أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - يوسف المحسن - وهي تلفظ آخر اسرارها، بحيرة ساوه.. القصة الكاملة















المزيد.....

وهي تلفظ آخر اسرارها، بحيرة ساوه.. القصة الكاملة


يوسف المحسن
كاتب، روائي

(Yousif Almouhsin)


الحوار المتمدن-العدد: 7244 - 2022 / 5 / 10 - 03:10
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


اقترنت بمخيّلة الحالمين، واستمالت العاشقين للجمال والسحر، أساطير وخرافات ومعتقدات حوّلتها لبقعة اسرار ملهِمة للحكايا، لؤلؤة وَهَبَتْ الحيوية والاشباع الروحي لمنْ قصدها، اليوم تنطوي وتلم مويجاتها مثل بساط متشقق لكي تلفظ آخر قطراتها.. وربّما آخر اسرارها وتختفي، إنَّها ساوه.
نادراً من تُذْكَر السماوة دون ان يطفو للمخيلة حديث عن بحيرة ساوه، الاعجوبة التي شغلت الباحثين والدارسين بغرائبيتها ومكوناتها وكائناتها والاساطير التي حيكت حولها، في سمائها حلّق البط الغراوراسي والهدهد العراقي وعلى سطحها تهادى غطاس الماء، وفي مياهها الاشد ملوحة من الخليج نمت الطحالب النادرة ونوع صامد من سمك الافينوس دسبير الذي يذوب في اليد ويختفي حال الامساك به، ونوع اكثر ندرة من الحلزون، شهد محيطها حضوراً لغرير العسل وثعالب الرويل وثعابين الماء والزواحف، اما الاسرار والالغاز فهي الكائنات التي تكبر وتصغر مع الزمن وما ميزها عن ست وعشرين بحيرة عراقيّة، هي ملتقى العابرين من والى الصحراء ووجهة للسائحين والصيادين والباحثين عن الهدوء والسكينة.
قبل 15 عاماً
وطوال سبعة عشر قرناً من وجودها كمسطح مائي ورد ذكره في المصادر التاريخيّة فالبحيرة الواقعة الى الشمال الغربي من مدينة السماوة وصفت بأنّها عبارة عن بركة ماء كبيرة وبمساحة 5كلم2 ونوّهت الدراسات لتشكلها قبل عشرة الاف عام، ترتفع عن البحر بـ 20م وعن نهر الفرات بأحد عشر مترا، طولها 4700م وعرضها 1770م ولها جدران كلسيّة تكوّنت من ترسبات مياهها المالحة بسمك 12م، فيما عبرت اعماقها الستة امتار، جدرانها تشبه نبتة البروكلي تمنع تسرب المياه للمناطق الواطئة، ولون مياهها يعكس الزرقة الصافية ويميل للاخضرار كلّما اقترب من الشاطئ، يقول رئيس قسم الجيلوجيا البحريّة في مركز علوم البحار بجامعة البصرة الدكتور وسام رزاق مطشر إنَّ البحيرة هي جزء من سلسلة العيون والبحيرات التي نشأت من تصدّع ارضي يُسمّى فالق ابوجيرن وضمن النطاق الجوفي الذي يبدأ من شمال الجزيرة العربية وعلى امتداد بحيرتي الرزّازة والثرثار، مطشر اكّد إنَّ بحيرة ساوه كانت من الاماكن السياحيّة المهمّة".
ساوه ليست ساوه !
جمال البحيرة وهيبة تلاطم مويجاتها على حائطها الكلسي، والغموض الذي يصاحب الحكايات المتداولة عنها اوقع الكثير من الدارسين والعاشقين لها في لبس خلط اوراقها مع مدينة ساوه الايرانية وبحيرتها والتي اشارت لها مصادر تاريخيّة ونقلت القصة التي تحدثت عن الرؤيا التي شاهدها ملك الفرس في منامه، وتقول القصة التي وردت في اكثر من مرجع تاريخي من بينها المورد الهني للحافظ العراقي والجزء الخامس عشر من كتاب بحار الانوار للمجلسي ان الليلة التي ولد فيها النبي محمد ص شهدت ارتجاج ايوان كسرى "وسقط منه اربع عشرة شرفة وخمدت نار الفرس وهي لم تخمد قبل الف عام وغاضت بحيرة ساوه"، وورد ذكر ساوه في معجم البلدان لياقوت الحموي ج٣ ص١٧٩ "كانت بحيرة ساوة قرب مدينة ساوة في بلاد فارس وهي بلدة بين طهران ـالري سابقاـ وبين همذان"، وكذلك في دلائل النبوة للحافظ البيهقي وتاريخ الطبري ج١ ص٥٨٠، اما الكلمات التي نطق بها كاهن كهان الجزيرة العربية سطيح لابن اخته عبد المسيح الذي جاء مبعوثاً من ملك الفرس للاستعلام عن مدلولات رؤيا المنام والتي قال فيها "ياعبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وبعث صاحب الهراوة، وفاض وادي سماوه، وغاضت بحيرة ساوه فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكلما هو آت آت ...الخ " والدلائل تشير الى بحيرة اسمها ساوه تبدل ماؤها يوم ولادة النبي ص، وعرفت بادية الشام قديماً ببادية السماوة، ويورد ياقوت الحموي "إنما سميت السماوة لأنها أرض مستوية لا حجر فيها"، ويحددها المقدسي بـ "من اعالي الاردن الى الانبار ثم سواد البصرة إلى عبادان".
اللغز لم يعد لغزاً
الحكايات عاشت عند جرفها وفي مقاهي المدينة ومجالسها والكثير من الحلقات الدراسيّة حول مجهولية مصادر مياه بحيرة ساوه، لكن التقرير الذي اعده فريق متخصص من جامعة المثنى ومركز علوم البحار في جامعة البصرة ووزارتي الموارد المائية والصناعة والمعادن وبالشراكة مع مؤسسات اخرى اشار الى ان مصدر مياه البحيرة هو خزان الدمام وعبر عين متدفقة في وسطها، رأي اتفق عليه الدكتور وسام رزاق والدكتور يوسف الصفراني وهو رئيس قسم ساوه والمستوطنات البشريّة في مركز البادية بجامعة المثنى اضافة الى الدكتورة صوفيا جبار جاسم مديرة المركز والتي قالت " لا بحر قزوين ولا مكان اخر، ساوه لا تحتمل هذا الكم من التكهنات لأنّها بحيرة تتغذى على المياه الجوفيّة من خزان الدمام وهذا ما اثبته التقرير المشترك وعلاوة على ذلك فان فريق جامعة فراي بالك الالمانية اثبت هذا الرأي"، ومن جانبه قال الدكتور احمد سرداح وهو رئيس الجيولوجيين الاقدم في الهيأة العامّة للمياه الجوفية العراقية حول ما يسود عن مجهولية مصدر المياه "إنَّ مصادر مياه بحيرة ساوه معروفة لدينا، إذ ان المياه تأتي من خزان (مكمن) الدمّام الجوفي، وهو معلوم لدينا منذ البداية، حيث اجرينا تحليلاً لعيّنات بهدف معرفة عمر المياه ومكوناتها مقارنة بالآبار المحيطة التي ترتبط بمكمن الدمام الممتد من بادية السماوة إلى العربية السعودية ووجدنا تطابقاً وتماثلاً يؤكّد ان البحيرة تتزوّد من هذا المكمن".
الانحسار الكبير
هي ليست المرة الاولى التي تجف فيها بحيرة تحمل اسم ساوه، فإضافة لما جاء في معجم البلدان فكتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للزرقاني اورد وصفا لبحيرة تحمل ذات الاسم وقال انّها بين همذان وقم ونشف ماؤها بعد ان كانت تركب بها السفن، وجاء ذكرها ايضا في كتاب الماوردي "اعلام النبوة". يقول الدكتور احمد سرداح "منذ العام 2006 بدأ انحسار ساوه نتيجة ازدياد عدد الابار المائية وإنّ دراسات اثبت وجود الانحسار الذي توافق مع زيادة عدد الابار غير (قانونيّة) من قبل القطاع الخاص".
وانحسار مياه البحيرة مستمر حيث تشير الى ذلك الدكتورة صوفيا جبار بالقول ان الصور الجويّة التي التقطت تؤكّد جفاف البحيرة والانحسار وصل الى عين المياه الموجودة في وسطها وتضيف "نحن فاقدين للبحيرة ولا يوجد اي نوع من التحسّن"، مؤكدةً ان الاسباب التي تقف وراء ما يحصل هي بشريّة (صناعيّة وزراعيّة)، اسباب كمثل الاستنزاف الجائر للمياه الجوفيّة، وعن ذلك تقول "التوسّع في النشاط الزراعي والصناعي خارج الضوابط وبلا خطّة مسبقة هو ما اثر على مخزون المياه الجوفيّة وبالتالي جفت البحيرة".
وتتطابق رؤية الدكتور وسام رزاق مطشر حول اسباب انحسار البحيرة الدراماتيكي كما اسماه حيث قال "إن التقرير المُعد اشار صراحة الى اسباب بشريّة وليست طبيعيّة وارتبطت بالاستنزاف الهائل للمياه الجوفية"، فيما يضيف الدكتور علي حنوش قائلا "مملحة السماوة القريبة من البحيرة تنتج 200الف طن من الملح الخام سنويّا وهي بذلك تستهلك مياه كبيرة ولابد من مراجعة الجدوى الاقتصاديّة وتقنين عملية سحب المياه"، وعن ذلك اشار الباحث احمد السلامي الى ان الاستثمار الحقيقي في المملحة "هو بنصب معامل لإنتاج الكلور السائل وغاز الكلور والصوديوم ومركبات اخرى بالكميات الحالية من الاملاح بدلاً عن انتاج المادّة الاوليّة للملح الابيض".
غواصو فراي بالك
وعلى الرغم الاكتشاف المُبْكِر للضرر الذي حدث في بحيرة ساوه والاقرار بها كمحميّة بموجب معاهدة رامسار للأراضي الرطبة والمسطحات المائية ومنذ الخامس عشر من ايلول 2015 وزيارة فريق بحثي من جامعة فراي بالك الالمانية في السادس عشر من كانون الثاني 2016 وقيام غواصين بالكشف عن قاعها إلّا ان الاجراءات الوقائيّة لم ترق لمكانة البحيرة وقيمتها التاريخية والثقافية، وكان التلكؤ واضحاً في عدم الاعلان الصريح عن الاسباب الحقيقيّة للانحسار، حيث اجرينا مقابلات طوال السنوات الماضية مع متخصصين ومسؤولين وكانوا يحيلون الاسباب الى "اغلاق العيون المجهزة للبحيرة بسبب حركة الصفائح التكتونيّة" مع ذِكر خجول لعمليّة الاستنزاف الجائر للمياه وهو ما ثبت عدم دقته بالمقارنة مع الاسباب التي قدمها التقرير المعد او المقترحات التي وضعتها وزارة الموارد المائية وقدّمتها الى مكتب رئيس الوزراء، حيث تقول الدكتورة صوفيا "حتى الالمان لم يذكروا شيئاً عن الحركة التكتونيّة والموضوع ناجم عن استنزاف جائر للمياه الجوفيّة والمطلوب بعد انخفاض مستوى المياه في البادية الجنوبية هو مراجعة عمليات السحب سواء في الزراعة او المملحة او الاستثمار". وعن ذلك يقول الدكتور احمد سرداح "البحيرة انحسرت الى 50مترا اي العين المجهزة فقط، واذا استمرت عمليّة الحفر العشوائي للآبار فمن الممكن ان تتلاشى البحيرة لهذا اوقفت وزارة الموارد المائية عملية حفر ابار جديدة ".
ومثلما اتفق الخبراء الستة على وصف اسباب جفاف بحيرة ساوه واتفقوا على ان لا ألغاز حول مصدر تغذيتها فهم يُجمعون على امكانية استعادة البحيرة لشيء من بريقها وإن بنسب متفاوتة فيما لو ادخلت التوصيات حيز التنفيذ، لكن الثابت إن جفافها كشف آخر الغازها التي عمّرت طويلاً واطلق اسئلة حول فوضى يتركها الانسان في التوازن الاحيائي للبادية.



#يوسف_المحسن (هاشتاغ)       Yousif_Almouhsin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الالغام خرائط تتبدل بحسب الفصول.. القصّة الكاملة
- البلاستك حرب ناعمة على الكوكب ..القصّة الكاملة
- البادية..موسم الهجرة الى الرمال
- اوروك بداية الحضارة الانسانيّة... القصة الكاملة
- تل الأجز .. مدافن من حلي ومجوهرات..القصة الكاملة
- قلعة الكصير الأثريّة ..القصّة الكاملة
- قصف الجسور الخشبية العراقية جريمة ابادة
- التعليم الاهلي بين الحاجة وفضاء التسليع
- نقرة السلمان.. حكاية سجن وقصة منفى
- كتب امريكيّة لفهم الواقع العراقي
- انف الحكومات
- الحكومة اخفقت ْ .. الدولة فشلتْ !
- التاآت ، أسلحة المحرر الثلاثة
- جاذبية
- اصدقاء
- 6صباحا 9 مساء أمريكيا
- إنهم فيدراليون
- عودة
- تعمد ايقاع الاذى الصحفي
- رغوة اصوات


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية تعلن انضمام دولة عربية لدعوى جنوب إفريقي ...
- حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت
- -حزب الله- يعلن استهداف شمال إسرائيل مرتين بـ-صواريخ الكاتيو ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق بعض مواد الدستور 4 سنوات
- روسيا تبدأ هجوما في خاركيف وزيلينسكي يتحدث عن معارك على طول ...
- 10 قتلى على الأقل بينهم أطفال إثر قصف إسرائيلي لوسط قطاع غزة ...
- إسرائيل تعلن تسليم 200 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة
- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - يوسف المحسن - وهي تلفظ آخر اسرارها، بحيرة ساوه.. القصة الكاملة