أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - يوسف المحسن - هل أنصفناه














المزيد.....

هل أنصفناه


يوسف المحسن
كاتب، روائي

(Yousif Almouhsin)


الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 04:55
المحور: الصحافة والاعلام
    


بعضٌ منَ المهنِ مدلَّلة جدّاً و (نداريها مثل المي بالصينيّة)، نصطحبُها معنا إلى المنزل مثل القطط التي تبدو وديعة، نسحل حكاياتها سحلاً كجرار الغاز الفارغة. مهن أخرى ننساها أو نتناساها ما أنْ نغادر المكان ونلملم العدَّة والادوات ونغسل (المالج والصباين والشفرات) ونمشّط شَعرنا(إن وجد) ونلم الصونده ونطفّي الكهرباء من السيركت. فيما مهنٌ ثالثة تنتهي وقت صلاة الظهر ما أن يغلق (الصندوگ نشمر الوصولات وندگ فچ وانتاني الحلَّه) وبصمة الساعة الثانية والنصف.
وصفٌ يعلق في شبكته الطبيبُ الشاطرُ المُرغم على تحديث معلوماته أوّلاً بأوّل حول التقنات العلاجيّة ليتابع مرضاه طوال اليوم، والصحفي المواكِبُ وهو يطاردُ شريط الاخبار و(الگالات وقالي وقلت لو وياعواجل فلفلو) على شبكات التواصل ولا يعطيها اذن (الطرشه) على طريقة فريد الأطرش، اضافة إلى مهنٍ أخرى مثل العاملين في التجارة وسط تقلّبات الأسعار والسياسي (اللي لازم يتخشخش العصر) ويحضر فواتح واعراس و(مشيات) ودعوات عشاء بالمطاعم سبع نجوم.
حين تراقبُ حركةَ خروجِ التلاميذ من المدارس تستهويك فكرة أنّ حقائبهم أصبحت أثقل قليلاً مما بدت حين دخلوا صباحاً، خاصّة وقد أُفرِغت من (قنينة الماء، النساتل، دفتر الأملاء الذي سيخضع للتصحيح من قبل المعلم)، وحين يبدأ المعلمون بالمغادرة ايضاً تستهويك الفكرة ذاتها، فهم يسحلون ظلّهم الذي تتشبث به هموم ومشاغل اليوم الطويل وما تأجّل منه إلى الغد، ثقلُ حقائبهم لا يقلُّ عن ثقلِ رؤوسهم المعبّأة بالأصوات التي لا تهدأ.
المعلّم يقف في أوّل طابور الحاملين مهنهم وهمومها إلى المنزل وإن كان اقلّهم دخلاً، فالحقيبة ليس فيها غير (شخابيط تشبه وصفات يكتبها الطبيب على عجالة) واسطر عوجاء مكررة.
اصطحاب هموم المهن إلى (الحوش) وحملها في الرأس ليس شيئاً هيناً، فهي تشاطرنا اليوميّات، وتصبح هي الحياة بدلاً من ان تكون جزءً منها.
والمهم حين نأخذُ اولادنا إلى الطبيب فإنّنا نتابع كلَّ صغيرةٍ وكبيرة ونتابع الممرض والشعاعي والصيدلي، وحين نزور الميكانيكي او كهربائي السيّارات فأننا (نوگف عله راسه)، بعد اخوك الأصلي، لمن يكمّل، لكنّنا نترك اطفالنا بباب المدرسة لخمس ساعات ونرحل الى اعمالنا مطمئنين، ذلك لأنَّ المعلّم يقوم بالمهمّة، فلا يوجد كائنٌ يُنصت إلى الطفل أكثر من معلّمهِ.
في المقهى، يجلس ذات المعلم ممسكاً الشاي المر ليسترجع مادار خلال اليوم الدراسي، التلاميذ لم تكن راضية عنه، المدير كان عصبييَّ المزاج، المشرف دخل مثل (المحافظين) المصريين، زي القضا المستعجل، لقد صَحَّحَ لهُ امامَ التلاميذ وقلَّل من شأنه واستجوبه، يُعيد المعلّم الملعقة من الصحن إلى الاستكان ويديرها عكس عقارب الساعة ليستعيد المزيد من احداث اليوم، آها .. دخل أحد الآباء واسمعه كلمات بالصميم، تذكّر عبارة (تاخذون رواتب)، وتذكّر أيضاً انّ عليه ان يستعدَّ لدروس الغد، فغادر.
قبلَ أكثرِ من ثلاثين عاماً، وخلال العطلة الصيفيّة، انيطت بي ماكنة عملاقة اسمها (الجلايه) في معمل كاشي، مهمّتي واضحة هي وضع مربعات السمنت المحشو بالحصى في قرص التشغيل الذي يدور طوال اليوم ويصدر ازيزاً يخطف الأذان والقلوب، آخر الليل، يهدأ القرص اللعين، يعمُّ الهدوء في منطقة الدورة و (ابو الچير) وتستيقظ حشرات الليل بصفيرها واسمع نباح الكلاب، لكنّ الازيز يبقى في اذني وكأنَّ المخدّة قرصٌ فولاذي، حتى اغفو.
تحضيرُ المادّة العلميّة، مراجعة الدفاتر، كتابة الخطّة، اعداد التقييمات، تجهيز الوسائل التعليميّة، واشياء اخرى، فعاليّات ترافق المعلّم إلى منزله، تشاطره المساء قبل أن يضع رأسه على المخدّة ليفاجأ بسيلِ الهرج المدرسي موجوداً ويرفض مغادرة رأسه.
فهل انصفناه وسط قرص الانتقادات المدلّلة الذي لا يهدأ !



#يوسف_المحسن (هاشتاغ)       Yousif_Almouhsin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدخنون وفشل الاقلاع عن التدخين...!!
- نمط كلاسيكي في مواجهة كتل سمنتيّة
- النخلة والعَلم العراقي
- الحصون والمخافر التراثيّة حِراك مجتمعي وهويّة عمرانيّة
- تبدّلات الساعة البيولوجية عند الاطفال
- التنوّع الاحيائي كارثة يقرع اجراسها غزال الريم
- مياه العالم التحتي في العراق.. القصّة الكاملة
- وهي تلفظ آخر اسرارها، بحيرة ساوه.. القصة الكاملة
- الالغام خرائط تتبدل بحسب الفصول.. القصّة الكاملة
- البلاستك حرب ناعمة على الكوكب ..القصّة الكاملة
- البادية..موسم الهجرة الى الرمال
- اوروك بداية الحضارة الانسانيّة... القصة الكاملة
- تل الأجز .. مدافن من حلي ومجوهرات..القصة الكاملة
- قلعة الكصير الأثريّة ..القصّة الكاملة
- قصف الجسور الخشبية العراقية جريمة ابادة
- التعليم الاهلي بين الحاجة وفضاء التسليع
- نقرة السلمان.. حكاية سجن وقصة منفى
- كتب امريكيّة لفهم الواقع العراقي
- انف الحكومات
- الحكومة اخفقت ْ .. الدولة فشلتْ !


المزيد.....




- مجلس الأمن يرفض تمديد رفع العقوبات على إيران.. وطهران ترد: ل ...
- إيران تصف العقوبات الأممية الوشيكة بغير القانونية
- أطباء بلا حدود: إسرائيل تحرم آلاف اللبنانيين من العودة لديار ...
- ما الذي يهدد حقا مستقبل هيمنة واشنطن؟
- القضاء الأمريكي يوجه تُهماً لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ا ...
- زيارة نتنياهو لنيويورك تثير احتجاجات
- ترامب يكشف عن تفاصيل -مفاوضات مكثفة- بشأن غزة: -شرف لي أن أك ...
- لقاء بين وزير خارجية الإمارات ونتنياهو في نيويورك.. ماذا دار ...
- الاتحاد الأوروبي يسرع خطواته لتشييد -جدار مضاد للمسيرات- لمو ...
- النبض المغاربي: تقارب بين طرابلس وأثينا: هل يُهدد التحالف مع ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - يوسف المحسن - هل أنصفناه