل لصديقاتها اللواتي أَنكرن عليها شغفها بعشق فتاها - عبدها - وَطعنَّ في أخلاقها . دعتهن لزيارتها . أعدت لهن مجلسا . أعطت كل واحدة سكينا لمساعدتها في إعداد لوازم الضيافة . وفي ذروة اْنشغالهن أمرته بالخروج عليهن . سحرهن جماله ، وبلغ فعل سِحره عليهن حد تجريح أيديهن بالسكاكين .
الأهم في هذه الرواية كان أنهن انضممن إليها في مراودته عن نفسه ، فيما واصل هو التمنع والرفض . ثم تقول الآيات أن مواصلة المراودة من قبلهن نجحت في إثارة غريزته . أخذ يضعف شيئا فشيئا ، وامرأة العزيز - رئيس الشرطة فوطيفار - تلاحقه وتتوعده بالسجن إن واصل رفضها . هكذا بات لا يملك خيارا غير مخاطبة ربه و الشكوى إليه من تيقظ غريزته فتردي مقاومته ، والطلب إليه أن يدركه قبل السقوط في الخطيئة . ولأنه كان قد قال أن السجن أحب إليه من تلبية طَلباتهن وطلب سيدته ، استجاب له الرب ، صرف عنه كيدهن بأن أدخله السجن . وهنا يفاجئنا السؤال : أين كان العزيز ، وبمَ تمثل دوره ؟ لا تجيب الآيات على السؤال ، ولكن يمكن للمرء أن يستنتج أن دوره اقتصر على تلبية طلب امرأته إيداعه السجن . ولما كانت رواية التوراة قد قالت بأن هذا السجن قد ضم من بين من ضم أسرى الملك - الفرعون ، فكان بديهيا أن يبدأ فصل جديد في حياة العبد يوسف . فكيف كان ذلك ؟
11
كانت الرواية القرآنية قد استبقت الحدث لتخبرنا بأن كل ما سيحدث ليوسف كان تدبيرا من الرب ، وتجهيزا منه ليوسف في دوره القادم . كيف ؟
تقول الآية 15 الآتي :{ فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون } . وقبلها قالت الآية 6 :{ وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم }. ويعود في الآيتين 20 و21 ليقول : { ……وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون 20 ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين 21} .
وقد يخيل للقارئ أن هذه الآيات جاءت خارج السياق لكونها تبدو مقطوعة الصلة بما سَبقها ولحقها من النص. لكنه يكتشف أنها جاءت بمثابة توطئة استباقية لأحداث ما قرب النهاية وأثناءها . مرة ثالثة كيف ؟
بحثا عن الجواب ، تعالوا نعود ونطالع النص القرآني أولا .
ونقرأ :{ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجُنُنه حتى حين 35 ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين 36 قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة كافرون 37 واتبعت ملة آبائي إبراهيم وَإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 38 يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار 39 ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 40 يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب وَتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان 41 وقال للذي ظن أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين 42} .
والآن ، وبعد استبعاد الآيات 38 ، 39 , 40 التي هي في الرواية بمثابة الحواشي ، نرى أن يوسف فسر حٍلمين لزميلين قاربا على الخروج من السجن ، وحيث بعد الإفراج يعودان للعمل عند رب عملهما السابق ، والذي لايعرفنا القرآن عليه . يرتكب أولهما خطأ فيكون حسابه بالقتل والصلب وتأكل الطير من رأسه ، فيما يتقن الآخر عمله ويرضى عنه رب العمل ويكافئه بتقريبه منه . وتكهن يوسف بأن رب العمل هذا هو واحد من أصحاب المقام الرفيع ، ولذلك طلب من هذا الفتى ذكره عنده ، فلربما يفرج عنه ويقربه إليه . لكن الحياة بمشاغلها تأخذ هذا الفتى وتنسيه ذكر يوسف ، وَليقضي يوسف في السجن بضع سنين أخرى .
12
وإذاً ،تعالوا نطالع ذات الرواية في التوراة .
تحكي خاتمة الإصحاح 39 حال يوسف في السجن على النحو التالي : " وكان الرب مع يوسف وبسط إليه لطفا وجعل نعمة له في عيني رئيس بيت السجن 21 فدفع رئيس بيت السجن إلى يد يوسف جميع الأسرى الذين في بيت السجن . وكل ما كانوا يعملون هناك كان هو العامل 22 ولم يكن رئيس السجن ينظر شيئا البتة مما في يده لأن كان معه ومهما صنع كان الرب ينجحه 23 " .
وبعد هذا التوضيح لمكانة يوسف في السجن ، وقيامه بكامل شؤون إدارته ، يأخذنا الإصحاح 40 لرواية تفسير الحلمين الْلذين حَكاهما القرآن . ولأن الإصحاح طويل ، فَسأجتهد ، تخفيفا على القارئ ، تلخيصه تلخيصا غير مخل ، وعلى النحو التالي :
يبدأ الإصحاح بتعريفنا أن الفتيين اللذين أشار لهما القرآن ، كانا رئيس سقاة الملك - الفرعون - ورئيس طهاته . وأنهما أَذنبا فَعاقبهما الملك بالحبس في ذات السجن الذي كان يوسف يقضي عقوبته فيه ، وحيث نقل رئيس السجن يوسف إلى غرفتهما وكلفه بِخدمتهما ، فأدى عمله على أحسن وجه . ثم كان أن :" وحلما كلاهما حلما في ليلة واحدة كل واحد حلمه ، كل واحد بحسب تعبير حلمه . ساقي الملك وخبازه المحبوسان في بيت السجن 5 " . عاد يوسف ليجدهما مغتمين . سألهما عن أسباب غمهما فقالا أنهما حلما حلمين مزعجين ولا يجدان من يُفسرهما . طلب منهما أن يَقصا كل واحد حلمه فَقصا الآتي : " فقص رئيس السقاة حلمه على يوسف وقال له كنت في حلمي وإذا كرمة مامي 9 وفي الكرمة ثلاثة قضبان . وهي إذ أفرخت طلع زهرها وَأنضجت عناقيدها عنبا 10 وكانت كاس فرعون في يدي . فأخذت العنب وعصرته في كأس فرعون وأعطيت الكأس في يد فرعون 11" .
كان هذا هو حلم الأول ، أما حلم الثاني فكان كما يلي :" فلما رأى رئيس الخبازين أنه عَبَّر جيدا قال ليوسف كنت أنا أيضا في حلمي وإذا ثلاثة سلال حُواري على رأسي 17 وفي السل الأعلى من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز . والطير تَأكله من السل عن رأسي 18" .
فسر يوسف الحلمين كلا على حدة . قال فيهما أن فرعون سَيعفو عنهما ، وَسيخرجان بعد ثلاثة أيام ، وسيعيد فرعون الأول إلى عمله رئيسا للسقاة ، فيما سيقطع رأس الثاني ويصلب جسده على خشبة وَيأكل الطير لحمه . ثم طلب إلى الأول أن يذكره عند فرعون علَّ فرعون يفرج عنه . ثم كان أن تحقق تفسير الحلمين وعلى النحو التالي : " فحدث في اليوم الثالث يوم ميلاد فرعون أنه صنع وليمة لجميع عبيده ورفع رأس رئيس السقاة ورأس رئيس الخبازين بين عبيده 20 ورد رئيس السقاة إلى سقيه . فأعطى الكأس في يد فرعون 21 وأما رئيس الخبازين فعلقه كما عبر لهما يوسف 22 ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف بل نسيه 23 " .
ولأن النص هنا لا يحتاج تفسيرا إضافيا ، فقد يمكننا الإشارة إلى أن السرد التوراتي لهذا الجزء من الرواية ، مثله مثل الأجزاء السالفة ، أكثر اتساقا ، وأكثر انسجاما ، فَمنطقية من نظيره القرآني ، وليعود التساؤل ويقفز في وجه القارئ من جديد : كيف ولماذا حدث هذا الاختلاف والقاص واحد في الحالتين ، وهو الرب ذاته ؟
13
وتمضي الرواية في سيرها ، وَلتأخذ بيدنا إلى الآتي ، بدءا من النص القرآني : { وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون 43 قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحاديث بعالمين 44 وقال الذي نجا منهما واذَّكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون 45 يوسف أيها الصِّديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون 46 قال تزرعون سبع سنين دَأَباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون 47 ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تُحصنون 48 ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يَعصرون 49 وقال الملك إئتوني به ، فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللائي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم 50 قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه > قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه > وإنه لمن الصادقين 51 ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين 52 وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم 53 وقال الملك آتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك لدينا اليوم مكين أمين 54 قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم 55 وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين 56 ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون 57 }.
وبالرغم من إغراء تفسير الآيات ، خصوصا وأن القارئ يحتاج لاستفزاز كل ملكة التركيز والتدقيق ، وذلك للتفريق بين ، ومعرفة على لسان من جاءت هذه الآية ، وعلى لسان من جاءت تلك ، كما ولأن هذا الجزء من الرواية ، كسابقه ، يورد تفصيلية تغيب عن الرواية التوراتية وتخص النسوة الْلواتي قطعن أيديهن بالسكاكين ، ومن ثم اْنضمامهن لامرأة العزيز في مراودة يوسف عن نفسه ، وأخيرا اصراره على نيل البراءة مقرونة بالعفو قبل الخروج من السجن ، فَصحوة الضمير عند النسوة وامرأة العزيز ، وحصوله على البراءة ،أقول : بالرغم من هذا الإغراء سأنتقل إلى التوراة التي خصصت واحدا من أطول إصحاحات سفر التكوين لهذه الجزئية من الرواية ، وهو الإصحاح الحادي والأربعين بآياته السبع والخمسين .
14
وكذلك يغري هذا بنقله للقارئ بآياته السبع والخمسين ، لكن وبسبب طوله من جهة ، وفيضه بكلمات وتعابير خرجت من الاستعمال وباتت صعبة التفسير ، فَتيسيرا على القارئ من جهة ثانية ، سأحاول عرضه بكلماتي ، مجتهدا وملتزما الدقة والوضوح ما أمكنني ذلك .
يبدأ الإصحاح بالقول أنَّه وبعد سنتين من تفسير يوسف لحلمي رئيس السقاة ورئيس الطهاة ، حدث أن رأى فرعون حلما أيقظه من نومه منزعجا . عاود النوم فَعاوده حلم ثاني زاده إزعاجا . في الصباح دعا جميع سحرة مصر وجميع حكمائها . قص عليهم الحلمين ، ولكنهم فشلوا في تَفسيرهما . هنا تذكر كبير السقاة يوسف فحكى للفرعون قصة حُلميهما ، هو وكبير الطهاة ، وعرضهما الحلم على يوسف الذي فسرهما ، وكيف أن التنفيذ جاء مطابقا لتفسير يوسف .
أمر فرعون بإحضار يوسف من السجن . وقف يوسف ، بعد أن اغتسل ، حلق وبدل ثيابه بين يدي فرعون الذي بادر يوسف بالقول :" …. حلمت حلما وليس من يُعَبِّره -يفسره -وأنا سمعت عنك قولا إنك تسمع أحلاما لِتُعبرها 15فأجاب يوسف قائلا ليس لي . الله يجيب بسلامة فرعون 16" .
هنا عاود الفرعون قص حلمه ، بنفس نصه الأول . قال :" فقال فرعون ليوسف إني كنت في حلمي واقفا على شاطئ النهر 17 وَهُوَذا سبع بقرات طالعة من النهر سمينة اللحم وحسنة الصورة فَأرتعت في روضة 18 ثم هُوَذا سبع بقرات أُخرى طالعة وراءها مهزولة وقبيحة الصورة جدا ورقيقة اللحم لم نظر في كل أرض مصر مثلها في القباحة 19 فأكلت البقرات الرقيقة والقبيحة البقرات السبع الأولى السمينة 20 فدخلت أجوافها ولم يعلم أنها دخلت في أجوافها . فكان منظرها قبيحا كما في الأول . واستيقظت 21 ثم رأيت في حلمي وهوذا سبع سنابل طالعة في ساق واحدة ممتلئة وحسنة 22 ثم هوذا سبع سنابل رقيقة ملفوحة بالريح الشرقية نابتة وراءها 23 فابتلعت السنابل الرقيقة السنابل السبع الحسنة . فقلت للسحرة ولم يكن من يخبرني 24" .
أجاب يوسف بأن الحلمين هما حلم واحد ، وأن الله أراد من تكرار الحلمين أن يخبر الفرعون بما قرر وبما هو صانع ، ولكي يأخذ الفرعون حيطته . السبع بقرات ، كما السبع سنابل تعني سبع سنين . السبع السمان وَالحسنة هي سبع سنوات يعم فيها الخير ، والسبع القبيحة والتي لفحتها الريح الشرقية تعني سبع سنوات محل وشح في الغذاء والماء فَانتشار الجوع والمرض اللذين يَفتكان بالناس .
والآن ، وقبل الانْتقال لعرض نصيحة يوسف بالحل ، أذكر القارئ بربط الحلم بالنهر ، أي بنهر النيل ، في تذكير لدورات فيضانه وجلب الطمي ، وانعكاسه على الزراعة بوفرة المحاصيل ، ودورات انحسار النيل وما يعقبها من شح في مياه الري ، ووقوع المحل بقلة المحاصيل وما يعقبها من جوع وأمراض .. الخ .
ونعود لنصح يوسف لِلفرعون : " فقال لينظر فرعون رجلا بصيرا وحكيما ويجعله على أرض مصر 33 يفعل فرعون فيوكل نظارا على الأرض ويأخذ خمس غلة مصر سبع سني الشبع 34 فيجمعون جميع طعام هذه السنين الجيدة القادمة ويخزنون قمحا تحت يد فرعون طعاما في المدن ويحفظونه 35 فيكون الطعام ذخيرة للأرض لسبع سني الجوع التي تكون في أرض مصر ، فلا تنقرض الأرض بالجوع 36" .
أعجبت نصحية يوسف فرعون وحاشيته . تذاكروا في إمكانية العثور على شخص تستوفي حكمته مواصفات الاضطلاع بهذه المهمة الخطيرة ، فلم يجدوا غير يوسف . التفت إليه الفرعون وكلفه القيام بالمهمة . ولكي يستطيع ذلك ، عينه نائبا له وأعطاه سلطات مطلقة . وكان أن جاء التكليف والسلطات على النحو التالي : " أنت تكون على بيتي وعلى فمك يُقْبِل جميع شعبي . إلا أن الكرسي يكون أكون فيه أعظم منك 40 ثم قال فرعون ليوسف انظر إني جعلتك على كل أرض مصر 41 وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف وألبسه لباس بوص ووضع طوق ذهب في عنقه 42 وأركبه في مركبته الثانية ونادوا أمامه اركعوا وجعله على كل أرض مصر 43 وقال فرعون ليوسف أنا فرعون فبدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر 44" . ولكن …
15
ولكن وقبل أن يكمل الإصحاح رواية الكيفية التي تصرف بها في الحكم ، وفي إدارة المحنة ، يفاجئنا بتفصيلة قد تبدو صغيرة وعابرة ، ولكنها كبيرة وتتطلب وقفة تأمل وقراءة متمعنة . فما هي ؟ ولماذا هي كبيرة ؟
نصت الآيات بالآتي :" ودعا فرعون اسم يوسف صفنات فعنيح - ويبدو أن هذا لقب أو رتبة عظيمة ، الكاتب - . وأعطاه أسنات بنت فوطي كاهن أون زوجة . فخرج يوسف على أرض مصر 45 وكان يوسف ابن ثلاثين سنة لما وقف قدام فرعون ملك مصر . فخرج يوسف من لدن فرعون واجتاز في كل أرض مصر 46 " . ثم " وولد ليوسف ابنان قبل أن تأتي سنة الجوع . ولدتهما له أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون 50 ودعا يوسف اسم البكر منسى قائلا لأن الله أنساني كل تعبي وكل بيت أبي 51 ودعا الثاني أفرايم قائلا لأن الله مثمرا في أرض مذلتي 52 " .
ربما يتذكر القارئ ، من الحلقات السابقة ، أن إبراهيم أخرج إسماعيل من نسله ، لأن دم إسماعيل ملوث ، من ناحية أمه المصرية هاجر ، وأنه ، وحفاظا على نقاوة الدم ، بعث لعشيرته في حاران ، وزوج اسحق رفقة حفاظا على نقاوة الدم هذه . كما أن إسحق حفظ وصية أبيه ، وطرد ابنه البكر عيسو من جنته ، لأنه لوث الدم بالزواج من بنت كنعانية أولا ، وأضاف لهذا الْتلويث تلويثا إضافيا بزواجه ثانية من إحدى بنات عمه إسماعيل . وها نحن نرى يوسف ، وِبفرمان من فرعون ، يلوث الدم النقي ، وليس فقط لا يطرده الرب من جنة الدم النقي ، بل ويبقيه عمودا أساسيا من أعمدته . فكيف حدث ذلك ؟ هل حدث لأن الرب يكيل بمكيالين ، ويعتمد ازدواجية في المعايير ، نزولا عند حقيقة خصوصية محبة يعقوب ليوسف ، أم ماذا ؟
16
وَنعود لنتابع مع الإصحاح . تقول الآيات أنه وبعد أن مشط يوسف البلاد طولا وعرضا ، شمالا وجنوبا ، بدأت سنوات الفيضان والخير : " وأثمرت الأرض سبع سني الشبع بحزم 47 فجمع كل طعام السبع سنين التي كانت في مصر وجعل طعاما في المدن . طعام حقل المدينة الذي حواليها جعله فيها 48 وخزن يوسف قمحا كرمل البحر كثيرا جدا حتى ترك العدد إذ لم يكن له عدد 49 " .
وأعقبت سنيَّ فيضان النيل ، سنيَّ الخيرات السبع هذه ، سنيُّ انحسار مياه النيل ، سنيُّ انحباس المطر ، فالقحط والجوع السبعة كماقال يوسف ، ليضرب الجوع كل الأرض ، مصر وغير مصر :" ….. وأما جميع أرض مصر فكان فيها خبز 54 ولما جاعت جميع أرض مصر وصرخ الشعب إلى فرعون لأجل الخبز قال فرعون لكل المصريين اذهبوا إلى يوسف . والذي يقول لكم افعلوا 55 وكان الجوع على كل وجه الأرض . وفتح يوسف جميع ما فيه من طعام وباع للمصريين . واشتد الجوع في أرض مصر 56 وجاءت كل الأرض إلى مصر إلى يوسف لتشتري قمحا . لأن الجوع اشتد في كل الأرض 57 " .
ولأن ، وقبل أن ننتقل لإعادة قراءة وتفحص نصي الرواية المقدسين ، لا بد أن يكون لفت انتباه القارئ، والنصان وردا على لسان الرب ، هذا التكرار ، هذا التأكيد المشدد ، لِعبارة كل الأرض . صحيح أن أهل مصر آنذاك ، وكذلك أهل بلدان جوار مصر عَرَّفوا العالم ، كل العالم ، العالمين ، بأنه مصر وهذا الجوار من البلدان التي لم تكن وسائل المواصلات آنذاك ، بطون أقدامهم ، تسعفهم للوصول إلى ما هو أبعد ، فقصروا تعريف العالم ، كل الأرض ، كل العالم ، العالمين عليها . لكن، كيف للرب ، وهو ينظر للأرض من عالي السموات ، كيف له أن يحصر معرفته عند حدود معرفة الناس ، فيصف مصر وبلدان الجوار بأنها كل الأرض ، كل العالم ، هي العالمين ؟
17
ونصل في إعادة قراءتنا ، في تفحصنا للنص إلى ما هو أهم وأبعد . وأبدأ القول أننا لو كنا قبلنا ما قالته وتقوله دراسات اللقى الأثرية في فلسطين ، وفي مقدمتها تلك الصادرة عن علماء من الجامعة العبرية ، من أن أحداث التوراة غير تاريخية ، وأن حكاياتها ، ومنها حكاية يوسف ، أساطير ابتدعها خيال شعبي جمعي ، وأنها أقرب إلى حكايات الأدب الشعبي منها إلى الوقائع التاريخية ، كما يذهب المؤمنون من أتباع الديانات الثلاث ، لما احتجنا إلى إعادة القراءة ،التمعن ، التدقيق ، التمحيص ، التحليل ، فَطرح المزيد والمزيد من الأسئلة ومحاولات الإجابة عليها .
قراءتنا لهذا الجزء ، حلم فرعون وتفسير يوسف ، وصعوده إلى موقع السلطة الثاني في الدولة المصرية ، تطرح الكثير من الأسئلة ، وتعيدنا إلى وقائع حقيقية لذلك الزمن ، المقدر أن يكون بين العامين 1650 و1700 ق.م ، وعلى النحو التالي :
1- أن مصر آنذاك كانت تملك دولة عميقة ، بنت ورسخت حضارة متقدمة ، مُتطورة في مناحي عدة ، وفي المقدمة منها بناء وإدارة مؤسسات الدولة ، ونظم تولية المسؤولين والصعود للمناصب العليا ، والتي تقول باستحالة حصول ذلك لمنصب أقل بكثير من المنصب الثاني ، رئيس وزراء الفرعون بلغة الحاضر ، وَبالطريقة التي حكتها الروايتان ؛ القرآنية والتوراتية .
2- أن يوسف كان عبدا ، أجنبيا ، وَسجينا مدانا بتهمة أخلاقية ،لا يملك تأهيلا من أي نوع لتبوء المنصب الذي صعد إليه . صحيح أن القرآن قال : {…وآتيناه حكما وعلما .. } لكن الرواية القرآنية ذاتها قصرت الحديث عن حكمه وعلمه على تأويل الأحاديث ، أو تفسير الأحلام ، وهو حكم وعلم لا يرقى ولا يحصل بأي شكل لأبسط قواعد و معارف إدارة دولة بحجم مصر آنذاك . كما وصحيح أن التوراة أشارت إلى حسن إدارة يوسف لبيت وأملاك فوطيفار رئيس الشرطة ، وعزيز مصر ، وأيضا لبناء علاقات حسنة مع زملائه في السجن ، إلا أن كل يقصر كثيرا عن مؤهل إدارة دولة تواجهها أزمة بضخامة وعمق تلك المتوقعة بتأويل حلم الفرعون . فضلا عن أن المؤهل مهما علا ، لا يرفع صاحبه العبد ، ولاحظوا مسألة العبد هذه ،صغير السن ، ابن ثلاثين سنة ، عديم التجربة والخبرة ، لمنصب بهذه العظمة والخطورة ، وبالصورة التي جرى بها ، الأمر الذي جعله ، إن حدث ، حدثا فريدا ، حدثا جللا ، يستحيل على المؤرخين والمدونين العبور عليه ، وهم الذين اهتموا ، وقبل يوسف بمئات السنين ، بتدوين ما هو أقل أهمية منه بكثير . ومع ذلك يخلو التاريخ المدون على جدران المعابد والمسلات ، وذلك المسجل على البرديات ، وفي الأقل المكتشف منه حتى الآن ، من أية إشارة لهذا الحدث الكبير ، والذي كان من كل بد ، قد شغل الرأي العام والخاص ، ولفترة طويلة آنذاك .
3 - ولو كان الأمر غير ما نقول لكان على خلفاء المسلمين وجوب عند النص القرآني عن حكمة رفع يوسف لهذا المنصب ، كتشريع ملزم في إدارة دولة الخلافة ،وعليه كنا سنرى ابن سيرين ، مفسر الأحلام الإسلامي المشهور ، وزيرا أول ، نقرأ عنه كنظام الملك في دولة الخلافة آنذاك .
4- والأهم من كل ذلك أن خبرات البشرية تعلمنا بأن سكان أحواض الأنهار في العالم كله ، الأكبر جدا من عالم جوار مصر كما تعيد ، تزيد وتكرر التوراة ، عرفوا دورات فيضان وانخفاض مياه الأنهار ، وما يعقبها من الخير والويل ، ومنذ ما قبل انتقال البشرية إلى طورها الإنساني وبدء مسيرتها الحضارية . والشواهد التاريخية ، بالمدونات على جدران المعابد والمسلات ، كما تلك المسجلة في البرديات ، تقول بأن مصر ، وقبل وصول يوسف بزمن طويل ، كانت على معرفة كبيرة متقدمة بتلك الدورات ونتائجها المتنوعة .
5- وَدعونا نتجاوز مسألة أن الحضارة المصرية شهدت تشكل مدارس اعتنت بظواهر أشغلت الرأي العام آنذاك ، دورية فيضان وانخفاض مياه النيل مثالا . وأنه كان من بين هذه المدارس مدرسة اسمها إهناسيا ، اختصت بتأويل الأحاديث - تفسير الأحلام - ، وأن تعاليم هذه المدرسة أشارت تحديدا ، وفيما مدون في بردية باسم بردية نورين ،إلى أن البقرات السمان تعني سني الفيضان فالخير والنماء والثراء ، والبقرات العجاف تعني انخفاض مياه النهر ، فنقص الثمار والجوع والأمراض .
6 - ودولة بعمق دولة مصر آنذاك ، بتقدمها العلمي على كل الصعد ، بتراكم خبرات دوريات الفيضان والمحل ، كانت من الطبيعي أن تطور وتعمق تجارب وقاية شعبها من المخاطر المترتبة عن هذه الدوريات . واسمحوا لي هنا أن أعرض تجربة شخصية .
أثناء دراستي في كلية العلوم جامعة الإسكندرية ، نظمت الكلية ، العام 60 ، رحلة أخذتنا إلى لمشاهدة أعمال بناء السد العالي ، ومنه انحدرنا لمشاهدة آثار الحضارة المصرية . ثم كان أن كررت ذات الرحلة في العام 2006 .
كثيرة هي الشواهد على التقدم العلمي التي أدهشتني فيهما . لكن كان من بينها تلك التي ما زالت شديدة الحضور في عقلي حتى الآن ، ومنها واحدة متعلقة بتأويل الأحاديث وحكايات الفيضان .
في كوم امبو ، وأمام معبدها الشهير تلة محاذية للنيل ، ترتفع عنه بضع عشرات من الأمتار ، كانت تستخدم في الماضي البعيد مقياسا ، ترمومترا ، لدرجات الفيضان والانخفاض . كيف ؟
محفور في التلة بئر أسطواني ، يتصل قعره بمياه النيل ، وعليه مقياس مدرج ، لما فوق وَتحت المستوى العادي لمياهه . أكثر ما أدهشني كطالب آنذاك ، وناضج فيما بعد ، ابتكار تقنية من قاعدة الأواني المستطرقة الفيزيائية للسوائل ، وتطبيقها في المقياس الذي كنت أشاهد أُعجوبته ، في تقدير وجباية الضرائب ، في دوريات فيضان وانخفاض مياه النيل آنذاك . وَأدهشني أكثر هذا العجز عن تشغيل هذه التقنية الآن .
7 - ونختم بالسؤال : هل صحيح أن يوسف بتأويله حلم الفرعون ، كما تنص الروايتان ، كان هو من أتى بتلك المعجزة التي تجاوزت قدرات الأولين والآخرين ، فاستحق هذا المنصب الرفيع {.....وكذلك مكنا ليوسف في الأرض …. } ، إن كان حقا ليوسف وجود فعلي في التاريخ ، أم أنها كانت المسألة مسألة سرقة بواح لخبرات ، لِمعارف وعلم الآخرين ؟
18
إذاً ، وقد وصلنا إلى خاتمة الرواية ، تعالوا نتابع ،ومن جديد مع الخاتمة القرآنية ، وهي تمتد على 47 آية ، وتحكي قصة القحط والجوع في فلسطين ، ووصول إخوة يوسف في رحلات لابتياع القمح ، وما اكتنف الرحلات من ملابسات انتهت بانتقال العائلة كلها لمصر وَتحقق نبوءة الأحد عشر كوكبا ، والشمس والقمر ، الأصل والفصل من تقدير وتدبير الرب لقصة يوسف كلها . ولأن طول النص يعني احتلالَه مساحة واسعة ، وَلتوفير المشقة على القارئ ، سأحاول عرض هذه الخاتمة في إيجاز وافي ، واضح وغير مخل .
تُبادئنا الآية 48 بأن يوسف الحريص على مباشرة التجارة ، حتى صغيرها ، كجزء من ترتيبات حفظ الغذاء ووقاية شعب مصر من الجوع ، تُبادئنا القول أن يوسف عرف إخوته عند وصولهم ولم يعرفوه . وبعد انجاز المعاملة طلب إليهم إحضار شقيقه بنيامين في المرة القادمة وإلا فلا كيل لهم . تروي الآيات التالية وحتى نهاية الآية 66 كيفية إقناع أبيهم بإرسال بنيامين معهم ، وتوجس الأب من فقده أسوة بما حدث ليوسف . وتروى الآيات التالية وحتى الآية 76 قصة لقاء يوسف بِالشقيق بنيامين ، واحتياله لاستبقاء بنيامين عنده بتدبير سرقة صواع - مكيال - فرعون . وَلتفاجئنا الآية 77 بالكشف عن واحدة من صفات يوسف ، وهي السرقة ، وكالتالي : { قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه > ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون 77} . ثم تفاجئنا الآية 78 بإطلاق الإخوة صفة العزيز على يوسف بسبب علو مكانته ، وتأكيدا على أن لقب العزيز التي أطلقته التوراة على فوطيفار ، رئيس الشرطة وسيد يوسف في العبودية ، هو لقب يطلق على كبار القوم دون الفرعون : { قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين 78 قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إِذن لظالمون 79 } .
تحكي الآيات التالية وحتى الآية 87 الكيفية التي نقلوا بها خبر احتجاز بنيامين ، وحزن وبكاء يعقوب عليه حتى فقده البصر بابيضاض عينيه ، ثم رجاءه لهم بتسقط أخباره وأخبار يوسف . وتفاجئنا الآية 88 بعودة الإخوة لمخاطبة يوسف بلقب العزيز ، فيما تنقلنا الآيات التالية ، وَحتى الآية 92 للكيفية التي تم بها التعارف ، وإقرار الإخوة باقتراف جريمتهم بحقه فَطلبهم العفو منه . ومن جديد تفاجئنا الآيات حتى 98 بامتلاك يوسف لمعجزة رد بصر أبيه ، - ينفي العلم الحديث إمكانية حدوثها نفيا قاطعا - وبمجرد إلقاء قميصه على وجه أبيه ، القميص الذي كان الأب قد شم رائحة يوسف فيه من على بعد فراسخ قبل الوصول ، واتهام الإخوة للأب ، بسبب ذلك ، بالعودة لِهلاوسه بيوسف القديمة الممتدة .
أخيرا تصل بنا الآيات التالية ، وحتى الآية 104 لفك عقدة الرواية كلها ، بنص الآيتين :{ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين 99 ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبتِ هذا تأويل رُؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم 100 } ، وفي إصرار عجيب من الراوي على حضور رَاحيل الأم التي كانت قد شبعت موتا قبل ذلك بسنين عديدة .
19
وفي التوراة تمتد خاتمة الرواية وفك عقدتها على طول تسع إصحاحات هي : 42 ،43 ، 44 ، 45 ، 46 ، 47 ، 48 ، 49 و50 ، وَبمائتين وخمس وَثمانين آية ، ربما بسبب ولع التوراة بالتفاصيل ، والتي وإن راعت اتساق النص وَمنطقيته ، فإنها تذهب بنا إلى افتراق كبير مع القرآن في هذه التفاصيل . كيف ؟
يبدأ الإصحاح 42 الحديث عن الجوع في أرض كنعان ، وعن سماع يعقوب بوفرة القمح في مصر ، ومن ثم حث وتجهيز أبنائه العشرة للسفر وَابتياع القمح من هناك ، واستبقاء ابنه الأصغر بنيامين عنده . وصل الإخوة مصر ، وَلأن يوسف كان المسؤول المباشر عن البيع وحفظ الغذاء، مَثُل َ الإخوة أمامه ، فعرفهم ولم يعرفوه . وسعيا منه لمعرفة شيء عن أبيه وشقيقه ، رماهم بتهمة التجسس ، وشدد عليهم في التحقيق . عرَّفوا على أنفسهم بأنهم إثنا عشر ولدا من أب واحد تركوه في أرض كنعان ، هو وأخوهم الصغير، وأن لهم أخا مفقود .
تاق يوسف لرؤية شقيقه ، وتوطئة لإحضاره زجهم في السجن ثلاثة أيام . أبقى فيه أخاه شمعون رهينة، ودفع بالتسعة ، بعد أن زودهم بالقمح الذي جاءوا لشرائه وبعد أن رد فضتهم إلى فوهات عدولهم دون علمهم ، إلى العودة بشقيقه كبرهان على صحة أقوالهم وبراءتهم .
حكوا لأبيهم ما وقع لهم . رفض في البداية رُجوعهم لمصر ، تحسبا من فقدان ابنه الثالث بعد فقد اثنين ؛ يوسف وشمعون . خافوا هم أيضا ، إثر اكتشاف فضتهم في عدولهم ، من إضافة تهمة السرقة إلى تهمة التجسس . لكن
لكن الإصحاح 43 ينبئنا باشتداد الجوع في أرض كنعان ، وعند آل يعقوب بعد نفاذ ما كان الإخوة قد أحضروه . وعليه يتم إقناع الأب بضرورة العودة إلى مصر مصطحبين الأخ الصغير بنيامين . يحملهم الأب بالوصايا وبهدية للسيد المصري - يوسف - من أطيب ثمار أرض كنعان . يُسر يوسف برؤية شقيقه . يأمر رجله بإعداد وليمة وَبإدخالهم إلى بيته . توجسوا شرا . ظنوا أن الرجل يدبر لهم مكيدة بسبب الفضة التي وجدوها في فوهات عدولهم في ختام رحلتهم الأولى . أعادوا الفضة متوسلين المسامحة لوقوعها سهوا في عدولهم . يدخل عليهم يوسف . يخرج لهم أخاهم شمعون . يطمئنهم بأن الفضة كنز وضعه الرب لهم في عدولهم . استفسر عن بنيامين وعن أبيهم ثم توجه به للوليمة ومعه حاشيته المصرية . قسم الجلوس على المائدة لثلاث فئات ؛ هو وحده . إخوته . الحاشية المصرية . مشيرا بأن المصريين لا يأكلون من طعام العبرانيين لاعتباره رجسا .
ويشير الإصحاح 44 إلى أن يوسف أراد استبقاء شقيقه . دبر مكيدة بأن أمر رجاله بوضع طاس الفضة خاصته ، وليس صواع فرعون ، في عدل بنيامين . بعد خروجهم من المدينة عائدين ، لحقهم رجل يوسف متهما إياهم بسرقة طاس سيده . فتش رجاله العدول فوجدوه في عدل بنيامين ، ما وفر مبررا لاحتجازه . أعيد الإخوة إلى يوسف الذي عاتبهم على سرقة طاسه ، وأبلغهم قراره باتخاذ بنيامين عبدا له جزاء سرقته . وأخيرا أمرهم بالرحيل والعودة لأبيهم .

بكوا وتوسلوا دون طائل . طلب يهوذا مُحادثته على حده فاستجاب . سرد له يهوذا قصتهم كلها وبينها حواراته معهم وسؤاله عن أصلهم وفصلهم وعن أبيهم . وأوضح له أنهم لا يستطيعون العودة ومواجهة أبيهم بدون بنيامين . وعرض أخذه عبدا وإطلاق سراح بنيامين .
يتابع الإصحاح 45 بأن يوسف بعد سماعه ما سمع فشل في ضبط نفسه . صرخ بإخراج رجاله المصريين . عَرَّف على نفسه بأنه هو أخوهم يوسف . بكى وَبكوا بصوت عال وصل مسامع فرعون ومسامع المصريين . خاف الأخوة سوء عاقبة ما كانوا قد صنعوه .طمأنهم قائلا : " فقال يوسف لإخوته تقدموا إلي فتقدموا . فقال أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر 4 والآن لا تَتأسفوا ولا تَغتاظوا لأنكم بِعتموني إلى هنا . لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم 5 لأن الجوع في الأرض الآن سنتين . وخمس سنين أيضا لا تكون فيها فلاحة ولا حصاد 6 فقد أرسلني الله قدامكم ليجعل لكم بقية في الأرض وَليستبقي لكم نجاة عظيمة 7 فالآن ليس أَنتم أَرسلتموني إلى هنا بل الله . وهو قد جعلني أبا لفرعون وسيدا لكل بَيته وَمتسلطا على كل أرض مصر 8 أسرعوا واصعدوا إلى أبي وقولوا له هكذا يقول ابنك يوسف . قد جعلني الله سيدا لكل مصر . انزل إِليّ . لا تقف . 9 فَتسكن في أرض جاسان وتكون قريبا مني أنت وبنوك وبنو بنيك وغنمك وَبقرك وكل ما لك 10 وَأعولك هناك لأنه أيضا يكون خمس سنين جوعا . لئلا تفتقر أنت وبيتك وكل ما لك 11وهوذا عيونكم ترى وعنا أخي بنيامين أن فمي هو الذي يُكلمكم 12 وِتخبرون أبي بكل مجدي في مصر وبكل ما رأيتم وَتستعجلون وتنزلون بأبي إلى هنا 13" .
20
والآن ، وإذا ما تجاوزنا ما تعكس هذه الآيات من شعور بالعظمة والغرور ، تمليه في العادة مثل هذه القفزة السريعة إلى موقع للسلطة بهذا الحجم ، وبهذا السلطان والنفوذ ، نشير إلى أن باقي الإصحاح انشغل في تطبيق يوسف وحاشيته لتوجيهات الفرعون بتزويد الإخوة بوسائل وأدوات وهدايا العودة لأرض كنعان ، لإحضار الأب وباقي العائلة إلى مصر تلبية لدعوة الفرعون .
وينشغل الإصحاح 46 في تعداد إجراءات الرحيل من جهة ، وأنفس بني إسرائيل الخارجة من صلب يعقوب من جهة أخرى . ويرسي الإصحاح العدد بعد استثناء النساء على 66 ، وبإضافة يوسف وأبنائه يرسو عدد بني إسرائيل على 70 نفساً ، فَدخول مصر من جهة ثانية .
يلفت الانتباه أن يوسف بعد استقبال أبيه وأهله في جاسان - جزء من محافظة الشرقية الآن - أوصاهم بأن يردوا على سؤال الفرعون عند لقائهم بالتالي : " ثم قال يوسف لإخوته ولبيت أبيه أصعد وأخبر فرعون وأقول له إخوتي وبيت أبي الذين في أرض كنعان جاءوا إلي 21 والرجال رعاة غنم . فإنهم كانوا أهل مواش وقد جاءوا بغنمهم وبقرهم وكل ما لهم 22 فيكون إذا دعاكم فرعون وقال ما صناعتكم 23 أن تقولوا عبيدك أهل مواش منذ صبانا إلى الآن نحن وآباؤنا جميعا لكي تسكنوا في أرض جاسان لأن كل راعي غنم رجس للمصريين 24 " . هذه التوصية جاءت لغرض واضح ؛ الإبقاء على صفاء هذا العرق من خلال الحيلولة دون اختلاطهم ، فَاحتمالية صهرهم بالمصريين
ثم يحكي الإصحاح 47 عن مقابلة أهل يوسف لفرعون وَإجابتهم إياه بما كان يوسف قد لَقنهم ، فَإسكانهم ، بحسب توجيه الفرعون في أرض رعمسيس ، الجزء الأفضل من أرض جاسان . كما يحكي عن مباركة يعقوب لِفرعون .
يعود الإصحاح بعدها للحديث عن اشتداد الجوع في مصر ، ويتوقف عند الحيلة التي استخدمها يوسف في تجريد الأهالي ، مقابل الخبز ، من فضتهم أولا ثم من مواشيهم ثانيا ، فأرضهم أخيرا وتحويلها كلها لملكية الفرعون . " فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون . إذ باع المصريون كل واحد حقله ، لأن الجوع اشتد عليهم . فصارت الأرض لفرعون 20 وأما الشعب فنقلهم إلى المدن . من أقصى حد مصر إلى أقصاه 23 " . ثم يخبرنا باقي الإصحاح أن يوسف لم يشتر أرض الكهنة ، وأنه حول فلاحي مصر إلى مستأجرين عند الفرعون ، يعطونه خمس غلتهم ، ويحتفظون بالباقي لطعامهم وَبذارهم .
21
ولأن يعقوب كان قد أشرف على الموت ، وأخذ على يوسف عهدا بدفنه إلى جانب أبويه إبراهيم وَإسحق في مغارة المكفيلة في مدينة الخليل ، ينشغل الإِصحاحان 48 و49 في عرض طقوس مباركة يعقوب لِإبني يوسف ، مَنسي وَأفرايم اللذين كانا قد ولدا في مصر ، ومن أم مصرية ، قبل مجيء يعقوب لمصر . ثم في جمع أبنائه وسرد آخر وصاياه عليهم .
يختتم الإصحاح 50 الرواية ، وسفر التكوين ، بالحديث عن تحنيط جثمان يعقوب - مات عن عمر 147 سنة - ونقله في جنازة فخمة إلى أرض كنعان ، ودفنه إلى جانب أبويه وجدتيه سارة ورفقة ، وزوجته ليئة ، في مغارة المكفيلة ، مشددا - الإصحاح- على التذكير بشراء إبراهيم للمغارة وَحقلها :" حمله بنوه إلى أرض كنعان ودفنوه في مغارة حقل المكفيلة التي اشتراها إبراهيم مع الحقل مُلْكَ قبر من عفرون الحثي أمام ممرا 12" .
وأخيرا يصل بنا الإصحاح لحل عقدة الرواية . يقول أن إخوة يوسف ، بعد العودة لمصر من دفن أبيهم ، تخوفوا من أن يغير يوسف معاملته لهم ، أن يضطهدهم بسبب ما فعلوه به . تداولوا أمرهم واتفقوا على التالي : " ولما رأى إخوة يوسف أن أباهم قد مات قالوا لعل يوسف يَضطهدنا ويرد علينا جميع الشر الذي صنعنا به 15 فَأوصوا إلى يوسف قائلين أبوك أوصى قبل موته قائلا 16 هكذا تقولون ليوسف آهِ اصفح عن ذنب إخوتك وخطيتهم فإنهم قد صنعوا بك شرا . فالآن اصفح عن ذنب عبيد إله أبيك . فبكى يوسف حين كلموه 17 وأتى إخوته أيضا ووقعوا أمامه وقالوا ها نحن عبيدك 18 فقال لهم يوسف لا تخافوا لأنه هل أنا مكان الله 19 أنتم قصدتم لي شرا أما الله فقصد به خيرا لكم . لكي يفعل كما اليوم . ليحيي شعبا كثيرا 20 فالآن لا تخافوا أنا أَعولكم وأولادكم فَعزاهم وطيب قلوبهم 21 " .
ومات يوسف عن 110 سنين . حنطوه ووضعوه في تابوت ، بعد أن وصى بنيه بنقل عظامه ، مع خروجهم من مصر ، إلى أرض كنعان .
وخاتمة
بعد كل هذا العرض لقصة يوسف ، قد يتساءل القارئ : إذاً ، ما هي الميزات التي أهلت يوسف كي يحظى بكل هذا التقديس في الكتابين المقدسين ؟ يبحث عن الميزات فلا يجدها . ولو افترضنا بصحة حدوث السبع سنوات السمان ، ولاحقها بِالسبع سنوات العجاف ، فَتجلي حكمة يوسف في إدارة الأزمة وإنقاذ جماهير غفيرة ، في مصر وجوارها من غائلة الجوع ، يبرز السؤال : ألا يعادل كل ذلك وأكثر نفاذ حيلته على فلاحي مصر ، وتجريده إياهم من أموالهم ، مواشيهم ، ثم أرضهم ، وتمليكها لفرعون ، ومن ثم تحويلهم جميعا إلى عبيد أو مزارعين عنده ؟
وماذا عن حلمه بِسجود الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا له ؟ خاتمة الرواية ، حسب الإصحاح 50 قالت أن يوسف نفسه أقر بأنه كان شيئا أشبه بلعب العيال بلغة إخوتنا المصريين .
ونقفل الحلقة بالسؤال الذي كررناه قبل ذلك : لما كان الراوي في الكتابين المقدسين واحدا ، وهو الله . فلماذا كان هذا الاختلاف أحيانا ، التعارض أحيانا ، والتناقض في أحيان ثالثة ، بين الروايتين ؟ هل ذاكرة الرب تخضع لذات عوامل الحفظ والنسيان ، الحذف والإضافة ، التي تصيب ذاكرة الإنسان ، أم أن وراء الأكمة ما وَراؤها ؟



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقاطعات بين الأديان 22 إشكاليات الرسل والأنبياء 7 الأسباط
- تقاطعات بين الأديان 21 إشكاليات الرسل والأنبياء 6 يعقوب
- تقاطعات بين الأديان 20 غشكاليات الرسل والأنبياء 5 إسحق
- تقاطعات بين الأديان 19 إشكاليات الرسل والأنبياء 4 لوط
- تقاطعات بين الأديان 18 ، إشكاليات الرسل والأنبياء 3 إبراهيم
- تقاطعات بين الأديان 17 إشكاليات الرسل والأنبياء 2
- تقاطعات بين الأديان 16 إشكاليات الرسل والأنبياء 1
- يا مثقفي التنوير اتحدوا
- تقاطعات بين الأديان 15 الحكمة والحكماء
- تقاطعات بين الأديان 14العادل المعذب ....صبر أيوب
- تقاطعات بين الأديان 13 الصعود إلى السماء
- تقاطعات بين الأديان 12 الروح والموت
- تقاطعات بين الأديان 11 المرأة في روايات الخلق
- تقاطعات بين الأديان 10 غايات الآلهة من خلق الإنسان
- تقاطعات بين الأديان 9 خلق الإنسان
- تقاطعات بين الأديان 8 قراءة في رواية حلق الكون القرآنية
- حدود الدولة
- تقاطعات بين الأديان 7 قراءة في روايات خلق الكون
- تقاطعات بين الأديان 6 نظرية الخلق 1 خلق الكون
- تقاطعات بين الأديان 5 قراءة مقارنة في روايات الطوفان


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - تقاطعات بين الأديان 23 إشكاليات الرسل والأنبياء 7 يوسف