أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نايف سلوم - -الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات-سر الاستقامة والتقى















المزيد.....

-الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات-سر الاستقامة والتقى


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 15:29
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


إن السيد شيليغا قد نقل السر من ميدان اللصوص، إلى الطبقة الراقية، أي نقل سر المجتمع البورجوازي من الطابع السلبي إلى الطابع الإيجابي. وسيكون هذا التجلي الإيجابي في الصالون المحصور بالمجتمع الراقي، حيث تحول الصالون أو الندوة إلى مصلّى، وتحول الوسط غير الارستقراطي إلى فناء أو (حرم) لذلك المصلّى (حرم قدسي). إن السر الجديد الذي أفشاه شيليغا للتو مفاده: أن كل أوساط المجتمع البورجوازي لا تشكل سوى حرم (فناء) لمصلّى (مقدس) الطبقة الراقية.
وهو يبغي من وراء ذلك هدفين: الأول، العمل على أن يصبح السر الذي تجسّد في الصالون المحصور بالطبقة الراقية، "المُلك المشترك للناس"، وأن يصبح الكاتب بالعدل جاك فيران حلقة حيّة من السر (تشخيص السر بهذا البرزخ الوسيط أو الرسول الذي يحجب جمهور الناس عن المجتمع المثقف الراقي ويمنع اختلاطهما). يقول: إن الثقافة، لا يمكنها، كما أنها لا تريد، أن تعمل على ادخال جميع فئات المجتمع، وجميع أنواع اللامساواة في ميدانها، إن المسيحية والأخلاق وحدهما قادران، على تأسيس ممالك كلية على هذه الأرض"
يفهم من كلام القس شيليغا أنه أمّن عملاً لدى المجتمع الراقي بحيث تم تكليفه كقس أو رجل دين موظف لدى الطبقات العليا، بأن يدخل جميع أنواع اللامساواة، وجميع فئات المجتمع في كنيسته. إنها الوظيفة الجديدة للدين الوظيفي التي حددتها له الطبقات العليا والمجتمع الراقي المثقف. يقول القس بدون أي حرج: يمكن للجميع أن يدخل كنيسة الله، لكن لا يمكن للجميع الدخول إلى صالون المجتمع الراقي والطبقة العليا، إلا عبر الوسيط الروحي، أي الكاتب بالعدل.
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآئِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِۦ مَا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ عَلِىٌّ حَكِيمٌ) [الشورى: 51]
يعلّق ماركس: بنظر السيد شيليغا، إن الثقافة والمدنية تندمجان بالثقافة الارستقراطية، ولهذا ليس بإمكانه أن يرى أن الصناعة والتجارة تنشئان ممالك كلية مختلفة تماماً عن ممالك المسيحية والأخلاق، والسعادة العائلية والازدهار البورجوازي.
لكن علينا أن نصل إلى البرزخ الروحي، إلى الوسيط الروحي، الرسول جاك فيران.
يقول ماركس: الامر بسيط. إن السيد شيليغا يحوّل المسيحية إلى مزيّة فرديّة (صفة فردية) هي "التقوى"، ويحوّل الاخلاق إلى مزية فردية أخرى، هي "الاستقامة". ثم يقوم بجمع هاتين المزيتين في فرد واحد؛ يجسدهما في شخص واحد يطلق عليه جاك فيران (كما جسد غوغول الانف المقطوع للموظف في شخص رجل يمشي في الشارع ويأكل الطعام). لأن جاك فيران لا يتمتع بهاتين المزيتين بل يصطنعهما (مُدّعي تقوى واستقامة)، وبذلك يصبح جاك فيران سر الاستقامة والتقوى. بيد أن "وصية" جاك فيران تقول عكس ذلك، إنه "سر التقوى والاستقامة الظاهريتين". ولكي يتمكن النقد النقدي من تنصيب هذه الوصية كسرّ، كان مرغماً أن يعلن أن التقوى والاستقامة الظاهريتين كانتا سر هذه الوصيّة. أي أن سر تظاهر جاك فيران بهاتين الصفتين، كي يستطيع أن يلعب دور الوسيط الروحي بين البورجوازية والمجتمع الراقي من جهة وبين الجمهور في الحضيض من الجهة الأخرى، عبر ظهوره بمظهر المسيحي والأخلاقي. وبهذه الوساطة الروحية المُقنَّعة يساوي بين الجميع. وهكذا يجد جاك فيران تبريره الأخلاقي بكونه الكاتب بالعدل، بينما كانت مكاتب العدل في باريس قد اعتبرته تهريجاً مراً موجهاً ضدها، وحصلت من رقابة التمثيل (تمثيل الرواية) ألا يظهر هذا الشخص فيما بعد في رواية "أسرار باريس" التي كانت قيد التمثيل. في هذه اللحظة نفسها -حسب قول ماركس-كان النقد النقدي "يعلن الحرب ضد خداع المفاهيم"، ويرى في الكاتب بالعدل الباريسي، ليس الكاتب بالعدل الباريسي، بل الدين والأخلاق والاستقامة والتقوى. إن محاكمة الكاتب بالعدل (ليهون) كانت كافية لإقناعه.
هنا يأخذ ماركس مقتطف من مونتاي: "إن كتّاب العدل هم بالنسبة للسلطة الزمنية، كالكهنة بالنسبة للسلطة الروحية؛ إنهم مؤتمنو أسرارنا" (مونتاي: تاريخ الفرنسيين في مختلف الدول)
إن الكاتب بالعدل هو المُعرِّف المدني. إنه متزمِّت بحكم مهنته. على أن شكسبير يقول لنا (في حسن هو كل شيء ينتهي حسناً)، إن الاستقامة ليست متزمّتة (أي أن الاستقامة لا تعني التزمّت). إنّ الكاتب بالعدل سمسار لكل الاعمال، الرجل الذي يحيك الدسائس، ويقود التكتلات البورجوازية"
بوليدوري مشعوذ إيطالي وعميل سري للكاتب بالعدل، يظهر أحياناً بهيئة كاهن وأحياناً بهيئة طبيب. إن جميع أسرار بوليدوري يمكن إرجاعها إلى ما يلي: إن في حوزته دواء لإجهاض النساء الحوامل، وسماً للنقل من الحياة إلى الموت. إن ما يشغل بال القاتل النقدي ليس رأسه، بل "السر". وبما أنه ليس في استطاعة جميع الناس أن يقتلوا، ولا أن يكونوا في حالة الحمل غير الشرعية، فكيف ينبغي لبوليدوري أن يعمل لكي يحقق امنية كل إنسان بالحصول على السر؟ لا بد من الاعتقاد، بأن السيد شيليغا يخلط بين بوليدوري المشعوذ وبين العالم بوليدوري فرجيلي الذي عاش في القرن السابع عشر، والذي بدلاً من اكتشاف الأسرار حاول أن يجعل من تاريخ مكتشفي الأسرار، من المخترعين، "المُلك المشترك للبشر" (بوليدوري فرجيلي: كتاب الأشياء المكتشفة)
يقول ماركس: إن السر، السر المطلق، كما يتركز في نهاية المطاف بوصفه "المُلك المشترك للعالم" إنما هو إذن سر الإجهاض والتسميم. لم يكن باستطاعة السر أن يتحول بمهارة أكبر إلى "ملك مشترك للعالم" إلا بتحوله إلى أسرار (تعدده كأسرار)، هي ليست أسراراً لأحد.
وهذه الأسرار، سر العالم البورجوازي هي السلعة (البضاعة)، وصنمية السلعة سوف يُفرد لها ماركس حيزاً في كتابه "رأس المال" تحت عنوان "الصنمية السلعية وسرها" حيث نقرأ:
"الطابع الصنمي (الفيتشي) للسلعة وسرّه"
تبدو السلعة للوهلة الأولى، شيئاً مبتذلاً يفهم من ذاته. أما تحليل السلعة فيبين أنها، في واقع الامر، شيء غريب جداً زاخر بالأحابيل الميتافيزيقية والحذلقات اللاهوتية"
والحق، ليس ثمة في السلعة من شيء غامض، بقدر ما هي قيمة استعمالية. سواء نظرنا إليها من ناحية قدرتها على تلبية حاجات بشرية بفضل ما تمتلكه من خصائص، أم من ناحية كون هذه الخصائص هي نتاج عمل بشري.
تظل المنضدة ذلك الخشب العادي الذي يقع تحت الحواس. ولكن ما إن تبرز المنضدة كسلعة، حتى تستحيل إلى شيء حسي عصي على الادراك (تظهر كّسرّ). فهي لا تكتفي بوضع أرجلها على الأرض، بل تقف على رأسها إذا جاز التعبير، إزاء السلع الأخرى، ويبدأ رأسها الخشبي بإطلاق أفكار غريبة تفوق في الغرابة "رقص المناضِد " (جمع مِنضدة) من تلقاء ذاتها."



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الاسرة المقدسة- ؛ تحقيقات وتعليقات - سر المجتمع المثقف
- الاسرة المقدسة؛ تحقيقات وتعليقات - سر البناء النظري
- الاسرة المقدسة؛ تحقيقات وتعليقات: النقد النقدي -بسِمات تاجر ...
- الدولة الديمقراطية العلمانية والدولة المدنية
- -الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات-حاشية نقدية رقم 5
- -الأسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات حاشية نقدية رقم 4
- محنة الديمقراطية والوطنية في مشروع بناء الدولة العربية
- نقد فلسفة التوسير
- في مفهوم الحضارة وتطوره
- مثلث هنري كيسنجر
- العلمانية، الديمقراطية، المواطنة
- مشروع الممر الاقتصادي الهندي-الأميركي
- الدولة السورية الحديثة: تواريخ ومحطات-2
- سوريا الحديثة: ثلاثة عهود
- الدولة السورية الحديثة تواريخ ومحطات-1
- -الأسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات- ترجمة مميزة رقم 3
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-1
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
- الجباعي* يحْطِم ماركس
- ملاحظات انتقادية لأقوال علي القادري-2


المزيد.....




- مسؤول عراقي يعلن عن موعد انتهاء مهام التحالف الدولي في بلاده ...
- تداول فيديو بزعم -نقل مروحيات أمريكية عناصر داعش بالعراق-.. ...
- العاهل الأردني في أبو ظبي.. تأكيد على رفض الاستيطان الإسرائي ...
- استئناف عمليات مطار رامون الإسرائيلي بعد إصابته بمسيرة أطلقت ...
- ما هي حركة -10 سبتمبر- التي تدعو للاحتجاج في فرنسا وهل تنجح ...
- هل يحرم الذكاء الاصطناعي أبناءك من تطوير مهاراتهم؟ هكذا نتعا ...
- خبير عسكري: هدفان لإسرائيل من تدمير أبراج غزة وعماراتها السك ...
- الموصل تنهض من جديد.. شاهد كيف أُعيد بناء معالمها بعدما دمره ...
- غموض حول الحالة الصحية للفنّانة الكويتية حياة الفهد
- جدل حول إعلان إلغاء صفقة الغاز الإسرائيلي مع مصر.. وخبراء: ا ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نايف سلوم - -الاسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات-سر الاستقامة والتقى