أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي سالم عزيز - مدى مشروعية الاعترافات الناتجة عن التعذيب في النظام الجنائي .














المزيد.....

مدى مشروعية الاعترافات الناتجة عن التعذيب في النظام الجنائي .


علي سالم عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 22:19
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


يُعدّ الاعتراف من أبرز الأدلة التي يُمكن استخدامها ضدّ المتهم في القضايا الجنائية، وكثيرًا ما يُنظر إليه كدليل قوي، إن لم يكن قاطعًا، على ارتكاب جريمة، لا سيما عندما يكون صريحًا ومباشرًا، ومع ذلك، تبقى شرعية هذا الاعتراف مرهونة بالطريقة التي انتُزع بها، وهذا يُبرز خطورة الاعتراف المُنتزع تحت وطأة التعذيب أو الإكراه، والذي يُمثّل تقاطعًا خطيرًا بين متطلبات العدالة الجنائية وحقوق الإنسان والضمانات الدستورية والقانونية، والسؤال الأساسي الذي يُطرح هو: هل يُعدّ الاعتراف المُنتزع تحت وطأة التعذيب شرعيًا؟ وهل يُمكن الاعتماد عليه كدليل إدانة في النظام الجنائي؟ لا يقتصر هذا السؤال على الجدل الفقهي والقضائي؛ بل يتعلق بجوهر الشرعية الجنائية وشرعية الإجراءات الجنائية، بما في ذلك احترام الكرامة الإنسانية.
من المبادئ الأساسية للقانون الجنائي وجوب جمع الأدلة الجنائية وفقًا للقانون وبطريقة تضمن حماية الحقوق الأساسية للمتهم، تُجمع معظم دساتير العالم والاتفاقيات الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، على حظر التعذيب، وتُعلن عدم قانونية أي دليل مُنتزع من أفعال تُشكل تعذيبًا أو إكراهًا، وتنص هذه الاتفاقيات صراحةً على عدم جواز قبول أي اعتراف مُنتزع تحت التعذيب كدليل في أي إجراءات قضائية، ويُشكل انتهاكًا صارخًا لمبدأ المحاكمة العادلة، ومن هنا، يتضح أن الشرط الأساسي للاعتراف هو أن يكون طوعيًا، صادرًا عن إرادة حرة وواعية، دون ضغط أو تهديد.
في الواقع، لا يختلف الفقه الجنائي في رفض الاعترافات المُنتزعة تحت التعذيب، إلا أن الإشكالية تكمن في التطبيق العملي، إذ قد تواجه المحاكم حالات يصعب فيها التحقق من صحة ادعاءات التعذيب، خاصةً عند محدودية الأدلة أو نقص التوثيق الطبي والقانوني للانتهاك، قد تتساهل بعض الأنظمة القضائية في تقييم هذه الاعترافات، فتسمح بقبولها في حال وجود أدلة داعمة أخرى، أو إذا اعتُبرت عنصرًا داعمًا ضمن مجموعة أدلة، وهذا يتحايل على المحظورات القانونية والأخلاقية.
تُعد هذه المسألة حساسة بشكل خاص في الأنظمة القانونية التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الاعترافات كوسيلة إثبات أساسية، نظرًا لضعف أساليب التحقيق الجنائي أو غياب هيكل مؤسسي مستقل للهيئات القضائية، في مثل هذه السياقات، يصبح التعذيب أداة شائعة لانتزاع المعلومات، وتتحول الاعترافات من وسيلة مشروعة إلى أداة إكراه تُنتزع بالقوة البدنية أو النفسية، وهذا يُفرغ مبدأ افتراض البراءة من معناه الحقيقي، ويؤدي إلى أحكام قضائية تستند إلى اعترافات ملفقة أو مشكوك فيها.
شهدت بعض الأنظمة القضائية العربية مراجعات قانونية هامة في هذا السياق، حيث نصت تشريعات حديثة في عدد من الدول على عدم صحة الاعترافات إذا ثبت أنها ناتجة عن إكراه جسدي أو معنوي، كما تُلزم بعض القوانين سلطات التحقيق بتسجيل استجوابات المتهمين صوتيًا وبصريًا لضمان نزاهة الإجراءات، ومع ذلك، تبقى هذه الضمانات غير فعّالة ما لم تقترن بإرادة سياسية حقيقية لمناهضة التعذيب، واستقلال فعلي للنيابة العامة والقضاء، وإمكانية الاستعانة بمحامٍ منذ لحظة الاعتقال.
تجدر الإشارة إلى أن قبول الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب لا يقوّض نزاهة الإجراءات فحسب، بل يقوّض أيضًا ثقة الجمهور بالنظام القضائي ككل. فهو يُسهم في خلق انطباع بأن الدولة تسعى للإدانة بأي وسيلة، بدلًا من تحقيق العدالة. وقد يؤدي أيضًا إلى إدانة الأبرياء بينما يبقى الجاني الحقيقي طليقًا، مما يُفرغ العقوبة من غايتها الوقائية والرادعة، لذا، فإن رفض الاعترافات المنتزعة بالإكراه ليس مجرد التزام قانوني؛ بل هو ضرورة إنسانية وأخلاقية لحماية جوهر العدالة.
وأخيرًا، لا يمكن الحديث عن نظام عدالة جنائية عادل دون ضمان أن تكون الاعترافات نتاج إرادة حرة، خالية من التعذيب أو التهديد أو أي شكل آخر من أشكال الإكراه. فالشرعية الإجرائية ليست شكلًا، بل هي جوهر ضمان محاكمة عادلة. ويجب استبعاد أي اعتراف، مهما كان تفصيليا أو متماسكا، تم الحصول عليه نتيجة للتعذيب، ليس فقط باعتباره دليلا ولكن باعتباره نتاج ممارسة محظورة بموجب القانون والضمير الإنساني.



#علي_سالم_عزيز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون التقادم في الإجراءات الجنائية: دراسة مقارنة بين النظام ...
- حدود المشروعية في الدفاع عن النفس: الأسس الفقهية والتطبيقات ...
- العدالة في مواجهة الشائعات: الجرائم الناشئة عن معلومات كاذبة ...
- نظرية الظروف المشددة والمخففة: قراءة نقدية في ضوء السوابق ال ...
- الركن المعنوي في الجرائم الإلكترونية: دراسة تحليلية مقارنة
- الإبلاغ الرقمي عن المخالفات: تأثير المحتوى المنشور على وسائل ...
- التقصير كجريمة: المسؤولية الجنائية للامتناع عن تولي مناصب ال ...
- ضحايا بلا صراخ: قراءة قانونية للجرائم المرتكبة ضد الأشخاص ذو ...
- جريمة الابتزاز الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي: تحديا ...
- جرائم الاتجار بالبشر: الإشكاليات القانونية في التحقيق والمحا ...
- العنف الأسري كجريمة جنائية: دراسة في ضوء القانون العراقي
- العقوبات البديلة: مفهومها وتطبيقاتها في النظام القانوني الجن ...
- التعذيب في السجون: تحليل قانوني لأثره على حقوق الإنسان
- القتل العمد وغير العمد: الفروق القانونية والعقوبات المقررة
- جريمة غسل الأموال: آليات الكشف والمساءلة في ظل القانون العرا ...
- حقوق المتهم في مرحلة التحقيق: مقارنة بين الأنظمة القانونية ا ...
- مدى مسؤولية الذكاء الاصطناعي في ارتكاب الجرائم: دراسة في الت ...
- المسؤولية الجنائية للأطباء في حالات الإهمال الطبي الجسيم
- حماية الشهود في القضايا الجنائية: بين النص القانوني والتطبيق ...
- الجرائم التي يرتكبها الأحداث: بين العقاب والتدابير التصحيحية


المزيد.....




- اعتقال فتى في فرنسا خطط لمهاجمة سفارات ومقار رسمية
- اعتقال فتى في فرنسا خطط لمهاجمة سفارات ومقار رسمية
- العراق يقدّم تقرير الشفافية الأول للتغيرات المناخية إلى الأم ...
- تونس.. وقفة تضامنية مع معتقلين سياسيين
- وصلت 9 طائرات.. قطر تواصل إغاثة أفغانستان بعد الزلزال المدمر ...
- مظاهرات في إسرائيل للمطالبة بإطلاق الأسرى وحماس تجدد قبولها ...
- تونس.. وقفة تضامنية مع -معتقلين سياسيين-
- عائلات الأسرى تحذر زامير: احتلال غزة لن يعيد المخطوفين بل سي ...
- وكالة الإمارات للمساعدات الدولية تواصل إغاثة غزة عبر 100 شا ...
- الأونروا: كلمة وزير الخارجية المصري تاريخية.. ورسالة دعم لنا ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي سالم عزيز - مدى مشروعية الاعترافات الناتجة عن التعذيب في النظام الجنائي .