أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي سالم عزيز - حدود المشروعية في الدفاع عن النفس: الأسس الفقهية والتطبيقات القضائية














المزيد.....

حدود المشروعية في الدفاع عن النفس: الأسس الفقهية والتطبيقات القضائية


علي سالم عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 8453 - 2025 / 9 / 2 - 20:04
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


يُعدّ الدفاع عن النفس من أبرز مسوّغات الإباحة في القانون الجنائي، وهو مبدأ راسخ أقرّته الشرائع السماوية والتشريعات الدنيوية، يقوم هذا المفهوم على غريزة البقاء، التي تُجيز للفرد استخدام القوة اللازمة لصدّ خطر داهم على الحياة أو الممتلكات، إلا أن هذا الحق ليس مطلقًا، بل هو مقيّد بقيود وضوابط تضمن عدم تحوّله إلى وسيلة للانتقام أو العدوان. وهذا يثير تساؤلات دقيقة حول حدود الشرعية، لا سيما في التطبيق القضائي.
من منظور فقهي، يُعرّف الدفاع عن النفس بأنه استخدام القوة اللازمة لصدّ اعتداء غير مشروع على الحياة أو الممتلكات، وتتفق معظم القوانين الجنائية على توافر شروط معينة لجعل الفعل مباحًا ولا يُشكّل جريمة، وتشمل هذه الشروط عادةً وجود خطر داهم غير مشروع، وأن يكون الردّ على هذا التهديد ضروريًا ومتناسبًا، وعدم وجود أي وسيلة أخرى لتجنبه، وقد ناقش الفقه الجنائي هذه الشروط بالتفصيل، مركّزًا على مدى "وجود" الخطر (أي وشيك الوقوع)، و"ضرورة" الرد (أي عدم استخدام عنف أكثر مما يقتضيه الموقف)، في الفقه الإسلامي، يندرج الدفاع عن النفس ضمن "الضرورات التي تبيح المحظور"، وقد اتفقت المذاهب الفقهية على جوازه عند تعريض الشخص للموت أو الأذى، بل وُجب في بعض الحالات، كالدفاع عن النفس من القتل العمد.
ومع ذلك، ورغم هذا الإجماع الفقهي، ينشأ تعارض عند تحديد مدى توافر شروط الدفاع في واقعة معينة. وهذا يجعل التطبيقات القضائية مجالًا خصبًا لاختلاف التقييمات، فكثيرًا ما تتداخل نية الدفاع مع دوافع أخرى، كالغضب أو الرغبة في الانتقام، مما يُصعّب على المحكمة التمييز بين العمل الدفاعي والعمل الجنائي، ولذلك، حرص القضاء على تحديد حدود هذا الحق بدقة، وتوضيح الحالات التي يخرج فيها المتهم عن نطاق الشرعية.
وفي هذا السياق، تتجلى أهمية مبدأ التناسب بين العمل الدفاعي والخطر المحدق، فإذا تجاوز الشخص الحد اللازم لصدِّ اعتداء، فقد يتحول عمله من مشروع إلى غير مشروع، وقد يُساءل جنائيًا. فعلى سبيل المثال، لا يُعتبر إطلاق النار على لص هارب دون تهديد مباشر للحياة مشروعًا، وبالمثل، فإن الدفاع عن الممتلكات، وإن كان جائزًا، لا يُبرر استخدام وسائل مفرطة تُعرِّض المعتدي للموت إلا في حالة وجود تهديد جسدي مباشر، وقد أكدت محاكم النقض في العديد من الدول العربية، ومنها مصر ولبنان، أن تجاوز حدود الدفاع المشروع يُبطل الفعل ويُعرِّض الفاعل للمساءلة حسب درجة تجاوزه.
من المسائل المثيرة للجدل في هذا السياق ما يُعرف بـ"الخطأ في التقدير"، عندما يعتقد الشخص أنه يواجه خطرًا داهمًا بينما لا يوجد في الواقع أي خطر، كما هو الحال في الدفاع ضد شخص يعتقد خطأً أنه على وشك مهاجمته، يثير هذا تساؤلًا حول مشروعية الفعل إذا كان الدافع قائمًا على اعتقاد خاطئ ولكنه معقول. وقد مالت بعض المحاكم إلى التساهل في هذا النوع من القضايا، معتبرةً أن معيار "الاعتقاد المعقول" يبرر الفعل، بينما التزمت محاكم أخرى بالمعيار الموضوعي الذي يشترط وقوع الخطر فعليًا.
ولعل ما يزيد هذه المسائل صعوبة هو التغير الاجتماعي وتطور أساليب العنف، مما يجعل تقييم الخطر أكثر تعقيدًا، تقع بعض الحوادث في ظروف يستحيل فيها التحقق بدقة من نية المعتدي، مما يضع عبئًا ثقيلًا على القاضي في تقييم معقولية الرد الدفاعي، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تطوير معايير قضائية وتدريب الكوادر القضائية على فهم طبيعة الخطر وملابسات الفعل.
لا ينبغي إغفال البعد الإنساني في هذه الحالات، إذ إن من يُجبرون على الدفاع عن أنفسهم لا يكونون دائمًا في حالة من الهدوء تُمكّنهم من اتخاذ القرار الأمثل. لذلك، سعت بعض التشريعات إلى تخفيف المسؤولية أو الإعفاء منها في حالات الخوف الشديد، المعروف بـ"الدفاع العاطفي"، واعترفت به بعض الأنظمة القانونية كظرف مُخفف.
وختامًا، يبقى الدفاع عن النفس حقًا مشروعًا، ولكنه مشروط بالضرورة والتناسب وعدم التعدي. ويظل دور القضاء حاسمًا في تحقيق التوازن بين حماية هذا الحق ومنع إساءة استخدامه. كما يُطلب من المشرعين باستمرار مراجعة صياغة النصوص ذات الصلة لمراعاة تطور الجرائم وتغير مفاهيم الخطر في العصر الحديث.



#علي_سالم_عزيز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدالة في مواجهة الشائعات: الجرائم الناشئة عن معلومات كاذبة ...
- نظرية الظروف المشددة والمخففة: قراءة نقدية في ضوء السوابق ال ...
- الركن المعنوي في الجرائم الإلكترونية: دراسة تحليلية مقارنة
- الإبلاغ الرقمي عن المخالفات: تأثير المحتوى المنشور على وسائل ...
- التقصير كجريمة: المسؤولية الجنائية للامتناع عن تولي مناصب ال ...
- ضحايا بلا صراخ: قراءة قانونية للجرائم المرتكبة ضد الأشخاص ذو ...
- جريمة الابتزاز الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي: تحديا ...
- جرائم الاتجار بالبشر: الإشكاليات القانونية في التحقيق والمحا ...
- العنف الأسري كجريمة جنائية: دراسة في ضوء القانون العراقي
- العقوبات البديلة: مفهومها وتطبيقاتها في النظام القانوني الجن ...
- التعذيب في السجون: تحليل قانوني لأثره على حقوق الإنسان
- القتل العمد وغير العمد: الفروق القانونية والعقوبات المقررة
- جريمة غسل الأموال: آليات الكشف والمساءلة في ظل القانون العرا ...
- حقوق المتهم في مرحلة التحقيق: مقارنة بين الأنظمة القانونية ا ...
- مدى مسؤولية الذكاء الاصطناعي في ارتكاب الجرائم: دراسة في الت ...
- المسؤولية الجنائية للأطباء في حالات الإهمال الطبي الجسيم
- حماية الشهود في القضايا الجنائية: بين النص القانوني والتطبيق ...
- الجرائم التي يرتكبها الأحداث: بين العقاب والتدابير التصحيحية
- جرائم الامتناع عن الفعل في القانون الجنائي: إشكالات الإثبات ...
- السياسة العقابية في الجرائم الاقتصادية: بين الردع العام وحما ...


المزيد.....




- لندن: اعتقال محتج رفع شعار -الحرية لإيران- من برج محطة كينغز ...
- الأمم المتحدة تجدد قلقها من التصعيد العسكري في العاصمة الليب ...
- العفو الدولية توثق إعدامات ميدانية لقوات حكومية بالسويداء ...
- الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الوضع الإنساني بعد كارثة قرية تر ...
- الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الوضع الإنساني بعد كارثة قرية تر ...
- فيدان يبحث مع نظيره السعودي اجتماع الأمم المتحدة للاعتراف بف ...
- القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد بتهم جرائم حر ...
- جيش الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات واسعة بالضفة
- مسؤول في أونروا يكشف حقائق صادمة عن وفيات غزة والأمراض المنت ...
- جيش الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات واسعة بالضفة


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي سالم عزيز - حدود المشروعية في الدفاع عن النفس: الأسس الفقهية والتطبيقات القضائية