|
موقعة اجنادين العظيمة وتحديد موقعها: الرملة -بيت جبرين ام اللجون الفلسطينية؟!
وجدي حسن جميل
الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 13:43
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اختلف أصحاب المعجمات في اسم أجنادين، فذكرها بعضهم بكسر الدال، وآخرون بفتح الدال على صيغة التثنية. واختلف الرواة والمؤرخين حول موقع أجنادين, فقال بعضهم: انه في جنوب دمشق، وقال آخرون: انه في الأردن. وقال اخرون -وهم الغالبية- انها بفلسطين, الا انهم اختلفوا في تعريف موقعها. والروايات هي : - قال ابن اسحاق: ان أجنادين بين اللد والرملة وبيت جبرين. وقال أبو حذيفة اسحاق بن بشر: أن أجنادين من الرملة من كورة بيت جبرين على المحل. وذكر عبد الله البكري في كتابه معجم ما استعجم أن أجنادين على لفظ التثنية, كأنه تثنية أجناد : موضع من بلاد الأردن بالشام، وقيل : بل بأرض فلسطين بين الرملة وحبرون . وقال النويري: ان أجنادين من فلسطين بين بيت جبرين واليرموك . وجاء في تاج العروس شرح القاموس: أن أجنادين موضع مشهور بالقرب من دمشق الشام كانت فيه الوقعة العظيمة بين الروم والمسلمين . وجاء في كتاب المؤتلف والمختلف لأبى زكريا يحيى النووى: قال بعضهم: أجنادين محل مشهور في الشام بالقرب من دمشق . وجاء في تاريخ الاسلام للذهبى استنادا الى رواية ابن اسحاق أن أجنادين بين الرملة وجرش . وذكر ابن خلدون أن أجنادين وراء الرملة شرقا . وجاء في الاستيعاب عن الحسين بن عثمان الزيادي أن أجنادين في فلسطين بين أيبال جبرين(بيت جبرين) أو جبرون(حبرون) والرملة . اما في لسان العرب لابن منظور فجاء:ويوم أجنادين معروف كان بالشام أيام عمر، وهو موضع مشهور من نواحي دمشق، وكانت فيه الوقعة العظيمة بين المسلمين والروم . هذا ملخص المعلومات عن موقع أجنادين من مصادر عربية إخبارية عدة، ويتضح منه أن المؤرخين المسلمين لم يتحملوا عناء البحث في تثبيت موقع أجنادين. وإذا كان للمؤرخين القدماء، كالبلاذرى والطبرى واليعقوبي، عذر في ذلك؛ لأنهم كانوا مقتنعين بأن المحل معروف لدى القراء، ليس من حاجة الى تعريفه، فليس لمن بعدهم هذا العذر، ولاسيما أن الروايات التي استندوا اليها اختلفت كثيرا في تعريف المحل، وكان ينبغي لهم أن يقارنوا بين هذه الروايات ويتحققوا من محل أجنادين، ويذكروا الرأى الذى توصلوا اليه، بينما نراهم يكررون قول من سبقهم. والأغرب أنهم ذكروا الاختلاف كقولهم: وقيل ان أجنادين فلسطين، أو الأردن، أو الشام . وسلك أكثر مؤرخى الغرب أيضا الطريقة نفسها، فكوسن دی برسفال ذكر في كتابه "تاريخ العرب" أن أجنادين واقعة غربي القدس مسافة 15-20 میلا. وذكر بعد أن قدم معركة اليرموك على معركة أجنادين، انها قرية في غربي القدس بين الرملة وبيت جبرين. أما المستشرق الانجليزى موير Muir فقال في كتابه "الخلافة : قيامها وأفولها وسقوطها": "ان الخصمين -العرب والروم- تقاتلا في ميدان أجنادين المشؤوم بين الرملة وبيت جبرين يوم السبت 28جمادى الأولى سنة 13 الهجرية ( 31 تموز سنة 634 الميلادية ). يجوز اعتبار هذا التاريخ صحيحا. أما موقع أجنادين فقد اختلفت فيه الاراء، فقيل انه في شرقى الأردن، وقيل: انه اسم لجون (مجدو) محرفا من كلمة ( الجيونوم Legionum ( اللاتينية, لأن أجنادين مشتقة من كلمة جند (الجيش) العربية. والفرضية الأخيرة هذه تدل على أن جنوبي فلسطين كان قد فتح قبلا، وأن المتحاربين كانوا يتقاتلون وقتئذ في فلسطين الوسطى التي سميت فيما بعد جند الأردن. والاعتراض الرئيس الذى يوجه ضد الفرضية الأولى ترك الروم لأعدائهم أرضا واسعة ودفاعهم عن مناطق بعيدة سكن أغلبها البدو، بينما كان ينبغى -أن يحموا أخطر ناحية من نواحي الامبراطورية (أي فلسطين) . وقال دي غويه في كتابه "مذكرة عن فتح سورية", "ان عدم وجود اسم أجنادين في خارطة فلسطين ، ووروده على شكل تثنية جمع جند (أجناد - أجنادين) جعل هانبرج – Haneberg يشك أن تكون أجنادين الترجمة العربية لكلمة (لجيو - Legin ) أى (مجدو/اللجون) القديمة. فقد ذكر جغرافيو العرب هذا المحل باسم (لجون - لجيونوم -Legionum) ولا ينكر أهمية هذا المحل في مدخل مرج بني عامر الذي كان الذي كان له شأن في تاريخ فلسطين العسكري". وقال كيتاني: ان هانبرج أخطأ في اعتماده على مصدره الوحيد كتاب فتوح الشام المنسوب الى أبى اسماعيل الأزدي بجعل معركة أجنادين بعد معركة اليرموك، ولم يشأ أن يلتفت الى مصادر أخرى، ولم يرغب في ذلك. لقد فتش عن أجنادين في أطراف دمشق، ولهذا ظن أن معركة أجنادين وقعت في أثناء حصار دمشق، وافترض أن أجنادين تثنية جمع جند أي (جيش، معسكر) ولاح له أنها تذكرة اسم Legio / ليجيو, الحصن الروماني الشهير الذى ذكره أوسيبوس ويسمى الآن لجون. وقد استند فيما بعد الى أسباب أخرى، واستنتج منها أن موقع أجنادين يجب أن يكون في شرقي الأردن ..ملاحظا أنه يشبه كثيرا كلمة (مخنايم) الواردة في الكتاب المقدس التي تعنى جند -جندين أي معسكرين . ولما لم يتمكن من تثبيت المحل ظن أن موقع أجنادين يجب أن يكون بين حمص وبصرى، خلافا للمصدر الذي اعتمد عليه. وذكر كيتاني أن برنيسة Pernice) ) يرى أن معركة أجنادين هى المعركة التى سماها المؤرخ الأرمني سبوس معركة (ربوث موآب) فأجنادين هي ربوت موآب. وبذلك تجنب جميع الدلائل الواردة في المصادر العربية، واعتمد على سبوس وحده برغم انتقاده للغلطات والارتباكات الكثيرة ويستند برنيتسه في رأيه هذا الى ما زعمه هانبرج من أن أجنادين واقعة في شرقى الأردن ، بينما لا يوجد مصدر عربى وضع أجنادين في شرقي الأردن. والذي أوقع برنيتسه في هذا الخطأ الفاحش قول سبوس: ان المعركة وقعت في بلاد العرب ، بينما كلمة Arabia الواردة في نصه لا تعنى بلاد العرب، انما تعنى (العربة). التي ذكرها مؤرخو العرب حيث جرى فيها قتال بين الروم والعرب . لقد خلط سبوس بين معركة العربة ومعركة أجنادين . تم أشار كيتاني الى استنتاجات (فون سيتزن Von Seetzen ( الذي ارتأى أن أجنادين شمال شرقی دمشق، لوجود محل يشبه أجنادين لفظا يسمى جادين ، أو جيادين . ولكنه بعد أن علم أن الاسم الحقيقى هو (جب عدين) أخذ يفتش عنه شرقى جبل حوران، أي على حدود البادية . أما وايل - Weil - فانه بالرغم من استناده الى المصادر العربية المختلفة أشار في كتابه تاريخ الخلفاء الى أن موقع أجنادين ينبغى أن يكون شمال شرقى الرملة في اتجاه الأردن . وكذلك اكتفي مولر بما ذكره المؤرخون العرب . ولنعد الآن الى ما جاء في المصادر العربية ونوازن بينها، لنتوصل الى الحقيقة في تثبت موقع أجنادين. واذا أهملنا الروايات التى تجعل أجنادين في الشام والأردن، وقد رواها البكري والنووى والزبيدى صاحب تاج العروس، نرى أن الروايات الأخرى تتفق على أن أجنادين في فلسطين قريبة من الرملة، كما جاء في رواية ابن اسحاق وابن حذيفة ورواية البكرى الثانية وابن خلدون. أما رواية النويري فقد جعلت أجنادين بين بيت جبرين واليرموك، وبذلك قاربت الروايات الأخرى. وأما رواية الزيادي في الاستيعاب فتجعلها بين أبيال(بيت) جبرين وحبرون. واذ ليس هنالك موضع باسم أبيال جبرين في فلسطين، ولا سيما في جوار حبرون، فلا بد أن تكون كلمة أبيال قد حرفت بالنسخ من أبيات أو بيت، فيكون الصحيح بين بيت جبرين وحبرون، أى مدينة الخليل التي كانت تسمى قديما باسم حبرون، وجاء ذكرها في معجم البلدان لياقوت . ولعل كلمة جبرون الواردة في رواية البكرى الثانية، محرفة من اسم حبرون . هكذا يتضح لنا أن الروايات كادت تتفق على أن أجنادين موقع بين الرملة وبيت جبرين، أضف الى ذلك روايتين جعلتاه بين الرملة وحبرون، فينبغي لنا اذن أن نفتش عن هذا الموقع في مثلث رؤوسه الرملة وبيت جبرين وحبرون. على أن رواية ابن اسحاق التي ذكرها الذهبى تلقى بعض الضوء على كشف الموقع، وقد جاء في هذه الرواية أن أجنادين بين الرملة وجرش. ومن الطبيعى ألا تكون جرش هذه بلدة جرش الواقعة في الأردن، لأنه لا يعقل أن تكون البلدة المذكورة أداة تعريف، أولا لأنها بعيدة كثيرا عن الرملة، ثانيا لوجود مواقع أخرى مشهورة كالقدس ونهر الأردن فلا بد أن تكون جرش الواردة في الرواية موقعا آخر قريبا من الرملة. واذا نظرنا الى خوارط فلسطين القديمة، ولاسيما الخوارط الحديثة نجد قرية تسمى "جرش" بين اللطرون وبيت نتيف ، أي جنوبي شرقي الرملة على بعد خمسة وعشرين كيلومترا. ولا يستبعد أن الرواية تشير الى هذه القرية بحيث يصح أن تكون واسطة تعريف لموقع أجنادين. وجاء في رواية النويرى أن أجنادين بين بيت جبريل واليرموك. أما كلمة جبريل فمحرفة من جبرين وأما اليرموك فلا يمكن أن يكون نهر اليرموك لأنه بعيد جدا عن بيت جبرين، ولأنه توجد مواقع شهيرة كنابلس وجنين وبيسان بل حتى طبرية، بين نهر اليرموك وبيت جبرين. لهذا يجوز أن يكون اليرموك هذا اسما لموضع يسمى يرموك، قريبا من الرملة. وفي هذا الصدد أيضا تساعدنا في البحث خوارط فلسطين القديمة والحديثة، لأنه توجد خربة في شمال بيت نتيف تدعى يرموك أو يرموث، وهي واقعة الى جنوب غربي جرش على مسافة خمسة كيلومترات ، والى شمال غربی بیت جبرين على مسافة خمسة عشر كيلومترا، وسنرى فيما توصل اليه دى جويه، والمستشرق الروسى مدنيكوف، أن وجود هذا الموضع بالقرب من أجنادين أدى الى ارتباك المؤرخين القدماء في خلط معركة أجنادين بمعركة اليرموك. . ويرموك هذا، موقع قديم، ورد ذكره في سفر يشوع في العهد القديم باسم يرموث...ومن السهل قلب هيرموت الى يرموك في الاستنساخ . ويجوز أن اسم يرموث انقلب الى يرموك مع الزمن ، فكانت القرية في زمن الفتح تسمى اليرموك . وذكر كيتاني في كتابه الأنف الذكر أن الأستاذ ( نلينو ) لفت نظره الى أن في بعض الخوارط الحديثة جاء اسم خربة يرموق باقاف بدلا من يرموك بالكاف . واذا صح هذا الاستنتاج، أي أن جرش الواردة في رواية ابن اسحاق هي قرية جرش الواقعة إلى جنوبى اللطرون، وأن يرموك الواردة في رواية النويري هي خربة يرموث الواقعة الى شمالى بيت تتيف، وجب أن نبحث عن موقع أجنادين في المثلث الواقع بين الرملة وجرش وبيت جبرين . والآن نذكر ما توصل اليه دى جويه من بحث مستفيض في كتابه "مذكرة عن فتح سورية", والحق أنه أول من بحث بتدقيق وانعام نظر في موقع أجنادين، ففند الروايات ووازن بينها، واستند الى مجرى الحوادث، معتمدا على أصح الروايات وأوثقها سواء أكانت اسلامية أم أجنبية، وانتهى من بحثه الى تثبيت المنطقة التي ينبغي أن يقع فيها موقع أجنادين . قال دى جويه: "ان هناك ثلاثة افتراضات يجب أن نختار أحداها: الفرضية الأولى: تفترض أن أجنادين في ضفة الأردن الشرقية. ومن الداعين اليها هانبرج, وقد حاول أن يجعل أجنادين في شرقى حوران، واستند في محاولته الى كتاب فتوح الشام الذى طبعه Lees في كلكتة المنسوب خطأ الى الواقدي. واذا صح زعم هانبرج وجب أن تنشب المعركة على حدود سورية الشرقية، وفي هذه الحالة تصبح خطة العرب الحربية، وكذلك خطة الروم غير مفهومة؛ لأن الحدود المذكورة كانت دائما معرضة للغارات البدوية. وقد اناط الروم أمر الدفاع عنها بالعرب. القاطنين فيها؛ فضلا عن أن أهلها، وهم سكان حوران والبلقاء، كانوا يميلون الى العرب؛ لهذا كيف يفترض أن الروم يرسلون خيرة جنودهم للدفاع عنها، ويتركون فلسطين مفتوحة بوجه العرب وهم يعلمون أن العرب في حربهم هذه يستهدفون فتح البلاد وامتلاكها لا غزوها ؟ والعرب يفضلون ارسال قواتهم اليها، بدلا من أن يحشدوها في حوران واللقاء؛ لأنهم يعلمون أن فتح فلسطين يجعل تلك البلاد في قبضة يدهم بلا قتال!! . أما الفرضية الثانية، فتفترض أن أجنادين في عمالة الأردن، وهي شمال فلسطين. وكان سبب ذلك أن خوارط فلسطين لا تذكر اسم أجنادين. ومن المتحمسين لهذه الفرضية هانبرج أيضا، وافترض، كما قلنا من قبل، أن أجنادين تثنية أجناد جمع جند، وهي ترجمة Legio اللاتينية التي تعنى الجند، أي مجدو القديمة/اللجون . وقال دى جويه ان رواية البلاذرى قد تؤيد هذه الفرضية، اذ ذكر البلاذري: أن أول الناس الذى حاصر قيسارية عمرو بن العاص . نزل في جمادى الأولى سنة 63 هـ ، فكان يقيم عليها ما أقام، فإذا كان للمسلمين اجتماع في أمر عدوهم ، سار اليهم، فشهد أجنادين .. يظهر من ذلك أن عمرو بن العاص ذهب من قيسارية الى أجنادين، فتكون أجنادين وقتئئذ من عمالة الأردن، أى في شمال فلسطين (اللجون). واذا صحت هذه الفرضية، فينبغي التفتيش عن غمر العربة في شمالي فلسطين بدلا من جنوبها؛ لأن أكثر الروايات تؤيد انتصار عمرو بن العاص في غمر العربة قبل مجيء خالد وذهابه منها الى أجنادين، بينما يقع غمر العربة في غور فلسطين قريبا من ملتقى البحر الميت بوادى -العربة. أضف الى ذلك أن فتح أجنادين مهد لسقوط غزة، لا سقوط قيسارية . وأما الفرضية الثالثة: فهى التى توافق رواية ابن اسحاق التي جعلت أجنادين بين الرملة وبيت جبرين. وهى تتفق تمام الاتفاق مع سير الحركات في جنوبي فلسطين قبل نشوب معركة أجنادين. وقد أشرنا من قبل الى مجرى الحركات فيها وكيف أنها انتهت الى اجتماع الجيوش العربية في أجنادين. وذكر دى جويه اجتماع الروم في ثنية جلق كما جاء في رواية سيف بن عمر في تاريخ الطبرى جعل مسيره نحو أجنادين . وقال سيف بن عمر: "وأرسل هرقل الى عمر و أخاه تذارق لأبيه وأمه، فخرج نحوهم في تسعين ألفا، وبعث من يسوقهم، حتى نزل صاحب الساقة في ثنية جلق بأعلى فلسطين".. وقد حاول دى جويه أن يفتش عن موقع جلق في شمالي فلسطين شمال الخط الذي يصل بيسان بقيسارية، وقال: انه من المشكوك فيه أن يكون في هذه المنطقة، ثم ذكر الرواية التي تجعل جلق في قرب دمشق كما جاء في شعر حسان ابن ثابت . وأراد أن يجعل جنين محرفة من كلمة جلق، وجنين واقعة - كما نعلم – شمالي نابلس، في المنطقة الجبلية التي تسيطر على مرج بني عامر. وقال : ينبغى أن تكون ثنية جلق هنا. وذكر ان هذا التحريف أمر طبيعي لدى النساخ. وقال دى جويه: ومما يؤيد أن أجنادين في جنوبى فلسطين شعر زياد بن حنظلة, يذكر فيها أرطبون وهو: قائد الروم في أجنادين. ولأجل أن تنسحب فلول الروم بعد المعركة إلى القدس، ينبغى أن يكون ميدان القتال واقعا غربي المدينة، أو الى جنوبي غربيها، أى في جنوب فلسطين لا في شمالها. والبيت هذا يؤيد ما ذكره أوطيخيوس أن عمرو بن العاص دخل كورة غزة بعد مجيئه من المدينة .ولما رأى أن قواته لا تكفي لفتح المدينة، كتب الى أبى بكر، وطلب اليه ارسال النجدة، فأمر أبو بكر خالدا بالذهاب الى الشام. ولما انضم هذا القائد الى عمرو، حاصر مدينة غزة، وبعد مفاوضات مخفقة جابه في أثنائها خطرا كبيرا لم يتخلص منه الا بفراسة مولاه وردان، وقعت معركة في أجنادين, مني الروم فيها بهزيمة نكراء، والتجأت فلولهم الى القدس وقيسارية . ويشير دى جويه بعد ذلك الى رواية سعيد بن عبد العزيز التنوخي نقلا عن البلاذري جاء فيها : أن المسلمين اجتمعوا عند قدوم خالد على بصرى، ففتحوها صلحا، وانبثوا في أرض حوران جميعا، ثم مضوا الى فلسطين والأردن. ثم قال دى جويه: "اذا كان هدف المسلمين غزة وفلسطين، فيتوقع أن تنشب المعركة أيضا في فلسطين. ويؤيد ذلك شعر زياد بن حنظلة من جهة، وما ذكره أوطيخيوس من جهة أخرى.. ثم أشار إلى الارتباك الذي أوقع مؤرخي المسلمين في الخلط بين معركة اليرموك ومعركة أجنادين، وتقديمهم الواحدة على الأخرى، الى أن قال: "ان سيفا ( سيف بن عمر) جعل معركة ( اليرموك – الياقوصة) المعركة العظيمة الأولى التي وقعت في سورية، بدلا من معركة أجنادين، استنادا الى روايات قديمة ما زلنا نرى آثارها لدى البلاذري والمدائني، بالرغم من أنهما قدما معركة أجنادين على معركة اليرموك سنتين؛ لأنهما يتحدثان عن مناوشة جرت في الياقوصة بعد معركة أجنادين بمدة قصيرة . تذكر رواية البلاذرى التي ذكرها دى جويه : "قالوا ثم جمعت الروم جمعا بالياقوصة، والياقوصة واد فمه الفوارة، فلقيهم المسلمون هناك . ثم يقول دى جويه: "وقعت معركة الياقوصة في المكان الذي ينصب فيه وادى القوصة في وادي اليرموك. وكان من أمر ذلك أن المعركة سميت تارة باسم النهر، وتارة أخرى باسم الوادى. لقد وجد هذان الاخباريان في بعض الروايات التي استندا اليها خبر معركة الياقوصة. ولأجل أن يحافظا على تأريخ وقائعهما من جهة، ويظلا متمسكين الى حد ما بتلك الروايات من جهة أخرى، سوغا لأنفسهما - بتمحيص غريب بعض الغرابة - أن يجعلا من معركة واحدة معركتين، وأن يسميا كلا منهما بأحد الاسمين الواردين في الروايات المذكورة. وفضلا عن أنه يستبعد جدا أن ينشب قتال مرتين في محل واحد، فانه يستحيل جغرافيا وقوع المعركة في الياقوصة بين معركة أجنادين ومعركة فحل. أضف الى ذلك انه ليس هنالك وجود نهرين أو واديين بالاسم نفسه. ويستمر دي جويه بالقول: يظهر من ذلك أن الرواية التى تشير الى أن معركة اليرموك وقعت هنا، هي رواية قديمة جدا، فلا يصح أن تعد محض تلفيق ابتدعه سيف. ولكي ترى كيف نشأت تلك الرواية، أذكر ما تراءى لي في هذا الصدد فأقول: "جعل ابن اسحاق موقع أجنادين بين الرملة وبيت جبرين, أما البكرى ، فقد جعله بين الرملة وحبرون (جبرون) ... ويوجد موقع يرموت القديم قرب هذين الموقعين، وهو موقع كان يسمى في عهد أرسيوس و جيروم (يرموة) حيث عده (روبنصن) الموقع الذي نشبت فيه معركة اليرموك. ثم قال دى جويه: اذا قبلنا أن أجنادين واقع قرب برموت، أمطنا اللثم فورا عن الغموض الذي أحاط بالأمر. هكذا يتضح لنا كيف أن معركة أجنادين اختلطت، أو كادت تختلط بمعركة اليرموك. فيتجلى لنا لماذا ذكر أحد المؤرخين أن البطل فلاني استشهد في معركة اليرموك، بينما قال مؤرخ آخر ان ذلك البطل استشهد في أجنادين. وبعد أن أشار دى جويه الى ما أورده البلاذرى من أسماء بعض الصحابة المعروفين الذين قتلوا في أجنادين، أورد قول البلاذرى: ويقال انهم قتلوا في اليرموك. وبنظر دى جويه ان استبدال يرموك بيرموث، كان من أهم الأسباب التي الى الارتباك الغريب في تأريخ وقائع فتوح الشام . ......يستدل مما سبق على أن الساحة التي قد تكون قد جرت فيها معركة أجنادين في المثلث الذى يؤلف رؤوسه كل من موقع الرملة وجرش وبيت جبرين، وألا تكون بعيدة عن خربة يرموك. ومما يلفت النظر أن الخوارط القديمة والحديثة التي ذكرت قرية جرش وخربة يرموث - ويرجع عهد هذا المكان الى قبل عهد يشوع -لم تشر إلى أجنادين؟!!! . ترى أأطلق العرب كلمة أجنادين على يوم من أيامهم جرى فيه القتال بينهم وبين الروم، جريا على عادتهم في الجاهلية في تسمية الأيام أم هى كلمة محرفة من عمل النسخ. وقد تراءى لدى جويه هذا الظن في كتابه، فقال: كنت أرى قبلا أنه من الجائز أن أجنادين اسم جنس صيغ من تثنية جمع جند، مضاف الى وقعة أو جمع الجموع في اللغة العبرية كمخمانيم وكما هو شائع في اللغة العربية . فيوم أجنادين قد يعنى وقتئذ المعركة التي جرت بالجيشين المجتمعين، جيش الشام وجيش العراق، الا أن هذا الظن خطأ ؛ لأن أجنادين في هذه الحالة لا يمكن أن تستغنى عن حرف التعريف. يريد أن يقول (يوم الأجنادين) أضف الى ذلك أن كلمة أجنادين أو أجنادين لم ترد بشكل اسم خاص في شعر زياد بن حنظلة وفي شعر كثير - كما ذكره ياقوت والبكرى فحسب . ولكن ذكرها المسعودي في كتابه مروج الذهب حينما يقول: ان ناتل بن قيس قتل في وقعة أجنادين في فلسطين في عهد عبد الملك. يعتقد كيتاني أن المستشرق الروسى ميدنيكوف هو أول من كشف السبب الذي وضع اسم أجنادين. وخلاصة ما ذكره كيتانى من كشف ميدنيكوف هي أن ميدنيكوف استند في بحثه إلى ما توصل اليه دى جويه من أن المعركة ينبغي أن تجرى قرب خربة يرموث أو يرموك، واستشهد بخارطة دليل فلسطين ليبيديكر، وقال ان الخربة تقع في جواز ملتقى الطرق الممتدة بين غزة وبيت جبرين و بين بيت جبرين والقدس وبين بيت جبرين واللطرون والرملة. ويمتد وادى السمط في جنوبي الخربة، وهو يؤلف خط دفاع بين المعسكر العربي والمعسكر الرومي, لأن الروم بواسطة هذا الخط الدفاعى يحتفظون بخطوط مواصلاتهم سواء بالقدس أو باللد أو بقيسارية التي كانت من أهم المراكز العسكرية في فلسطين . ويتطرق ميدنيكوف الى سبب تسمية العرب ميدان القتال بأجنادين، فيقول: انهم وعسكر الروم في شمال الوادى قرب خربة يرموك. وفي جنوب الوادي موقعان وهما الجنابة الغربية والجنابة الشرقية، والطريق يمر من بينهما، وارتفاع الأولى ( ٩٥٠ ) قدماً ، وارتفاع الثانية ( ١٢٤٥ ) قدما . أما ارتفاع خربة يرموك فهو ( ١٤٦٥ ) قدما . وقد عسكر الروم في هذا الموقع المسيطر المشرف على وادى السمط ، فجعلوا خط الاتصال بالقدس وبقيسارية على جانبيهم . ويتطرق ميدنيكوف الى سبب تسمية العرب ميدان القتال بأجنادين ، فيقول : انهم سموا المعركة بمعركة الجنابتين، كما استعملوا كلمة الأبانين في تسمية الجبلين الواقعين في نجد، وكما سموا الأشمونين في مصر للدلالة على تثنية أشمون. ويضيف كيتاني قائلا: لهذا توصل ميدنيكوف الى افتراض موفق عبقرى بافتراضه أن اسم أجنادين يمكن أن يكون من خطأ النساخ الذين وجدوا كلمة الجنابتين بغير علامات. ولما كانوا يجهلون محل هذين الموقعين، قلبوا الكلمة الى أجنادين وهذا ارتباك تسهل معرفته اذا ما كتبت الكلمات بحروف من غير علامات .... ثم قال كيتانى ما يلى: واذا صح أن أجنادين تحريف الجنابتين، لزمنا - خلافا لدى جويه - أن نفضل كتابة أجنادين بفتح الدال على أجنادين بكسر الدال. وأخيرا يلخص كيتاني بحثه المسهب عن موقع أجنادين، فيقول: "انه قد جمع كل المواد المتعلقة بالقضية، وقد يتجلى للدارس الأمور الآتية التي لا يسعه أن يبدي في شأنها انتقادا ما : - أن اسم أجنادين غير قياسى، ولا بد أن يكون محرفا، كما حرف النساخ كلمة يقوصة الى واقوصة . - أن معلومات المصادر كلها، باتفاق أكثرية المطلعين الموثوق بهم، تجعل معركة أجنادين في جوار خربة يرموك وبيت جبرين - يوجد في طرف ميدان المعركة موقعان يسميان بالجنابة، تثنى بالجنابتين، واذا ما كتبت هذه التثنية بغير علامات أشبهت كثيرا كلمة أجنادين . ثم يقول : لكل امرىء أن يختار النتائج التي يفضلها. وانا كان افتراض ميدنيكوف خاطئا، ومن ذلك لن يضعف قيمة النتيجتين الأخريين. ولما أنهى دى جويه بحثه التأريخي والجغرافي الثمين عن معركة أجنادين، قال : أن درس حالة الأرض في جوار خربة يرموك يميط اللثام عن الموضع الذي جرت المعركة فيه، ويكشف عن كلمة أجنادين أهى استنساخ عربى للاسم الرومي القديم (اجنابتون) أم هي ترجمة . وذكر كيتانى أن مشاهدة الأرض وتدقيقها توصلان الباحث الى التأكد منه هل كانت صالحة لنشوب معركة فيها ؟ وقال: انه فكر مرات أن يذهب لمشاهدة الأرض, ثم حاول ذلك ولكنه لم يوفق، لهذا رجا من المستشرق جوزيف هورويج الذي زار الشرق 1906 ، أن يدرس حالة الأرض ، فشاهد هذا المستشرق الأرض ودرسها ، وأخذ بتصويرها، ثم كتب الى كيتانى يقول: ان نظرة يلقيها المرء على الأرض تجعله يقتنع كل الاقتناع أنها صالحة جدا من الوجهة الطبغرافية والعسكرية لنشوب معركة فيها ، وبذلك أيد ما وصل اليه دى جويه وما استنتجه ميدنيكوف. فأبدى كيتانى بعض الملحوظات العسكرية، وتساءل: هل حالة الأرض مساعدة لنشوب معركة كبيرة فيها ؟ ويجيب أن ما وصفه هورويج وما جاء في الصور وما رسم في الخارطة يؤيد ذلك. فحالة الأرض تصلح لحركة قوات كبيرة فيها، وهى متموجة غير وعرة، تتحرك الخيالة فيها بسهولة. ويمر وادى السمط من المثلث الذي تؤلف رؤوسه خربة يرموك والجنابة الشرقية والجنابة الغربية، ويجرى موازيا لها. وهوعريض تسيطر عليه خربة يرموك، رأس المثلث ، في محل مركزي في وسط الطريق والأرض بين الخربة والوادى متموجة ومسورة بأدغال، والآثار الباقية تدل أنها كانت مسكونة فيما مضى. وخربة يرموك واقعة فوق رابية على جانب المرتفع. وتمتد هضبة متموجة الى الجنوب نحو الوادى، وتتخللها تلول صغيرة. ويمكن الجزم أن الروم احتلوا هذه الهضيبة المسيطرة على وادى السمط الممتد من الشرق إلى الغرب. والموضع قوي يستر خطى المواصلات في جانبيه. وفي الضفة الجنوبية للوادى يمتد خط مؤلف من رواب تقوم أنقاض الجنابتين في جانبيه. والجنابة الغربية أقل ارتفاعا من الجنابة الشرقية، وهى واقعة على هضبة واسعة، الحد الغربي لوادى السمط . واذ أن الروم أتوا من الشمال، والعرب تقدموا من الجنوب، فيقتضي أن يكون خط الروابى المرتفع بين الجنابتين الموضع الذي احتله العرب قبيل المعركة, لأنه يسهل الدفاع عنه ضد الروم من جهة، ويصلح من جهة أخرى الهجوم على موضع الروم . ثم يقول كيتانى : اذا كانت هذه الاستنتاجات صحيحة ، يستنبط منها أن انتصار العرب طوروا الحركات الحربية من الجنابتين نحو الشمال إلى وسط الوادى، ثم امتدت حتى موقع يرموك . النتيجة أثبتنا فيما سبق كل ما قيل عن أجنادين، ووازنا بين الروايات، وانتهينا من بحثنا إلى أن معظم المصادر -حتى وقت قريب- قالت أن معركة أجنادين وقعت بين الرملة وبيت جبرين قرب خربة يرموك، ورأينا أن دى جويه وكيتانى بحثا الموضوع بعناية ودراية، وأن المستشرق الروسي ميدنيكوف أيد رأى دى جويه، وزعم أنه كشف سبب تسمية العرب للمعركة بأجنادين. وقد أيد كيتاني في زعمه هذا الى حد ما . الى هنا يستمر البحث منسجما أقرب ما يكون الى الواقع ، ومنطبقا على المقتضيات العسكرية . انما الذى لا يدعو الى الاطمئنان زعم ميدنيكوف أن أجنادين محرفة من الجنابيتين, ذلك للاسباب الآتية : -اذا صح هذا التعريف ، يكون قد وقع في زمن متقدم جدا ؛ لأن كلمة أجنادين وردت في جميع المصادر العربية القديمة بلا استثناء ، ولاسيما رواية اليعقوبي الباحثة عن مقتل ناتل في زمن عبد الملك ، فانها تشير إلى أجنادين نفسها . -ينبغى أن تكون قريتا الجنابة الشرقية والجنابة الغربية موجودتين في زمن الفتوح ، والواقع أن كلمة جنابة عربية ولا يوجد في المعجمات الجغرافية القديمة موقع جنابة في فلسطين ما عدا الجنابة الواقعة في بلاد فارس كما ذكرها ياقوت في معجمه قائلا : بلدة صغيرة من سواحل فارس . -لا نظن أن القرى العربية قد انتشرت كثيرا في فلسطين في زمن الفتوح . ويلوح لنا أن القريتين المذكورتين أقيمتا بعد الفتح حينما استوطن العرب فلسطين . لهذا لا تتفق مع ميدنيكوف وكيتانى على أن كلمة أجنادين محرفة من الجنابتين .. و يترأی لنا أن الاستدلال الأقرب إلى الواقع ما ارتأه دى جويه من أن أجنادين اسم جنس مضاف الى يوم أو وقعة، بالرغم من أنه عدل عن رأيه هذا مستندا إلى أنه كان ينبغى أن يسبق الاسم حرف تعريف، كقولك يوم الأجنادين، أو وقعة الأجنادين, ولأن اليعقوبي أشار إلى مقتل ناتل في أجنادين في فلسطين في عهد عبد الملك ، مما يدل على أن هذا الموقع كان موجودا في فلسطين في ذلك العهد . وبالرغم من صدوف دى جويه عن هذا الرأى يلوح لنا أن أجنادين اسم جنس مضاف الى يوم أو وقعة، وسببه أن المعركة وقعت لأول مرة بين العرب والروم، واشترك فيها من جانب العرب أربعة أجناد: أى جند خالد ، وجند عمرو بن العاص ، وجند يزيد بن أبي سفيان ، وجند شرحبيل بن حسنة . واذا كانت العرب اشتركت بأجنادها ، فقد ظهر للعرب أن الروم أيضا اشتركت بأجنادها : أى جند قيسارية ، وجند غزة ، والجند الذي جهزه هرقل بقيادة أخيه تئودور . ولا شك في أن المعركة كانت أول اصطدام بين العرب والروم بقوات كبيرة لم يسبق لها مثيل . والروايات العربية مجمعة على أن الجيش العربي كانت عدته أربعة وعشرين ألفا ، وقيل: سبعة وعشرين ألفا . واشتركت الروم بخيلها ورجلها وبطارقتها وقسيسيها . وقد سبق أن سمى العرب بعض أيام حروبهم بأسماء لا تدل على محل ، انما تدل على سبب القتال أو وصف القتال، أو ما وقع فيه من حالات، كيوم داحس والغبراء ويوم الفجار ويوم الزويريين ويوم الشقيقة ويوم الصفقة وحرب حاطب. وكذلك فعلوا في عهد الفتوح, ففي القادسية مثلا سموا معاركها بيوم أرمات ويوم أغواث ويوم عماس ويوم الهرير ، وسموا المعركة التي وقعت بأطراف البصرة بين على والزبير وطلحة بوقعة الجمل. وهناك معركة بحرية سميت بذات الصواري ..وأطلقوا على اسم المعركة التي وقعت بين عبد الرحمان الغافقي والافرنج معركة بلاط الشهداء . والسبب الذى ساق دى جويه الى العدول عن رأيه لا يؤيه له, لأنه متى أصبحت كلمة أجنادين علما لمعركة فيجوز أن تذكر بلا حرف تعريف، ويجوز أن النساخ أهملوا كتابة حرف التعريف. وكذلك وجود موضع يدعى بأجنادين في فلسطين في زمن عبد الملك، لا يكون نافيا للاستدلال على كلمة أجنادين. وما دامت المعركة سميت بمعركة الأجنادين، فلا مانع من أن يحتفظ ميدان المعركة بالاسم نفسه.
الخلاصة: تحديد موقع معركة أجنادين بدقة هو موضوع اختلف فيه المؤرخون والجغرافيون القدماء والمعاصرون، ولا يوجد إجماع مطلق عليه حتى يومنا هذا. ومع ذلك، يمكننا استعراض الأدلة التاريخية والعلمية للوصول إلى الاحتمالات الأكثر ترجيحًا. أولاً: المصادر التاريخية والخلاف القديم المصادر العربية والإسلامية المبكرة اختلفت في تحديد موقع المعركة، ويمكن تلخيص الروايات الرئيسية فيما يلي: 1. رواية أن أجنادين تقع قرب الرملة وبيسان (في فلسطين): هذه هي الرواية الأكثر شيوعًا وتقليدية. استند فيها المؤرخون إلى روايات تفيد بأن المعركة وقعت في مكان يسمى "أجنادين" أو "أجنادين" قرب مدينة الرملة في فلسطين. يعتبر الطبري (ت 923 م) من أبرز من أيد هذا الرأي. 2. رواية أن أجنادين هي موقع بين الرملة وبيت جبرين: ذكرها بعض الجغرافيين مثل ياقوت الحموي في معجم البلدان. 3. رواية أن أجنادين هي "جالود". أو قربها: أشارت بعض الروايات إلى أن الموقع هو قرية "جالودا" أو في منطقة قريبة منها، والتي تقع بين القدس ونابلس. الخلاصة من المصادر التاريخية: الاسم "أجنادين" نفسه قد يكون جمع "جند" (أي جيوش)، مما قد يشير إلى أنه اسم وصفي للمعركة وليس بالضرورة اسم مكان ثابت. هذا الالتباس جعل من الصعب التعرف على الموقع بدقة. ثانيًا: الدراسات والأبحاث الحديثة اعتمد الباحثون المحدثون على تحليل المصادر القديمة ومقارنتها مع الجغرافيا والتضاريس والاكتشافات الأثرية للوصول إلى رأي أكثر دقة. هناك نظريتان رئيسيتان: النظرية الأولى (الرأي التقليدي): موقع بين الرملة وبيت جبرين · المكان المقترح: منطقة تقع على الطريق التاريخي الذي يربط الرملة ببيت جبرين في فلسطين. · الأدلة: · توافقها مع معظم الروايات التاريخية التي تذكر الرملة. · منطقية الموقع استراتيجيًا، حيث كان طريقًا رئيسيًا للجيوش الإسلامية المتجهة من الجنوب (الحجاز) إلى الشمال لملاقاة الجيوش البيزنطية.
النظرية الثانية (الرأي الأكثر ترجيحًا حديثًا): موقع اللجون هذه النظرية اكتسبت زخمًا كبيرًا في الأوساط الأكاديمية الحديثة استنادًا إلى تحليل دقيق للمصادر وتضاريس المنطقة. أشهر من قدمها هو المؤرخ العسكري اللواء الركن أ. د. محمد عبد الله عنان في كتابه "فتح العرب للمغرب". كما ذكر المستشرق والباحث السير ديفيد صموئيل مرجليوث (D.S. Margoliouth) في أعماله، وآخرون، احتمالية وقوع المعركة في منطقة قرية اللجون والتي تقع على الحافة الغربية لمرج ابن عامر. اذن, المكان المقترح: سهل واسع في منطقة مرج بني عامر (سهل اللجون) ً. · الأدلة التي تسند هذه النظرية: 1. تحليل مسار الجيوش: بعد انتصار المسلمين في معركة فحل في الأردن) ضد البيزنطيين، تحرك الجيش الإسلامي بقيادة خالد بن الوليد لملاقاة الجيش البيزنطي الرئيسي. تحليل المسافة والزمن والطبيعة التضاريسية يجعل من منطقة مرج بني عامر (وهي سهل واسع مثالي للمعارك الكبرى) موقعًا أكثر منطقية من موقع الرملة البعيد نسبيًا. 2. الارتباك في المصادر: يرجح الباحثون أن اسم "أجنادين" التصق بمعركتين منفصلتين وقعتا في مكانين متقاربين: · معركة أجنادين الكبرى (عام 634م): وقعت في سهل مرج بني عامر. · معركة اليرموك (عام 636م): وقعت على الحدود بين سوريا والأردن حاليًا. 3. الدليل اللغوي والجغرافي: يشير المؤرخ عنان إلى أن "أجنادين" قد تكون تحريفًا لاسم مكان قائم. يقترح أن الموقع هو قرية جِندَاس (Jindas) القريبة من اللد، لكن الرأي الأقوى هو أنها في الشمال. لماذا هذا الموقع(اللجون) ؟ لأنه سهل واسع يتسع لتحركات الجيوش الكبيرة (التي يقدر عددها بعشرات الآلاف)، ويقع على الطريق الاستراتيجي الذي كان سيسلكه الجيش الإسلامي بعد انتصاره في معركة فحل في طريقه لتحرير دمشق.
ولماذا قرية اللجون بالتحديد؟ هذا التحديد لا يعتمد على اسم "أجنادين" وحده، بل على تحليل عسكري وجغرافي دقيق للمصادر: 1. الموقع التكتيكي: مرج بني عامر عبارة عن سهل واسع للغاية. تحديد موقع دقيق مثل "قرب اللجون" يحاول تضييق نطاق البحث إلى منطقة ذات ميزة تكتيكية محددة. تقع اللجون عند مخرج وادي اللجون, الذي كان يمثل ممرًا طبيعيًا هامًا من السهل إلى مرتفعات الجليل. السيطرة على هذه النقطة كانت حاسمة للتحكم في حركة الجيوش. 2. مصادر المياه: المعارك الكبرى تحتاج إلى مصدر ماء قريب لسقاية عشرات الآلاف من الجنود والخيول. منطقة اللجون كانت (ولا تزال) غنية بالينابيع والعيون، مما يجعلها موقعًا عمليًا لمعسكر جيش كبير. 3. توافق مع روايات المسار: كما ذكرنا سابقًا، تحليل مسار جيش خالد بن الوليد من العراق إلى الشام، ثم تحركه جنوبًا لملاقاة الجيوش البيزنطية بعد معارك مثل فحل ومرج الصفر، يجعل من منطقته (شمال فلسطين) مسرحًا للأحداث أكثر منطقية من موقع الرملة البعيد في الوسط. بقي أن نذكر ان موقعا في بلدة ام الفحم – القريبة من اللجون, وعمليا كانت اللجون ولا زالت احدى قراها - اطلق عليه الأهالي اسم "عين خالد", وهم يعتقدون وفق روايتهم المتناقلة عبر الأجيال ان العين انما اسميت بذلك نسبة الى القائد خالد بن الوليد الذي مر بجيوشه بهذه المنطقة في مسار جيوشه نحو الفتح والتحرير, وسقى وشرب من مياه هذه العين؟! في النهاية، لا يمكن الجزم 100% بالمكان الدقيق بسبب عدم وجود دليل أثري قاطع (مثل نصب تذكاري أو مقبرة جماعية محددة)، ولكن الدراسات العسكرية والأكاديمية الحديثة تميل بشكل كبير إلى موقع (اللجون) وليس في الوسط (الرملة).....
#وجدي_حسن_جميل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحث عن الاثار العربية والاسلامية في قرية اللجون المهجرة
-
سامي طه النقابي الفلسطيني الاول (1911-1947) - هل قُتل مظلوما
...
-
قراءة في كتاب -صديقة العرب- المسز نيوتن- خمسون عاما في فلسطي
...
-
مرور 100 عام على افتتاح الجامعة العبرية بالقدس بمشاركة بلفور
...
المزيد.....
-
فيديو مرعب.. انزلاق طيني هائل يحاصر سائق سيارة فجأة في كاليف
...
-
خارج مصر.. اكتشاف أقدم سجل للتحنيط يغيّر فهم نشأة هذه الممار
...
-
اليوم الـ715 للحرب على غزة: إسرائيل تكثّف هجماتها وحصيلة الق
...
-
أييلِت غوندار غوشِن: أديبة إسرائيلية تتحَسس أوجاع طرفي حرب غ
...
-
روسيا تنفي انتهاك مقاتلاتها المجال الجوي الإستوني
-
باغرام قاعدة عسكرية أفغانية بناها السوفيات ووسعها الأميركان
...
-
تيك توك.. تطبيق فيديوهات خرج من الصين وغزا العالم
-
بينهم ميرتس.. القضاء الألماني يلاحق مسؤولين كبارا بتهم مساعد
...
-
موسكو تنفي اختراقها المجال الجوي لإستونيا
-
إسرائيل تؤسس مليشيات محلية مسلحة في قطاع غزة على غرار أبو شب
...
المزيد.....
-
كتّب العقائد فى العصر الأموى
/ رحيم فرحان صدام
-
السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية)
/ رحيم فرحان صدام
-
كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون
/ زهير الخويلدي
-
كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية
/ رحيم فرحان صدام
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
المزيد.....
|