كاظم الحناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 16:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رسالة الى سماحة السيد مقتدى الصدر
هل مقاطعة الانتخابات تخدم الفاسدين أم المقاطعين؟
من المعروف ان القانون العراقي لا يحمل التعبيرات الداعية إلى المقاطعة بنصوص قانونية تجرم هذا الفعل.
لأن المشاركة في الانتخابات ليست اجبارية بل هي اختيارية والدستور منح هذه الفرصة لكل المواطنين، مبينا انهم (لهم الحق الكامل في المشاركة او المقاطعة، وهذا خيار شخصي ولا يوجد أي إلزام بالمشاركة).
وأنا لدي رأي بصفتي باحث في امور الناخب والمرشح في قضية الدعوة إلى المقاطعة التي هي تعبير عن رأي وموقف سياسي، ولاسيما عندما يكون صادرا عن حزب مؤسس قانونيا.
وأعتقد أنه من الناحية السياسية والحقوقية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما أن عند الناس والأحزاب والدولة والإدارة حق الدعوة إلى المشاركة، يجب أن يكون لأحزاب وتيارات أخرى عن الرأي والحق في التعبير عن رأي مخالف.
لذلك ينبغي التمييز، فالأصل الذي يكفله الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان هو الحق في الرأي والتعبير وموضوع الدعوة إلى المقاطعة عن التصويت يدخل في ممارسة حرية التعبير، لاسيما ونحن نحاول الدخول في نسق سياسي لمعالم التكوين الشفاف والديمقراطي للمؤسسات والانتخابات فيه لم تحظ بكل ضمانات النزاهة والحرية والتنافسية والمصداقية، ومازال هناك تشكيك ونقاش حول مصداقية ونزاهة المؤسسات المنبثقة عن صناديق الاقتراع.
بسبب العدد الكبير من الممارسات المسيئة إلى العملية الانتخابية ودور المال السياسي والمغامرين والمراهقين السياسيين المندفعين للمشاركة لا لخدمة البلد بل لمنفعة حزبية وشخصية.
دأبت الاحزاب المشاركة في السلطة على التعامل بمرونة مع الدعوة إلى المقاطعة عندما كانت تاتي من كتل ومنظمات من المنطقة الغربية، لكن الامر تحول الى خشونة بالطرح والاتهام بمعادات المذهب والطائفة عندما اصبح التيار الصدري هو المتصدي لهذا الموضوع .
هذا التنميط السياسي، في الحياة السياسية العراقية إذا فهم بجدواه المستقبلية نوع من الحيوية للعملية السياسية من خلال احتضانها هذه التعبيرات المتنوعة، التي فيها من يشارك ومن يقاطع.
لذلك يجب أن يكون تعايش بين من يحثون على المشاركة، بكثافة وبقوة، وبين أصحاب الرأي الآخر الذين يجب أن يجدوا مساحة من التعبير في فضاء الإعلام والفضاء العام للمناقشة السياسية.
حيث تتصاعد مع كل انتخابات نبرة طائفية وقومية وتشكيك متصاعدة لدى القوى السياسية الحاكمة في العراق ضمن لعبة سياسية (متفق عليها ضمنا)، في المناطق الثلاث المنطقة الكردية والمنطقة الغربية والثالثة في وسط العراق وجنوبة تجاه الانتخابات البرلمانية، إما بالتلميح أو بالتصريح، تختلط فيها المتناقضات القومية بالطائفة بالقبيلة بالديمقراطية، ولأول مرة في هذه الانتخابات تتخلى كل الكتل السياسية في المنطقة الغربية عن الطعن فى نزاهة الانتخابات وجدواها (لأن الفائز، كما يقولون في السابق، معروف سلفا أو لأن نتائجها، فى كل الاحتمالات الممكنة، ستكون خطيرة على مستقبل البلاد).
لتتبنى هذا الموقف الكتلة الشيعية المؤثرة التي يقودها سماحتكم عبر مقاطعة الإنتخابات لانها (اي الانتخابات) في حدها الأدنى محبطة لتوقعات الجماهير نتيجة الاستئثار بالسلطة والفساد المستشري في كافة قطاعات الدولة، كما بينتم ان المشاركة هي اعطاء الشرعية لقوى السلطة المتحالفة لاستمرار اضعاف الدولة وتدوير الفساد، لذلك تعدونه تهديد بعودة الدكتاتورية من الباب الخلفي أما وقد أغلقتم الأمل، أو كان الأمل مغلقا من تياركم، فلم يعد هناك احتمال إلا المقاطعة، رغم ان الافراد من خارج الصدريين قالها البعض بالتورية والمجاز، أو أعلنها البعض بلا مواربة، أو تركها آخرون للاستنتاج!.
إن سماحتكم تنتظرون أن تسفر مقاطعتكم عن أوضاع أفضل!!
وهذا ربما ينجح في الانتخابات السابقة لمحدودية الفترة ولكن الان الواقع شديد التعقيد، ذلك لأن الحياة لا تعرف التوقف، بل هى فى حركة دائبة، بل إن حركتها فى تدفق سريع فى هذا الظرف التاريخى الذى يعيشه العراق والمنطقة والعالم! وفى حال مقاطعة هذا التيار الكبير، لن يحدث فراغ ينتظر عودته للمشاركة عندما يرى القائمون عليه ذلك، ولا يتوقع أن يرحب بك الفرقاء عندما تقوم بدورك فى وقت تحدده أنت، بل سيشترى البديل بمجرد أن تتغيب بفاعل آخر، وقد يشكل هذا الفاعل ما هو أسوأ مما تعجز عن توقعه أو تخيله!! وقد يكون أصعب فى التغيير من الحالة التى قررت أن تقاطع فيها!.
وقد كان ذلك بعد ان تم شراء اغلب بدلاء الكتلة الصدرية في البرلمان الحالي من قبل قوائم أخرى لتتسيد المشهد في مجلس النواب العراقي..
إن الاحتمال الأكثر ترجيحا، بافتراض نجاح الدعوة إلى المقاطعة، أن تصبح قوى السلطة في العراق وحلفاؤهم أكثر شراسة، ويكون فى إمكانهم عندئذ الصراع بقوة على (إنفاذ سلطة الدولة)، وفى هذه الحالة، على الأغلب، سوف لا يمكن للمقاطع ان يتدخل حتى لو استدعاه المواطنين، ليس لإنقاذ الدستور فحسب، ولكن لحماية تراب الوطن بعد أن بات من المتيقن منه أن شركاء السلطة انفضحت خططهم بعد أن فرطوا فى أجزاء عزيزة غالية أستشهد فى الحفاظ عليها عشرات الآلاف من خيرة شباب العراق، وذلك حتى يحصلوا هم فى المقابل على مزايا لصالح جماعتهم!.
ان الدعوة للمقاطعة إلى عكس ما تستهدفه، فإنها تتعارض فى أصلها مع بناء أسس الديمقراطية وانت أول المتمسكين بها سماحة السيد، ذلك لأن الصوت، وفق بديهيات الديمقراطية، أن تمارس حقك على ترشيح من تنطبق عليه الشروط، ومن حقك أن تحجب عنه صوتك، وأن تعلن على الملأ وفى كل وسيلة دعاية وإعلام أنك ترفضه، وأن تصرح بنقدك له وتفنيدك لحججه، وأن تهاجم برنامجه، بل وأن تختصمه أمام القضاء ليبت فى أمره، على أن يكون كل هذا فى إطار ما يسمح به القانون.
مثلما لك الحقك أيضا الترويج لمن تراه أقرب إلى أفكارك ومواقفك وأن تطلب له فرصة متكافئة فى وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وأن تصر على توفير ضمانات نزاهة كل إجراءات العملية الانتخابية بما يتوافق مع شروط التنافسية الحقيقية، وأن تخضعها لرقابة داخلية وخارجية، ومن حقك أن تقول وتفعل كل هذا فى حماية من أن يتعرض أنصارك لأي أذى أو مضايقات ما دام أن كل ما يقولون ويفعلون يتفق مع ما يسمح به القانون.
(مثال ذلك الاصرار على اصدار قانون المشاركة الفاعلة من المواطنين بالانتخابات بفرض غرامه قدرها 150 الف دينار للمتغيبين عن الانتخابات بعذر غير شرعي كما يحدث في المملكة البلجيكية وهي ذات ثلاث مناطق انتخابية متشابهة الى حد ما مع وضع العراق)*.
مشكلة خصومك أنهم يتحدثون بفرحة عن غيابك وان الاختيار لعناصرهم لأنهم لا يعتبرون أن اهدافهم قد تحققت الا بغيابك، أو إذا كانت هنالك بشارة بذلك، لأنهم على غير استعداد لتقبل الخسارة، لذلك يقولون من الآن إنه ليس هناك اختيارات! كما أنهم لا يعتبرون أن كراهيتهم للآخر هو أمر يخصهم وليس على عموم الناخبين أن يلتزموا به، كما أنهم لا يعتبرون الانتخابات مفاضلة بين الاحتمالات المطروحة، بل يتوهمون أن التصويت يصنف الناخب فى خانة أيديولوجية من صوت لصالحه لتصبح هويته السياسية إلى الأبد!.
وأما أسوأ ما فى حالتهم فهو أنهم استمرأوا النقد وصار لهم باعثا على الرضا عن النفس وعلى التوافق مع الحياة، وكلما كان نقدهم أكثر مرارة وأبعد شططا كلما أحسوا أن حالتهم أفضل، وكأن الشرف لديهم يصير أكثر رفعة بقدر ما تنقد وترفض وبقدر ما يكون أداؤك أكثر صخبا!.
*مؤلف كتاب( كيف تصبح زعيما؟) وهو اول كتاب في العراق يقدم اسس الترشح والانتخاب للمجالس المحلية ومجلس النواب… صدر الكتاب لان الديمقراطية فتية بالعراق وقد شارك الباحث الناخبين والمرشحين في امريكا وبريطانيا وبلجيكا وتفاصيل العملية الإنتخابية في العراق …
#كاظم_الحناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟