علي سالم عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 07:52
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
الابتزاز الإلكتروني اصبح من أكثر الجرائم انتشاراً في عصر الثورة الرقمية، لا سيما مع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، وتكمن خطورة هذه الجريمة في كونها بعيدة المنال في كثير من الأحيان، واستهدافها للضحية في أضعف حالاتها، إذ يستغل الجاني المعلومات أو الصور أو المحادثات الخاصة التي يحصل عليها عبر الوسائل التكنولوجية، ويهدد بنشرها ما لم تُلبَّ مطالبه، سواءً كانت مالية أو معنوية أو غيرها.
يندرج الابتزاز الإلكتروني ضمن الجرائم الإلكترونية، وهو سلوك يُعاقَب عليه القانون؛ إلا أن مواجهته تُمثل صعوبات عملية وقانونية كبيرة، لا سيما في إثبات الجريمة وتحديد هوية الجاني، فكثيراً ما يستخدم مرتكبو هذا النوع من الجرائم حسابات وهمية، أو يخترقون حسابات الآخرين، أو يعتمدون على برامج تشفير تُصعِّب تتبُّعهم.
ويتمثل التحدي الأول في هذا النوع من الجرائم في الأدلة الرقمية، إذ تختلف الأدلة الرقمية عن الأدلة التقليدية في إمكانية تعديلها أو إخفائها أو محوها؛ كما يتطلب إجراءات خاصة لجمعها وتحليلها من قبل جهات فنية متخصصة، تحت إشراف قضائي يضمن سلامة الأدلة ويحترم خصوصية الأفراد.
التحدي الثاني هو ضعف الإطار القانوني في بعض التشريعات، فبعض القوانين الجزائية لم تُعدّل بعد لتشمل الأشكال الحديثة للابتزاز، أو لا توجد آليات واضحة للتعاون الدولي في مقاضاة الجناة، خاصة إذا كان الجاني خارج حدود الدولة.
أما التدابير المضادة، فهناك مستويان رئيسيان:
الأول قانوني، ويشمل تطوير القوانين الجنائية لتشمل جميع أشكال الابتزاز الرقمي، ومنح سلطات أوسع لسلطات التحقيق لمقاضاة الجناة، وتوسيع التعاون الدولي، وتسهيل تبادل المعلومات بين الدول.
الثاني توعوي وتقني، ويتضمن نشر الثقافة الرقمية وتوعية المستخدمين، وخاصة الشباب، بمخاطر مشاركة المعلومات الشخصية عبر الإنترنت، وتعزيز تدابير الحماية الذاتية، مثل استخدام كلمات مرور قوية وتفعيل المصادقة الثنائية.
بدأت بعض الدول، ومنها العراق، باتخاذ خطوات قانونية جادة لمعالجة هذه الظاهرة، من خلال سنّ قانون للجرائم الإلكترونية وتخصيص فرق تحقيق رقمية داخل أقسام الشرطة؛ ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى دعم البنية التحتية الرقمية للأجهزة الأمنية، وتدريب القضاة والمحامين على تقنيات التعامل مع الأدلة الرقمية.
وفي الختام، تُمثل جريمة الابتزاز الإلكتروني أحد أبرز التحديات التي تواجه أنظمة العدالة الجنائية المعاصرة، وتتطلب استجابة قانونية وفنية وتوعوية شاملة لضمان حماية فعّالة للمجتمع، وخاصة الفئات الأكثر عرضة للخطر من هذا النوع من الجرائم، كالنساء والأطفال والمراهقين.
#علي_سالم_عزيز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟