|
استجلاء الوعي في سينما المخرج محمد خان
ابراهيم ازروال
الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 14:01
المحور:
الادب والفن
بقلم : إبراهيم أزروال
ليست سينما المخرج المصري محمد خان سينما الشغف والفروسية فقط، بل هي قبل كل شيء سينما استجلاء الوعي واستكشاف الحساسية وسبر المخيلة وهي تتفاعل، مع واقع متقلب ومتحول ، سياسيا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا .لا يركن محمد خان إلى الميلودراما ولا إلى الفانتازيا و لا إلى النزعة السياسية ولا إلى الطهرانية الأخلاقية في المعالجة ،بل يصر على معالجة المشكلات الإنسانية معالجة درامية ذات نزوع تراجيدي أحيانا . اختلاف منجز محمد خان : -I حين نتأمل فيلموغرافيا المخرج محمد خان،نكتشف تنوع واختلاف منجزه الفيلمي-السينمائي ،من حيث : 1-جودة ونضج المنجز :قدم محمد خان أفلاما جيدة( عودة مواطن(1986)/زوجة رجل مهم (1988)/ الحريف(1983)/خرج ولم يعد(1984)/أحلام هند وكاميليا(1988) /في شقة مصر الجديدة(2007)/موعد على العشاء (1982) ) وأخرى متوسطة القيمة الفنية والجمالية ( ضربة شمس (1978)/ طائر على الطريق(1981) / سوبر ماركت(1990) /فتاة المصنع(2014) /بنات وسط البلد(2005) /الرغبة(1979) / الثأر(1980) /مشوار عمر(1985) /قبل زحمة الصيف(2015) /فارس المدينة(1991) ) وأخرى ذات قيمة وثائقية أو سوسيولوجية أو تاريخية أو إثنوغرافية ( الغرقانة(1993) / أيام السادات(2001) /مستر كاراتيه (1992)/ نصف أرنب(1982)/يوم حارجدا.(1995) ) 2-الثيمات والموضوعات: عالجت أفلام محمد خان ثيمات وموضوعات بالغة الأهمية مثل: -انسحاق الفرد وهدر طاقاته وإمكانياته ( عودة مواطن / الحريف/أحلام هند وكاميليا/فتاة المصنع /سوبر ماركت /بنات وسط البلد /مستر كاراتيه)؛ -الاغتراب الاجتماعي (الحريف /الرغبة /سوبر ماركت / مستر كاراتيه ... إلخ)؛ -الفقر والهشاشة الاجتماعية (الحريف/أحلام هند وكاميليا / فتاة المصنع.)؛ -العنف الملابس للعلائق الاجتماعية ( زوجة رجل مهم / موعد على العشاء /الثأر/طائر على الطريق /فتاة المصنع ... إلخ) ؛ -الحب والتحاب والصداقة (في شقة مصر الجديدة / خرج ولم يعد/بنات وسط البلد ...) -انسحاق المرأة في المجتمع الأبوي –الطبقي (موعد على العشاء /طائر على الطريق /زوجة رجل مهم /فتاة المصنع /بنات وسط البلد ...). 3-المعالجة السينمائية للموضوعات والثيمات: تتضمن أعمال محمد خان أربعة خطوط درامية: -المحور الدرامي المخصص للفروسية أو المثالية في زمن الذرائعية والنفعية والنرجسيات الصغيرة. ويبدأ هذا المحور بفيلم " طائر على الطريق" وينتهي بفيلم "فارس المدينة".ويتناول هذا المحور موضوعات وإشكاليات شائكة مثل :الفوارق الطبقية و وضعية المرأة ومعاناتها والتسلط وآثار الانفتاح الاقتصادي واغتراب وعزلة الفرد المثالي . المحور الأول هو -بكل تأكيد- المحور الدرامي والجمالي الأهم في منجز محمد خان ؛فبفضله كرس مكانته كمخرج أعمال سينمائية متكاملة ومتطورة النظرة إلى الذات والواقع والممكن والمستحيل في سياق ثقافي –تاريخي متميز ،ونقصد هنا ،عصر الانفتاح وما تلاه .تكمن جدة رؤية خان وتميزه بالقياس إلى رفاقه من مخرجي الواقعية الجديدة ( عاطف الطيب و خيري بشارة وبشير الديك و داوود عبد السيد ورأفت الميهي ) ،في نأيه الكلي عن الحس الميلودرامي( "أبناء وقتلة" و"البدرون" لعاطف الطيب مثلا ) وتوظيف الميلودراما في مقاربة إشكاليات المجتمع الانفتاحي وعن النزوع السياسي المميز لبعض أعمال عاطف الطيب("ضد الحكومة" و"البريء" و" كشف المستور" ..)وعن الميل إلى الفانتازيا ( "الأفوكاتو" لرأفت الميهي و"رحلة البحث عن سيد مرزوق" لداوود عبد السيد مثلا) . يقدم محمد خان، معالجة درامية متوازنة ومتأملة لمشكلات الفرد وهو يواجه ذاته ومحيطه ويتدبر إشكاليات ومعضلات سياقه السياسي –التاريخي. ولا يفوته أن يركز على قدرة الإنسان الشغوف بالتفرد و التميز الإنساني، في سياقات التردي، على استبطان الذات، وعلى رصد جماليات ومفارقات و أسرار الأمكنة، وعلى تحري مفاعيل الزمن في الناس وفي حيواتهم و مصائرهم ("الحريف" و"عودة مواطن" ...إلخ). كما لا يفوته أن يستكشف معاناة الفرد الأعزل والضعيف، وهو يواجه شخصيات مصابة بداء التملك والتسلط والاستحواذ على إرادة الآخرين، ويبحث عن بدائل حياتية، تحميه من الضياع ومن الهدر والاكتئاب. يركز محمد خان ،خلافا لعاطف الطيب، على حساسية ووعي ولاوعي الشخصية، وآليات تفاعلها مع المحيط ومفاعيل التاريخ وتبعات السياسات الاقتصادية أو الاجتماعية المعتمدة بعد حرب أكتوبر. فهو يعتني عمقيا ،بكيفية تمثل الفرد الأعزل أو المثالي أو المنحاز إلى قناعات إنسانية لثقل الواقع وتفاعله مع مفاعيل المستجدات التاريخية والاجتماعية كما في "الحريف" و "عودة مواطن" و"فارس المدينة "و "أحلام هند وكاميليا" و"وسوبر ماركت" ... إلخ . ولا ينكر محمد خان، انحيازه الفكري إلى الاشتراكية، أي إلى عالم تسوده العدالة الاجتماعية وتتراجع فيه حدة الفقر. (الفكرة دائما تأتي من حالة التقطها من حولي.ولكن لي نظرة اجتماعية. أستطيع أن أقول إنني اشتراكي غصبا عني. من دون فلسفة أو فذلكة.لا أعتقد أن هناك فنانا حقيقيا ليس اشتراكيا. ماذا تعني الاشتراكية؟ إنها العدالة وقدر أقل من الفقر.) -1- أنجز محمد خان ،ثلاثة أعمال سينمائية قبل إنجاز "طائر على الطريق " هي :"ضربة شمس" و الرغبة " والثأر".ومن المحقق ،أنه استفاد من الخبرات والكفاءات المحصلة أثناء إنجاز هذه الأفلام ،في إنجاز أفلامه الروائية الكبرى.كان فيلم" ضربة شمس "التجربة الأولى في استكشاف الأمكنة واختبار طاقات البطل المثالي (شمس /نور الشريف)وتجريب موسيقى تصويرية خاصة (موسيقى كمال بكير)وتطوير الأداء التمثيلي (أداء ليلى فوزي مثلا )والتمرس بالتصوير في الشوارع والميادين .وكان فيلم" الرغبة "،فرصة للاعتناء بالصورة وجمالياتها واقتحام الموضوعات النفسانية-الاجتماعية الشائكة .وكان فيلم "الثأر "،فرصة للتركيز على الحبكة الدرامية للأحداث و اعتماد التشويق و تنسيب التصورات والآراء الجازمة ، واكتشاف وهمية ولاعقلانية كثير من المقررات والتصورات الذاتية. -المحور التجريبي: لقد حاول محمد خان تنويع الثيمات و نوعية المعالجة والفضاءات وأساليب التعبير الجمالي والدرامي في الأفلام التالية " الغرقانة " و " أيام السادات " و " قبل زحمة الصيف " . والملاحظ أن محمد خان، حاول التجريب خارج مداراته الجمالية والفكرية والتعبيرية، فلم يصادف، في اعتبارنا توفيقا كبيرا؛ وأشير هنا إلى ثلاث تجارب سينمائية: -تجربة الفيلم الأنثروبولوجي في "الغرقانة" : سلك محمد خان مسلك السينما الأنثروبولوجية في فيلم "الغرقانة" ،إسوة بخيري بشارة في "الطوق والإسورة ". -تجربة الفيلم التاريخي في "أيام السادات ". يخلو فيلم "أيام السادات " من التوهج الدرامي و اللمسات الشخصية المعتادة في سينما محمد خان .لا يحاول الفيلم ،تجاوز الحدث السياسي-التاريخي ،واستقصاء الغائب ،و استجلاء المخفي أو اقتراح وجهة نظر خاصة في تقييم فترات تاريخية زاخرة بالتغيرات والتحولات والمنعطفات( العصر الملكي وثورة يوليو وعصر السادات) ،اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. -تجربة استكشاف عالم الفئات" العليا" من البورجوازية كما في "قبل زحمة الصيف". حاول محمد خان استكشاف عالم الفئات "العليا" من البورجوازية المصرية، في "قبل زحمة الصيف" ،بعد أن قدم فيلم جميلا عن شؤون وشجون وهموم الناس في الأحياء الشعبية في "فتاة المصنع" .والحقيقة أن فيلم "قبل زحمة الصيف" ،يخلو من الزخم الدرامي ومن التأجج والتوهج الدراميين و من القدرة الدرامية على تشريح واقع المرأة البورجوازية و الكشف عن أسباب اغترابها واستلابها. -المحور المخصص لإشكاليات المرأة أثناء عصر الانفتاح وما بعده: رصد محمد خان وضعية المرأة ،وما يحف بوجودها من منغصات ومعوقات ومكابدات ،نفسانية واجتماعية وتمزقات وجدانية .كما رصد ،استجاباتها وأنماط تفاعلها مع محيطها القريب ،وقدرتها أو عجزها عن كسر طوق الاغتراب والاستلاب والقهر والسحق الاجتماعي( موعد على العشاء / زوجة رجل مهم / أحلام هند وكاميليا / فتاة المصنع ...).تنتمي بطلات أفلام محمد خان ،إلى الفئات الكادحة الباحثة ،عن الأمان في وسط تحكمه قيم عصر الانفتاح أو الليبرالية الجديدة (أحلام هند وكاميليا/ الحريف/ فتاة المصنع )،أو الى الفئات الوسطى ،المسحوقة اقتصاديا واجتماعيا بعد تغيير الإبدال الاقتصادي –الاجتماعي ( عودة مواطن).كما رصد أوجاع وتفاعل نساء ،من الفئات الوسطى ،مع إكراهات عاطفية وأعطاب وجدانية ،ناتجة عن الهدر العاطفي أو الجنسي (طائر على الطريق وموعد مع العشاء ) أو الهدر الوجودي ( زوجة رجل مهم). إن بطلات محمد خان حالمات بكينونة ممتلئة مشبعة بالحب والعواطف المتوهجة وتواقات إلى علائق إنسانية راقية (سلوى / نورا في" ضربة شمس" / فوزية / فردوس عبد الحميد في "طائر على الطريق" / دلال /فردوس عبد الحميد في "الحريف"/ منى إسماعيل / ميرفت أمين في" زوجة رجل مهم " / نوال /سعاد حسني في" موعد على العشاء "/وردة/نبيلة عبيد في "الغرقانة "/ وهيام/ ياسمين رئيس في" فتاة المصنع" ).إلا أن توقهن التحرري ، كثيرا ما يصطدم ،بنزوع الشركاء أو الأحباء إلى التملك الاستحواذي (موعد على العشاء /زوجة رجل مهم ) أو المثالية الحالمة الممزوجة بكثير من التهور(الحريف ) أو الخضوع للقيم الأبوية(فتاة المصنع).ومن اللافت للنظر ،أن مصادر قهر المرأة قد تعددت في (فتاة المصنع ) بعد أن كانت محدودة في ("موعد على العشاء" و" زوجة رجل مهم" و "طائر على الطريق" ).فلئن كان الزوج مصدر قهر المرأة بشكل رئيسي في (" موعد على العشاء" و" طائر على الطريق" و"زوجة رجل مهم" ) ،فإن مصادر القهر في (فتاة المصنع ) متعددة تشمل: العائلة والصديقات والمحيط الاجتماعي والمهني .وتسجل أفلام محمد خان ، في هذا السياق ، تحولا اجتماعيا كبيرا ،دالا على تراجع مستويات الفردانية و التحرر الفردي والنزوع الجماعي في الهوامش بخاصة إلى المحافظة القيمية والسلوكية . لا تجد نساء محمد خان ،تحققن العاطفي أو الإنساني أو الوجودي ،إلا في الصداقة ( أحلام هند وكاميليا / فتاة المصنع /بنات وسط البلد )أو في الحب الشفاف ( في شقة مصر الجديدة /خرج ولم يعد ). من البين ،أنه شرح وضعية المرأة وكشف عن دقة وصعوبة موقعها ،في محيط لا يسلم من آثار اجتماع أبوية ضاغطة وطبقية مفقرة ورغبات استحواذية مهيمنة. (فالمرأة، التي تحتل مكانة بارزة في النتاج السينمائي لخان،تنكشف في أفلامه ككائن فردي حي ،وكصورة عن معنى الحياة وكيفية مواجهة تحدياتها ،أو انعكاس وقائع الحياة على الصورة السينمائية من خلالها (المرأة)،وكنموذج للجانب الأعمق والأهم في الكيان الحياني برمته.) 2- وقد حاول محمد خان ،سبر عوالم المرأة البورجوازية في (قبل زحمة الصيف )،استكشافا لوضع اجتماعي –ثقافي آخر ،لم يعالجه بعمق في أعماله السابقة. يكتفي فيلم "قبل زحمة الصيف" بالرصد والكشف عن الخصائص النفسانية –الاجتماعية ،لمنتمين إلى طبقتين مختلفتين ، وضعا ومكانة وقيما.وبما أن التفاعل الدرامي محدود ،والاشتباك الدرامي في أدنى مستوياته ،فإننا لا نستكشف- عمقيا- الكوامن والخفايا والبواطن. تكتفي الشخصيات بالتأمل والتحديق والتشهي والتلصص، دون أن تجرؤ على الفعل ،وتجاوز عتبات التحفظ ، وكأننا في فيلم وثائقي أو تسجيلي عن السمات العامة للطبقة الغنية والطبقة الشعبية ،في عالم ما بعد الربيع العربي . رغم تحرر هالة سري /هنا شيحا ،ملبسا وسلوكا ،فإنها تتسمك في العمق بتصور استحواذي للحب .فهي تحلم بحبيب/عشيق ،طيع وخاضع ،علما أن الواقع متغير ،ومنظومة القيم تشهد ، بعد فورات الشباب ومستجدات العولمة ،تحولات نوعية في الروابط والعلائق الاجتماعية . فهي لا تظهر كثيرا من المهارة العاطفية، في التعامل مع حبيبها الممثل الثانوي (هشام صالح /هاني المتناوي)، الباحث عن المجد الفني والخروج من هامشيته. فبينما تنشغل بنزواتها وإيجاد علاقة، تنسيها إخفاقها العاطفي السابق، فإن حبيبها، يدرك هشاشة موقعه، الاجتماعي والمهني، و صلابة الفوارق الطبقية وصعوبة تخطيها.وفي انتظار فرصة العمر ،فإنه يكثر من المغامرات العاطفية ،و يسعى إلا إثبات نفسه في مشهد فني لا يقبل إلا المواهب الفذة . تعود الشخصيات إلى مواقعها الطبقية الراسخة، حين تفشل العلاقات العاطفية، وتصطدم الرغبة المتأججة، بامتناع وتمنع الآخر. وهكذا، تظهر الدكتورة ماجدة/لانا مشتاق كثيرا من التعالي الطبقي، على زوجها الدكتور يحيى القاضي /ماجد الكدواني، بعد توالي خيباتها العاطفية، وانفجارها بعد طول احتقان، بعد موت الببغاء. ويصارح الممثل الثانوي هالة بهشاشة موقعه المهني والاجتماعي والطبقي، بعد تأكدها من عدم صدقه وتعدد علائقه العاطفية. ولا تفلح شخصيات الفيلم، في التغلب على الاستلاب والهدر، وتحصين كيانها وقوامها الوجداني –الوجودي والدفاع عن خياراتها الحياتية بشجاعة، بل تميل إلى المدارة (خضوع الدكتور لزوجته المتحكمة واكتفاؤه بالتمتع بالصور العارية) والازدواجية والكذب (كذب هالة على أمها وأبنائها.) وتستغرق –بسبب ذلك-في الاكتئاب والتآكل الداخلي (إصابة الدكتورة ماجدة بالشقيقة وحساسيات الأكل والاكتئاب). -المحور الطوباوي: وهو يشمل فيلم « في شقة مصر الجديدة " و فيلم " خرج لم يعد " . لم يكتف محمد خان بتشريح الواقع الاجتماعي والكشف عن أعطابه وأعطاله كما فعل في" الحريف" و "عودة مواطن" و"أحلام هند وكاميليا "و"مشوار عمر"،ولا بإبراز عجز الفرسان عن استنقاذ مثالهم ومثلهم وذاتيتهم في محيط متحول وميال ،أكثر فأكثر، إلى الذرائعية والنفعية والاستهلاك كما في سوبر ماركت(رمزي /ممدوح عبد العليم ) أو "عودة مواطن"(شاكر /يحيى الفخراني ) أو "الحريف"(فارس /عادل إمام ) أو" فارس المدينة"( فارس حسن الهلالي / محمود حميدة) ،بل قدم مثالا أو طوبى كما فعل في " في شقة مصر الجديدة" و "خرج ولم يعد". بإمكان الإنسان التخفف ،من آلام الاغتراب والهدر والانسحاق ،باستكشاف قدرته على الحب وتحقيق رغائبه العميقة كما في "في شقة مصر الجديدة" أو بإقامة علائق متجددة بالناس في عالم منفتح لا يأبه للضغوط والتوتر كما في "خرج ولم يعد". ولئن قدم نهايات حزينة في "موعد على العشاء "و " طائر على الطريق" و "الثأر" و "سوبر ماركت" ونهاية ملتبسة في "عودة مواطن " ،فإنه قدم نهايات سعيدة في "في شقة مصر الجديدة " و "خرج ولم يعد" ،مما يؤكد إمكان الفرح والجمال والمرح والسعادة ،مهما كانت مرارة الخيبات وقساوة المحيط الاجتماعي وعنف الآخرين . عودة مواطن :-II قدم محمد خان ،إحدى أرقى المعالجات الدرامية في السينما المصرية في "عودة مواطن" ،لعصر الانفتاح الليبرالي ،وما صاحبه من تفكك وانفصال وهدر وتفكك قيمي .وتكمن قوة هذا الفيلم ،في تتبعه الدقيق ،لمواطن التحول والتراجع ، في الأعيان وفي الأذهان على السواء .يصف الفيلم ،الارتباك القيمي ،والأخلاقي والإنساني ،الملازم لسياسات اقتصادية غير مفكر جديا في تلاؤمها مع خصائص المجتمع المصري .كانت التحولات المحدثة من الجذرية بحيث كشفت عن هشاشة العلائق العائلية(علاقة شاكر المرتبكة بإخوته) ،وضعف الروابط الأسرية ، وتكالب البعض على حطام السوق الاستهلاكية ، بعيدا عن أي اعتبارات أخلاقية أو قيمية أو إنسانية . ومما يعزز حضور الفيلم وقوته ،في اعتبارنا ،انطواؤه على أبعاد تراجيدية واضحة (سلبية شاكر وخضوعه لحتمية تراجيدية وعجزه عن اتخاذ القرار من فرط الذهول وصعوبة استيعاب تحولات واقع مأساوي) ،وبعده عن الميلودرامية وعن التسيس المفرط .إن عجز البطل عن الحسم ،يؤكد بعده التراجيدي وينفي جدارة الأمل. (فمثلا في فيلمي "عودة مواطن" أراد السيناريست عاصم توفيق أن يركب البطل الطائرة ويغادر البلد،لكني تركته واقفا في المطار حتى يظل باب الأمل مفتوحا.) -3- والواقع أن شاكر كان أسير وضعية تراجيدية ،من سماتها الكبرى :الإحساس العميق بقلق الهوية والوعي بالألم الناتج عن التفكير فيها. (إن الوضع التراجيدي هو ذلك الوضع الذي يصير فيه وعي الإنسان بهويته أليما.) -4- -IIIالبطل في سينما محمد خان : يسلط المخرج محمد خان الضوء على تفاعل الفرد مع الواقع وتحدياته ومآسيه ومفارقاته وممكناته. لا يتملص بطله من مسؤوليته(فارس /عادل إمام في "الحريف" أو فارس حسن الهلالي /محمود حميدة في "فارس المدينة " أو نوال /سعاد حسني في "موعد على العشاء ")، كما لا يستغرق في الشكوى أو الطهرانية أو الأخلاقية المجردة أو التسيس كما في بعض أعمال عاطف الطيب (التخشيبة / ملف في الآداب / الزمار ... إلخ ). يدرك أبطال محمد خان،دقة وحراجة وضعهم ويبحثون عن مرافئ حامية للذات دون التنازل عن مثاليتهم ونزوعهم إلى الود والمحبة والألفة والصحبة والفروسية(الحريف/أحلام هند وكاميليا/خرج ولم يعد / فارس المدينة). يدير أبطال محمد خان حوارا تأمليا ،شفافا تارة وقاسيا تارة أخرى مع أنفسهم ( فارس/عادل إمام في "الحريف" / شاكر /يحيى الفخراني في " عودة مواطن")،فيما يعاينون تحولات المجتمع ،ويتفاعلون معها بكثير من الترقب والسلبية (عودة مواطن/ سوبر ماركت) أو بكثير من الحذر .يستضمر أبطال محمد خان المأساة ،فيما يقرأ أبطال عاطف الطيب علاماتها قراءة سياسية برانية فيما عدا "سواق الأتوبيس" و "ليلة ساخنة ".يلتحم أبطاله بالمأساة ( فارس /أحمد زكي في "طائر على الطريق ")والمفارقة ويبحثون عن متنفس وجودي ( الحريف/ فتاة المصنع / في شقة مصر الجديدة) وينقرون عن علائق متوازنة، وروابط معقولة، وإنسانية أكثر احتفالا بالحب والصداقة والمودة والطبيعة ( خرج ولم يعد/ في شقة مصر الجديدة / بنات وسط البلد). لا يعتني محمد خان برصد اعتلالات الواقع كما يفعل عاطف الطيب في : "الزمار"أو "التخشيبة"أو " البريء "أو " الدنيا على جناح يمامة" أو " أبناء وقتلة"أو "ملف في الآداب" أو"كتيبة الإعدام "أو "الهروب " ...إلخ،بل برصد انعكاس المأساة الاجتماعية والوجودية في وعي الأشخاص/الأبطال. إن وعي البطل المثالي في سينما محمد خان مسرح تجاذب تراجيدي ( طائر على الطريق / موعد على العشاء )،لا يفلح دوما في إنهائه أو التخفيف من غلوائه إلا باختيار التدمير الذاتي نهجا ( موعد على العشاء ).
VI : تركيب : تحتفل أفلام المخرج محمد خان بوعي الفرد المدرك لطبيعة التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وسعيه إلى استنقاذ نفسه من وضعه الحرج ،دون التخلي عن مثله ومثاليته.وفيما يستقرئ وعيه المشبع بالألم والتردد والشك والإحباط ،فإنه يراهن على مرافئ عاطفية أو وجودية ،تحميه من الهدر والانسحاق والانشطار الذاتي . مما لا شك فيه ، أنه قدم إلى جانب علي بدرخان ( أهل القمة ) وعاطف الطيب ( سواق الأتوبيس ) ،إحدى أفضل المعالجات الدرامية لإشكاليات عصر الانفتاح ،في "عودة مواطن "،أكثر أفلامه تراجيدية ومأساوية. ولئن أنجز أفلاما موفقة في إضاءة إشكاليات العطالة الاجتماعية والهشاشة والفقر ووضعية المرأة ومآسي الإنسان المثالي في محيط استهلاكي ،فإنه لم يتمكن من إنجاز أفلام موحية وقوية دراميا، حين أراد اقتحام مجال الفيلم الإثنوغرافي (الغرقانة )أو التاريخي( أيام السادات ) أو الاستكشافي لعوالم البورجوازية "العليا"(قبل زحمة الصيف).
الهوامش : 1- هوفيك حبشيان، حوار مع محمد خان، السينما العربية ، العدد الأول ،شتاء 2015، ص.12. 2-نديم جرجورة،"قبل زحمة الصيف" –محمد خان هاربا من القاهرة ،الدوحة ، العدد 101،مارس ،2016،ص.149.
3-محمد خان ،لا أحد بمعزل عن المراقبة ،الدوحة ، العدد 119،سبتمبر 2017،ص.21. 4-عبد الواحد ابن ياسر ،حياة التراجيديا –في فلسفة الجنس التراجيدي وشعريته، تصدير حسن المنيعي ، الطبعة الأولى 2006،ص.73.
إبراهيم أزروال أكادير-المغرب
#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعالجة الدرامية لقصة -أهل القمة- لنجيب محفوظ
-
المعالجة الدرامية لقصة -الحب فوق هضبة الهرم - لنجيب محفوظ
-
هادي العلوي والفكر الهندي
-
التجديد اللغوي في - المعجم العربي الجديد - لهادي العلوي
-
ورطات العلائق في فيلم -أربعاء الألعاب النارية - لأصغر فرهادي
-
الإنسانية الانتقالية ونسيان تراجيديا الحياة والموت
-
أشواق الذات في فيلم - أرض الأحلام - لداوود عبد السيد
-
استشراف المستقبل وإشكاليات الحرية في فيلم -انفصال - لأصغر فر
...
-
لمحات عن السيرة الذاتية للمختار السوسي -الجزء الثاني
-
لمحات عن السيرة الذاتية للمختار السوسي الجزء الأول
-
الذات والتاريخ في -رحلة من الحمراء الى إيلغ -لمحمد المختار ا
...
-
نبيلة قشتالية –برتغالية في القصر السعدي بتارودانت
-
الدراسات التراثية : إشكاليات المنهج والتداول
-
إفريقيات -موانع المأسسة السياسية
-
موزار والإشهار
-
حكايات حارتنا : حكايات التوت والنبوت
-
ميرامار : شخصيات باحثة عن موقف.
-
معاصر السكر بسوس في عصر المنصور الذهبي . قراءة في (أخبار أحم
...
-
جماليات في عالم بلا خرائط : هوامش على -شارع الأميرات-
-
مسخرة بوجلود : نحو تاريخية للكرنفال الأمازيغي
المزيد.....
-
مقدم كوميدي أمريكي شهير يعلّق على خلاف ترامب وماسك ويثير ضحك
...
-
فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها..
...
-
فيلم -فلو- يتجاوز 57 مليون دولار في إنجاز غير مسبوق للرسوم ا
...
-
-سوذبيز- تطرح سترة سينمائية شهيرة من الثمانينيات بمزاد علني.
...
-
رحيل الفنانة العراقية غزوة الخالدي بعد مسيرة حافلة على خشبة
...
-
هيئة محلفين أمريكية تفشل في إصدار حكم ضد المنتج السينمائي ها
...
-
صيف 2025 السينمائي.. منافسة محتدمة وأفلام تسرق الأضواء
-
آدم نجل الفنان تامر حسني يدخل العناية المركزة إثر أزمة صحية
...
-
فضيحة جديدة تهز الوسط الفني في مصر (فيديو)
-
مخرج أفلام إباحية كان من بين أكثر المطلوبين لـ FBI يقر بالذن
...
المزيد.....
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|