أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - يوسف المحسن - التنوّع الاحيائي كارثة يقرع اجراسها غزال الريم















المزيد.....

التنوّع الاحيائي كارثة يقرع اجراسها غزال الريم


يوسف المحسن
كاتب، روائي

(Yousif Almouhsin)


الحوار المتمدن-العدد: 7304 - 2022 / 7 / 9 - 01:40
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


الكتل السمنتية تزحف بوجه متجهِّم على السحنة الخضراء في كلِّ مكان، ثمّة تآكل وتدهور للموارد الطبيعيّة، العقود الستة الماضية شهدت انحساراً مخيفاً في اعداد الحيوانات والنباتات البرّيّة، فلا الصقر العراقي ولا شجيرات الغضا ولا الريم العراقي ولا السمك العراقي صار مرئيّاً إلا داخل اسوار بئيسة او كصور جامدة في مناهج الصغار، إنّهُ الرعي الجائر للتنوّع الاحيائي.
لعقود طويلة كان التنوّع الاحيائي (البايلوجي) تعبيراً عن التعايش الحقيقي المسالم بين المجتمعات البشريّة وبين الكائنات الحيّة الاخرى، الغطاء النباتي والمستعمرات الحيوانيّة في البوادي والارياف شكّلا هويّة هذا التعايش الفريد الذي صبغ البيئة العراقيّة بالتنوّع والذي كان ملهماً للدارسين الشغوفين بالكم الهائل من التآلف الساحر، في البادية كانت قطعان غزلان الريم واسراب الطيور النادرة والصقور والارانب والحيوانات المفترسة، وفي المسطحات المائيّة كانت انواع من الاسماك النهريّة التي اختفت او انحسر وجودها اليوم في احواض التربية، زحف الحياة العصريّة الجامدة مَسَخَ هذا التنوّع واحالة الى مشهد فوضى مربكة كما يصفه الخبير البيئي الدكتور علي حسين حنوش والذي يقول ان البيئة العراقيّة فقدت 50 ـ 60% من مصادر تنوعها الاحيائي، ولم تبقَ حيوانات او نباتات برّيّة كما كانت قبل ستين او سبعين عاماً، لقد جر قطار التقنية والسياسات البيئيّة الخاطئة الويلات على التنوّع البايلوجي حتى وصل الحال بالأشخاص العاديين للكف عن البحث عن شجرة في البادية الجنوبيّة لقضاء بعض الوقت تحت ظلّها والتمتّع بجمال الطبيعة.
حنوش يؤكّد وهو الحاصل على شهادته العليا في علوم البيئة إنّ الطبيعة العراقيّة امام معضلة حقيقيّة اسمها التهديدات التي تطال آخر مصادر التنوّع البايلوجي والاحيائي وسط اجراءات خجولة للحد منها.

وعلى مساحة خمسمئة دونم انشئت محميّة ساوه الطبيعيّة في العام 2011، المحميّة كانت جزءً من خطّة حكوميّة شملت اربع محميّات لإيواء الحيوانات الصحراويّة النادرة والمهددة بالانقراض ومن بينها غزال الريم العراقي، فبالإضافة الى مئة وثمانية واربعين غزالاً نصفها من الاناث اضيفت اعدادٌ من طيور النعام الافريقي وبعضا من الطيور البريّة، وبعد غياب لسنين عاد غزال الريم العراقي الى البادية الجنوبية، والهدف من انشاء المحمية كان الحفاظ على هذا التنوع الاحيائي واستدامة التوازن الطبيعي في البيئة الصحراويّة وحماية الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض بعد ان شهدت هذه الانواع عمليات قتل منظمة وعشوائية وممارسات للرعي الجائر للأعشاب والنباتات الطبيعيّة، احيطت بسياج BRC وتم حفر سبع ابار ارتوازية لاستغلالها في عمليات سقي النباتات وارواء الحيوانات، واضيفت لها انواع مختلفة من الشجيرات كـ الغضا والرمث والشنان وانواع نادرة من النباتات مثل نباتات العاذر والبطنج والدعداع، وكان ينظر للمحميّة كميدان علمي لإجراء الابحاث الميدانيّة على النباتات الصحراويّة والتي تصل الى اربعين صنفا نادراً، ووفقاً لتصريحات القائمين في حينها فقد صُممت المحميّة وفق نظام الاكتفاء الذاتي من حيث تحصل الحيوانات فيها على الغذاء مما تنتجه المساحات الزراعيّة الواسعة التي تمتد عليها، فالهدف كان كبيراً والطموح هو إعادة غزال الريم العراقي ذي الشكل الجميل الى البادية وعلى امل ان تسبق ذلك سلسلة من التشريعات التي تحرّم الصيد الجائر للحيوانات والقطع العبثي للنباتات والشجيرات.
هذه التحضيرات والاجراءات ذهبت ادراج الرياح في مواجهة واقع تواجهه المحميّة التابعة الى وزارة الزراعة اليوم حيث يقول مديرها الدكتور تركي محل الجياشي إن غياب التخصيصات الماليّة كان سبباً في نفوق اعداد كبيرة من الحيوانات فيها وتعطل اعمالها، مضيفاً إنّ توقف تجهيز المواد العلفيّة بسبب تداخل الصلاحيّات بين وزارة الزراعة والحكومة المحليّة اصاب مشروع المحميّة بالشلل التام وهي على وشك الاغلاق خاصة مع حصول هلاكات يوميّة مستمرّة من الغزلان، الجياشي قال ان "وزارة الزراعة رمت الكرة بعيداً عنها والقت باللائمة على الحكومة المحلية بينما الاخيرة تؤكّد ان لا ابواب صرف مالي تسمح لها بشراء الاعلاف ومنذ اكثر من شهرين ونحن في هذه الحلقة المفرغة التي تسبَّبت بحالات هزال واسع عند الحيوانات وظهور امراض ناجمة عن نقص مناعتها بغياب للأدوية واللقاحات والغذاء الكافي، ولهذا نحن نفقد يوميّاً من خمسة الى سبعة حيوانات وسط انتشار لحالات من التسمم المعوي".
ويصف مربي الحيوانات المعيّن بالمحميّة ريس النويني ما يراه من هزال باد على الغزلان بأنه شيء محزن يهدد بهلاكها جميعاً، النويني قال انّه يحصل على تبرّعات من المزارعين المحيطين لكنّها لا تكفي ولا تسد رمق فالغزلان تحتاج الى كميّات من الحنطة والشعير والغذاء المركّز وهي تمر بحالة جوع تهدد حياتها، وهنا استطرد الجياشي قائلاً "غزال الريم العراقي هو من الحيوانات النادرة جداً والمهددة بالانقراض واذا فقدناه فنحن نفقد اعداداً مهمّة تمثّل قيمة بيئيّة ترتبط بالتنوع الاحيائي رافقت المشهد البيئي العراقي لآلاف السنين، ونحن نحتاج الى حلول آنية عاجلة كمرحلة اولى وخطّة بعيدة المدى لضمان تدفق متطلبات العناية بالحيوانات".
الحفاظ على التنوّع الإحيائي والحياتي في البادية الجنوبيّة صار ً شغلاً شاغلاً للقائمين على القطاع الزراعي والبيئي خلال العقدين الماضيين لكنّه الشاغل الذي يقول عنه الدكتور علي حنوش بأنّه حبر على ورق، فتجارب المحميّات الطبيعيّة خجولة بالمقارنة مع دول مجاورة على اقل تقدير مثل لبنان او الاردن او جمهورية مصر العربيّة وبلدان اخرى، حنوش يضيف " موضوع المحميّات الطبيعيّة واحد من الحلقات الرئيسيّة والمهمّة للحفاظ على التنوّع البايلوجي سواء الحيواني او النباتي والذي يهتم به المتخصصون لكنّ وللمفارقة.. إنّه لا يجذب اليه اهتمام الجهات المعنيّة، وغزال الريم العراقي من بين القضايا المثيرة للاهتمام كونه يعود الى موطنه الاصلي في البادية الجنوبيّة العراقيّة، وإلى نهاية الستينات من القرن الماضي كنا نلمس حضوراً للأنواع التي اصبحت نادرة من الحيوانات والطيور والنباتات البرّيّة اما الان فنحن نواجه صعوبة في الحفاظ عليها حتى داخل اسوار ومساحات جغرافيّة محددة ومسيطر عليها".
وحماية التنوع الاحيائي من عمليات الرعي الجائر والصيد الجائر وزحف المدن لإبقاء المشهد الطبيعي نقيّاً مفعماً بالحياة ليس شاغلاً كماليّاً او ترفيهيّاً بقدر ما هو اولويّة بيئيّة واقتصاديّة واجتماعيّة حيث عدَّ الدكتور حنوش هذا التنوّع "ثقافة مجتمعيّة وسلوكاً حضاريّاً جمعيّاً لابدَّ وان يشارك به الجميع سواء كانوا مؤسسات حكوميّة ام مؤسسات مدافعة عن البيئة او افراد يمتلكون القدر الكبير من الوعي والادراك لأهميّة وحساسيّة المحافظة على هذا التنوّع"، داعياً وزارات الزراعة والبيئة والثقافة والتعليم العالي والتربية الى ايلاء الموضوع اهميّة خاصة والاستعانة بالخبرات الدوليّة وعدم الاكتفاء بالتفرج والاختباء خلف اعذار وصفها بالواهية مثل نقص التخصيصات الماليّة.
واثيرت قضيّة التنوّع الاحيائي والبايلوجي في البيئة العراقيّة بعد انتشار مقاطع فيديويّة على شبكات التواصل الاجتماعي وعدد من القنوات الاعلاميّة تصوّر مشاهد هلاكات واسعة في محميّة ساوه الطبيعيّة للعشرات من غزلان الريم النادرة تحت ضغط من غياب للأعلاف والعناية الطبيّة، وهي المشاهد التي فتحت باب الجدال من جديد حول الآليّات المطلوبة لإنجاح تجارب المحميّات الطبيعيّة كجدار صد يقول عنه المتخصصون بأنّه الاخير للحفاظ على التنوّع الاحيائي في البادية العراقيّة.



#يوسف_المحسن (هاشتاغ)       Yousif_Almouhsin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مياه العالم التحتي في العراق.. القصّة الكاملة
- وهي تلفظ آخر اسرارها، بحيرة ساوه.. القصة الكاملة
- الالغام خرائط تتبدل بحسب الفصول.. القصّة الكاملة
- البلاستك حرب ناعمة على الكوكب ..القصّة الكاملة
- البادية..موسم الهجرة الى الرمال
- اوروك بداية الحضارة الانسانيّة... القصة الكاملة
- تل الأجز .. مدافن من حلي ومجوهرات..القصة الكاملة
- قلعة الكصير الأثريّة ..القصّة الكاملة
- قصف الجسور الخشبية العراقية جريمة ابادة
- التعليم الاهلي بين الحاجة وفضاء التسليع
- نقرة السلمان.. حكاية سجن وقصة منفى
- كتب امريكيّة لفهم الواقع العراقي
- انف الحكومات
- الحكومة اخفقت ْ .. الدولة فشلتْ !
- التاآت ، أسلحة المحرر الثلاثة
- جاذبية
- اصدقاء
- 6صباحا 9 مساء أمريكيا
- إنهم فيدراليون
- عودة


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - يوسف المحسن - التنوّع الاحيائي كارثة يقرع اجراسها غزال الريم