أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - تفسير النصوص الجنائية الموضوعية















المزيد.....


تفسير النصوص الجنائية الموضوعية


لهوى رابح

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 18:18
المحور: قضايا ثقافية
    




المحاضرة السابعة
تفسير نصوص قانون العقوبات
مدلول التفسير:
التفسير عملية تهدف إلى تحديد مضمون القاعدة بالنسبة للوقائع المادية التي تندرج تحتها، فالمشرع يحدد مضمون القاعدة مجردا، بينما تطبيق القاعدة القانونية يكون بالنسبة لواقعة محدّدة، و لذلك فإنّ التطبيق يحتاج إلى بيان ما إذا كانت تلك الواقعة تندرج تحت نطاق تلك الواقعة المجردة التي تحتويها القاعدة الجنائية، و لما كانت القاعدة الجنائية تأتي في شكل عبارات تحدد ما تحتويه من مضمون فإنّ التفسير هو عملية عقلية تهدف إلى البحث و التوضيح للمعنى الذي ترمي اليه القاعدة ( ).
فالتفسير إذن باختصار هو تحديد المعنى الذي قصده المشرع من الفاظ النص لجلعه صالحا للتطبيق على وقائع الحياة( )، و هو بذلك يعتبر عملية ظرورية لاعتبارين: الاول أنّ وضوح القاعدة من عدمه هو أمر نسبي يختلف من شخص لآخر، فما هو واضح بالنسبة لشخص معيّن قد لا يكون كذلك بالنسبة لغيره، و الثّاني أنّ المعنى الظاهر من القاعدة ليس بالظرورة أن يكون هو المعنى الّذي ترمي إليه القاعدة، لذلك فإنّ عدم تفسير القاعدة اكتفتاءا بالمعنى الظاهر قد يؤدي إلى فهم خاطىء( ).
ذلك أن النص عادة يكون مختصرا و عاما و مجردا مما يجعله ينطوي على بعض الغموض أحيانا( ) مثل مصطلح "الليل" ظرف مشدد في جريمة السرقة 353 ق ع ج ، و عبارة "الفعل المخل بالحياة" و " هتك العرض" في المواد 333-336 ق ع ج ، و عبارة " طفل حديث العهد بالولادة" في المادة 261 ق ع ح، و أراضي الجمهورية في المادة 03 ق ع ج، وعبارة "الاستهزاء بما هو معلوم من الدين بالضرورة" في المادة 144ق ع.
طبيعة التفسيــــــر:
اختلف الفقه حول طبيعة التفسير هل هو مجرد المام بإرادة المشرع التي تضمنتها القاعدة القانونية، ام أنّ له دور مكمل للنقص الذي يبدو بصدد بعض القواعد؟.
يذهب الرأي السائد في الفقه التقليدي إلى أنّ دور المفسر هو معرفة إرادة المشرع المعبر عنها بالقاعدة القانونية دون ان يكون له تكلمة أي نقص قد يتواجد في القاعدة، و هذا الرأي هو نتجية منطيقية للمنهج الشكلي في القانون و الذي يجعل دور القاضي سلبيا ازاء القاعدة القانونية منعا للتحكم و احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات( ). و تلك نتجية لمبدا الشرعية الجنائية.
و على عكس الاتجاه السابق نجد انصار المذهب الواقعي في قانون العقوبات و الذين ينطلقون من فكرة أن القانون ليس نظاما كاملا، و انما هو ناقص في كثير من قواعده، و يقصد بذلك انّ المشرع كثيرا ما يترك العديد من المسائل دون حل صريح وواضح في نصوصه، و لذلك يكتفي بوضع قواعد لها صفة العموم، و يتم تحديدها في كل واقعة على حدة، و إذا كانت القاعدة الجنائية تتضمن امرا تشريعيا للمخاطبين باحكامها فلا بد ان يقوم المفسر بتحديد هذه العمومية حتى يمكن تطبيق القاعدة، و لذلك فإن التفسير ليس مجرد المام بإرادة المشرع و انّما هو ايضا عملية مكملة لاوجه النقص التي تبدو عليها بعض القواعد الجنائية( ).
و الراي عندنا أنّ مبدا شرعية الجرائم و العقوبات يملي بعدم جعل التفسير مطية لانشاء قواعد جنائية، على نحو يفظي الى الخلط بين الحدود الفاصلة بين وظيفة التشريع و التفسير، على ان ذلك لا يعني ان يقف دور المفسر عند حد معرفة ما انصرفت اليه ارادة المشرع فكثيرا ما تكون هذه الارادة غير واضحة بالنسبة للحالات الواقعية، و لذلك فأن دور المفسر لا بد ان يكون ايجابيا في تكملة اوجه النقص في القانون دون ان ترقى هذه التكملة الى حد خلق قاعدة جنائية جديدة.
و الخلاصة ان استكمال نقص التشريع او جبر قصوره ليس من شان الفقه و لا القضاء لانقطاع صلة ذلك بعملية التفسير، و انما هو شان المشرع وحده لاعتباره من تمام عملية الانشاء( ).
انواع النفسير:
التفسير من حيث مصدره ثلالثة انواع: تشريعي، فقهي و قضائي.
التفسير التشريعي:
يصدر عن الشارع و يتخذ صورة النصوص القانونية فهو التفسير الذي تقوم به السلطة التي تتلوى التشريع في الدولة لضبط المعنى المقصود لقواعد تشريعية سابقة بسبب ما اكتنفها من غموض و ما صادفته من خلاف عند التطبيق.
و للتفسير التشريعي صورتان، الصورة الاولى و هي التفسير التشريعي للنص و فيه يقوم المشرع بتحديد معاني بعض الالفاظ المستخدمة في قانون معيّن في بداية نصوصه، و قد يكون التفسير التشريعي مصاحبا للنص و مقترنا به، بان يحدد المشرع معاني بعض الالفاظ في صلب القانون ذاته( )، و مثال ذلك تحديد المشرع لمعنى سبق الاصرار و الترصد ( )او المقصود بالمسكن ( ).. الخ.
و الصورة الثانية للتفسير هي التفسير التشريعي اللاحق للنص، و فيه يقوم المشرع ببيان مضمون النص محل التفسير بسبب حدوث خلاف في القضاء حول تفسيرها و يسمى النص التفسيري، و متى صدر هذا النص أصبح ملزما للقضاء و يبدأ سريانه منذ الوقت المحدد لبدء العمل به، كما أنّه ينطبق على جميع العلاقات التي يحكمها التشريع محل التفسير منذ صدوره و التي ما زالت منظورة امام القضاء و لم تصدر بشأنها أحكام نهائية، بشرط أن يأتي النص المفسر بحكم جديد يختلف عن الحكم الذي جاء به النص محل التفسير- اي انها مستثناة من قاعدة عدم رجعية القوانين الجنائية على الماضي – لاننا في هذه الحالة نكون أمام الغاء ضمني للنص الغامض و ليس تفسيرا له( ).
التفسير القضائي:
هو التفسير الذي يتولاه القضاء بحكم وظيفته او بحكم طبيعة اختصاه بالفصل في المنازعات التي تعرض عليه، فهو التفسير الذي يصدر عن القضاة بصدد تصديهم للفصل في الدعوى المطروحة عليهم، و يستهدف تطبيق القانون على الوقائع المادية، و التفسير القضائي يعتبر تسفيرا عمليا يتأثر بالظروف الواقعية التي تحيط بالواقعة موضوع الخصومة، و هذا النوع من التفسير غير ذي صفة ملزمة حتى بالنسبة لقاض آخر يدنوه في السلم القضائي( ).
التفسير الفقهي:
تفسير يتولاه الفقهاء و شراح القانون الجنائي لاستجلاء معنى النص القانوني، و التفسير الفقهي غالبا ما يعين القضاء على تطبيق القانون، كما قد ينبه المشرع إلى اوجه النقص في القاواعد القواعد القانونية فيسعى الى استمكال و استجلاء غموضهاو هذا التفسير غير ملزم للقاضي.
طرق تفسير النصوص الجنائية
قد الفقه اسلوبين للقيام بتفسير النصوص الجنائية وفقا لنظرتين و هما النظرية الشخصية و النظرية الموضوعية
النظرية الشخصية:
حسب اصحاب هذه النظرية على المفسر دوما الوقوف على ارادة المشرع وقتما شرع القاعدة القانونية، بالكشف عن الاهداف التي سعى الوصول اليها من القاعدة الموضوعة في حينها، و ان القاضي وجب ان ينصب جهده في تفسير النص في حالة غموضه بالعودة الى الاعمال التحضيرية، ومن الظروف التاريخية التي دفعت المشرع لوضع هذا النص( ).
يرد على هذا النظرية من خلال امرين: ان ارادة المشرع مجرد افتراض فالمشرع ليس شخصا واحدا يقوم بالتشريع بل ان العملية التشريعية يقوم بها مجموعة من الاشخاص، و يقومون بالتعبير عن مصلحة معينة تسعى القاعدة لتحقيقها، و كذلك فان النص ينفصل عن المشرع منذ صدوره و يصبح له استقلالية و ذاتية، ومن جهة ثانية، فاللجوء الى ارادة المشرع وقتما شرع النص يجعل من القاعدة القانونية عاجزة عن مواجهة العلمية و الاجتماعية و الاقصادية التي تطرأ عل المصالح التي تحميها هذه القاعدة وهو ما يدفع المفسر الى اللجوء الى الارادة المفترضة، ويتوسع في تفسير ارادة المشرع وينسب اليه ارادة لم تكن قائمة حقيقة وقتما شرع النص، ومن خلال هذه الانتقادات جاءات النظرية الموضوعية( ).
النظرية الموضوعية:
يرى اصحاب هذه النظرية بضرورة التجاوز عن قصد و ارادة واضع التشريع، و ان التفسير يجب ان يوجه للبحث عن غاية و علة التشريع نفسه من خلال نظرة موضوعية محضة، بالتركيز على القاعدة كموضوع للتفسير بمعزل عن ارادة المشرع، وهذا الامر يعطي للقاعدة القانونية القدرة على استيعاب انماط السلوك المختلفة والمتطورة و التي تنصب في صلب غاية القاعدة القانونية، وهذه النظرية هي التي يرجحها الفقه الجنائي الحديث( ).
مناهج تفسير النصوص الجنائية
تتمثل مناهج تفسير النص الجنائي للوصول الى المعنى الحقيقي له، في منهجين، هما لامنهج اللفظي و المنهج المنطقي الغائي.
المنهج اللفظي
انّ التفسير الّذي يلجأ اليه القاضي الجنائي من أجل تطبيق النصوص واستنباط احكماها حسب هذا المنهج هو استقراء الالفاظ والعبارت والدلالات بالاعتماد على معناها المعروف لغويا لانّ المشرع حين يضع النص يختار له من الاافاظ و العبارت ما يدل دلالة واضحة على غرضه، والتي بمجرد قراءتها يتبادر المعنى المقصود من النّص في ذهن القارىء و هو ما يسمى بدلالة المنطوق( ).
كما يمكن للقاضي ان يستعين في سبيل ذلك على المعنى الاصطلاحي للألفاظ، وفي حالة غموض النص لعيب بالصياغة أو الترجمة فعلى المفسر الاجتهاد بتصحيح الخطأ اللغوي أو العودة الى اصل النص و مقارنته بالترجمة ليستنبط غاية المشرع، او بالرجوع الى مقاصد النص من خلال العودة الى الاعمال التحضيرية و المذكرات التفسيرية للتعرف على المقصود من اللفظ وتحديد المراد منه( ).
المنهج الغائي:
عندما لا يكون التفسير اللغوي كافيا أو يؤدي إلى نتائج متناقضة يرفضها المنطق، يستعين القاضي الجنائي بالتفسير المنطقي الذي يعتد بالعلة من النص أو الغاية من النص أو الغاية من التشريع، ويجيز ذلك التوسع في تفسير النص بالوقوف على دلالته التي يقيدها روح النص وتتطابق مع العلة في تقريره، والمفسر حسب المنهج المنطقي يتقيد بالعلة من التشريع ولا يتقيد بالمصطلحات والالفاظ التي استعملها المشرع، معتمدا على اساليب اقرها علم المنطق، والتي لا تخرج عن مقاصد المشرع، واهم هذه الاساليب هي بالتفسير بالمخالفة و قاعدة الخص يقيد العام ودلالة النص.
مؤدى هذى المنهج الغائي في التفسير ان يوجه النص الى تحقيق غايته الاجتماعية، ونتجية لذلك لذلك فاذا وصل المفسر بتفسيره الى التطابق التام بين مضمون القاعدة و الفاظها بالتعبير عن الغاية من النص يكون التفسير مقررا، بينما التفسير الضيق يقع عندما يكون هناك تطابق بين الغاية من الاقعدة و بين المعنى الحرفي للألفاظ المستعملة، اما اذا استعمل المشرع للتعبير عن غايته من التشريع الفاظا واسعة و فضفاضة لاعطاء المدلول الحقيقي له تستنتج من روح النص فنكون امام التفسير الواسع( ).
هل يخضع تفسير النصوص الجنائية لقواعد خاصة:
تحكم عملية تفسير النصوص القانونية اعتبارات عدة منها اعتبارات عامة واجبة الاحترام في تفسير أي قانون، و أخرى خاصة بتفسير النصوص العقابية دون غيرها( ):
الظوابط العامة: لعل اول ضباط من ظوابط التفسير ان يلتزم المفسر بالتفسير الحرفي للنص ااذا كان النص واضحا، اذا لا يجوز للقاضي التأويل و الاجتهاد اذ لا اجتهاد مع صراحة النص و لو بدا للقاضي ان النص غير عادل( ).
فتتمثل في ان العبرة عند التفسير بإرادة القانون لا بارادة المشرع، ذلك ان المشرع لا يقصد به سوى مجموعة من الاشخاص الذين وضعوا النص القانوني و هؤلاء غالبا ما تتضراب آرائهم، و لهذا فأن القانون يعتبر خلاصة ما تسفر عنه مناقشاتهم، و من ثم فإنّه متى صدر القانون فقد ساتقل عن إرادة واضعيه( ).
أما الضابط الثاني، فيتمثل في أنه ليس العبرة بالوقت الذي صدر فيه القانون و انما بالوقت الذي يطبق فيه، ذلك أنه بين صدور القانون و تطبيقه العملي كثيرا ما تطرأ تعديلات في مواضع اخرى من القوانين قد تؤثر في النص المطلوب تفسيره.
الضوابط الخاصة: فهي الضبواط التي تنفرد بها النصوص القانونية العقابية عن غيرها من النصوص، يتعلق احدها بالتفسير الضيق للنص، و الثاني بحضر القياس.
التفسير الضيق للنص الجنائي:
يذهب اغلب الفقهاء الى القول بان تفسير النصوص الجنائية ينبغي ان يكون ضيقا، و يقول اخرون بانه ينبغي ان يكون ضيقا ضد مصلحة المتهم و واسعا لمصلحته، و حجتهم في ذلك معتمدة على مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات، ذلك انّ توسع القاضي في التفسير يهدر هذا المبدأ اذ يؤدي الى امتداد نطاق النص الجنائي بحيث يشمل افعالا لم يجرمها المشرع و لم يقرر من اجلها عقابا، و الذين يضيفون الى ذلك ان التفسير ينبغي ان يكون واسعا لمصلحة المتهم، يحتجون بأن هذا التوسع ليس من شانه خلق الجرائم او تقرير عقوبات( ).
و يرد على هذا القول، انه إن كان التجريم و العقاب يستند إلى قانون فإنه من غير المفهوم الحديث عن التفسير الضيق او الحرفي للقانون، فالقاضي عندما يفسر القانون فهو لا يعطي رأيه للشخصي لكنه يبحث عن المعنى الحقيقي للقانون و عن قيمته الحقيقة كما ارادها المشرع، هذا الى ان منهج التفسير الحرفي او الضيق للنص لا يجد تبريره الا في سياق العصر الذي نشا فيه حيث ظهرت المدرسة الكلاسيكية بزعامة الفقيه بيكاريا كرد فعل ضد تحكم النظام القديم و السلطة التحكمية للقضاة، لكن المبدأ في حد ذاته تنقصه الموضوعية، ذلك ان التفسير الضيق او الحرفي يفترض الدقة من جانب المشرع في التعبير عن ارادته، و هي امر غير موجود سواء من حيث الشكل او الموضوع، فالقانون قد ينطوي على عدم دقة في الصياغة و كثيرا ما تشوبه بعض المتناقضات الظاهرية و لا يمكن ان نطالب القاضي بأن يكون بوقا يردد هذه الاخطاء، فعليه ان يبحث عن ارادة واضع القانون من خلال كافة العبارات و الصيغ المستعملة في نصوصه المتكاملة للتعبير عن ارادته( ).
كما أنّ التعبير الضيق يجعل القانون قاصرا عن مواجهة الظروف الجديدة بل انه قد يجعله عاجزا عن حماية المجتمع في الظروف التي وضع فيها، إذ لا يعقل ان تنطوي عبارات النص على حصر او اشارة الى كل الحالات الضارة بالمجتمع، و في النهاية ينطوي التفسير الضيق على تغليب للألفاظ على نيّة المشرع. اما القول بأن التفسير ينبغي ان يكون واسعا لملصحة المتهم فغير دقيق كذلك، ذلك ان التوسع في التفسير ينبغي الا يكون هدفا في حد ذاته رغم ان التوسع في التفسير على هذا النحو ضار بالمجتمع لانه يعفي من العقاب شخصا قد يكون خطرا عليه ( ).
و دون الدخول في مناقشة اعمق لهذين الرايين، نرى بالتعويل على المنهج الغائي للتفسير و هو الذي يبحث عن الحكمة من النص او عن الغاية التي شرع النص من اجلها ثم الادلاء بتفسير يتكفل بتحقيق تلك الغاية، و لا عبرة بعد ذلك بما اذا كان يحقق مصلحة المتهم او لا يحققها، لان تفسير النصوص يجب ان يتسم بما تتسم به القاعدة القانونية بصفة عامة، و هي العمومية و التجريد و لا ينبغي ان تستحيل الى تفسير شخصي محدد ( ).
حظر القياس:
القياس وسيلة عملية تهدف الى استكمال ما يشوب القانون من نقص عن طريق ايجاد الحل لمسالة لم ينظمها القانون، وذلك عن طريق استعارة الحل الذي قرره القانون لمسألة مماثلة لها، وعلى هذا النحو فأن القياس ليس وسيلة لاستخلاص ارادة القانون في إطار الصيغة التي استعملها، بل يفترض ان القانون لم ينظم المسألة محل البحث ولم يقدم لها مباشرة الحل الواجب التطبيق ( ).
وإذا كان هذا هو مدلول القياس، واستنادا الى مبدا شرعية الجرائم والعقوبات يحظر القياس في مجال التجريم بمعنى عدم امتداد النص الجنائي للتطبيق على واقعة غير منصوص عليها فيه، لما ينطوي عليه ذلك من مساس بالحرية الفردية، ولو اتحدت العلة، اذ لو اراد المشرع مثل هذا الامتداد لوسعه ان يفعل ذلك بلا تردد.
و عليه يحظر على المفسر ايا كان ان يقيس فعلا غير منصوص على صفته الاثمة، على فعل اخر ورد الحديث عنه في نص تجريمي، لما بينهما من تطابق او تقارب او تشابه ( )، ففي جريمة النصب مثلا لا يجوز القول بتحقق ركنها المادي بوسيلة اخرى غير تلك التي ورد النص عليها في المادة 372 من قانون العقوبات و في جريمة خيانة الامانة لا يجوز اضافة عقد جديد خلافا لعقود الأمانة في نص المادة 376 من قانون العقوبات.
جواز القياس في غير نصوص التجريم:
يستند حظر القياس الى مبدا شرعية الجرائم و العقوبات بحيث لا يكون مجال لهذا المبدا لا يكون وجه لحضر القياس، و مجال هذا المبدا هو نصوص التجريم، اما اذا كان النص يقرر سببا للاباحة أو لامتناع المسؤولية او لامتناع العقاب فلا شان لهذا المبدا به، و لذلك كان الالتجاء الى القياس في تفسيرها جائزا و لا مساس في ذلك بحقوق المتهم لان القياس في تفسير النصوص يخرجه من دائرة العقاب و لا اضرار كذلك بالمجتمع لان المفسر لا ياخذ بالقياس الا حيث يقطع بان الاخذ به يطابق قصد الشارع( ).
و تطبيقا لذلك ساغ لدى الفقه و القضاء اعتبار الدفاع الشرعي سببا عاما للاباحة على الرغم من ان نصوصه تتحدث عن جريمتي القتل و الضرب – الايذاء البدني- فحسب طبقا لنص المادة:39 ق ع ج. و يرى بعض الفقه جواز القياس عند اعمال الظروف القانونية المخففة كحالة الزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا و يقتلها في الحال هي و من يشاركها الزنا ان يستطيل التخفيف الى كل من الاب و الابن و الاخ لاتحاد العلة و سكوت النص ( المادة 279 ق ع ج) عن ذلك الحكم ( ).
تفسير الشك لصالح المتهم:
كثيرا ما يلابس النص الجنائي غموض شديد بحيث يحتمل تفسيره تاويلات شتى، ففي هذه الحالة يحمل كل تأويل "شكا" في انه المعنى المقصود من الشارع، لهذا جرى العرف على القول بانه "عند الشك يفسر النص لصالح المتهم"، على انه من الواجب ملاحظة ان هذه القاعدة تعني ان الكشف عن قصد الشارع مستحيل، اما اذا كان صعبا فان هذا لا يعني ان نقطع سبيل البحث و نطبق النص و نحن لازلنا في مرحلة الشك، ان الشك الذي يفسر للصالح المتهم ليس هو الشك لدى المفسر -قاضيا كان او فقيها- في حقيقة المقصود بنص القانون، و انما الشك الذي يفسر لصالح المتهم هو الشك في نسبة الجريمة الى المتهم او نسبة ظرف من ظروفها المشددة اليه. أي يتعلق "بالوقائع" و مدى نسبتها الى المتهم فهذه الوقائع لكي يسال عنها و يصدر الحكم بالادانة فيها فان على القاضي ان يبني حكمه على اليقين لا الشك و بهذا يتقلص هذا المبدا الى مبدا من مبادىء الاثبات لا علاقة له بالتفسير( ).
الواقع أن إضفاء قاعدة تفسير الشك لمصلحة المتهم في مجال تفسير النصوص الجنائية، ينطوي على خطأ تاريخي وحطاً منطقي في آن معاً. فالمعروف تاريخياً أن هذه القاعدة لم تنشأ لتفسير النص، بل لتقدير دليل الإثبات؛ فهي قاعدة إجرائية لا موضوعية، والغاية منها تحقيق العدالة، ذلك أنه إذا كان الدليل غير قاطع في دلالته، بل كان يحتمل تفسيرين، أحدهما يدين المتهم والآخر يبرئه، فليس من الإنصاف تغليب الأول على الثاني؛ لأن الأصل في الإنسان البراءة. وهذا الأصل لا يزول بمجرد الشك، وإنما يزول باليقين وحده؛ ولهذا السبب ظهرت القاعدة القائلة بأن الشك يفسر في مصلحة المتهم، ويعبّرون عن ذلك بقولهم أنّ الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال يسقط به الاستدلال، وأما من الناحية التفسيرية فإن الرأي المخالف لا يستقيم مع طبيعة التفسير لا يعدو أن يكون استظهاراً لمضمون النص واستجلاءً لحقيقة المراد منه؛ فهويهدف الى تقصي حقيقة مضمونه، بصرف النظر عما قد يترتب على ذلك من نتائج تفيد المتهم او تضره، لان المشرع نفسه حين يضع نصوصه فهو لا يضع نص عينيه تحقيق مصلحة المتهم منها، بل ان التجريم و العقاب كليهما ضد مصلحة المتهم فلماذا افتراض ان المشرع يوجب على القاضي عنما يفسر النص المجرم حال غموضه ان يفسره بما يحقق نصلحة المتهم؟( ).



#لهوى_رابح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسئلة النَّظَرِيَّة الْعَامَّة لِلْجَرِيمَة
- المحاضرة الخامسة: تقسيمات الجريمة
- الضوابط الموضوعية للتفتيش المعلوماتي
- إِلَى أيِّ مَدَى تُشَّكِلُ مَحَارِمُ الشَّرْعِيَّةُ قَيْدًا ...
- مقدمات التفتيش الالكتروني 1 ضبط البيانات المخزنة لدى مزود ال ...
- مدلول فكرتي التفتيش و الضبط في البيئة الرقمية
- نحو ارساء ضوابط اجرائية للتقيش الجنائي الألكتروني - مقدمات ا ...
- مدخل الى قانون العقوبات
- ذاتية قانون العقوبات


المزيد.....




- فوضى ورياح شديدة.. شاهد ما حدث بمطار أمريكي جراء سحب غبار ضخ ...
- ماذا نعرف عن الجيش الوطني الموحد في السويداء؟
- برّاك يعلن أن لبنان سيقدم خطة لإقناع حزب الله بالتخلي عن سلا ...
- بارّاك من بعبدا: لا نريد حربًا أهلية في لبنان ومقترح نزع سلا ...
- كلمات برّاك تهز الصحفيين في قصر بعبدا: -كونوا حضاريين ولا تت ...
- كنائس غزة ترفض الإجلاء رغم التحذيرات بشأن الهجوم الإسرائيلي ...
- دراسة تكشف العلاقة بين الشرى المزمن والضعف الجنسي
- مونتانا يستمتع بعطلته رفقة الشيخة مهرة آل مكتوم في مراكش
- إيران تستأنف مفاوضاتها النووية مع كل من فرنسا وبريطانيا وألم ...
- إسرائيل قتلت نحو 18 ألف طفل منذ بداية الحرب في غزة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - تفسير النصوص الجنائية الموضوعية