وجدي حسن جميل
الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 17:26
المحور:
القضية الفلسطينية
"خمسون عامًا في فلسطين" هو كتاب مذكرات للمؤلفة البريطانية فرانسيس أ. نيوتن، والمعروفة بلقب "صديقة العرب". يروي الكتاب تجربتها التي امتدت لخمسين عامًا في فلسطين، بدءًا من ولادتها في إنجلترا عام 1872 وانتقالها إلى فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر ، مرورًا بعملها التبشيري والاجتماعي، وصولًا إلى مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني في مواجهة السياسات البريطانية والصهيونية. ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين: الأول يستعرض تجاربها في فلسطين العربية بعين مسيحية، والثاني يكشف عن التحديات السياسية والاقتصادية التي أثرت على البلاد وأهلها. نُقل الكتاب إلى العربية بواسطة وديع البستاني.
الجزء الأول: فلسطين بعين "صديقة العرب"
مولدها وانتقالها إلى فلسطين
ولدت فرانسيس نيوتن في مملكة مككلور، ديربيشاير، إنجلترا، عام 1872. نشأت في بيئة دينية صارمة، حيث كان الكتاب المقدس دستور العائلة. تلقت تعليمًا محدودًا في التاريخ والحساب، لكنها أتقنت اللغات بفضل معلمتها الإيطالية الألمانية. في سن مبكرة، أبهرها فن إصلاح الساعات، الذي تعلمته من ساعاتي ماهر.
انتقلت نيوتن إلى فلسطين عام 1889، بعد أن زارتها أختها إيديث في يافا. عملت في البداية مع "جمعية الكنيسة التبشيرية" ، وتعهدت بزيارة البيوت والتدريس. كانت تحرص على تعلم اللغة العربية، ورغم بعض الصعوبات، أصبحت معرفتها بالعربية مفخرة لها.
الحياة في المدن والقرى الفلسطينية
وصفت نيوتن المدن والقرى الفلسطينية بتفصيل وحب:
يافا: كانت مدينة حيوية، ذات ميناء مزدحم. وصفت بيتها العربي الأول في يافا بأنه "بيت عربي قح"، مع ردهة لاستقبال الضيوف وحديقة. كما ذكرت تأسيس "المستشفى الإنجليزي" في يافا، الذي بدأت نواته بجهود أختها.
الناصرة: وصفتها بـ"عروس الجليل" ، مدينة زاهرة بسوقها وتجارها. أشارت إلى جمالها الطبيعي وإلى أنها كانت موطنًا للمسيحيين.
القدس: مدينة مقدسة، تنقسم إلى قديمة وجديدة. الحرم الشريف فيها، بمسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى، له مكانة عظيمة.
حيفا: مدينة ذات تنوع سكاني، يغلب عليها العنصر العربي. امتلكت نيوتن منزلًا على جبل الكرمل أطلقت عليه اسم "قصر الست"، وكانت تستقبل فيه شخصيات بارزة.
القرى الفلسطينية: صورتها كأماكن يسودها البساطة والتعاون. البيوت الريفية كانت تجمع بين البشر والحيوانات تحت سقف واحد ، مع اعتماد على الزراعة وتخزين المؤن في "كوارات".
تذكر نيوتن جمال الطبيعة الفلسطينية، من جبل الكرمل ومرج ابن عامر الخصيب إلى بحيرة الجليل والبحر الميت.
مغامرات ورحلات
قامت نيوتن برحلات عديدة في فلسطين وعبر الأردن، مستخدمة الخيل والعربات. زارت أماكن تاريخية مثل جرش وعمان ، ومدائن صالح. واجهت بعض المخاطر، مثل قطاع الطرق ، لكنها غالبًا ما شعرت بالأمان بفضل الحكم العثماني آنذاك.
الجزء الثاني: التحولات السياسية وتصاعد الصراع
تأثير الحرب العالمية الأولى والعهد البريطاني
غيرت الحرب العالمية الأولى مجرى الأحداث في فلسطين. بعد انتهاء الحرب، شعر العرب بأنهم تعرضوا لـ**"غدر"** ، حيث كانت آمالهم في الاستقلال تخيب. بدلاً من ذلك، قامت إدارة بريطانية عسكرية، ثم مدنية، والتي اتخذت منحى مؤيدًا للصهيونية.
مواجهة السياسة الصهيونية
انتقدت نيوتن بشدة السياسة البريطانية التي دعمت الصهيونية:
تصريح بلفور والانتداب: اعتبرتهما السبب الرئيسي في "نفي كل وجود العرب فلسطين" ، وأنهما أديا إلى "تضيق فلسطين لاستيعاب أهل الوطن القومي".
الوكالة اليهودية: رأت أنها تعمل على "تنفيذ انتداب في فلسطين مخالف للبند 22 من عهد الجامعة" ، وأنها أدت إلى مطالبة علنية بـ"حكومة يهودية".
تغيير المعالم واللغة: أشارت إلى أن اللغة العبرية، التي "ماتت واندثرت" لقرون، أصبحت لغة رسمية. كما تحدثت عن إطلاق اسم "أرض إسرائيل" على فلسطين في العملات والطوابع.
مشاريع روتنبرغ والبحر الميت: وصفتها بأنها "امتيازات" ممنوحة للصهيونيين بهدف تحويل فلسطين إلى "بيئة صناعية" لزيادة الهجرة اليهودية ، واعتبرت ذلك "احتجاجًا شيئًا" ينكر العدل والمساواة.
دعمها للقضية الفلسطينية
كانت نيوتن داعمًا ثابتًا للموقف والشعب الفلسطيني, وقد برز ذلك من خلال عدة نشاطات ومراكز ومؤسسات:
المركز الفلسطيني والمركز العربي: أسست في لندن "المركز الفلسطيني" عام 1936، الذي تحول لاحقًا إلى "المركز العربي". كان هدف المركز "تقديم المعلومات الصادقة" والدفاع عن "حقوق أهلها العرب".
الكتابة والنشر: أصدرت كراس "النور الكشاف" (The Searchlight on Palestine) لفضح "مظالم" السلطة البريطانية في فلسطين.
دعم القيادة الفلسطينية: أبدت تقديرها للزعامات الفلسطينية مثل موسى كاظم باشا الحسيني والحاج أمين الحسيني ، ودافعت عنهم.
المشاركة في الوفود: رافقت الوفد العربي الفلسطيني الأول إلى لندن في عام 1922، لمقابلة وزير المستعمرات ونستون تشرشل.
مواجهة الظلم: انتقدت "تكذيبًا عجيبًا" للحكومة البريطانية لتقارير عن "إسراف في الاعتقال" و"تدمير المساكن" و"فرض العقوبات المشتركة" على العرب. كما واجهت القنصل الألماني بخصوص نزاعات الأراضي.
دعمت المؤلفة، السيدة نيوتن، عدة جمعيات في حيفا، خاصة تلك التي تُعنى بالجانب الاجتماعي والوطني للشعب الفلسطيني. من أبرز هذه الجمعيات:
جمعية الكنيسة التبشيرية (Church Missionary Society): التحقت أخت المؤلفة بهذه الجمعية منذ عام 1886، وعرفت المؤلفة مكانة فيها منذ عام 1889 كمعاونة لأختها.
جمعية تهذيب الإناث: حلت جمعية الكنيسة التبشيرية محل هذه الجمعية، التي كانت تدير ميتمًا جميلاً ومدرسة للبنات في الناصرة.
المركز الفلسطيني في لندن: أسست السيدة نيوتن هذا المركز في لندن في يوليو 1936، بهدف:
تقديم المعلومات الصادقة لمن يتوخى فهمًا صحيحًا لمشكلة فلسطين.
الدفاع عن حقوق أهل فلسطين العرب على أساس العهود والوعود البريطانية.
تيسير مكان مناسب يلتقي فيه العرب القادمون من فلسطين بأصدقائهم من الإنجليز لأغراض اجتماعية وتبادل المعلومات.
جمع المعلومات وتقديمها للصحف ولمن يهمهم الأمر عن الشؤون العربية السياسية والاقتصادية والدينية.
ترأس الهيئة العاملة في المركز السير آر. إن. بنت.
انتقل هذا المركز فيما بعد إلى يد عربية، وأصبح سكرتيره السيد إميل الغوري، ثم الدكتور عزت طنوس. عُرف فيما بعد باسم المركز العربي.
جمعية الشابات المسيحية: أشارت المؤلفة إلى تشريف دارها في حيفا بحضور اللورد اللنبي والليدي اللنبي بمناسبة افتتاح فرع لهذه الجمعية.
هيئة عون المعين السورية وفلسطين: تأسست هذه الهيئة في القاهرة بهدف إعانة عرب سورية وفلسطين الذين أصابهم المرض والجوع. شُكلت لها لجنة في لندن برئاسة السير هنري مكماهون، وكانت السيدة نيوتن سكرتيرتها.
يُظهر دعم السيدة نيوتن لهذه الجمعيات تحولها من العمل التبشيري البحت إلى دعم القضايا الاجتماعية والوطنية للشعب الفلسطيني، لا سيما بعد استقالتها من الجمعية التبشيرية.
الإبعاد عن فلسطين:
نتيجة لمواقفها الصريحة، صدر بحقها أمر في 1 أكتوبر 1938 يمنعها من دخول فلسطين. ورغم ذلك، لم تتوقف عن الدفاع عن القضية.
الخاتمة
يُختتم الكتاب بتأكيد نيوتن على أهمية "قول الحق" والعودة إلى العرب عند النظر إلى مستقبل فلسطين. تصف العرب بأنهم "أصحاب تلك الصلة وأصحاب ذلك الحق " التاريخي بالبلاد. تدعو إلى دعم العرب في "استعادة عظمتهم، بولايتهم هم شؤونهم، واستيلائهم على مرافقهم ومواردهم، واستقلالهم في وطنهم". تؤكد أن "مشكلة فلسطين" هي "مشكلة أوجدتها بريطانيا" ، وأنها أدت إلى "نزاع بين حق وحق ، وشقاق بين قوميتين عربية قائمة موجودة، ويهودية بائدة عائدة إلى الوجود من جديد".
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟