|
جذور و أهداف علم الاستغراب عند حسن حنفي
ابراهيم ازروال
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 20:12
المحور:
قضايا ثقافية
جذور و أهداف علم الاستغراب عند حسن حنفي بقلم: إبراهيم أزروال
هل يمكن تأسيس علم الاستغراب، دون الاستقلال حضاريا عن الغرب؟ وهل يمكن الاستقلال عن الغرب حضاريا، في ظل عالمية أو كونية الحضارة الحديثة؟ هل تملك الثقافات الطرفية الآن، مقتضيات وشرائط الاستقلال والإبداع الحضاريين ؟هل يمكن تحجيم الآخر ودراسته وفق مفاهيم الأنا ، في عالم متشابك العلائق والروابط والتوجهات؟ وهل يمكن تحجيم الآخر بدراسته وإخضاعه لسلطة الأنا ؟أم بإبداء الفاعلية في الإنتاج المادي والرمزي والإبداع العلمي والتقاني وإنشاء بنيات اجتماعية و ثقافية وسياسية أكثر حيوية و أكثر مردودية ؟ 1-مشروع:"التراث والتجديد": صاغ المفكر المصري حسن حنفي مشروع "التراث والتجديد "، تفاعلا مع تحولات ومنعطفات وإشكاليات مست الذات العربية-الإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين، وتجاوبا مع مطالب ثقافية وفكرية، وتطلعات جماعية إلى تجديد الفكر، والتحرر من التغريب والتغرب والتبعية الثقافية –الحضارية للغرب. يتكون مشروع "التراث والتجديد " من ثلاث جبهات: -الموقف من التراث القديم: وتشمل هذه الجبهة سبعة أجزاء، مخصصة لقطاعات ومعارف وعلوم تراثية ، وهي : 1-من العقيدة إلى الثورة 2-من النقل إلى الإبداع 3- من الفناء إلى البقاء 4-من النص إلى الواقع 5-من النقل إلى العقل 6-العقل والطبيعة 7-الإنسان والتاريخ . -الموقف من التراث الغربي: وتشمل هذه الجبهة ،علاوة على البيان النظري أو المقدمات النظرية ،الأجزاء الثلاثة التالية : مصادر الوعي الأوروبي و بداية الوعي الأوروبي ونهاية الوعي الأوروبي . -الموقف من الواقع(نظرية التفسير): وتشمل هذه الجبهة ثلاثة أجزاء؛ وهي: 1-المنهاج 2-العهد الجديد3-العهد القديم. لقد أعلن حسن حنفي عن إنجاز نقده للتراث الغربي في ثلاث محطات؛ وهي: -مصادر الوعي الأوروبي: ويروم هذا البحث ،الكشف عن المصادر المعلنة(المصدر اليوناني –الروماني والمصدر اليهودي –المسيحي )والخفية ( المصدر الإسلامي والبيئة الأوروبية )،أثناء فترة التكوين الممتدة من القرن الأول الميلادي إلى حدود القرن الرابع عشر. -بداية الوعي الأوروبي: ويتوخى هذا البحث الكشف عن تشكل الوعي الأوروبي ،غب صياغة الذاتية و الكوجيتو وتبلور الأنساق العقلانية وفلسفات التاريخ. -نهاية الوعي الأوروبي: ويسعى هذا البحث إلى إبراز مراحل وكيفية انتقال الوعي الأوروبي من الأنا أفكر إلى الأنا موجود، وانكباب الفكر الغربي على نقد مرتكزاته ومساراته وتوجهاته وعلائقه بالآخر والمجهول واللامفكر فيه والغائب. يتناول كتاب "مقدمة في علم الاستغراب" ،إذن ،الوعي الأوروبي ،من حيث التكوين والبنية والمصير : -تكوين الوعي الأوروبي: يروم حنفي ،اكتشاف التكوين التاريخي للوعي الأوروبي ،بالاستناد إلى المنهج التاريخي . -بنية الوعي الأوروبي: يتوخى إبراز العناصر الثابتة في "العقلية الأوروبية "أو "الشخصية الأوروبية "بالاستناد إلى علم اجتماع المعرفة. -مصير الوعي الأوروبي: ويروم الكشف عن مصير الوعي الأوروبي ،في ضوء مستجدات وتحولات وتقلبات التاريخ ونهضة الأنا المرتقبة وصعود القوى الشرقية بعد التحرر من الاستعمار الجديد. يروم علم الاستغراب نقد الآخر من منظور الأنا، وتقييم مساره الحضاري، من منظور وأفق ثقافيين وحضاريين مختلفين. كما يستهدف علم الاستغراب مواجهة التغريب، المتغلغل في كثير من مناحي الحياة بمصر، واستعادة الاستقلال الحضاري المفقود، بعد عقود من السياسات الثقافية والاقتصادية غير الوطنية، من منظور المفكرين اليساريين. 2-دوافع إنشاء علم الاستغراب: 2-1-الموقف من الغرب: صار التراث الغربي، في اعتبار حسن حنفي ، أحد الروافد الرئيسية للوعي القومي، وأثر بعمق في دوائر المثقفين وأصحاب القرار مما ولد التقليد والتبعية والتغريب. يرفض حنفي الموقف السلبي السلفي الرافض مبدئيا وكليا للغرب ومعارفه وتصوراته ومنجزاته الثقافية والحضارية، كما يرفض الموقف الإتباعي النقلي التغريبي ،الداعي إلى التماهي مع النظريات و الفلسفات وأنماط التدبير الغربية. (موقف الرفض صحيح من حيث المبدأDe Jure ،فلا بداية إلا من الأنا،ولكنه خاطئ من حيث الواقع De Facto أي ترك الغرب كموضوع دراسة . وموقف القبول خاطئ من حيث المبدأ فعلاقة الأنا بالآخر علاقة تضاد وليست علاقة تماثل ،ولكنه صحيح من حيث الواقع أي ضرورة التعلم والتعرف على حضارات الآخر ،بصرف النظر عن مصدرها ....) -1- هل يمكن دراسة وتحجيم الغرب وإظهار تاريخية وعيه، دون الانفصال عنه؟ ألا يظهر حسن حنفي كثيرا من التردد في التعامل مع الغرب ومنجزاته الثقافية والاجتماعية والفكرية؟ 2-2-الغرب والصدمة الحضارية: إن نجاح الغرب وشفوفه الثقافيين والتاريخيين والحضاريين هما التحديان الكبيران للأنا ،حسب حسن حنفي .فمهما حاولت هذه الأنا ،تدارك الفوارق وامتلاك القيم الغربية والانخراط في مسارات النمو والترقي والإنتاج، فإنها محكومة بالتأخر و التبعية و غياب الإنتاجية المطلوبة في سياق رأسمالي-عولمي متطلب. وبما أن الفجوة الحضارية بين الأنا والآخر الغربي ، تزداد ،فإن الأنا تغرق في الصدمات الحضارية المتوالية . (والغرب بالنسبة لي هو التحدي الأعظم لا فقط في الأرض والزراعة والصناعة والاقتصاد ولكن في الغزو الثقافي والروحي يريد أن يجعلني دائما متعلما وأن يوهمني أني مهما حاولت اللحاق به فمعدل إنتاجه أسرع بكثير من معدل لحاقي به وبالتالي تتسع الفجوة الحضارية بيني وبين الغرب فأصاب بالصدمة الحضارية فأجري يائسا حتى أموت.) -2- ليس الغرب، منتجا للسلع والخيرات المادية والمنتجات التقنية فقط ، بل هو كذلك منتج كبير للخيرات والمواد الرمزية وللأفكار والأنساق والإبدالات والنظريات الفلسفية والأخلاقية والعلمية .والواقع أن الحضارة الغربية ،تملك دون سواها من الحضارات الشرقية ، القدرة على التمدد والكوننة في العصر الحديث لاعتبارات تاريخية وتقنية محددة .لم يتمكن الغرب ، من كوننة قيمه ومنظوماته الثقافية والقيمية و الحقوقية (منظومة حقوق الإنسان مثلا ) وأنساقه العلمية فقط ، بل تمكن كذلك ،من عولمة فكره ورأسماله الرمزي والثقافي ، لاستناده إلى بنية حضارية متكاملة الأركان والعناصر ،خلافا للصين والهند والعالم الإسلامي . ومن اللافت للنظر، انكبابه على نقد الغرب، لا اعتمادا على خطاياه أو مظاهر قصوره، فكرا أو أخلاقا أو سلوكيات أو مسارات حياتية أو أنماطا تدبيرية ، بل اعتمادا على قوته وظفره و هيمنته .إن الغرب منقود هنا ، لا لأنه ،منحط ،ثقافيا أو أخلاقيا ،أو لاستناده إلى معايير ومرجعيات ، غير متينة البناء النظري والأساس الفكري والقواعد الأخلاقية ،بل لتمكنه من التوسع والتمدد والتوسع في الإنتاج والإبداع والهيمنة . فبدلا من أن تكون قوة الغرب، مدعاة لقراءة مساراته وتأملها والاستمداد منها، تكون مدعاة لنقده والرغبة في الانعتاق من سطوته وإشعاعه الكوني. والواقع أن نقد حسن حنفي لقوة وسطوة الغرب، نشدانا للأصالة والإبداع الحضاري وسعيا إلى التخلص من الصدمة الحضارية والاعتلال الثقافي، يندرج، في الواقع، ضمن منظورات متجذرة في فكر النهضة العربية (جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وأحمد فارس الشدياق ... إلخ). لقد توقع السفير المغربي إدريس العمراوي ،بعد رحلة سفارية إلى فرنسا ولقاء رسمي بنابوليون الثالث ،سقوط أوروبا وانحطاطها الثقافي والحضاري ،بعد أن عاين تقدمها التنظيمي والتقني والاقتصادي .إن التقدم في اعتباره ،مؤشر على حتمية التقهقر والتراجع والانحطاط. (..كلا بل هو من الأمور المذهلة، و الأشياء المشكلة والأدواء المعضلة، قد قربوا بها البعيد ،وهونوا الخطب الشديد .وفيه أدل دليل على أن أمورهم بلغت الغاية: وتجاوزت النهاية ،وأنه في الحال يعقبها الانحلال ،وتأخذ في الانعكاس والاضمحلال ،فمعلوم أنه ما بلغ شيء الغاية إلا ورجع ولا نال منتهى الصعود إلا اتضح فّإنهم يقولون اليوم من أشد منا قوة ونسوا مهلك ثمود وعاد.)-3- والحقيقة أن هذا التوقع نتاج آلية دفاعية، واستجابة مراوغة لصدمة الحداثة وللإحساس الممض بالتخلف الحضاري أمام التقدم الحضاري الغربي. 2-3-استلهام التراث في نقد الغرب: يقدم الفكر الإسلامي، حسب حنفي، أفكارا وتوجهات ومواقف، يمكن استيحاؤها، في نقد التغريب والغزو الاستعماري الحديث؛ وهي: -تحريم النصوص المعيارية الإسلامية موالاة الغير؛ -رفض التقليد والتبعية وإثبات المسؤولية الفردية في الفكر الفقهي؛ -تمثل الفكر الإسلامي القديم للحضارات السابقة وتطويره وتكميله لإنجازاتها (الموروث اليوناني والفارسي والهندي)؛ -نقد الفكر الإسلامي الحديث للغرب ودهرانيته وإباحيته (جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال..إلخ) ؛ -نقد الحركة الإسلامية المعاصرة للغرب ومنظومته المعرفية والقيمية وإقرارها التمايز الكلي بين الأنا والآخر؛ -معاداة السلفية القديمة للآخر المعتدي (ويقصد الصليبين والتتار والمغول). يستند في إثبات الأصالة والهوية ضد التغرب، إلى مستند نصي وتراثي من جهة وإلى مستند حديث قائم على تأكيد الذات وفعاليتها الحضارية ومحاربة التغريب والتبعية الثقافية والحضارية من جهة ثانية. (وتأكيد الهوية والأصالة ضد التغريب والتبعية له جذور في الماضي في تحريم المولاة للأجنبي وآيات المفاصلة والاعتزاز بالكمال في ختم النبوة ،وبالقدرة على الإبداع وليس النقل بدليل الحضارة الماضية ،وعدم جواز إيمان المقلد، والاجتهاد الذاتي أحد مصادر التشريع ،والتوحيد كسمة مميزة للفكر في مقابل التجسيم ،والتشبيه. وله أيضا رصيد في ثقافة المستقبل في فلسفات الأصالة والإبداع والاعتماد على الذات والتنمية المستقلة.) -4- 2-4-جذور علم الاستغراب: لعلم الاستغراب جذور تاريخية، تعود إلى تمثل الأنا الحضارية الإسلامية للثقافة اليونانية بعد عصر الترجمة. لقد تعاملت الأنا الحضارية الإسلامية مع الموروث الثقافي اليوناني من منظور ندي ونقدي، وحولت الحضارة اليونانية إلى موضوع للفحص والتمحيص والدراسة والتقييم النقدي، وقدمت نموذجا متفردا للجدل الخصب بين الأنا والآخر. لكن، هل تقدم المثاقفة بين الفكر العربي –الإسلامي وبين الفكر اليوناني في العصر العباسي، تجربة معرفية تاريخية نموذجية داعمة لعلم الاستغراب كما يعتقد حسن حنفي؟ هل يمكن الركون إلى الخبرات التاريخية للأنا ،في التعامل الندي والنقدي مع الآخر الغربي ؟هل تقدم الخبرات الذاتية في التعامل مع الموروث اليوناني واحتوائه وتمثله وإخضاعه لليقينيات التداولية للذات ، نموذجا للإتباع والاحتذاء في التعامل مع المعارف والنظريات والأنساق الفلسفية والأخلاقية والعلمية الغربية ؟ هل يمكن قراءة الإنتاج الفلسفي الغربي كما قرأ الكندي أو الفارابي أو ابن سينا أو ابن رشد الفكر الأفلاطوني أو الأرسطي أو الأفلاطوني المحدث؟ هل تفيد معرفة منطق الجدل الحضاري، في التجاوب المبدع، مع التحدي الحضاري الغربي، المختلف ،عمقيا ،عن التحدي الثقافي الإغريقي القديم ؟ 1-ترتبط حركة الترجمة القديمة بسياقات وحاجيات ثقافية وفكرية مخصوصة كشف عنها حلم المأمون العباسي؛ فلا يمكن فهم الترجمة دون استحضار مسارات الصراع بين المعتزلة والمتفلسفة والأدباء وبين الفقهاء والمحدثين والأصوليين. لقد تم اجتراح قواعد ومعايير خاصة بالتكييف والتبيئة والتوطين والتأويل، في خضم التنافس والتصارع الفكري بين الساعين إلى تثبيت سلطة العقل والراغبين في تكريس سلطة النصوص المعيارية والمرجعية والفكر البياني. لم يقرأ الموروث اليوناني ،لتثبيت سلطة الأنا ،وإبداع صيغ تفاعلية وتثاقفية خصبة كما يعتقد حنفي ،بل لتثبيت سلطة الإطار المرجعي المعتمد،أو النظيمة الفكرية أو النسق التدليلي و الاستدلالي المتبنى ،وإضعاف الحضور الفكري للمنافس الفكري.لقد قرئ وفسر وكيف الموروث الفلسفي اليوناني ،بناء على معطيات وحاجيات فكرية و ثقافية وسياسية ،وفي خضم الصراع الرمزي والفكري بين الفرق والمذاهب والأحزاب .من البين أن الفلسفة وظفت لا لتحجيم اليونان ،الغائبة عن التاريخ الفكري والسياسي ،آنذاك ،بل لاحتواء النظم البيانية والعرفانية.لم ينشغل ابن رشد ،بالأرسطية ،لتحجيمها وإبراز محليتها ،بل لإبراز كونيتها و إظهار محلية فكر الغزالي وقصوره النظري والمنهجي (تهافت التهافت). (..فبين أن هاهنا موجودا واحدا تفيض منه قوة واحدة بها توجد جميع الموجودات. ولأنها كثيرة فإذن عن الواحد بما هو واحد واجب أن توجد الكثرة ،أو تصدر ،أو كيف ما شئت أن تقول .وهذا هو معنى قوله .وذلك بخلاف ما ظن من قال :إن الواحد يصدر عنه واحد. فانظر هذا الغلط ما أكثره على الحكماء !فعليك أن تتبين قولهم هذا:هل هو برهان أم لا.أعني :في كتب القدماء ،لا في كتب ابن سينا وغيره ،الذين غيروا مذهب القوم في العلم الإلهي ،حتى صار ظنيا.) -5- 2-لقد وظف المعتزلة والفلاسفة، الفكر اليوناني في المقام الأول واستثمروا ووظفوا مفاهيمه وعلومه وتصوراته، دفاعا عن نظامهم المعرفي أو نظيمتهم الفكرية. 3-لقد انبرى المفكرون لقراءة وتأويل الفكر اليوناني،بعد أن صار هذا الفكر تاريخيا .ومعنى ذلك ،أن الحضارة الإسلامية ، وظفت وأولت وكيفت الفكر اليوناني بعد أن فقد سنده الثقافي-الحضاري .والحال أن الفكر الغربي المراد نقده وتجاوزه ،راهنا،يتمتع باستمرارية تاريخية ،وبقدرات إنتاجية وإبداعية عالية ، يدعمها استمرار الحضارة الغربية في التوسع والتمدد والإنتاج ،فكرا واقتصادا وعلوما وتقنيات. لقد وظف مفكرو النهضة الأولى أي النهضة العباسية، الموروث الفكري والعلمي اليوناني، في سياقات ثقافية وتاريخية وحضارية مختلفة عن السياقات الثقافية والسياسية والحضارية الحالية. 4-أشار حسن حنفي إلى المراحل المعتمدة في تحويل الحضارة اليونانية إلى موضوع دراسة وهي المراحل التالية: 1-النقل الحرفي 2-النقل المعنوي 3-الشرح والاعتناء بالموضوع ذاته :وهو يتسع لشروح ثلاثة :الشرح الأصغر والشرح الأوسط والشرح الأكبر 4-التلخيص 5-والتأليف في الوافد بالعرض والإكمال 6-التأليف في موضوعات الوافد إلى جانب موضوعات الموروث7-نقد الوافد وبيان محليته 8-رفض الوافد كلية والاكتفاء بنص الأنا . إن طرائق التكييف والتأويل والتوظيف والنقد، مختلفة في الدائرة الفلسفية. فبين الكندي و ابن زكريا الرازي والفارابي و ابن سينا و ابن باجة و ابن رشد مثلا،اختلافات في تقييم وتمثل و تكييف الفكر الأفلاطوني أو الأرسطي.لا تنفصل التكييفات المقدمة للفكر اليوناني ، عن السياقات الثقافية-الحضارية وعن المسارات الثقافية الشخصية للفلاسفة وخبراتهم السياسية والوجودية ونظراتهم إلى الإنسان ومصيره. كيف تبدأ الأنا بالتفاعل الثقافي، وتنتهي برفض الوافد؟ هل يمكن بناء نسق حضاري جديد دون التفاعل مع الثقافات والحضارات الكبرى ؟هل كانت الحضارة الإسلامية ، قادرة على تكثير وتجويد وتنويع إنتاجها العلمي و الفكري والتقني ، لو لم تنفتح لا على الموروث اليوناني فقط ،بل كذلك على الموروث الروماني والهندي والشرقي القديم ؟ألا يدل رفض الوافد والتفاعل المبدع مع معطياته وإشكالياته على استعصاء تاريخي –حضاري وعلى الافتقاد إلى القابلية للتجدد ومراجعة المعياريات الذاتية وإعادة فحص صلابتها وتماسكها وراهنيتها في ضوء المستجدات المعرفية والخبرات التاريخية وتطور قواعد الجدل بين الأنا والآخر ؟أليس رفض الوافد بالكلية ، والتمركز حول الذات ،مؤشرا على ضمور الحس الحضاري والركون إلى الجمود الثقافي والعطالة الحضارية في لحظات الاعتلال أو التراجع الثقافي بخاصة ؟ 5-يرى حسن حنفي أن نقد الوافد وإبراز محليته وتاريخيته، كانا استجابة ثقافية وتعبيرا عن وعي الأنا بضرورة تحويل الآخر اليوناني إلى موضوع دراسة. ( نقد الوافد ،وبيان محليته وارتباطه ببيئته ،وبتعبيرنا رده إلى حدوده الطبيعية ،وبيان تاريخيته ،وكيف أنه حالة خاصة ليس لديه من العموم والشمول ما يمكن أن يصبح وريثا للحضارات البشرية جمعاء على عكس حضارة الأنا وقدرتها على ذلك.)-6- لقد انتقد أبو سعيد السيرافي كونية المنطق الصوري، وربطه بالسياق اللغوي والثقافي والفكري اليوناني، في سياق التنافس والتصارع بين البيانيين والبرهانيين. (..إذا كان المنطق وضعه رجل من يونان على لغة أهلها واصطلاحهم عليها وما يتعارفونه بها من رسومها وصفاتها.فمن أين يلزم الترك والهند والفرس والعرب أن ينظروا فيه ويتخذوه قاضيا وحكما لهم وعليهم ،ما شهد لهم به قبلوه ،وما أنكره رفضوه؟) -7- كان النزوع إلى رفض كونية المنطق الصوري،مدفوعا بالرغبة في الدفاع عن سلطة وصلاحية المناهج والآليات البيانية -الحجاجية .ففيما يدافع متى بن يونس عن كونية المنطق الصوري وعن أفضلية المعرفة البرهانية ،دافع أبو سعيد السيرافي عن يونانية المنطق الصوري ومحليته ، واستشكل شمولية وإحكام ووثاقة ومتانة المعرفة البرهانية. (قال متى :إنما لزم ذلك لأن المنطق بحث عن الأغراض المعقولة والمعاني المدركة ،وتصفح للخواطر السانحة والسوانح الهاجسة ؛والناس في المعقولات سواء ألا ترى أن أربعة و أربعة [ثمانية]سواء عند جميع الأمم ،وكذلك ما أشبهه.) -8- كان نقد الوافد، موقفا حاضرا على الدوام، ولا سيما في صفوف البيانيين الخلص، الحريصين على تخليد سلطة البيان وآلياته التدليلية والحجاجية . 6-يرى حسن حنفي أن رفض الوافد كلية والاكتفاء بالنص المؤسس، كان الاستجابة النهائية لتحدي الوافد. والحقيقة أن رفض الوافد، اليوناني والهلينيستي بخاصة ،كان استجابة ملازمة للوعي البياني العربي-الإسلامي حتى قبل بدأ الترجمة المنظمة في عهد المأمون. (رفض الوافد كلية على أساس عدم الاحتياج إليه، والاكتفاء بنص الأنا الخام دون رغبة في الخروج منه وتعقيله والدخول في تفاعل مع ثقافات الآخر، وهو موقف بعض الفقهاء القدماء أو السلفيين المعاصرين.) -9- كان رفض الوافد، راجعا إلى التمركز حول الذات ويقينياتها التداولية، في الواقع، والتمسك بالمناهج المصاغة في عصر التدوين والرغبة في تكريس سلطة البيان والبيانيين. (وهذا هو الذي قال جمهور علماء المسلمين وغيرهم من العقلاء إنه باطل،فإن منطقهم لا يميز بين الدليل وغير الدليل ، لا في صورة الدليل ولا في مادته،ولا يحتاج أن توزن به المعاني ولا يصح وزن المعاني به،بل هذه الدعوى من أكذب الدعاوي ،والكلام معهم إنما هو في المعاني التي وضعوها في المنطق وزعموا أن التصورات المطلوبة لا تنال إلا بها والتصديقات المطلوبة لا تنال إلا بها.....)-10- وقصارى القول أن رفض الوافد والتشكيك في برهانية أو كونية بعض منتجاته ،موقف متجذر ،في الثقافة المحلية ،ومعتمد من قبل نخب بيانية أو عرفانية راغبة في التمايز ،منهجيا ونظريا ومعرفيا،عن المعارف والنظريات المستعارة من التراث الفكري اليوناني أو الفارسي . 2-5ـ-من النقل إلى الإبداع: يربط حسن حنفي الرغبة في إنشاء علم الاستغراب بالرغبة في الانتقال من النقل إلى الإبداع الثقافي والفعالية الحضارية المتنامية. فلما كان الإبداع مطلوبا، وكان النقل حائلا دون تحقيقه بالنظر إلى غزارة الإنتاج الغربي وتواصل الإبداعات والإنجازات الغربية، إن في الإنسانيات أو في العلميات، توجب نقد الغرب والكشف عن محلية ثقافته وأطره المرجعية. (لا تعني إذن الدعوة إلى تحجيم الغرب ورده إلى حدوده الطبيعية والقضاء على أسطورة الثقافة العالمية وبيان محلية ثقافته مثل أية ثقافة أخرى أي دعوة إلى الانغلاق أو العودة إلى جنون الذات أو رفض التعرف على الغير بل تعني أن فترة التعلم قد طالت وأن فترة الإبداع قد تأخرت، وأنه قد آن الأوان للانتقال من النقل إلى الإبداع.) -11- ألا يمكن الإبداع دون الانشغال بإنشاء علم الاستغراب؟ هل من الضروري نقد الغرب قبل مباشرة الإبداع الثقافي والحضاري؟ هل تملك الأنا، في السياق التاريخي –الحضاري المعاصر، القدرة على الإنتاج والإبداع والتفوق، فكرا واقتصادا وإنتاجا ماديا وتقنيات، على الأغيار؟ ليس الإشكال إشكال نقل أجزاء وأمشاج من الفكر الأوروبي، بل تأسيس العقلية العلمية وترسيخها مؤسسيا ودعم حضورها سوسيولوجيا .فالإبداع رهين باستيعاب الفكر الأوروبي وامتلاك العقلية العلمية وبلورة اتجاه تاريخي ،موصول عمقيا ،بالاتجاهات التاريخية الكبرى في الغرب والشرق ( الصين واليابان والهند ..إلخ) على السواء .إن ترجمة نصوص منتقاة بعناية إيديولوجية أو سياسية ،لن تفيد كثيرا في استيعاب وتمثل جوهريات الإبداع الغربي. لا علاقة للإبداع الثقافي والحضاري ،في اعتبارنا ،بإنشاء علم الاستغراب .يمكن الإبداع في قطاعات معرفية و علمية وتقنية ،من خلال التفاعل الخصب مع الغرب ،مثلما فعلت اليابان و الصين والهند والنمور الآسيوية .فالواقع أن حسن حنفي ،يصدر عن مركزية أحادية ،لا تقر دوما بالشراكة الثقافية أو الحضارية ، ولا بالتنافس بين فاعلين حضاريين ،يتفقان في مسارات علمية وفكرية و تقنية ويختلفان في مسارات أخرى .فاليابان حققت نهضتها ،بدون أن تحجم الغرب وبدون أن تعتني بإنشاء استغراب شرقي .كما أن الصين ،اجتافت كثيرا من المنجزات العلمية والتقنية و الفكرية الغربية ،وحققت نقلة ثقافية واقتصادية وتقنية نوعية. أما حسن حنفي، فيتوق إلى تدشين علم الاستغراب باعتباره المسار اللاحب والشرط الشارط للإبداع والفعالية الحضارية. 3-أهداف علم الاستغراب: 3-1- علم الاستغراب ونقد المركزية الأوروبية: هل يمكن القضاء على المركزية الأوروبية والقضاء على أسطورة الثقافة العالمية الملازمة للفكر الغربي ،دون الصدور عن منطلقات ومرتكزات فكرية وإيديولوجية وسياسية ،ذاتية بل ذاتانية ،بعيدة عن الحياد المعرفي وعن الإنصاف النظري أحيانا والنظرة الموضوعية ؟ألا يصدر ناقد الغرب عن ردود فعل سيكولوجية جديرة في الواقع بالرصد والاستقصاء والتحليل : الصدمة الحضارية و الاستلاب الثقافي و الإحساس بالفوارق الثقافية والحضارية بين عالمين مختلفين ...إلخ.؟ يستهدف نقد الغرب، التخلص من التغريب، أي الاستلاب الثقافي والتبعية الثقافية للحضارة الغربية. ويصدر هذا النقد، عن إنكار نظري وفكري، لمركزية الغرب، و عن رؤية ناقدة وتفكيكية "لأسطورة "الثقافة الغربية العالمية. يتم التشكيك هنا ، في عالمية وكونية الثقافة والحضارة الغربيتين ، وتأكيد تاريخيتهما ومحليتهما واستنادهما إلى ثوابت ومنظورات و دعائم نظرية وفكرية و وقيمية قابلة للاستشكال والتفكيك. (فالتغريب هو اللجوء المستمر للثقافة الغربية بحثا عن حل المشاكل الذاتية اعتقادا أن الغرب يمثل دائما نقطة إحالةPoint de référence والتحرر من التغريب لا يكون إلا بالقضاء على أسطورة الثقافة العالمية التي جعل الغرب نفسه مركزا لها. عندئذ فقد أقدر على مواجهة الغير والتعامل معه.) -12- لا مناص للأنا ،من إظهار فعاليتها الثقافية وكفاءتها العملية و قدرتها على الإبداع واجتراح منظومات جديدة أو تطوير منظورات غير مفكر فيها راهنا. يتوق "التراث والتجديد" أو اليسار "الإسلامي" ،إذن ،إلى استنقاذ الذات من التغريب والاغتراب والإنشداد إلى سلطة الغرب وعلومه وفنونه ونظرته إلى العالم . إن اليسار الإسلامي ضرورة حضارية بل حتمية تاريخية في نظره. وتتضح أهميته القصوى، متى اعتبرنا المد الإسلامي مدا تاريخيا يتوخى إقامة دورة حضارية ثانية للإسلام التاريخي. كما يستهدف علم الاستغراب، حسب حسن حنفي، تغيير علاقة المركز الغربي بالأطراف، وترسيخ تعدد المراكز وتدشين حوار وتبادل حضاريين خصبين. (وعلم "الاستغراب" إنما يهدف أساسا إلى تغيير علاقة المركز بالأطراف حتى تعدد المراكز، وتتباين النماذج، حتى يتم الحوار والتبادل بين أنداد.) -13- هل يتوق حسن حنفي ،في الواقع ،إلى حوار حضاري قوي ،بين مراكز أو ذوات ثقافية مستقلة ومعتزة بموروثها الثقافي ؟ألا يقر بأفول وسقوط الغرب ؟كيف سيحتفظ الغرب الآفل والفاقد للمبادرة الحضارية ،بمركزيته الحضارية ؟ألا يهدف علم الاستغراب إلى الإبانة عن محلية وتاريخية وظرفية الحقائق التداولية الغربية ؟ألا يروم إحلال المركزية الشرقية محل المركزية الغربية ؟أليست المركزيات توسعية ،تميل إلى الهيمنة والاستتباع والإلحاق ،ولا تقبل الحوار الندي إلا عرضا وفي سياقات التراجع وإعادة بناء الذات ؟ألا تتميز الحضارات المتوسطية بنزوعها إلى التمدد والتوسع والكونية؟ 3-2-محفزات ومرتكزات علم الاستغراب: ما محفزات علم الاستغراب؟ ما أهدافه وغاياته ومقاصده؟ -علم الاستغراب وحركة التاريخ: لا ينفصل علم الاستغراب ،في اعتبار حسن حنفي ،عن الموقف الحضاري للأنا من الآخر. ولذلك يندرج ضمن مسارات التاريخ والحضارة والخصوصية الثقافية والتاريخية للحضارة الإسلامية. إن نقد الغرب، استمرار واستكمال واستتمام، لموقف الأنا الإسلامية، من الآخر اليوناني، وتأكيد لأصالة الأنا واستقلاليتها الحضارية. لا يعتبر حسن حنفي الغرب مركز الحضارات والإطار المرجعي الوحيد ومركز الدائرة .لابد في اعتباره من كسر حلقات التبعية والتغريب و الاستلاب الثقافي ،والخروج من محيط الدائرة واستئناف الحضارة الإسلامية في دورة حضارية ثانية. يؤكد حسن حنفي أفول وسقوط الغرب ونهضة الأنا، رغم إشاراته المتكررة إلى قوة الغرب وإلى افتقار الأنا إلى مقومات النهضة وخاصة الوعي التاريخي. - علم الاستغراب والواقع المعاصر: يروم علم الاستغراب تأصيل الموقف الحضاري للأنا ، في زمن استشراء التبعية الثقافية والتغريب و الاستلاب الثقافي والوجودي و الحضاري و هيمنة ثقافة الآخر الغربي . إن علم الاستغراب، نقد للغرب من جهة ونقد لثقافة الأنا، وانبهارها المتزايد بالثقافة الغربية الوافدة، وتكريس منهجي ونظري لموقف حضاري مستقل ومبدع من جهة ثانية. (فتحديد موقفنا من التراث الغربي جزء من حركة التاريخ وتطور الحضارة واستمرار لما بدأناه في العصر القديم. كما أنه تحليل لواقعنا المعاصر الذي أصبح التراث الغربي جزءا من تكوينه الثقافي. كما أنه واجب وطني وقومي من أجل تأصيل موقفنا الحضاري، والقيام بالحركة التي لم نقم بها حتى الآن وهي معركتنا مع الثقافة الغربية الوافدة ،وهو ما نذكره أحيانا باسم الاستعمار الثقافي.)-14- إن علم الاستغراب نقد للحضارة الغربية وعرض للحضارة الإسلامية القديمة، وتأسيس لحضارة إسلامية جديدة. يقوم علم الاستغراب، إذن، على ثلاثة مرتكزات: 1-نقد الغرب والحضارة الغربية: يستهدف علم الاستغراب، نقد الثقافة الغربية وإبراز محليتها وتاريخيتها و حدودها ، معرفيا وأخلاقيا وسياسيا وحضاريا ،وإظهار تبعات ونتائج مركزيتها الإثنية و الثقافية . ليس الغرب بالنموذج الحضاري المثالي المطلوب إتباعه؛ فهو يعرف أزمات حادة في الوعي وفي الإنتاج وفي التدبير. (كشف [الموقف النقدي من الغرب] أزمة الغرب، وبأنه ليس بالحضارة التي لا تقهر، وضياع الرهبة من الآخر، والتحرر من عقدة الخوف منه، وبأنه ليس الأستاذ الأبدي، أزمات في الوعي، وأزمات في الإنتاج.) -15- 2-عرض الحضارة الإسلامية القديمة: يستدعي نقد الوضع الحضاري للآخر الغربي، إبراز الوضع الحضاري للأنا الإسلامية، وعرض السمات والخصائص الثقافية والتفسيرية والحضارية للحضارة الإسلامية. 3-تأسيس حضارة إسلامية جديدة: لا معنى لنقد الغرب وعرض الحضارة الإسلامية، دون تأسيس حضارة إسلامية جديدة، تستعيد روحية الحضارة الإسلامية القديمة وتستكمل مثالاتها ومنظوماتها القيمية والمعرفية، وتطورها وتكملها، من خلال التفاعل الندي والعقلاني والمتزن مع العطاءات الحضارية الإنسانية الغربية والشرقية على السواء. (أما بالنسبة لنا فقد نشأ الانبعاث الإسلامي كقانون تاريخي. فنحن الآن في دورتنا الثانية بعد أن اكتملت الدورة الأولى في القرون السبعة الأولى التي أرخ لها ابن خلدون. ثم تلتها قرون سبعة تابعة لتدوين نتاج الدورة الأولى في عصر الشروح والملخصات والموسوعات الكبيرة. ومنذ قرنين تقريبا نحاول أن نبدأ دورة ثانية للحضارة الإسلامية.) -16- ويؤكد نهاية الحضارة الغربية وبداية الحضارة الإسلامية الثانية، بعد استنفاد الغرب طاقته الإبداعية وتوهجه الثقافي وديناميته السياسية. (..فالغرب الآن في نهاية القوس.نحن مسارنا عكسي،منذ 200 سنة ونحن نبدأ بعصر جديد،حركات الإصلاح الديني ،ومجتمعات الليبرالية ونهاية العصر الثاني ،تعثرنا ربما بعد حركات التحرر الوطني لكننا ننهض من جديد ،الغرب ينهي عصوره الحديثة ،ونحن نبدأ عصورنا الحديثة ،ومن ثم هذا هو حوار بين حضارات ،حضارات تنتهي وحضارات تبدأ..) -17- يقابل حسن حنفي زحزحة الوعي التاريخي الإسلامي لصالح الوعي التاريخي الأوروبي، بنقد المركزية التاريخية الغربية والدعوة إلى تأسيس فلسفة تاريخ للنهضة الكونية الإسلامية الثانية. ويولي أهمية فائقة لفلسفة التاريخ، لأهميتها في دعم وتأسيس الوعي التاريخي والحضاري للأمة في حالات التقدم أو في حالات التراجع والتأخر والأفول. (ولا يوجد شعب ينهض أو يأفل دون أن تظهر لديه فلسفة في التاريخ تعلن عن نهضته، كما نفعل الآن أو تعلن عن نهايته كما هو الحال في فسلفات التاريخ المعاصرة. فلسفة التاريخ هي المؤشر على حركة الشعوب إقداما أم إحجاما، تقدما أو نكوصا.) -18- 3-3-نتائج الاستغراب المتوقعة: يتوقع حسن حنفي أن يسفر علم الاستغراب بعد ترسيخ حضوره في السياقات الثقافية العربية-الإسلامية عن النتائج التالية: 1-السيطرة على الوعي الأوروبي: ستتم هذه السيطرة عن طريق تحويل الذات إلى موضوع، والدارس إلى مدروس، والاجتهاد خارج مدارات الفكر الأوروبي. لا يرنو الاستغراب إلى التحرر من سلطة الغرب فقط، بل إلى السيطرة على الوعي الأوروبي، مما يكشف عن المحفزات والدوافع السيكولوجية والذهنية لعلم الاستغراب. 2-دراسة الوعي الأوروبي بما هو وعي محكوم بالتاريخ: ليس المسار الحضاري الأوروبي إلا مرحلة من مراحل الوعي الإنساني الطويل، وليس بالمسار الحضاري الوحيد أو المتفرد كما تعتقد المركزية الإثنية الأوروبية .إن الوعي الشرقي أو اللاأوروبي قادر ،حسب ،حسن حنفي ،على دراسة الوعي الأوروبي وإخضاعه لمقتضيات وموجبات وملابسات التاريخ . يتوخى علم الاستغراب، إعادة الغرب إلى التاريخ بعد كوننة قيمه ومنظوره وفلسفته التاريخية. لكن، هل تعني الكوننة ، إزالة الطابع التاريخي عن الوعي الذاتي الغربي ؟هل تخلى الغرب عن تاريخية حضارته ،إذ فرض قيمه كونيا واعتبرها القيم السامية المتفوقة على قيم الحضارات "الطرفية "؟ هل انخرط الغرب في نزع التاريخية، عن مساره الحضاري؟ وهل يمكن نزع الكونية عن الحضارة الغربية، رغم تفوقها التاريخي، عن الحضارات "الطرفية"، الباحثة عن مسارات حضارية جديدة، تجنبها آثار التبعية والتغرب والاغتراب، وتمنحها الدوافع والمحفزات الثقافية-الحضارية، المطلوبة، في سياق تاريخي –حضاري معقد ومتطلب؟ ينشد حسن حنفي، لا قراءة الوعي الأوروبي قراءة تاريخية، وإخضاعه للمناهج والمقاربات التاريخية فقط، بل نزع الكونية عن التجربة الغربية، رغم كل منجزاتها ومكتسباتها وثوراتها الحضارية المتلاحقة. 3-رد الغرب إلى حدوده الطبيعية: لا يمكن تحقيق هذا المبتغى، دون إبراز خصوصية الفلسفات والنظريات والمناهج الأوروبية، وإنهاء ما سماه بالغزو الثقافي. 4-القضاء على أسطورة الثقافة العالمية: ليست الثقافة العالمية، في تصوره، إلا أسطورة تبناها الغرب، لفرض هيمنته الثقافية، وإفقاد الحضارات "الفرعية" أو الشعوب التاريخية خصوصياتها الثقافية وامتدادها التاريخي –الحضاري. ولا يعني القضاء على أسطورة الثقافة العالمية، إلا إبراز تعدد الحضارات المركزية في اعتباره. (وتتعدد الحضارات المركزية ،وتتباين المراكز، وتصبح الحضارات كلها على مستوى واحد، فيقع التبادل والتفاعل الحضاري ،دون أن تقضي الحضارة الكبيرة على الحضارات الصغيرة باسم "التثاقف " أو "التحاضر" Acculturation .) -19- هل تملك فكرة تعدد الحضارات المركزية ، الآن ،شروط التماسك والاتساق نظريا وتاريخيا ؟هل يمكن الإقرار في عالم موحد الحضارة ،ومعولم ،بتعددية تشمل الحضارات ؟هل يمكن بناء بديل حضاري أقوى من النموذج الحضاري الغربي ،دون الانخراط في مسالك التحضر الغربي وتطوير وتثوير هذه المسالك ؟ألا نعيش في عالم متعدد الثقافات الكبرى ،وموحد الحضارة ؟وهل يتسع مشروع "التراث والتجديد" ،للتعددية الحضارية ، علما أنه ينفي إمكان استمرار قوة الحضارة الغربية ، ويؤكد أفول الغرب و سقوط مثالاته وانسحابه التاريخي من حقل الريادة والقيادة التاريخية ؟ كيف يمكن للحضارة الآفلة أن تكون حضارة مركزية ، ذات قدرة على العطاء والتبادل والتفاعل الندي والإبداعي مع الأغيار الحضاريين ؟ 5-إفساح المجال للإبداع الذاتي للشعوب غير الأوروبية: لا مناص، في نظره، من التحرر من هيمنة الآخر، والقضاء على التبعية والاغتراب، وإبداع المختلف استنادا إلى الأطر النظرية الوطنية والقوى والكفاءات المحلية. 6-القضاء على عقدة النقص لدى الشعوب غير الأوروبية: لا يمكن إبداع نظريات أو مسارات ثقافية أو حضارية جديرة بالتقدير، دون التخلص من مركب النقص لدى الطرف العلماني وعلى مركب العظمة لدى الطرف المحافظ أو التراثي. 7-إعادة كتابة التاريخ بما يراعي خبرات ومساهمات وعطاءات كل الثقافات والحضارات: من الضروري في اعتباره، إعادة كتابة التاريخ الحضاري للإنسانية، خارج مسبقات ومنطلقات وتأكيدات الحضارة الغربية. فمن الإنصاف، توسيع دوائر النظر والتحقق، من خلال إدراج الحضارة الغربية ضمن مسار حضاري طويل، أغنته حضارات كثيرة وإظهار المساهمات التاريخية للحضارات الشرقية العريقة ( مصر والصين والهند والعراق وفارس ...إلخ)وإغنائها المعرفي والأخلاقي والعلمي لسيرورة الحضارة الإنسانية. 8-بداية فلسفة جديدة للتاريخ: يفترض حسن حنفي إمكان انتقال الريادة الحضارية مجددا إلى الشرق. إن انتقال الغرب من "الأنا أفكر" إلى "الأنا موجود"، ومن فكر ديكارت إلى فكر هوسرل ، مؤشر دال ،في نظره ،على تحولات عميقة في بنية الفكر والوعي الأوروبيين . 9-انتهاء الاستشراق وتحول حضارات الشرق من موضوع إلى ذات :يكشف الاستشراق ،في اعتباره، عن طبيعة العقلية الأوروبية أكثر مما يكشف عن حالة وطبيعة الموضوعات والظواهر الفكرية والشعورية الشرقية المعالجة .يعكس الاستشراق وضعية الوعي الأوروبي لا وضعية الوعي الشرقي أو الإسلامي . يصدر حسن حنفي،عن موقف اختزالي من الاستشراق مشابه لموقف إدوار سعيد من مناهج وتصورات المستشرقين ؛فالاستشراق يعبر عن الوعي الأوروبي والذات الأوروبية بلا شك ،كما يكشف عن المجهود النظري والفكري الأوربي المبذول ،من أجل معرفة مصادر وتشكل وبنى الفكر العربي –الإسلامي.لا بد ،إذن ،من استقصاء المعالجات والاستقصاءات والتحليلات الاستشراقية الموضوعية إلى جانب المسبقات والأحكام والرؤى الذاتية والانحيازات الإيديولوجية أو السياسية المتحكمة ،جوهريا أو عرضيا ،في كتابات المستشرقين. من الجلي، أن النقد المحتكم إلى مسلمات ومسبقات إيديولوجية، لا يساعد كثيرا في إنجاز تقييم موضوعي، للاستشراق وعطاءاته ومكتسباته النظرية والمعرفية والمنهجية. يقتضي نقد الاستشراق، فحص النصوص والمناهج الاستشراقية ،فحصا موضوعيا ،واستحضار سياقات إنتاجها ،ورهاناتها المنهجية و المعرفية ،وقدرتها على التشخيص والتوصيف و التفسير والتعليل والتنظير واستقراء دلالات اختلاف الاتجاهات والتوجهات لدى المستشرقين الكبار(إرنست رينان و جولد تسيهر وجوزيف شاخت ولويس ماسينيون و ويلفريد كانتويل سميث و فرانسيسكو غابرييلي وكلود كاهين و فون غرونباوم وماكسيم رودنسون وجاك بيرك ...إلخ). 10-تحويل علم الاستغراب إلى علم دقيق: لابد في نظره من تطوير علم الاستغراب وتصييره علما محكما، ينظر إلى الحضارة الغربية عن بعد ويرصد مصادرها وبناها وتاريخها بتجرد. 11-تكوين الباحثين الوطنيين وتطوير الثقافة الوطنية: يتصل علم الاستغراب اتصالا وثيقا، في اعتباره، بالثقافة الوطنية، وينشغل برصد كيفية تفاعل الجبهات الثلاث فيما بينها: "التراث القديم " و "التراث الغربي " و "الواقع المباشر". 12-بداية جيل جديد من المفكرين –الفلاسفة: إن ناقد الآخر من منظور الأنا، هو متفلسف. فالفيلسوف منشغل ببناء الأنا وببناء الآخر من منظور الأنا. 13-التحرر الحضاري للأنا :لا مناص في نظره ، من تحرير الأنا من سيطرة الآخر ،وتحقيق التحرر الحضاري ،استنادا إلى كوجيتو تحرري :"أنا لا أغترب، إذن، أنا موجود" أو "أنا لست آخر ،إذن ،أنا موجود". 14-خلق وعي إنساني جديد: يتوقع حسن حنفي نشوء وعي إنساني جديد، يقضي على داء العنصرية، الناشئ، في اعتباره، أثناء تكون الوعي الأوروبي. (هذه ليست طوباوية يقع فيها علم "الاستغراب "بل تغيير جذري في الوعي الإنساني، إذ يرى الوعي الأوروبي حدوده، كما يرى الوعي اللاأوروبي إمكاناته فلعل كل منهما يصل إلى منتصف الطريق لخلق وعي إنساني جديد.) -20- ينفي حسن حنفي النزوع الطوباوي عن هذا التوقع، إذ يمكن في اعتباره، تحقيق نقلة نوعية في الوعي الإنساني، إذا فكك الوعي الأوروبي ،وأعيد بناء الوعي اللاأوروبي ،وتمت صياغة ما يمكن أن نسميه بالوعي الإنساني المركب. هل يمكن بناء وعي إنساني جديد، مضاد كليا، للعنصرية والهيمنة والاستتباع الثقافي للآخرين، دون تفكيك التمركز حول الذات؟ ألا يتوجب استشكال فكرة المركزية قبل التفكير في بلورة وعي إنساني جديد ينأى جذريا عن التمحور حول الأنا وحول متخيلها وذاكرتها وآمالها الثقافية؟ هل تملك فكرة الوعي اللاأوروبي شرائط التناسق؟ ألا تنطوي الشعوب الشرقية التاريخية على اختلافات وفوارق وتفاوتات، ناشئة عن اختلاف المصالح والبيئات والتراكيب الثقافية والمنظورات الفلسفية؟
الهوامش: 1-حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط،1992،1، ص 14. 2-حسن حنفي، الدين والثورة في مصر 1952-1981، الجزء السابع: اليمين واليسار في الفكر الديني، مكتبة مدبولي، القاهرة، د.ت، ص.290. 3- إدريس العمراوي ، تحفة الملك العزيز بمملكة باريز ،تقديم وتعليق :زكي مبارك ،مؤسسة التغليف والطباعة للشمال ،طنجة،د.ت،ص.86. 4-حسن حنفي ، ما الذي يمنع المثقف العربي من التفكير في المستقبل ،الفكر العربي المعاصر ،العدد :90-91،يوليوز –غشت 1991،ص.51. 5-ابن رشد، تهافت التهافت، انتصارا للروح العلمية وتأسيسا لأخلاقيات الحوار /مع مدخل ومقدمة تحليلية وشروح لمحمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2،،2001،،ص248. 6-حسن حنفي ،مقدمة في علم الاستغراب ،ص 45. 7-أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، صححه وضبطه وشرح غريبه: أحمد أمين و أحمد الزين، المكتبة العصرية، بيروت –صيدا، د.ت، الجز1، ص.110. 8-أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ،الجز1،ص.111. 9-حسن حنفي ،مقدمة في علم الاستغراب ،ص 45. 10-جلال الدين السيوطي، صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام ويليه: جهد القريحة في تجريد النصيحة، تخريج وتعليق: أحمد فريد المزيدي ، دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1،،2007،ص.236. 11-حسن حنفي ،مقدمة في علم الاستغراب ، ص 69-70. 12-حسن حنفي ،الدين والثورة في مصر 1952-1981،الجزء السابع :اليمين واليسار في الفكر الديني ،ص.285. 13-حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، ،ص 57. 14-حسن حنفي، التراث والتجديد-موقفنا من التراث القديم، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط،1992،4،ص.180. 15-حسن حنفي ،مقدمة في علم الاستغراب ، ص 60. 16-حسن حنفي، الدين والثورة في مصر 1952-1981، الجزء السابع: اليمين واليسار في الفكر الديني،. ص.340-341. 17-حسن حنفي، الغرب والإسلام بعد11 أيلول/سبتمبر، شؤون الأوسط، العدد 106، ربيع 2002، ص.159. 18-حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، ص 33. 19-حسن حنفي ،مقدمة في علم الاستغراب ، ،ص 40. 20-حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، ص 43.
إبراهيم أزروال اكادير –المغرب
#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرواية ورهانات الكينونة
-
لوك فيري ونيتشه
-
حسن حنفي ونقد الاستشراق
-
استجلاء الوعي في سينما المخرج محمد خان
-
المعالجة الدرامية لقصة -أهل القمة- لنجيب محفوظ
-
المعالجة الدرامية لقصة -الحب فوق هضبة الهرم - لنجيب محفوظ
-
هادي العلوي والفكر الهندي
-
التجديد اللغوي في - المعجم العربي الجديد - لهادي العلوي
-
ورطات العلائق في فيلم -أربعاء الألعاب النارية - لأصغر فرهادي
-
الإنسانية الانتقالية ونسيان تراجيديا الحياة والموت
-
أشواق الذات في فيلم - أرض الأحلام - لداوود عبد السيد
-
استشراف المستقبل وإشكاليات الحرية في فيلم -انفصال - لأصغر فر
...
-
لمحات عن السيرة الذاتية للمختار السوسي -الجزء الثاني
-
لمحات عن السيرة الذاتية للمختار السوسي الجزء الأول
-
الذات والتاريخ في -رحلة من الحمراء الى إيلغ -لمحمد المختار ا
...
-
نبيلة قشتالية –برتغالية في القصر السعدي بتارودانت
-
الدراسات التراثية : إشكاليات المنهج والتداول
-
إفريقيات -موانع المأسسة السياسية
-
موزار والإشهار
-
حكايات حارتنا : حكايات التوت والنبوت
المزيد.....
-
على طريقة -موسى- في -تحت سابع أرض-.. تيم حسن للبنوك اللبناني
...
-
-حزن عميق- في لبنان بعد مقتل أب وأطفاله الثلاثة في غارة إسرا
...
-
سينما… الفلم الوثائقي الفلسطيني: -مع حسن في غزة- لكمال الجعف
...
-
معارض تشادي يقاضي ديبي في فرنسا بعد إسقاط جنسيته
-
سوريا الجديدة تشع من جديد
-
السودان يحذّر من استخدام الدعم السريع للمرتزقة
-
مقتل عنصري أمن وإصابة ثالث بانفجار عبوة ناسفة في الأنبار الع
...
-
صحيفة أميركية: في الفاشر السودانية من لا يقتله القصف يموت جو
...
-
رئيس تجمع الأطباء الفلسطينيين بأوروبا: مآسي الغزيين ستنكشف أ
...
-
عباس وحماس يرحبان باعتراف بريطانيا وأستراليا وكندا بدولة فلس
...
المزيد.....
-
التجربة الجمالية
/ د. خالد زغريت
-
الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان
/ د. خالد زغريت
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
المزيد.....
|