أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نايف سلوم - -الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات: السرّ كـ -سُخرية-















المزيد.....

-الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات: السرّ كـ -سُخرية-


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 20:13
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يقول شيليغا: "لقد غدا السر الآن ملكاً مشتركاً، سر الجميع وسر كل إنسان. وهذا بالنسبة لي، إما فن أو غريزة، أو أنه بمقدوري أن اشتريه كما أشتري سلعة تباع وتشترى"
لكن النقد لا يتحدث هنا عن السلعة (البضاعة)، وعن سر الطابع الصنمي للسلعة، بل هو يتحدث عن "السرّ المجرّد، (الذي) هو "مقولة السر" كما يعبّر ماركس.
وهنا كما في "البناء النظري" يعاني شيليغا أثناء هبوطه من المقولة المطلقة الصافية؛ من الذات الخالقة إلى مخلوقاتها؛ إلى تجسيداتها الأرضية الدنيوية من قلة الحيلة. ويجد شيليغا ضالته في مقولة "التلصّص" من ثقب الباب، حيث تلعب مقولة التلصص دور الرسول أو الوسيط الروحي. هكذا يهبط دون سابق إنذار من السر بوصفه ذاتاً مطلقة تحلّق في سماء التجريد الغائمة، إلى الخادم الذي ينظر من ثقب الباب (يتلصّص)؛ إلى الطابق الأرضي حيث توجد حجرة البواب. ولكن كون "البناء النظري" ليس لديه ممارسته العملية التاريخية الفعلية، ولا جماعة منظمة (أخوية) للدعوة السرّية على شاكلة دعوة النبي محمد، فهو مضطر أولاً لجعل السر المطلق ينتقل هكذا من الماهية إلى المفهوم.
بهذا التحويل للسر المطلق من الماهية essence إلى المفهوم concept ، أي من المرحلة الموضوعية، حيث يخفي نفسه (كونه كونٌ مكنون)، إلى المرحلة الذاتية التي يخفي فيها نفسه، والأفضل القول ، أنا تخفيه. بقول آخر يتم تحويل السر من "حجاب مقيم"، إلى "حجاب عليّ عظيم"؛ مما هو في ذاته مكنون، إلى ما هو لذاته مفهوم.
لكننا لا نتقدم بهذا التحويل خطوة واحدة، لأن السر في رأس الانسان وصدره، هو أكثر منعة، وأشد إخفاء منه في قاع البحر، لذلك يأتي السيد شيليغا فوراً لإنقاذ تقدّمه النظري بتقدم تجريبي. "إنّها الأبواب المغلقة (الحجب)، التي من الآن فصاعداً يُصنع وراءها السر ويُحاك، ويُرتكب"
من الآن فصاعداً سوف يحوّل السيد شيليغا ذات السر النظرية إلى شيء حسّي تجريبي، إلى باب من خشب. سوف يتجسد السر النظري المطلق باباً من الخشب. يقول شيليغا: وبفضل هذا الباب الخشبي التجريبي المغلق، وليس بانتقال الماهية المكنونة (الجوهر المكنون) إلى المفهوم، قد توفرت لي الامكانية أيضاً بأن أرصد السر وأراقبه، وأتجسس عليه"
وهكذا يستطيع القس شيليغا تبرير عقدة التلصّص عنده عبر ثقب الباب. وأن يشرح لنا سر لذة التلصّص حيث يقول: "إن كل أمرئ (بورجوازي) يرغب في أن يكون أفضل من جاره، فهو لا يخفي فقط سر دوافع أعماله الحسنة، بل يحاول أيضاً إخفاء أعماله السيئة خلف حجاب من الظلام الحالك"
يقول ماركس: ربما كان يجب عكس العبارة، والقول: "إذا كان كل شخص لا يكتفي بإخفاء دوافع أعماله الحسنة، ويحاول إخفاء أعماله السيئة كلية تحت حجاب من الظلام لا يمكن النفاذ فيه، فذلك يعني رغبته أن يكون أفضل من جاره"
إن النتيجة التي يصل إليها شيليغا في هبوطه من الاب المطلق إلى الابن المُجسّد، هي نتيجة مزوّرة.
لنرى تسلسل دركات الهبوط عنده: من السر الذي يخفي نفسه (الفكرة المطلقة، أو ذات المفهوم) إلى الانا المنافقة، إلى الباب المغلق، إلى التلصّص والتجسّس، إلى سبب التلصّص، وهو لذّة صنع الشر، إلى باعث هذه اللذّة، وهو الإرادة بأن نكون أفضل. وسوف نعرف دون تأخر الغبطة بمشاهدتنا الخادم مسمّراً وراء الباب المغلق. فالرغبة العمومية بأن نكون الأفضل تقودنا ، في الواقع، مباشرة إلى ما يلي: كل إنسان يميل إلى كشف أسرار الاخرين ، مما يجر بصورة طبيعية إلى هذه الملاحظة الطريفة: إن الخدم هم الذين يحتلون بهذا الشأن ، المكان الأفضل" يضيف ماركس: ولكن لو تسنى للسيد شيليغا أن يقرأ المذكرات المدفونة في ملفات شرطة باريس ، مثل مذكرات فيدوك ، "الكتاب الاسود" لربما كان علم أن الشرطة تحتل ، في هذا المجال، مكانة أفضل من مكانة الخدم ، وأن الشرطة لا تعوّل على الخدم إلا في المهمّات البدائية، ولا تقف أمام الباب ولا وراءه، ولا أمام الاسياد بلباسهم البيتي، وإنما تأخذ هيئة امرأة مستهترة ، بل وحتى هيئة الزوجة الشرعية وتندسّ ملتصقة بجسدهم العاري تحت غطاء فراشهم. وحتى في رواية سو: أليس أحد الأشخاص الرئيسيين هو مُخبر الشرطة المدعو "الساعد الاحمر". وهو شريك مشؤوم للبومة ولمعلّم المدرسة.
إن سر البورجوازي؛ أو سر المنزل الراقي سوف يظهر بسخرية حُرّة ومجردة يصبّها البواب بشكل فظ وجارح على أسرار المنزل وأصحابه.
يقول شيليغا: "إن مركز البوّاب يتيح ذلك الاستقلال النسبي الذي يسمح بصب سخرية حرة ومجرّدة، وإن كانت فظة وجارحة، على أسرار المنزل"
سوف يصطدم هذا الانشاء النظري بصعوبة مفادها أنه في عدد كبير من المنازل الباريسية، لا يكون الخادم والبواب بالنسبة لقسم من المستأجرين، سوى الشخص نفسه.
وسوف تتوضح لنا النزوة النقدية لشيليغا بخصوص وضع البوّاب عبر الوقائع التالية: إن البواب الباريسي هو ممثل المالك، ومخبره، وبحسب العادة، ليس المالك هو الذي يعطيه اجره، بل المستأجرون. وبسبب هذا الوضع المتقلقل، فإنه يجمع في الغالب، بين وظيفته ومهنة الوسيط. وفي عهود (الارهاب) و (الامبراطورية) و (استعادة المَلَكية) كان البوابون الوكلاء الرئيسيين للشرطة السرية. وعليه فإن تعبيري بواب وبقال كانت شتيمتان، والبوّاب نفسه يرغب بأن يسمى حاجباً" caretaker أو بالفرنسية (concierge).
إن السيد شيليغا لا يمكنه الامتناع عن تحويل إحدى صفات البوّابة الباريسية انستازيا بيبلييه، وهي "النميمة" (بواسطة المجاز المرسل؛ أي تحويل الصفة إلى شخص بذاته)، إلى كيان خاص، ثم تحويل السيدة بيبلييه إلى ممثلة لذلك الكيان. وحسب السيد شيليغا، فإن انستازيا بيبليه هي مُكلّفة إلى حد ما، بإشعال نار حرب استنزاف ضد السر. أما زوجها البواب ألفريد بيبلييه، فإن السيد شيليغا يصنع منه أيضاً صورة مجازية، فهو سيمثل الجانب "الموضوعي" من السر؛ "السر باعتباره سُخرية". إن السر الذي يستسلم له هو سخرية، نكتة (مزحة) يلعبونها إزاءه. إضافة إلى ذلك، إن الديالكتيك الإلهي، في رحمته الواسعة التي لا حد لها، تجعل الشيخ المُسنّ التعيس، الخرِف، "رجلاً قوياً" بالمعنى الميتافيزيقي للكلمة، جاعلاً منه ممثل حلّة جليلة وسعيدة جداً، وحاسمة جداً في مسيرة –حياة السر المطلق.
وأقول: مثل السر مثل الكناية، له جانب حسّي مرئي "موضوعي"، وجانب معنوي خفي، وهذا الأخير؛ أي المعنى الخفي هو المقصود بالكناية، وهو السر الذي تخفيه "الموضوعية" أو الجانب الحسّي في الكناية. وقد يكون هذا الجانب الحسّي "الموضوعي" محل سُخرية للمبالغة في حجب المعنى عن المراقب المتلصّص، النمّام والمُخبر. يمكن لشخصية كشخص جُحا في التراث العربي الديني أن تعرِض لمثل هذه الكناية في سُخريتها وعمقها في نفس الوقت.



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات-سر الاستقامة والتقى
- -الاسرة المقدسة- ؛ تحقيقات وتعليقات - سر المجتمع المثقف
- الاسرة المقدسة؛ تحقيقات وتعليقات - سر البناء النظري
- الاسرة المقدسة؛ تحقيقات وتعليقات: النقد النقدي -بسِمات تاجر ...
- الدولة الديمقراطية العلمانية والدولة المدنية
- -الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات-حاشية نقدية رقم 5
- -الأسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات حاشية نقدية رقم 4
- محنة الديمقراطية والوطنية في مشروع بناء الدولة العربية
- نقد فلسفة التوسير
- في مفهوم الحضارة وتطوره
- مثلث هنري كيسنجر
- العلمانية، الديمقراطية، المواطنة
- مشروع الممر الاقتصادي الهندي-الأميركي
- الدولة السورية الحديثة: تواريخ ومحطات-2
- سوريا الحديثة: ثلاثة عهود
- الدولة السورية الحديثة تواريخ ومحطات-1
- -الأسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات- ترجمة مميزة رقم 3
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-1
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
- الجباعي* يحْطِم ماركس


المزيد.....




- مسلسلات تركية.. الموسم الثاني من -حلم أشرف-.. إليكم التفاصيل ...
- استمر لعقود.. جانيت هيوبرت تتحدث عن آخر مستجدات خلافها مع وي ...
- تشارلي كيرك.. ماذا نعرف عن اغتيال الناشط الأمريكي اليميني وع ...
- نيبال.. -جيل زد- يحرق منزل رئيس الوزراء وينقذ زوجة وزير بعد ...
- من هو تشارلي كيرك، الناشط اليميني وحليف ترامب الذي دعم حيازة ...
- تشارلي كيرك: مؤثر محافظ وصاحب آراء مثيرة للجدل
- حماس: الهجوم على الدوحة محاولة لاغتيال مسار التفاوض
- ستارمر يُقيل سفير بريطانيا في واشنطن.. الحكومة تؤكد: لم يُفص ...
- محاولة اغتيال ترامب.. هل بمقدور أمريكا تجنب العنف السياسي؟
- مقتل الناشط كيرك يحدث صدمة في أمريكا ويعيد النقاش حول العنف ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نايف سلوم - -الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات: السرّ كـ -سُخرية-