سعيد أولاد الصغير
كاتب من المغرب
(Said Ouladsghir)
الحوار المتمدن-العدد: 8453 - 2025 / 9 / 2 - 16:47
المحور:
الادب والفن
فـي زقـاقٍ ضـيّـق مـن سـوق بـلـديّ عـتـيـق، رأيـتُ دكّـانـاً غـريـبـاً، يـقـع بـيـن بـائـع المـصـابـيـح وصـانـع الـمـفـاتـيـح. يـكـاد لا يـلـحـظـه أحـد... لا واجـهـة تُـغـري بـالـشّـراء... فـقـط، بـاب خـشـبـيّ مَـشـروخ، تـعـلُـوه لافـتـة، كُـتـب عـلـيـهـا بـخـطٍّ مـائـل وبـاهـت:
" نَـبـيـع الـكـذب… ونُـؤجّـر الـصّـدق ".
دخـلـتُ وأنـا أضـحـك فـي داخـلـي:
يـا إلـهـي، مَـن يـبـيـع الـكـذب...؟ ومَـن يـجـرؤ عـلـى تـأجـيـر الـصّـدق…!؟
لـكـنّ ضـحـكـتـي انـطـفـأت فـوراً؛ حـيـن رأيـتُ شـيـخـاً وقـوراً بـلـحـيـة بـيـضـاء كـثـيـفـة، يـجـلـس خـلـف طـاولـة عـتـيـقـة، بـعـيـنـيـن غـائـرتـيـن، فـيـهـمـا بـريـقُ حـكـمـةٍ لا تُـخـطـئــه الـعـيـن.
تـلـمّـس شـاربـه وسـألـنـي قـبـل أن أتـكـلّـم:
" كـذبـة تُـكـسـبـك عـائـداً، أم صـدق يُـبـقـيـك مُـقـيّـداً...؟ "
نـظـرتُ إلـى رفـوف الـصّـدق الـمـبـعـثـرة ثُـمّ إلـى رفـوف الـكـذب الـمـرتّـبـة وردّيــتُ سـاخـراً:
" أُأجّـر صـدقـاً واحـداً وآخـذ ثـلاث كـذبـات بـيـضـاء مـجـانًـا…! "
حـدَجـنـي بـنـظـرة حـادّة، اخـتـرقـتْ أعـمـاق روحـي وقـال:
خـذ يـا ابـنـي مـا تُـريـد، ولا تُـبـالـغ فـي الـتّـلـوّنِ، كـي تُـبـقـي عـلـى وجـهـك الـوحـيـد…!
نـاولـنـي قـارورة صـغـيـرة دون أن يـطـلـب ثـمـنًـا... مـا زلـت حـتّـى الـيـوم لا أعـلـم مِـن أيـن أخـذهـا، مِـن رفّ للـصّـدق، أم مِـن رفّ للـكـذب…!
فـي الـطّـريـق، قـلـت لـصـديـق: " أنـا بـخـيـر " وكـنـت أحـتـرق...، فـصـرتُ بـعـدهـا أغـيّـر لـونـي كـالـحـربـاء، لـعـلّ وعـسـى...، وأدّعـي نـسـيـان مـا لا يُـنـسـى...،
شـعـرتُ بـثـقـل الـنّـدم، فـعـدتُ مـشـوَّش الـذّهـن لأسـتـنـجـدُ بـالـشّـيـخ:
اقـتـرب مـنّـي وتـفـرّس مـلامـح وجـهـي، وقـبـل أن أتـكـلّـم قـال:
مـتـى بـات للـكـذب ألـوان…!؟
يـا ولـدي، مَـن نـظـر إلـيـه بـعـيـن الـقـلـب، أبـصـر سـواده ولـو كـان أبـيـض…!
#سعيد_أولاد_الصغير (هاشتاغ)
Said_Ouladsghir#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟