أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي سالم عزيز - التقصير كجريمة: المسؤولية الجنائية للامتناع عن تولي مناصب السلطة














المزيد.....

التقصير كجريمة: المسؤولية الجنائية للامتناع عن تولي مناصب السلطة


علي سالم عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 06:54
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


في النظم القانونية التقليدية، تُعالج المسؤولية الجنائية عادةً من منظور الأفعال الإيجابية، فتُجرّم أي فعل ينتهك نصًا قانونيًا أو يُشكّل تهديدًا لمصالح محمية جنائيًا. إلا أن القانون الجنائي الحديث بدأ ينظر في نوع آخر من الجرائم: ليس من خلال الفعل، بل من خلال الامتناع عن الفعل؛ ليس من خلال الفعل، بل من خلال الامتناع عن الفعل. وهذا يُثير تساؤلًا حول ما إذا كان الامتناع عن تولي منصب ذي سلطة، عند الضرورة، يُمكن اعتباره جريمة، وما إذا كان الإهمال السياسي أو الإداري يُمكن أن يُصبح مسؤولية جنائية تُعاقب عليها الدولة أو الفرد.
المبدأ العام للمسؤولية الجنائية هو أنه لا جريمة دون نص قانوني، ولا عقاب إلا على سلوك مُحدد. ومع ذلك، مع تطور المجتمع وتعقّد الهياكل السياسية والإدارية، أصبحت بعض أشكال الامتناع تُشكّل تهديدًا حقيقيًا للأمن العام أو حياة الأفراد، خاصةً عندما يكون المُمتنع في وضع يسمح له بإنقاذ الموقف أو درء الخطر، سواءً كان سياسيًا مُنتخبًا أو إداريًا كفؤًا. من أمثلة ذلك رفض مرشحٍ لشغل منصبٍ رفيع المستوى خلال أزمةٍ وطنيةٍ حرجة، أو رفض مسؤولٍ إداريٍّ لشغل منصبٍ ضروريٍّ لإدارة مرفقٍ حيوي، أو حتى عدم قبول شخصٍ كفؤٍ وضروريٍّ لمهمةٍ عاجلةٍ في حالةِ طوارئ، مع علمه بأنَّ عدمَ توليه المنصب سيُسبِّبُ ضررًا جسيمًا.
هذا الرفض، وإن لم يكن فعلًا بالمعنى الحرفي، فهو سلوكٌ ذو عواقبَ قانونيةٍ واجتماعية، ويثيرُ مسألةَ تصنيفه في القانون الجنائي. هل يُمكن وصفُ رفضِ تولي منصبٍ بأنه شكلٌ من أشكالِ التقصيرِ في الواجبِ الوطني؟ هل يُمكنُ مُساءلةُ الشخصِ عن هذا الرفضِ إذا لم يكن مُجبرًا قانونًا على توليه؟ الإجابةُ ليست خاليةً من التعقيد. فالمبدأُ الأساسيُّ للقانونِ الجنائيِّ هو أنَّ شغلَ المناصبِ العامةِ مسألةُ اختيارٍ لا إكراه. ومع ذلك، في بعضِ الحالات، لا سيَّما في أوقاتِ الحربِ أو الكوارثِ أو انهيارِ المؤسسات، قد يُصبحُ رفضُ توليِ المنصبِ تهديدًا للأمنِ العامِّ، مما يتطلَّبُ نهجًا قانونيًا مختلفًا.
في بعض التجارب القانونية المقارنة، وخاصةً في أوقات الأزمات، رُفعت دعاوى قضائية ضد مسؤولين امتنعوا عن أداء واجباتهم، بدعوى أن امتناعهم تسبب في ضرر عام. في بعض الحالات، يُعدّ التقصير في أداء الواجب، حتى وإن بدأ برفض قبول مهمة، إخلالاً بالمسؤولية المفروضة قانوناً أو دستورياً على الأفراد المؤهلين أو ممثلي الشعب. إذا ثبت أن الرفض كان بدافع الإضرار بالمصلحة العامة، أو بدافع شخصي يُقدّم المصلحة الخاصة على الحاجة الجماعية، فقد يكون التعريف القانوني أقرب إلى جريمة الإضرار بالمصلحة العامة من خلال الرفض.
لا يمكن تجاهل الأبعاد الأخلاقية والسياسية لهذه المسألة. فتقلّد المناصب، وخاصةً في أوقات الأزمات، ليس مجرد حق؛ بل قد يصبح واجباً. وكما أن الجندي مُلزم بالدفاع عن الوطن عند الحاجة، فقد يُطلب من بعض المواطنين، بحكم كفاءتهم أو مناصبهم، تحمّل مسؤولية السلطة. لا يُعتبر الرفض هنا حيادًا، بل انسحابًا سلبيًا من واجب المشاركة في إنقاذ الدولة أو المجتمع، مما يجعل الجدل القانوني حول تجريمه مشروعًا وجديرًا بالاهتمام.
باختصار، لم يعد القانون الجنائي يقتصر على معاقبة الأفعال الضارة، بل أصبح ينظر بجدية إلى الأفعال السلبية التي يُسبب الامتناع عنها ضررًا جسيمًا. يجب تنظيم تجريم الامتناع عن تولي مناصب السلطة في أوقات الضرورة بشكل صارم لضمان عدم استغلاله سياسيًا. كما يجب التأكيد على أن المسؤولية الجنائية لا تكمن فقط فيما نفعله، بل أيضًا، أحيانًا، في تقاعسنا، عندما يكون في وسعنا إنقاذ الأرواح ونختار الصمت.



#علي_سالم_عزيز (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضحايا بلا صراخ: قراءة قانونية للجرائم المرتكبة ضد الأشخاص ذو ...
- جريمة الابتزاز الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي: تحديا ...
- جرائم الاتجار بالبشر: الإشكاليات القانونية في التحقيق والمحا ...
- العنف الأسري كجريمة جنائية: دراسة في ضوء القانون العراقي
- العقوبات البديلة: مفهومها وتطبيقاتها في النظام القانوني الجن ...
- التعذيب في السجون: تحليل قانوني لأثره على حقوق الإنسان
- القتل العمد وغير العمد: الفروق القانونية والعقوبات المقررة
- جريمة غسل الأموال: آليات الكشف والمساءلة في ظل القانون العرا ...
- حقوق المتهم في مرحلة التحقيق: مقارنة بين الأنظمة القانونية ا ...
- مدى مسؤولية الذكاء الاصطناعي في ارتكاب الجرائم: دراسة في الت ...
- المسؤولية الجنائية للأطباء في حالات الإهمال الطبي الجسيم
- حماية الشهود في القضايا الجنائية: بين النص القانوني والتطبيق ...
- الجرائم التي يرتكبها الأحداث: بين العقاب والتدابير التصحيحية
- جرائم الامتناع عن الفعل في القانون الجنائي: إشكالات الإثبات ...
- السياسة العقابية في الجرائم الاقتصادية: بين الردع العام وحما ...
- الجرائم المبنية على الشكوى: بين حماية الحقوق الشخصية وتحقيق ...
- تأثير الإعلام على المحاكمة العادلة: بين الحق في حرية التعبير ...
- تأثير التحول الرقمي على الجريمة المنظمة: التحديات القانونية ...
- التدخل الجنائي في المجال الطبي: حدود المسؤولية الجنائية للأط ...


المزيد.....




- -هيئة الأسرى-: استمرار التجويع والضرب بحق أسرى -مجيدو-
- كاتبة بين النازحين: نحن سكان غزة نمحى من التاريخ على الهواء ...
- مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة: قصف المدنيين أثناء توزيع ا ...
- خلال احتفالات سان جيرمان.. مقتل وإصابة أشخاص واعتقال المئات ...
- زقوت: قطاع غزة أصبح مكانا للموت ونسبة المجاعة وصلت 100%
- مكة المكرمة: وصول 500 من حجاج فلسطين من ذوي الشهداء والأسرى ...
- باريس.. أضرار مادية كبيرة واعتقالات بعد مواجهات مع الشرطة عق ...
- العراق.. اعتقال شبكة حاولت تنفيذ عمليات اغتيال
- قوات الاحتلال تشن حملة اقتحامات واعتقالات بجنين ونابلس
- العراق.. اعتقال شبكة حاولت تنفيذ عمليات اغتيال


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علي سالم عزيز - التقصير كجريمة: المسؤولية الجنائية للامتناع عن تولي مناصب السلطة