أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - الضوابط الموضوعية للتفتيش المعلوماتي















المزيد.....



الضوابط الموضوعية للتفتيش المعلوماتي


لهوى رابح

الحوار المتمدن-العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 14:21
المحور: قضايا ثقافية
    




ضوابط التفتيش الجنائي المعلوماتي
التفتيش المعلوماتي اجراء قانوني يمس الحريات الشخصية و لذلك تحرص التشريعات على احاطته بقيود و ضمانات اساسية سعيا لتحقيق التوازن بين اعتبارات مصلحة الهيئة الاجتماعية في استيفاء حفها في العاقب و بين حوقو الافراد و حرياتهم و من هذا الضمات التي ينبغي توافرها لاجراء التفتيش ما هو موضوعي (مبحث أول) و منها ما هو شكلي ( مبحث ثاني)
المبحث الأول
الضوابط الموضوعية للتفتيش المعلوماتي
الاصل انه لا يوجد في القانون حق مطلق ، لذا فان حق الهيئة الاجتماعية في اللجوء التفتيش المعلوماتي اعمالا لحقها في الحفاظ على كيان المجتمع و ردع المجرمين، يظل مقيدا بجملة من الشروط التي تقيد استعماله و ترسم حدوده، فلا يجوز لها اعمال هذا الاجراء الخطير الا اذا قام السبب الذي يبرر المساس بالحريات الفردية ( مطلب أول)، و قصره على محل معين ( مطلب ثاني)
المطلب الأول : سبب التفتيش المعلوماتي
نعني بسبب التفتيش المعلوماتي " الواقعة المنشئة للسطلة في التفتيش" أي الواقعة التي تخول للمحقق الحق في ان يصدر امرا بالتفتيش ( )، سعيا للوصول للصول الى الدليل بقصد استظهار الحقيقة في جمية تحقق وقوعها ( فرع أول) و توافرت دلائل كافية على وجوده في مكان معين ( فرع ثاني)، و توجيه الاتهام لشخص بارتكاب هذه الجريمة(فرع ثالث)
الفرع الأول : التحقق الفعلي لجريمة من نوع جناية او جنحة
سبب التفتيش هو البحث عن الدليل المعلوماتي و استرجاعه، و هذا السبب لا ينشأ الا بعد وقوع الجريمة لذا يحضر التفتيش المعلوماتي لمجرد التحوط لجريمة مستقبلية (فقرة أولى) و ان تبلغ من الخطورة ما يسمح بالتعرض للحرية الشخصية (فقرة ثانية).
أولا)- الوقوع الفعلي للجريمة
لم يعتمد المشرع الجزائري قاعدة حظر التفتيش المعلوماتي في سياق التحوط من الجرائم المستقبلية بشكل مطلق (أ) بل أورد بعد الاستنثاءات توقيا من وقوع بعض الجرائم التي تهدد الامن الوطني (ب).
أ)- حظر التفتيش المعلوماتي في سياق التحوط لجريمة مستقبلية
من القواعد الاجرائية المهمة ان التحقيق لا يباشر الا بعد وقوع فعل يعد في نظر القانون جريمة، فلا يجوز الامر بالتفتيش لضبط ادلة في جريمة مستقبلية و لو قامت التحريات و الدلائل الجدية على انها ستقع بالفعل ( )، معنى ذلك أن الاذن بالتفتيش انما يصدر لضبط دليل جريمة تحقق وقوعها من مقارفها لا لضبط جريمة محتملة، و هو شرط يقتضينه المنطق السليم لان التفتيش من إجراءات التحقيق، الذي يسعى لغاية محددة و هي التوصل الى حقيقة الواقعة الاجرامية، و من غير المتصور القيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق قبل وقوع الجريمة.
و لما كان سبب التفتيش هو الحصول على الدليل في تحقيق قائم مع قيام القرائن على وجود ذلك الدليل لدى شخص معين او في مسكنه او أي محل اخر و فان تلك العلة هي التي تدفع السلطة المختصة الى اصدار قرارها بالتفتيش و مباشرته، و هذا المعنى تمليه القواعد العامة في القانون، و لاهمية هذا القيد في حمياة الحريات الفردية من كل تعسف راى المشرع ضرورة النص عليه صراحة في القانون، حيث تنص المادة 44 من قانون الاجراءات الجزائية على أنه "لا يجوز لضباط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين يظهر أنهم ساهموا في الجناية أو أنهم يحوزون أوراقا أو أشياء متعلقة بالأفعال الجنائية المرتكبة لإجراء تفتيش إلا بإذن مكتوب صادر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق مع وجوب الاستظهار بهذا الأمر قبل الدخول إلى المنزل والشروع في التفتيش" ، فعبارة "انهم ساهوا في الجريمة" تفيد تحقق الجريمة بتاريخ سابق عن اللجوء الى التفتيش، و هذه القاعدة عامة تنطبق على كافة صور التفتيش دون ان تقتصر على تفتيش المساكن، لان عموم النص لا يصح تخصيصه دون سند.
و يعد هذا الشرط بمثابة الشرط المفترض و الشرط الأولي و مرد ذلك الى ان الغاية النهائية من اصدار اذن التفتيش هي ضبط دليل او اكثر يؤكد او ينفي نسبة الجريمة الى الخاضع للتفتيش سواء كان لديه في شخصه او شخص غيره ، او في مسكن او مسكن غيره، فاذا لم تكن هناك جريمة على هذا النحو فلن تكون هناك حاجة الى اصدراه لانتفاء السبب، و يوصف هذا الشرط بكونه الشرط الاساسي بحكم دوره الهام في اصدار اذن التفتيش و صحته، بمعنى ان مفترضات بحث صحة اصدار الاذن و صحة الاجراءات السابقة على صدوره تبدا من هذا الشرط( ).
فاذا صدر امر بتفتيش مسكن لان التحريات دلّت على ان الشخص المقيم فيه سيحوز في اليوم الموالي مواد مخدرة عقد العزم على شرائها او انه سيتقاضى مبلغا على سبيل الرشوة فالأمر في الحالتين باطل و يبطل التفتيش ذاته و ما يتولد عنه من ادلة ( )، و هكذا يتضح لنا من تحليل مفهوم وقوع الجريمة على النحو المتقدم ان جوهر هذا الشرط يتمثل في التاكيد على عدم صحة اجراء التفتيش حتى و لو كان بموجب اذن قضائي متى كان ذلك بقصد الكشف عن جريمة غير معلوم ارتكابها للسطلة الامرة، و من ثم يفقد هذا الاجراء الغاية الأساسية لإقراره و التي تتمثل في اعتباره وسيلة جمع ادلة الاثبات في المواد الجنائية( ).
ب)- الاستثناء الواردة على قاعدة حظر التفتيش المعلوماتي لمنع وقوع الجريمة
قدمنا ان قاعدة وجوب التحقيق الفعلي للجريمة، كشرط مسبق لنشؤء حق الهيئة الاجتماعية في اللجوء الى التفتيش المعلوماتي يعتبر بمثابة خط دفاع اولي ضد أي انحراف او تسعف قد تقدمه عليه هذه الأخيرة ، لما ينطوي عليه هذا الاجراء من خطرة المساس بحرمة النظام المعلوماتي التي تتجاوز بكثير الحرمة المكرسة ليس فقط للمساكن بل تتعدى حرمة غرفة النوم أيضا، و بالرغم من ذلك الا ان المشرع الجزائري أهدر هذا الضمان الاجرائي الهام، بان أورد عديدا من الاستثناءات على هذا القاعدة .
واقع الامر انه بالرجوع الى نص المادة 5 من القانون 09/04 الذي يتضمن القواعد الخصاة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنلوجيا الإعلام و الاتصال و مكافحتها التي تحيلنا بدورها على المادة 4 من نفس القانون، نجد ان المشرع الجزائري يسمح باللجوء الى التفتيش المعلوماتي و لو لم يتححق الوقوع الفعلي للجريمة في حالتين، أولا "للوقاية من الافعال الموصوفة بجرائم الارهاب او التخريب او الجرائم الماسة بامن الدولة"، و ثانيا، " في حالة توفر معلومات عن احتمال اعتداء على منظومة معلوماتية على نحو يهدد النظام العام او الدفاع الوطني او مؤسسات الدولة او الاقتصاد الوطني"، مما مقتضاه انه اجاز التفتيش المعلوماتي لتوقي خطر جريمة يحتمل وقوعها في المستقبل.و في اعتقادنا فان هذا النص مخالف لمادئن هامين في القانون ، مبدا افرتض البراءة و مبدا وضوح النص الجنائي .
1 ) مخالفة مبدا افتراض البراءة
ان التسامح الملحوظ من طرف المشرع الجزائري بخصوص الاستثناءات التي اورها على قاعدة حظر التفتيش لاكتشاف الجريمة و منع وقوعها، يعد مساسا خطيرا بضمانات دستورية و يتنافى بشكل صارخ مع مبدأ افتراض البراءة، لان الغاية من التفتيش قضائية و هي البحث عن الأدلة، مما يستلزم تمييزها عن الأغراض الإدارية و او البوليسية، و من اهم الأغراض ذات الطابع الإداري او البوليسي التي قد تختلط مع هذه الغاية القضائية، هو البحث عن الجرائم لكشفها و منع وقوعها او منع تمامها، فصيانة الامن بمنع وقوع الجريمة غاية جليلة و غرض نبيل، لكنها ليست غرضا قضائيا و لذلك فمهما يكن من نبل هذا الهدف و سموه، فانه لا يجوز اجراء التفتيش لتحقيقه( )، "فالاحتياط لمنع ارتكاب الجرائم هو عمل من اعمال الضبطية الادارية و لا يبرر القانون اتخاذه اساسا للاذن بالتفتيش"( ).
فالأصل ان عمل السلطة القضائية لا يبدا الا بعد تحقق الجريمة و ليس قبل ذلك، اذ ان وقوع الجريمة هو الذي يشكل الحد الفاصل بين الاجراءات القضائية بما فيها التفتيش و الاجراءات الادارية المشابهة لها و التي لا يجوز ان تصل الى فرض اجراءات مقيدة لحريات الافراد، لذا نرى ان التفتيش الجنائي المعلوماتي لتوقي خطر وقوع جريمة محتملة وجب اعتباره غير مشروع، فالمشرع بمقتضى هذا النص استبدل المبدأ الطبيعي المعبر عنه بمبدا افتراض البراءة بقرينة الادانة La Présomption De Culpabilité، لان الغرض من اجراء التفتيش في هذه الحالة لم يكن لغاية جمع الأدلة المعلوماتية بل لمنع حدوث جريمة محتمل وقوعها مستقبلا.
و لا معنى لأصل البراءة – الذي يشكل سياجا لحماية الحرية الشخصية في مواجهة كل اجراء تتخذه السلطة و في أي مرحلة من المراحل الاجرائية للإثبات الجنائي - اذا اجيز تفتيش النظم المعلوماتية لفرد من افراد الهيئة الاجتماعية لمجرد احتمال وقوع جريمة في المستقبل( ). ذلك أن اصل البراءة ليس الا تأكيدا للأصل العام و هو حرية المتهم، مما يترتب عليه ضرورة حماية جميع الحقوق و الحريات و التي بغيريها يفقد اصل البراءة معناه، فالحرية لا يمكن ان ترتفع من خلال انتهاكات للحقوق و الحريات التي تكون معها وحدة متكاملة هي كرامة الانسان ( ).
لذا ان المحكمة الأوروبيةالأوروبية رات ان "المجتمعات الديمقراطية اليوم مهددة بأشكال بالغة التعقيد من التجسس والإرهاب، حتى تتمكن الدولة من مكافحة هذه التهديدات بفعالية، ومراقبة العناصر الهدامة التي تعمل على أراضيها سراً". ولذلك فإن "وجود أحكام تشريعية تمنح سلطات للمراقبة السرية للمراسلات والبنود البريدية والاتصالات السلكية واللاسلكية هو، في مواجهة وضع استثنائي، أمر ضروري في مجتمع ديمقراطي، والأمن الوطني و إنفاذ القانون، ومنع الجرائم الجنائية « ( ) فقصرت إجازة اللجوء الى الوسائل القصرية ( المراقبة الاكترونية) للتحوط من الجرائم الاراهبية و في الأوضاع الاستثنائية فحسب ، و ذلك الذي يقودنا الى الضمان الثاني الذي اهدره المشرع الجزائري .
2)- مخالفة مبدا وضوح النص الجنائي الاجرائي.
لا تتوقف مستلزمات الشرعية الإجرائية أن يكون القانون مصدرا لقواعد الإجراءات الجزائية فحسب، بل أن يكون دقيقاً بما يكفي لتمكين الشخص المتأثر من تنظيم تصرفاته، مع تبصُّر الآثار التي يمكن أن تترتب عن عمل معين( ). ويجب أن تضمن الدولة أن أي تدخل في الحق في الخصوصية أو العائلة أو السكن أو المراسلات جائز بموجب قوانين (أ) يمكن أن يصل إليها عامة الجمهور؛ (ب) تتضمن أحكاماً تضمن أن عمليات جمع البيانات والوصول إليها واستخدامها مصممة لأهداف مشروعة محددة؛ (ج) دقيقة بما يكفي وتحدد بالتفصيل الظروف الدقيقة التي يمكن السماح فيها بأي تدخل من هذا النوع، وإجراءات إصدار الإذن، وإجراءات استخدام البيانات المجموعة وتخزينها؛ (د) تنص على ضمانات فعالة ضد التجاوزات( ).
و بالعودة الى النص المادة 5 فانه تخالف هذه المعايير التي استرقت عليها سوابق المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان ، بل انها روح االاحكام الدستورية التي ترعى الحق في الخصوصية ، فهي تنطوي على غموض و لبس، ان نصت على جاوز اللجوء الى التفتيش المعلوماتي " للقاية من الافعال الموصوفة بجرائم الارهاب او التخريب او الجرائم الماسة بامن الدولة.. في حالة توفر معلومات عن احتمال اعتداء على منظومة معلوماتية على نحو يهدد النظام العام او الدفاع الوطني او مؤسسات الدولة او الاقتصاد الوطني.." و هذه الصياغة التشرعية تمنح للقائم بالتفتيش سلطات تقيدرية واسعة في تفسيرها للقانون، فاستمعل المشرع عبارة النظام العام و هي اشد العبارت غمومضا في القانون حتى قيل إن "النظام العام يستمد عظمته من ذلك الغموض الذي يحيط به، فمن مظاهر سموه أنه ظل متعاليا على كل الجهود التي بذلها الفقهاء لتعريفه ".
لذا كان الأولى بالمشرع عند تنظيمه لهذه الاجراء الخطير خاصة في الأحوال التي أجاز فيها الجوء اليه في سياق منع وقوع الجرائم ان يكون حريصا على دقة القاعدة الإجرائية فيحدد بوضوح الحالات التي يجوز فيها تقييد الحق في الخصوصية بهذا الشكل الخطير، على نحو يغلق باب التأويل و التفسير الموسع بالاحالة مباشرة على نصوص المواد المحددة في قانون العقوبات، فالتقييد الوارد في المادة 4 من القانون 09/04 يجرد فعلا الحق في الخصوصية من معناه.
و اذا كان من حسن حظ الافراد و حرياتهم ان القواعد التقليدية للتفتيش المادي تعتبر ان هذا الاجراء قيد مقرر على حقوق الافراد لمصلحة العدالة و القضاء وحده و لا يجوز استعماله الا لمصلحة الاثبات الجنائي الذي لا يشرع في اجراءاته الا بعد وقوع الجريمة و اكتشافها فعلا ، فان السؤال الذي يفرض نفسه هنا كيف يمكن المحافظة على هذا المبدأ الاجرائي العتيد حال اللجوء الى التفتيش المعلوماتي في الاحوال التي يقتضي فيها تنفيذه وجوب المرور بالخطوة الأولى و هي مرحلة "التفتيش المادي" لمسكن المتهم او شخصه، للتفتيش اولا عن اجهزة التخزين الرقمية لإخضاعها للتفتيش المعلوماتي لاحقا؟ فهل يعتبر التفتيش المعلوماتي وفقا لأحكام المادة 5 من القانون 09/04، باسقاط شرط تحقق الجريمة لمباشرته يسمح بالتعرض لحريته و لحرمة مسكنه في سبيل كشف مبلغ اتصاله بجريمة لم تقع بعد ؟ ام ان التفتيش وفقا لهذا الوضع قاصر فقط على التفتيش المعلوماتي الذي يجري خارج حدود مسكن المتهم؟
ان هذا النص القانوني لم يجب بشكل صريح على التساؤل المطروح و قد جاء فيه " يجوز للسطات القضائية المختصة و كذا ضباط الشرطة القضائية في اطار قانون الإجراءات الجزائية و في الحالات المنصوص عليها في المادة 4 اعلاه الدخول بغرض التفتيش و لو عن بعد..."، و المستفاد من هذا النص ان المشرع استوجب حال مباشرة التفتيش المعلوماتي وجوب التقيد بالضمانات الاجرائية التي يخضع لها التفتيش بشكل عام و المحددة في قانون الإجراءات الجزائية، مما مقتضاه انه لا يجوز الاذن او الامر بإجراء التفتيش الجنائي المعلوماتي لمنع وقوع الجرائم السابق بيانها اذا ما استلزم تنفيذه اجراء تفتيش مادي لمكسن المتهم او غيره، سعيا لحصر نطاق التفتيش في مجال محدود تقتضينه مصلحة المجتمع و لخطورته لم يجزه المشرع في تفتيش المساكن الا حين وقوع الجريمة و تكشف معالمها.
و بمفهوم المخالفة فانه يجوز اجراء التفتيش المعلوماتي في الحالة التي يكون فيه الشخص محلا للتفتيش المادي الاولي و ايضا في حالة التفتيش المعلوماتي بعد الحصول على البينات عن طريق مزود الخدمة، أي في جميع الحالات الاخرى التي لا يتطلب فيها التفتيش المعلوماتي انتهاك حرمة المسكن، و نحن نعارض مسلك المشرع لاننا نرى انه لا يوجد أي اساس سواء في قانون الاجراءات الجزائية او القانون 09/04 او غيرهما من القوانين، بمقتضاه يعتبر تفتيش المعلومات او تفتيش الشخص اقل خطورة من تفتيش المسكن، لان حرمة المسكن في الحقيقة ليست الا وجها من اوجه حماية حرمة الاشخاص و حماية المعلومات ليست سوى مظهرا عاما لحماية الحق في الحرمة كحق طغى على باقي الحقوق بالنظر الى المجتمع المعاصر الذي يفضل أفراده دفن اسرارهم و تفاصيل حياتهم الشخصية ضمن الاوعية المعلوماتية لذا يصبح من العبث الحديث عن الحريات الفردية بقصرها على حرمة المسكن طالما لم تشمل هذه الحماية حرمة المعلومات.
ففي نظرنا فان أمن الفرد في نظامه المعلوماتي من اقوى مظاهر الحماية الاجتماعية التي يجب ان تكفل له، لذا يشترط لتفتيشها اعتماد ذات القواعد و القيود التي تحكم تفتيش المساكن، بل ينغي التشدد فيها، فكان على المشرع ان يحوط النظام المعلوماتي بالعناية الاوفى باعتباره المستودع الطبيعي الذي يغلب ان يحفظ الانسان فيه سره.
و يمكن ان نخلص مما تقدم الى ان السبب التشريعي لإقرار حق سلطة التحقيق في التفتيش المعلوماتي هو الحصول على دليل في جريمة تحقق وقوعها و اجازة اللجوء الى هذه الوسيلة القصرية لمجرد احتمال وقع الجرائم بدون تحديدها يعتبر في نظرنا نوعا من التعدي و الافتئات على حقوق الافراد و حرمة معلوماتهم و مخالف لبدا التناسب و الضرورة ، مما يتطلب مراجعة هذا النص الاجرائي في ضوء الانتفادات الموجة اليه.
ثانيا) يجب ان تكون الجريمة جناية او جنحة
باعتبار ان التفتيش المعلوماتي يمثل انتهاكا خطيرا للحق في الخصوصية فانه كان لزاما أن تتميز الجريمة التي يقدر اللجوء إليه بخطورة معينة كي يمكن الاستعانة بمثل هذا الإجراء الاستثنائي، بحصر نطاق التفتيش في الجنايات و الجنح، اما المخالفات فليس في وقوعها ما يبرر مباشرة التفتيش لأنها ليست من الأهمية بالقدر الذي يسمح بالتعرض للحرية الشخصية أو إنتهاك لمسكن، و هذا الاستبعاد قد يكون صراحة مثل قانون الاجراءات الجنائية المصري ( )، و قد يرد النص عليه ضمنا كما هو حاصل في التشريع الفرنسي( ).
اما المشرع الجزائري فقد اجاز اللجوء الى التفتيش المادي في جميع الجرائم بما فيها المخالفات و ايا كان نوع عقوبتها حتى و لو كانت الغرامة و قد جاءت العبارة عامة حسب المادة 79 من قانون الاجراءات الجزائية التي نصت " و يجوز لقاضي التحقيق الانتقال إلى أماكن وقوع الجرائم لإجراء جميع المعاينات اللازمة أو للقيام بتفتيشها. و يخطر بذلك وكيل الجمهورية الذي له الحق في مرافقته. ويستعين قاضي التحقيق دائما بكاتب التحقيق ويحرر محضرا بما يقوم به من إجراءات" فهي لم تسبغ تكييفا معيناً على الجريمة الواقعة." .
و هذه النتيجة تثير لدينا تساؤلا فيما اذا كان جواز اللجوء الى التفتيش المعلوماتي قاصرا فقط على التحقيق في الجرائم المعلوماتية ام يشمل جميع الجرائم بدون استثناء؟
اجاب المشرع الجزائري على هذا التساؤل بشكل مباشر و صريح ضمن المادة الثالثة من القانون رقم 09-04 المتضمن القواعد الخاصة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الإتصال و مكافحتها. و التي وردت عامة تحت عنوان "مجال التطبيق" جاء فيها " مع مراعاة الاحكام القانونية التي تضمن سرية المراسلات و الاتصالات يمكن لمقتضيات حماية النظام لعام او لمستلزمات التحريات او التحقيقات القضائية الجارية، وفقا للقواعد المنصوص عليها في قانون الاجراءات الجزائية و في هذا القانون، وضع ترتيبات تقنية لمراقبة الاتصالات الإلكترونية و تجميع و تسجيل محتواها في حينها و القيام بإجراءات التفتيش و الحجز داخل منظومة معلوماتية".
و يستمد من هذه النص ان المشرع لم يحصر مجال اعمال هذا الاجراء ضمن دائرة الجرائم المعلوماتية فحسب، بل ان نطاقه يمشل جميع الجرائم تقليدية كانت ام معلوماتية على حد سواء، فالموضع الذي تخيره المشرع للنص على حالات اللجوء الى التفتيش المعلوماتي جاء عاما في صورة قاطعة، و ذلك على خلاف حالات اللجوء التفتيش المعلوماتي لمنع وقوع الجرائم الذي لا يجوز لسلطة التحقيق اللجوء اليه الا في الحالات الاستثنائية المعدّدة ضمن نص المادة 04 من نفس القانون.
على ان الملاحظ في هذا الصدد ان المشرع اشار ضمن المادة الثانية من هذا القانون الى المقصود بالجرائم المتصلة بتكنولوجيات الاعلام و الاتصال - و التي يفترض ان يكون هذا القانون قد استهدف الوقاية منها و مكافحتها- على انها " جرائم المساس بأنظمة المعالجة الالية للمعطيات المحددة في قانون العقوبات و أي جريمة اخرى ترتكب او يسهل ارتكابها عن طريق منظومة معلوماتية او نظام للاتصالات الإلكترونية"( )، و و مؤدى ذلك أنه يخرج من نطاق التطبيق الجرائم التي لا يعتمد في ارتكباها على نظم المعلومات و في ذلك ما تناقض صارح بين المادة 02 و المادة 3 من نفس القانون، فعموم نص المادة3 لا يصح تخصيصه بالمادة 02 و دليل نا فيذلك ان التحديد الجغرافي لموقع المتهم بتاريخ ارتكاب الجريمة يعتبر من بين اهم الأدلة المعلوماتية التي لا تنقطع المحكام في الاستناد اليه في الجرائم الخطيرة كالتقل و الحريق و السرقة، دون ان يكون الجاني قد لجا الى استخدام النظام المعلوماتي في تحقيق فعله الجرمي نهائيا و من ثم فانه لم يعد من سائغ للابقاء على الفقرة (أ) من المادة الثانية لانها تشكلها وجها من اوجه التضخم التشريعي فليس هناك اي فائدة ترجى من هذا التعريف لان المشرع ذاته لم يعتمده في ما ارساه من احكام اجرائية يفترض ان ترتبط بالجريمة المعرّفة فحسب، لذا يتعين حذفها توخيا من تعارض النصوص القانونية ( ) .
و هذا النهج المتساهل الذي سلكه المشرع الجزائري بخصوص مجال تطبيق التفتيش الجنائي المعلوماتي يدفعنا الى طرح تساؤل فيما اذا كان هذا الاخير قد راعي مبدا التناسب بين مصلحة الهيئة الاجتماعية في اتخاذ هذا التدبير و بين مصلحة الفرد في الخصوصية بحصر نطاق تفتيش محتوى الاتصال في الجرائم الخطيرة فقط ؟
لا مراء في ان جميع فئات البيانات المعلوماتية سواء بينات المرور او بيانات المحتوى او بيانات المشتركين هي بيانات ذات طابع شخصي، غير ان درجة ارتباطها بالخصوصية تختلف من فئة لأخرى و تشكل فئة بيانات المحتوى الفئة الاكثر التصاقا بالحق في الخصوصية مقارنة بغيرها من البيانات، بحيث يجب أن يخضع تفتيشها لمتطلبات أكثر صرامة، بحيث يفرض مبدا التناسب عدم اللجوء الى تفتيش بيانات المحتوى الا اذا بلغت الجريمة قدرا من الخطورة تبرر انتهاك حرمتها، على نحن يقيم توازنا بين فاعلية العدالة الجنائية و ضمان الحرية الشخصية، و يبدو ان المشرع الجزائي لم يراعي مبدا التناسب بين هذه الوسيلة الاجرائية و غايتها اذ يتيح لسلطة التحقيق تفتيش بيانات المحتوى أيا كانت ضآلة الجريمة من حيث درجة خطورتها على الهيئة الاجتماعية، و ليس في القانون ما يعالج هذا المسالة فهي تخضع للقاعدة العامة المنصوص عليها بالمادة 5 من القانون 09-04 ، و في ذلك ميل واضح نحو اعتبارات الفعالية على حساب الشرعية و ان ان هذا الموقف يلقى تاييدا لدى الفقه ( ).
الفرع الثاني: اتهام شخص بارتكاب جريمة أو الإشتراك فيها
و هذا الشرط يتصل كذلك بكييف التفتيش بانه " عمل تحقيق" و يقتضي ذلك ان يجري في نطاق تحقيق حتى يتخذ موضعه فيه( )، لهذا يشترط لقيام سبب التفتيش المعلوماتي الى جانب تحقق وقوع جريمة معينة، ان تتوفر في حق المراد تفتيش نظمه المعلوماتية دلائل كافية تؤدي إلى الإعتقاد بأنه قد أسهم في ارتكاب جريمة بصفته فاعلا أو شريكا( ) و لا يكفي أن توجه التهمة إلى أي شخص معين، بل يجب يكون الاتهام جديا و قامت من الدلائل ما يكفي لانتهاك حق الخصوصية لديه( ) و هذا الشرط مستفاد ضمنا من نص المادة 79 من قانون الإجراءات الجزائية التي وردت في باب " جهات التحقيق"، و معنى ذلك انه لا يجوز اللجوء الى التفتيش بشكل عام سواء كان مادي او معلوماتي الا في تحقيق مفتوح.
اما التشريع المصري فنجده كان يسلك نفس ملك التشريع الجزائري بصريح نص المادة 91 من قانون الإجراءات الجزائية التي تقرر بان "تفتيش المنازل عمل من اعمال التحقيق لا يجوز الالتجاء الى التفتيش الا في تحقيق مفتوح" ، مما يعني انه يجب ان يكون التحقيق قد بدا و اتخذت بعض اجراءاته قبل الامر بالتفتيش، و لكن القضاء قد فسر هذا الشرط تفسيرا ضيّق من نطاقه ( ) ، فاجاز لصحة مباشرة اجراءات التفتيش ان يفتح التحقيق و لو باتخاذ اجراء واحد يسبق الامر به، ثم لجا المشرع المصري الى الغاء هذا الشرط استجالة لاعتبارات عميلة( ).
و لا يتصور التخلي عن هذا القيد الاجرائي في التشريع الجزائري لكون قضاء التحقيق هو الجهة الوحيدة المخولة بذلك، و هذا لا يمنع من اعتبار الامر بالتفتيش في حد ذاته فتحا للتحقيق بغية المسارعة في تنفيذ التفتيش منعا من حذف الدليل المعلوماتي او تعديله بفعل التراخي في التنفيذ.
ثالثا: توافر الدلائل الكافية
الدلائل الكافية شرط ظروري لاتخاذ أي اجراء يتمضن مساسا بحرمة النظام المعلوماتي او اي اجراء اخر ينطوي على انتهاك للحريات الفردية و هي بمثابة شرط وقائي يقي الفرد من الوقوع ضحية اجراء تعسفي ، و لذلك لا يجوز الالتجاء اليه الا اذا وجد ما يبرره ، و الذي يبرر انتهاك حرمة النظام المعلوماتي في نظر المشرع هو وجود قرائن جدية على ضرورة التفتيش لصالح الاثبات الجنائي المعلوماتي لتبرير مشروعية التفتيش فالرابطة الإجرائية التي تتقرر بمجرد الاتهام، انما تعني في حقيقتها وجود طرفين هما: المتهم و النيابة، و لكل منهما حقوق و عليه واجبات، فلا يجوز بالتالي اعتبار المتهم عبدا ذليلا للنيابة تفعل به ما تشاء دون شرط او قيد ، فلا يصح بقاؤها حرة طليقة تجاهه، بكل ما لديها من سلطات، و انما لا بد من تقييدها في حدود القانون( )، و هو ما يؤسس لعدم جواز اتخذ اجراء جنائي يقيد الحرية الفردية الا بوجوب توافر دلائل كافية من شانها ان تبرر اتخاذه.
و مفهوم كافية الدلائل، مفهوم غير منضبط فهو يتيح المجال لممارسة الجهة المختصة سلطاتها بموجب قانون الإجراءات الجزائية بشكل تحكمي الامر الذي يدعو الى تعسف السلطة، حتى لقد ذهب البعض الى وصف مفهوم الدلائل الكافية بانه مفهوم غير محدد الامر الذي يجعله قاصرا عن تحقيق الغاية منها، كما وصف مفهوم الدلائل الكافية بانه فكرة مرنة تستعصي على التحديد المجرد مقدما، فهي امر نسبي تختلف باختلاف الجرائم كما تختلف باختلاف الزمان و المكان ، الا انه و لما كانت روح القانون و اعتبارات العدالة تتأبي على كل ما هو تحكمي و غير منبظ كان لزاما البحث في مدى إمكانية و ضع معايير موضوعية تضبط – قدر الإمكان- مثل هذه السلطة التقديرية ( ) بوزن مدى كفاية الأدلة لاتخاذ الاجراء التفتيش المعلوماتي .
عموما يقصد بالدلائل الكافية، العلامات الخارجية أو الشبهات المعقولة، دون ضرورة التعمق في تمحيصها، وتغليب وجوه الرأي فيها، أو هي أمارات معينة تستند إلى العقل، وتبدأ من ظروف أو وقائع يستنتج منها الفعل، توحي للوهلة الأولى بأن جريمة ما قد وقعت، وان شخصاً معيناً هو مرتكبها( )و ليس معنى اشتراط وجود قرائن تبرر التفتيش المعلوماتي ان تتوافر ادلة قاطعة على وجود ما يفيد التحقيق في المحل المراد تفتيشه بل يكفي لذلك وجود دلائل جدية، فهي قرائن ضعيفة، قد لا تصلح وحدها سببا للادانة فهي ذلك القدر الضئيل المبني على احتمال معقول تؤيده الظروف التي تكفي للاعتقاد بارتكاب جريمة و لكنها تبرر اتخاذ بعض الاجراءات الماسة بالحرية الفردية ضمانا لحسن سير العدالة ( ).
و من البديهي ان السبب يسبق المسبب، فالقرائن المبررة للتفتيش المعلوماتي باعتبارها سببا له يجب ان يتكون سابقة عليه، فوجود القرائن المبررة للتفتيش يجب الحكم عليه قبل بدء التفتيش و لا يجوز ان يكون لنتيجة التفتيش النهائية أي اثر في ذلك، فاذا اسفر التفتيش عن عدم وجود أي شيء فلا يكفي ذلك للقول فانه قبل اجرائه لم تكن توجد دلائل جدية تبرر التفتيش و على العكس من ذلك يكون التفتيش باطلا اذ لم يكن للمحقق وقت اجرائه قد حصل فعلا على قرائن تبرره و لا يمنع هذا البطلان ان يسفر التفتيش فعلا عن وجود أشياء تفيد التحقيق فنتيجة التفتيش لا يجوز ان تتدخل في تقدير وجود الأسباب له او عدم وجودها"( ).
واقع الامر ان المشرع الجزائري لم يورد نصا صريحا على ضرورة وجود قرائن كافية لمشروعية التفتيش سواء التفتيش الماي او المعلوماتي و لكن هذا الشرط مستوحى في اعتقادنا من نص المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية التي قررت بانه "لا يجوز لضباط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين يظهر أنهم ساهموا في الجناية أو أنهم يحوزون أوراقا أو أشياء متعلقة بالأفعال الجنائية المرتكبة لإجراء تفتيش ..." ، اذ تفيد عبارة " يظهر ...انهم يحوزن" على ضرورة قيام قرائن كافية تتحقق الاعتقاد المنطقي بوجود ما يفيد اظهار الحقيقة في المكان او الشيء المراد إخضاعه للتفتيش، و ان كان المشرع قد اشترط ضرورة توافر امرات قوية على إخفاء او حيازة أشياء تفيد في كشف الحقيقة لمشروعية التفتيش في حالة التلبس ، فانه من البديهي و من باب أولى ضرورة قيام هذا الشرط في الأحوال العادية ( ).
اما التشريع الامريكي فانه اولى اهتماما بالغا لهذا الضباط الاجرائي اذ اصبغ عليه طابعا دستوريا، كما يقطع بذلك التعديل الدستوري الرابع بقوله "لا يجوز المساس بحق الافراد في ان يكونوا امنين في اشخاصهم و منازلهم و مستنداتهم و مقتنياتهم ضد عمليات التفتيش و الضبط غير المعقولة ، و لا يجوز اصدار اذن بهذا الخصوص الا على أساس وجود سبب معقول مدعوم بالقسم او التوكيد بحيث يصف هذا الاذن بدقة المكان المقصود تفتيشه و الأفراد و الأشياء المراد ضبطها "( ).
و قد عبر عنه بمصطلح السبب الراجح او السبب المعقولProbale Cause و الذي استهدف من خلاله توفير حماية للافراد ضد التفتيش التعسفي او ذاك الذي لا يوجد له مبرر، اذ ان المشرع الدستوري قيد صدور الاذن بالتفتيش المعلوماتي بوجود او ظهور السبب الراجح و الذي يدعو للاعتقاد بان مبررات اصدار الاذن موجودة و مع ذلك لم يتعرض هذا المشرع لتفسير و تحديد مفهوم السبب الراجح على الرغم من وضع هذا القيد على سلطة اصدار الاذن بوجود مثل هذا السبب، و مع ذلك فان التحليل الدقيق لصياغة هذا التعديل يمكن ان يفسر هذا المصطلح على اعتبار انه باشتراط ان يكون له وجود فان ذلك يعني الإشارة الى أفعال او وقائع واضحة و ظاهرة و موثوق بها او يعول عليها بحيث يتولد عنها الاعتقاد المنطقي بان الجريمة قد تم ارتكابها و هو ما يمثل الشرط المفترض و الذي يتعين ان يتحقق في المرحلة السابقة عن صدور الاذن ( ).
و من الأهمية التقرير بان تطلب السبب المعقول لا يلزم أعضاء السلطة الإجرائية بان يكونوا من ذوي البصيرة و الادراك لتحديد شكل الدليل او الشيء المجرم الذي سوف يتواجد في المكان المراد تفتيشه فعلى سبيل الثمال لا يحتاج أعضاء الضبطية القضائية الى سبب معقول ليعتقدوا بان الدليل المقصود بالبحث سوف يكون موجودا في شكل معلومات على الحاسوب و بالمثال فهم لا يحتاجون الى معرفة أي انتهاك للقانون سوف يكشف عنه الدليل كما انهم في غير حاجة الى معرفة من الذي يملك الشيء المطلوب ضبطه و تفتيشه ذ يتطلب معيار السبب المعقول بساطة من الضبطية القضائية إقامة احتمال معقول يدل على ان الشيء المجرم او دليل الجريمة يتواجد في المكان المعين المراد تفتتيشه( ).
و من بين اهم التحديات السبب المعقول التي تواجه التفتيش المعلوماتي تظهر غالبا عندما يكون الدليل المدعوم بالافادة الخطية مأخوذا بكثرة من سجلات حساب معين على الانترنت internet account او بروتوكول internet protocol IP انترنت و المشكلة هنا هي مشكلة عملية بشكل عام و الحقيقة انه اذا كان هناك حساب ما او عنوانا ما قد تم استخدامه فانه لا تتحدد بشكل نهائي هوية او موقع الشخص المعين الذي استخدمه و نتيجة لذلك فان الإفادة الخطية المبنية بشكل كبير على حساب او عنوان بروتوكول انتنرنت يجب ان تبرر الصلة الكافية بين العنوان و المكان المراد تفتيشه ( ).
و تقدير الدلائل و مبلغ كفايتها يكون بداءة للضبطية القضائية على ان يكون تقديره هذا خاضعا لرقابة سلطة التحقيق، تحت اشراف محكمة الموضوع ( )، و يترتب على اغفال هذا الشرط بطلان التفتيش و لو اسفر التفتيش فعلا عن الدليل المستهدف ( (، فشرط وجود سبب التفتيش مسالة قانوينة من اختصاص محكمة العليا الاشراف عليها تما كفاية السبب او بعابرة ادق تقدير قيمة الفرائن التي استند اليها المحقق في القول بان هنا جريمة و ان اجراء التفتيش ظروري للتحقيق فيها فهي مسالة من اختصاص محكمة الموضوع وحدها و لا تجوز المجادلة فيها امام محكمة النقض( ) .
في الحقيقة فان هذا الضمان الذي يفترض به ان يشكل سياجا يقي الافراد من الوقوع ضحايا لتفتيش معلوماتي قد يكون تعسفيا، قد عجز القانون و القضاء و الفقه الى غاية اليوم عن ايجاد معيار ثابت يهتدي به لتحديد مدى تحققه لمشروعية التفتيش من عدمه، فبقي خاضعا للسلطة التقديرية لقاضي التحقيق، دون تحديد دقيق لضوابطه، مما يجعله قاصرا أحياناً عن تحقيق الغاية منه، خاصة في الاحوال التي يتم فيها تنفيذ التفتيش و يؤول فيه الى عدم الجدوى، اذ تصبح الرقابة القضائية اللاحقة بدون فادئة ترجى منها بعد تحقق الانهاك الفعلي لحق الفرد في خصوصيته دون وجود مبرر مسبق يدعو الى اتخاذ هذا التدبير.
غير ان القيمة الفعلية لهذا الضباط الاجرائي تتحقق من جانب اخر و هي ضمان عدم تجاوز الغاية من التفتيش المعلوماتي، فطالما ان التفتيش قد اجيز لضرورة التحقيق فان يكون محدودا بحدود الضرورة التي بررته و هي كشف الحقيقة في جريمة معينة و استهداف هذه الغاية هو علة مشروعية التفتيش المعلوماتي و هو اهم ضمان تقوم عليه نظرية التفتيش، و ذلك منعا من امتداد التفتيش المعلوماتي الى محل اخر يتجاوز حدود سبب التفتيش، و هو ما يحلينا الى معالجة الركن الجوهري الثاني و هو التحديد الدقيق لمحل التفتيش المعلوماتي .
المطلب الثاني: المحل
محل التفتيش هو المستودع الذي يحفظ فيه الفرد اسرراه، و حماية لهذه الحرمة يوجب القانون ان يكون محلالتفتيش محددا منعا من التفتيش الاسشتكافي ( فرع أول) و ان يكون هذا المحل مما يجوز تفتيشه ( فرع ثاني)
الفرع الأول: المقصود محل التفتيش المعلوماتي
يثور التساؤل في ضوء هذا الضابط الاجرائي عن "الشيء" الذي يقتضي لصحة الإذن أن يحدده "محلا للتفتيش"؟ هل يحدد "أجهزة التخزين الرقمية" المراد ضبطها في مرحلة التفتيش المادي؟ أم " المعلومات" المراد استردادها في مرحلة التفتيش المعلوماتي؟ و إذا كان القانون يشترط لزوم تحديد مكان التفتيش فهل المقصود هنا تحديد مكان الأجهزة المادية أم مكان البيانات من مساحة التخزين الرقمية ؟ و الإجابة على ذلك تقضي التطرق إلى المقصود بمحل التفتيش ( فقرة أولى)، و بيان اشكليات هذا المفهوم في البيئة الرقمية ( فقرة ثانية).
أولا): مفهوم محل التفتيش
ان القانون اذ اجاز انتهاك الحرمة لمصلحة التحقيق فانما يجيز ذلك بالنسبة لمحل معين و محدد و تعيين محل التفتيش معناه وجود رابطة محددة بين التفتيش و غايته و بين المحل الذي يراد اجرؤاه فيه، فالقرائن التي تدل على ان هناك اشياء تفيد التحقيق لا تكفي لتبرير التفتيش الا اذا حددت المحل الذي ترجح وجود هذه الاشياء فيه و متى تحدد هذا المحل جاز تفتيشه( ) و معنى ما تقدم ان التفتيش العام يعتبر غير مشروع ،يترتب عنه البطلان التفتيش و ما اسفر عنه ( )
و قد ذهب البعض الى انه اذا لم يؤد التفتيش "الخاص" الى نتيجة ما، استطاع المحقق ان يأمر بتفتيش عام في جميع منازل حي معين او جهة معينة و ظاهر ان هذا القول لا يتفق مع المقصود من التفتيش فالتفتيش اجراء من اجراءات التحقيق و لا يجوز الالتجاء اليه الا بناء على تهمة موجهة الى شخص معين بارتكاب جريمة او اذا وجدت قرائن تدل على انه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة و هو ما يعني ان التفتيش ينبغي اجراؤه في محل معين، فليست منازل المواطنين جميعا مفتوحة امام سلطات التحقيق و انما تلك التي يشتبه في احتوائها على ادلة معينة( )
و اذا كان لقاضي التحقيق ان يفتش أي مكان من اجل الكشف عن الحقيقة ( ) فلا يعني هذا انه يملك اصدار امر تفتيش عام لدى المواطنين في جهة معنية انما المقصود انه يملك تفتيش أي مكان تتوفر في شانه القرائن التي تبين احتواءه على ادلة تفيد في كشف الحقيقة و بهذا المعنى فان المكان الذي يجري قاضي التحقيق تفتيشه يكون مكانا محددا سواء تعلق بالمتهم او بغيره و على حد تعبير البعض فان قاضي التحقيق " يملك تقدير القرائن التي تبرر اجراء التفتيش، لكن لا يعني ان سلطة التقدير مطلقة من كل قيد فهو لا يستطيع ان يذهب الى حد تعميم الاتهام او الشبهات على بلدة بأكمها او حي بأكمله و الا كان ذلك تعسفا" ( ) و محل التفتيش مرتبط بالغاية منه، فاذا لم يكن للتفتيش غاية يستهدفها او ان يستهدف غاية غير ما حدده المشرع فهو مشوب بعيب "التعسف في استعمال سلطة"( )
لا مراء ان إعمال هذه القواعد العتدية لا يطرح أي إشكال في حالة التفتيش عن الأدلة المادية وهذا صحيح لسببين أساسيين. أولا، تتناسب هذه القواعد مع حقائق التفتيش عن الأدلة المادية، فعادة ما تتبع عمليات التفتيش المادية التقليدية آلية التفتيش و الاسترجاع، بحيث يمكن تحديد الأدلة المادية عموما واسترجاعها من مكان مادي معين في فترة وجيزة، إذ يجيز الإذن للضبطية القضائية الدخول إلى الممتلكات المادية وتحديد مكانها ثم استرجاع الأدلة المحددة في الاذن، و السبب الثاني الذي تتناسب به هذه القواعد مع عمليات التفتيش عن الأدلة المادية هي أنها تضمن حصول سلطة التحقيق على هذه الأدلة بطريقة ضيقة نسبيا تقلل من انتهاك خصوصية المتهم، فهي ترسم حدودا واضحة لعمل الضبطية القضائية عند تنفيذ إذن التفتيش ، فشرط التحديد يصف المكان المراد تفتشيه على وجه التخصيص كشقة أو مبنى معين، و يشرح كيفية التنفيذ من خلال وصف الأشياء المراد ضبطها بما لا يسمح بالاطلاع العام بل مقيد بنطاق مستهدف التفتيش( ).
لكن السؤال المطروح ما المقصود بمحل التفتيش المعلوماتي هل يكفي فقط تحديد الدعامة المادية مكحل للتفتيش ام يقتضي تحديد النظام المعلوماتي التي تحتويها الدعامة المادية في ضوء المادة 05 من القانون 09/04؟
ثانيا)- اشكالية تحديد محل التفتيش المعلوماتي
تعد إشكالية تحديد محل التفتيش المعلوماتي من الإشكاليات العملية الهامة، لا تتوقف عند المنظور المزودج لهذا المحل (أ) بل تتعدى ذلك الى إشكالية ارتباط هذا المحل في تحديده بمستهدف التفتيش في مرحلة التفتيش المادي(ب).
1)- إشكالية المنظور المزدوج لمحل التفتيش المعلوماتي
من المتفق عليه ان محل التفتيش هو المكان الذي يجري التفتيش فيه، و لزوم قصره على مكان معيّن هو من مستلزمات طبيعته الاستثنائية، و هذا المبدأ محل استفسار متزايد حول مدلول محل التفتيش في البيئة الرقمية باعتبار أن التفتيش يجري في مكان "البيانات" لا يختلف عن مكان تواجد البيانات ذاتها "الأجهزة المادية" ( )، فأيّهما يوجب القانون تحديده كمحل للتفتيش؟ و بعبارة أخرى هل صدور إذن بالتفتيش عن دليل معلوماتي معيّن، يجيز توسيع نطاق التفتيش إلى كافة البيانات التي يحتويها جهاز التخزين الرقمي؟ أم يقتصر نطاقه على ملف معيّن وجب تحديده في الاذن القضائي ؟
لا يجمع القضاء الأمريكي على موقف موحد إزاء المشكلة محل البحث، حيث يعتمد جانب من الفقه "المنظور المادي" لوسيط التخزين الرقمي و ينادي بوجوب التعامل مع وسائط التخزين كدليل مادي بحيث يعتبر القرص الصلب و ما في حكمه مجرد "شيء"، وليس "مكانا"، أو بعبارة اخرى ينظر اليه في صورة "شيء واحد" على نحو لا يحتوي على أي أشياء أخرى ضمنه، شانه شان أي دليل مادي آخر يتم "فحصه" ( تحليله) و ليس "تفتيشه"( )، بحيث يجوز التّوسع في التفتيش عبر كافّة مساحة وسيط التخزين باعتبارها تشكل وحدة واحدة، و من تطبيقات ذلك ما قضت به الدائرة الخامسة الفيدرالية في قضية United States v. Runyan، و تردّد ذات التبرير في قضية United States . Slanina( ).
و قد اعمتد المشرع الأمريكي المنور المادي لمحل التفتيش المعلوماتي ويتجلى ذلك من نص المادة 41 من قانون الإجراءات الجنائية الفيدرالي التي تنظم احكام تفتيش نظم المعلومات من خلال التعبر عن مقتضياتها وفقا للمنظور المادي، و تفترض أن عمليات التفتيش تجري في مناطق "مكانية"، و أن "الأشخاص" أو "الممتلكات" يتم تفتيشها وضبطها، وعندما تناولت المادة 41 أخيرا وسائط التخزين مباشرة، تم اتباع نهج مادي. و أوضحت التعديلات التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2009 ان محتويات وسائط التخزين "الملكية" لا تحتاج إلا إلى وصف "وسائط التخزين المادية"، وليس وصف المعلومات، وأن الوقت اللازم لتنفيذ "الاذن" يغطي الوقت اللازم لضبط وسائط التخزين أو نسخها، وليس تفتيشها ( ) .و هو المسلك الذي سلكه مشروع اتفاقية الأمم المتحدة للتعاون في مكافحة الجريمة الإلكترونية( )، و هذا النهج له ما يسوغه كما سنرى لاحقا عند معالجة متطلبات تحديد محل التفتيش المعوماتي بين مرحلة التفتيش المادي و مرحلة التفتيش المعلوماتي.
و على العكس هذا المذهب، اتجه جانب آخر من الفقه في محاولة منه لتقليص نطاق امتداد التفتيش المعلوماتي إلى مطالبة القضاء بالتعامل مع ملفات القرص الصلب كمجوعة حاويات مغلقة و منفصلة، يتطّلب فحص كلّ حاوية إذنا مستقلا بتفتيشها. وبعبارة أخرى، ينبغي أن ينظر إلى الحاسوب على أنّه الحاوية المادية مع سلسلة من "الحاويات" الإلكترونية الفرعية "Subcontainers"و هي المجلدات والملفات التي يقتضي الاطّلاع عليها و الولوج إليها بشكل منفصل دون أن يمتد إلى مجملها، فكل فتح منفصل بمثابة عملية تفتيش جديدة، تخضع للقيود الدستورية( )، و من هنا يصبح القانون وسيلة "لتنظيم الوصول إلى المعلومات" في "بيئة رقمية" حيث الحواجز المادية غالبا ما تكون مفقودة ( )، و هو الاجتهاد القضائي الذي إنتهت إليه الدائرة العاشرة في قضية United States v. Carey ( ).
بينما تميل مختلف الاتفاقيات الدولية كاتفاقية بوادبست ( ) و الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات ( ) الى تبني كلا المعياريين بحيث تم تبني المنظور الداخلي لوسيط التخوين الرقمي و قد عبرت عن ذلك بالولوج " لنظام معلومات او لجزء منه" كما اعتمدت ايضا المنظور المادي لوسيط التخزين و جاء ذلك واضحا في عبارة " لدعامة تخزين معلوماتية" و قد حذت مختلف التشريعات العربية هذا المسلك ( )، لكن هذا التخيير الذي أتاحه المشرع العربي لسلطة التحقيق في تحديد محل التفتيش المعلوماتي في الحقيقة يفقد هذا الضباط الاجرائي قيمته لان تبني المنظور المادي لمحل التفتيش يجعل هذا القيد الاجرائي غير محدد و غير معين بل شامل لان وسيط تخزين واحد يمكن ان يشتمل على ملايين من المعلومات ،و التطبيقات و البرامج اين تنفي الرابطة بين سبب التفتيش و غايته و الأنظمة المعلوماتية المراد اجراء التفتيش فيها. اذا ما تم تحديد محل التفتيش وفقا لمنظور مادي.
و بالنسبة للتشريع الجزائري فانه يبو حرصه الشديد على إرساء هذا الضابط الاجرائي بمفهوم دقيق جدا و هو اعتماد المنظور الداخلي لوسيط التخزين الرقمي و قد حسم المشرع موقفه بنص صريح قاطع الدلالة حيث تنص المادة 5 من القانون 09/04 "يجوز للسطات القضائية المختصة ... الدخول بغرض التفتيش... الى : أ- منظومة معلوماتية او جزء منها و كذا المعطيات المعلوماتية المخزنة فيها، ب- منظومة تخزين معلوماتية à un système de stockage informatique. ، غير اننا نرى خلاف المفهوم الظاهري لهذه العبارة اذ قصد المرشع انرف الى الدعامة المادية للتخزين و نظام التخزين كما سنرى لاحقا.
في حين نجد ان التشريع الفرنسي لا يتبنى موقفا واضحا الان ان المتأمل لنص المادة 57 من قانون الاجراءات الجزائية يجدها تركز فقط على النظام المعلوماتي لمحل للتفتيش( )، و ما يؤكد اعتقدنا هو نص المادة 11 من القانون رقم 731 لسنة 2016 المؤرخ في 3 جوان 2016 بشان تعزيز سبل مكافحة الجريمة المنظمة و الجرائم الارهابية و تمويلها اين اجاز المشرع تفتيش أي نظام معلوماتي او دعامة مادية موجودة بالمكان( المادي) الذي يجري تفتيشه في اطار مكافحة هذه الجرائم الواردة على سبيل الحصر( ) الا ان مصادقة فرسنا على الاتفاقية الاوربية لمكافحة جرائم المعلوماتية قد تزيل هذا الغموض إزاء توجه المرشع الفرنسي الذي نرى انه يبننى منظورا مزدوجا لمحل التفتس المعلوماتي.
و نخلص مما سلف بيانه، أن لزوم تحديد محل التفتيش كضمانة شكلية تحول دون التوسع في التفتيش ينصرف مدلولها إلى البيانات المخزّنة التي تختلط بها "المعلومات" المجرّمة و ليست "وسائط التخزين" في وضعها المادي، بحيث يمكن في اعتقادنا استعارة المفهوم المادي للمكان و ترجمته في العالم المعلوماتي في شكل ملف معيّن أو مجلد ما، على نحو يشكل حيزا محددا ضمن مساحة التخزين الرّقمي و ذلك التزاما بحدود الشرعية و ما توجبه قرينة البراءة أمّا اعتماد المنظور المادي لمحل التفتيش فهو يعتبر عدوانا على الحق في الخصوصية يتجاوز حقوق المتهم و أفراد أسرته إلى انتهاك حقوق الغير ، لذا ينبغي على القضاء أن لا يتردد في تطبيق القاعدة بكل حزم مهتديا في ذلك بروح الدستور في حماية الحريات الفردية.
غير ان الخلاف في الحقيقة ليس المقصود بمحل التفتيش المعلوماتي من و جهة النظر التي تمليها الشرعية الإجرائية و حمياة الحريات الفردية بل تتعلق بكفية تحديد محل التفتيش في البيئة الرقمية التي تتفتد للحود و الحاجز المادية التي مكنها ان ترسم نطاق محل التفتيش؟
2)- اشكالية ارتباط محل التفتيش المعلوماتي بمستهدف التفتيش المادي
من البديهي أن تكون أجهزة التخزين الرقمية "مستهدفا للتفتيش" قبل ان يكون جزءا منها "محلا له" ، فينبغي التفتيش عليها قبل تفتيشها، و تثير هذه الحقيقة تساؤلا مشروعا يتعلق أساسا بما ينبغي للإذن أن يحدده كشيئي يتعين التفتيش عنّه و ضبطه في مرحلة التفتيش المادي لتفتيشه لاحقا؟ هل يحدد الأجهزة المادية ذاتها ؟ أم يحدد النظام المعلوماتي ؟ ام المعطيات المجرّمة المراد استرداداها؟.
كما سبق و ان أشرنا فان التشريع الحالي لا ينظم تماما احكام التفتيش المعلوماتي اذ بقيت في مجملها خاضعة للقواعد التقليدية التي لا تتوائم مع البيئة الرقمية نهائيا و تطرح العديد من الاشكاليات على نحو يتراجع عنصر الشرعية بشكل كبير جدا ، و يأتي القضاء الامريكي في مقدمة الاجتهادات القضائية في محاولة منه لرسم معالم مشروعية التفتيش الجنائي المعلوماتي، لذ نجد ان هذا الاخير قد تعرض لهذا التساؤل في كثير من أحكامه و خلص إلى التميّيز بين الحالة التّي تكون فيها الأجهزة المادية بحد ذاتها مجرّمة أو أدلة عن الجريمة أو أداة للجريمة، و بين الحالة التّي تكون فيها هذه الأجهزة مجرّد حاوية للدليل المعلوماتي.
و لا تطرح الحالة الأولى أيّ إشكال يذكر، إذ لا يتطلب القضاء هنا سوى تحديد وسائط التخزين الرقمية بدلا عن المعلومات التّي تحتويها كأدلة ينبغي استردادها ( )، أمّا الحالية الثّانية و التّي تكون فيها أجهزة التخزين الرّقمية مجرّد حاويّة للدليل الجنائي، فإنّ القضاء عالجها بدون تعمق مكتفيا بالإشارة إلى لزوم التّركيز على الملفات المستهدفة و أنّ إغفالها قد يشكل مخالفة للدستور، و على نقيض ذلك فقد تطرق الفقه إلى هذه الفرضية بتعمق كبير، ليس بما تستلزم من إجابات بقدر ما تطرح من إشكاليات( ).
إذ يرى الفقه أنّ هنّاك افتراضان:
أمّا الافتراض الأوّل،
فهو تحديد أجهزة التخزين المادية كأدلة يراد ضبطها، ما يجعل الإذن دقيقا، حيث يتم تنفيذ الإذن بالدخول إلى المكان المطلوب تفتيشه و البحث عن أجهزة التخزين الرقمية و استرجاعها، و هو ما يثير إشكالا بالغ التعقيد، ففي الحالة التي يقتصر فيها التخصيص على الأجهزة المادية يصبح الإذن عاما، فمن جهة أولى لا يوجد لدى الضبطية القضائية سبب يبرّر ضبط جميع أجهزة التخزين الموجودة بالمسكن. و من جهة أخرى، فإن اقتصار التحديد على الأجهزة المادية و إن كان دقيقا من النّاحية التقنّية في مرحلة التفتيش المادي، ولكنّه لا يفصح عن أيّ تفصيل بشأن التفتيش المعلوماتي اللاّحق، فعندما يطّلع خبراء التّحليل الحاسوبي الشّرعي على محتويات أجهزة التخزين الرقمية لاسترداد الأدلة ،لن يكون هناك ما يوجه سلوكهم كون الإذن يجيز الضبط الشامل للأجهزة المادية( )، فيمتد التفتيش ليصل إلى أقصى مدى له.
أمّا الافتراض الثاني،
فهو تحديد البيانات كالأدلة يتعين ضبطها، و هذا النّهج لا يحدد بدقة ما ستقوم به السلطة الاجرائية في مرحلة التفتيش المادي، ولكنّه يحدد الأدلة التي تسعى إليها في مرحلة التفتيش المعلوماتي فهو يضع حدا لامتداد التفتيش بأن يصبح الإذن أكثر تحديدا. غير أنه يفضي إلى إشكالية جديدة طالما أن ذات الاذن يفقد شرط التحديد حول كيفية تنفيذ مرحلة التفتيش المادي، فإن كان الإذن يجيز التفتيش عن بيانات محددة و ضبطها، إلاّ أن التفتيش المعلوماتي يستوجب أولا ضبط جميع أجهزة التخزين الرقمي التي يمكنهم العثور عليها في الموقع وإرسالها إلى مخابر التحليل المتخصصة لفحص محتوياتها، فتنفيذ الإذن يتم بالمخالفة لما يجيزه الإذن نفسه ( ).
في اعتقادنا فإنّ هذه الجدليّة تكشف أّن التّحديد الذي ينصب على أجهزة التخزين الرّقمية كأشياء يراد ضبطها يجعل التفتيش واسع النطاق و أكثر توسّعا و شمولا و في ذلك ما يناقض مبدأ الشرعية، و في مقابل ذلك فإن التّحديد الذّي يركز على "النظام المعلوماتي أو المعطيات المعلوماتية المخزنة فيها" لا يجيز لسلطة التحقيق القيّام بما هو ضرّوري لاسترداد هذه الأدلة، فيفشل الإجراء في تحقيق الفعاليّة، و هو الاشكال الذي وقع فيه التشريع الجزائي لانه لم ينظم مرحلة التفتيش المادي و اكتفى بتنظيم مرحلة التفتيش المعلوماتي من خلال تحديد النظام المعلوماتي كمحل التفتيش المعلوماتي ، لكنه لم يحدد مستهدف التفتيش المادي هل هو النظام المعلوماتي او الأجهزة المادية و للخروج من هذا المأزق وجب تفسير عبارة " منظومة تخزين معلوماتية" بدعامة التخزين المعلوماتية" الى حين تعديل عبارة النص اسوة بكافة الاتفاقيات الدولية و التشريعات المقارنة( ).
عموما يقترح الفقه لحل هذه الاشكالية و وضع حد لامتداد التفتيش ضرورة أن يشتمل إذن التفتيش تحديدا للأدلة المادية المراد ضبطها في مرحلة التفتيش المادي و تخصيصا للأدلة التي يتعين ضبطها في مرحلة التفتيش المعلوماتي اللاحق( ).و بدورنا نؤيد هذا الرأي، فتقييد مرحلة التفتيش المادي بأجهزة محددة يجوز ضبطها متى قامت الأسباب التي ترجّح احتوائها على أدلة تفيد في إظهار الحقيقة، مع تضييق نطاق المراجعة في مرحلة التفتيش المعلوماتي من شأنه أن يرسم حدودا لنطاق التفتيش توخيا من امتداده إلى جميع الأجهزة في المرحلة الأولى و إلى جميع محتوياتها في المرحلة الثانية لأن وجود سبب يبرر تفتيش ملف معيّن لا يبرر تفتيش محتويات الجهاز ككلّ ( )، فكيّف يكون مبررا لتفتيش كافّة هذه الأجهزة، فعدم تحديد محل التفتيش في المرحلة الثانية يعتبر في نظرنا باطلا، لأنّ القانون إذ أجاز تقيّيد حرّية الأفراد بصفة استثنائية فإنّه يسمح بذلك بالنّسبة لمحل معيّن على وجه التخصيص و ليس العمومية منعا من التطاول على الحرّيات الفردية، و إلاّ فقد الإذن مضمونه و حاد عن الشرعية، و انقلبت العلاقة بين الحرية الفردية كحق و التفتيش كقيّد و كلما زاد التخصيص في إذن التفتيش كلما تقلص دور الاستثناء لصالح القاعدة .
و الحقيقة التي لا مراء فيها ان تحديد النظام المعلوماتي كمحل للتفتيش في مرحلة التفتيش المعلوماتي يعيد رسم الحدود التقليدية لتفتيش، لن السؤال المثار ما هي متطلبات تحديد محل التفتيش في الاذن القضائي وسط هذا لكم الهائل من البيانات المختطلة؟
ثانيا): متطلبات التحديد الكافي لمحل التفتيش المعلوماتي
سبق أن توصلنا إلى أن المشروعية الإجرائية توجب تحديد منطقة معينة ضمن البيئة الرقمية كمحل للتفتيش( النظام المعلوماتي) و هذه النتيجة تثير لدينا نقطتين، الأولى تتعلق بالمعالجة القضائية لمتطلبات التحديد الكافي لمحل التفتيش(أ) و الثانية تتعلق بمدى كفاية هذه المتطلبات في رسم نطاق التفتيش( ب).
أ)- المعالجة القضائية لمتطلبات التحديد الكافي لمحل التفتيش.
قدمنا ان التشريعات عموما سواء العربية او المقارنة لم تعالج هذه الإشكاليات مبقية على القواعد الإجرائية للتفتيش و تطبيقها في البيئة المعلوماتية، الا ان القضاء الامركي و طيلة اكثر من عقدين من الزمن حاول إرساء قواعد يهتدب بها لتحديد محل التفتيش المعلوماتي سواء النظام المعلومات او المعطيات المعلوماتية.
و لكون المحكمة العليا الفيدرالية الامريكية لم تحن بعد أمامها الفرصة للتعرض لموضوع متطلبات التحديد الكافي لمحل التفتيش المعلوماتي و أثر إغفالها على الدليل الجنائي المستمد من هذا الأجراء، فإن هذا القيد الإجرائي حتى الآن لا يزال ينظر إليه في إطار المنظور التقليدي، ما فتح المجال للاجتهاد القضائي للمحكام الابتدائية و ادوائر الاستئنافية التي أبدت انقساما واضحا بين متشدد يرجح اعتبارات الشرعية و يتمسك بالتطبيق الصارم للقاعدة الدستورية، و بين متساهل يراعي متطلبات الفعالية مدفوعا بصعوبة الوفاء بمتطلبات التخصيص الدقيق لهذه البيانات وسط هذا الكم الهائل من البيانات.
و يتجه القضاء الأمريكي في غالبيته إلى تجنب التوسّع في تطبيق هذه القاعدة بسبب صعوبة وصف المكان المراد تفتيشه و تعذر تحديد الوصف الدقيق للبيانات التي يحتويها وسيط التخزين، لذا غالبا ما يتم وصف محل التفتيش بمصطلحات مرتبطة بالجريمة الجاري التحقيق فيها، ففي قضية United States v. Campos أيدت الدائرة الفيدرالية التاسعة صحة التفتيش المعلوماتي بموجب إذن لا يتضمن سوى الإشارة إلى مواد تتصل مباشرة بالصور الداعرة للأطفال، و تاكد ذات التبرير في قضية في قضية United States v. Upham( ).
و هذا التّوجه أيدته الدائرة العاشرة في قضية United States v. Reyes و علّلت قرارها بأنّه" في عصر التّكنولوجيا الحديثة والتوافر التجاري لأشكال مختلفة من الأشياء، من غير المتوقّع أن تصف الأذون بدقّة الشّكل الذي ستتخذه السجلات و أن ضبط نوع معيّن من العناصر التي تدخل ضمن الأشياء المحددة في الإذن لا تشكل تفتيشا عاما غير مسموح به، فالإذن الذي يجيز ضبط وثائق معينة يأذن أيضا بتفتيش حاوية يُحتمل أن تحتوي على تلك الوثائق"( )، إذ الضبطية القضائية لا تحتاج إلى إتّباع هذا النّهج في كل قضية لأن المراجعة القضائية لأذون التفتيش ذات طبيعة عقلانية و عملية أكثر من كونها ذات بعد تقني وبناء على ذلك، فإنّ ما يهم هو جوهر الأدلة وليس شكلها ( ).
في حين تكشف الاجتهادات القضائية الحديثة ميلا نحو التمسك بهذه القاعدة و لو تعلق الأمر بمحاربة الجريمة في أخطر صورها، ففي قرار حديث لها قررت المحكمة العليا بولاية نيويورك في قضية People v. Covlin بطلان الأدلة المعلوماتية في جريمة توبع فيها المتهم بقتل زوجته معتبرة أن بعض الأذون الصادرة في القضية لا تفي بمعايير "التحديد الكافية" و أن لغة الإذن وردت عامة و سمحت بتفتيش أي نوع محتمل من السجلات أو الوسائط الإلكترونية أو أي شيء على هاتف المتهم( ).
ب)- مدى كفاية متطلبات التحديد الكافي لمحل التفتيش في تضييق نطاقه
في إطار تقييمه للدور الوقائي للقاعدة محل البحث يطرح الفقه تساؤلات تزيد من عمق الإشكالية الرئيسية، و ذلك في معرض نقده لها فيما إذا كان تحديد البيانات التي يتعين ضبطها يمكن أن يكون ضيقا بما فيه الكفاية؟ و هل يمكن التوصل إلى تحديد نهائي لمكان تواجد أدلة معلوماتية معينة (إن وجدت) ( )؟ و بالتالي الحد من امتداد عمليات التفتيش بقصر هذا الإجراء على تلك الأماكن أو التطبيقات الموجودة على أجهزة التخزين الرقمية فقط؟
و الإشكالية في هذا الصدد عملية بحتة، ففي الحالة التي لا ينجح فيها التفتيش الضيق في الوصول الى الدليل المحدد في إذن التفتيش، فإنّ ذلك لا يحقق اليّقين بإنعدام الدليل فعلا بما يوجب حتما التوسّع في التفتيش باستكشاف كلّ مكان على محرك الأقراص الصلبة حيث يمكن العثور على الأدلة أو التحقق من انعدامها( )، و في نظرنا فإن هذه الحالة تعتبر من بين أبرز مظاهرا التعارض بين الاعتبارات القانونية و الاعتبارات العملية للقاعدة فالتمسك بتطبيقها الجامد يؤدي إلى شلل عملية التفتيش، و تجاوزها بهذا الشكل يحدث انتهكا غير معقول للحريات الفردية .
لذا يجمع الفقه على تراجع دور القاعدة في البيئة المعلوماتية بسبب حجم المساحة المراد تفتيشها و كمية البيانات المخزنة بداخلها، ففي الحيز المادي يحدد هذا الشرط محل التفتيش بمكان معيّن كالمنزل أو الشقة غير أنّه في حالات التفتيش المعلوماتي يمكن لشقة واحدة أن تحتوي على عدة أجهزة للتخزين الإلكتروني، و التي بدورها قد تحتوي على أدلة معلوماتية يمكن أن تكون مخبّأة في أيّ مكان على الأقراص الصلبة دون القدرة على تحديد مكان تواجدها مسبقا بما يستتبع الاطّلاع حتما على أي مكان على الأجهزة، و هكذا يصبح التفتيش المعلوماتي معادلا لتفتيش مدينة بأسرها بدلا من منزل فردي فشرط التحديد في الإذن تقلص دوره في الحد من امتداد عمليات التفتيش المعلوماتي و قد بات ذلك أكثر وضوحا اليوم نظرا للقدرات التخزينية الكبيرة للحواسيب( )،
لذا عادة ما يجيز القضاء للضباط القيام بتفتيش كميات هائلة من البيانات للعثور على "إبرة في كومة قش" فالإفتراض بكون الإذن بالتفتيش من شأنه أن يحدد بتفصيل كبير ما هي الملفات أو التطبيقات التي يمكن للشرطة تفتيشها سيكون افتراضا خاطئا ( ).تلك الحقيقة التي سلكت بها الدائرة الفيدرالية الثانية موضحة "...عندما يسمح الاذن بتفتيش مكان الاقامة، فإن الأبعاد المادية للأدلة المطلوبة ستفرض بشكل طبيعي قيودًا على المكان الذي يجوز فيه للضابط بحث….هذه القيود غائبة إلى حد كبير في المجال الرقمي ، حيث أن حجم الملف أو خصائصه الظاهرية قد لا تكشف شيئا عن محتواه"( )، و ذلك هو مبنى الخلاف الذي يوضح عدم موائمة الحدود التقليدية التي تفرضها قاعدة التحديد في الاذن القضائي عندما ينظر إليها بمفهوم مادي جامد.
و رغم وجاهة النقد الموجه للقاعدة، فإننا نتحفظ عن المغالاة فيه و المطالبة بالتخلي عن القاعدة في مرحلة التفتيش المادي و جعلها طليقة من غير قيد( )، أو اعتماد منظور مادي لمحل التفتيش بشكل مطلق( )، لأنّ ذلك يفتح باب التوسّع الخطير في امتداد التفتيش و يمنح قاضي التحقيق سلطة غير محدودة فتتوسع عبر الملفات البريئة وفقا لرؤيتها، و من هذا المنطلق لا يقبل تطبيقا للقواعد العامة أن يجيز الإذن القيام بتفتيش عام لجميع أجهزة التخزين الرقمية التّي يُعثر عليها بحوزة المتّهم أو بمقّر إقامته لأنّ التفتيش مشروع في نطاق الغايّة منه( )، و مراعاة لمبدأ التناسب نرى الإصرار على هذا القيّد و على وجه التحديد في المرحلة الثانية، منعا من التغول في استعمال هذه السلطة، و لو كان في تطبيقها ما يناهض متطلبات الفعالية، لأن الهيئة الاجتماعية–التي تعتبر مصلحتها أساس مشروعية التفتيش- لا يضيرها إفلات مجرم، بقدر ما يهدم أواصرها تفتيش معلوماتي على درجة من الشمولية و التوسع يكشف عورات أفرادها و ينتهك أسرارهم.
الفرع الثالث: مشرويعة محل التفتش المعلوماتي
الأصل أنه متى توفرت شروط التفتيش أمكن اجراؤه في أي محل يحوي ما يفيد في التوصل الى وجه الحق في الجريمة، غير أن القانون قد يضفي على بعض المحال حصانة معينة، فلا يصح تفتيشها رغم تحقق ما يوجي اجراء التفتيش، و ترجع الحصانة الى يضفيها القانون على تلك المحال الى تعلقها بمصلحة معينة، عامة أو فردية، يرى الشارع انها أولى بالرعاية من مصلحة التحقيق التي تتطلب التفتيش( ) ، و هو ما يملي علينا التطرق الى تحديد هذه الحصنات و استراتيجية (فقرة أولى) استراتيجية مراجعة ملفات الحاوسبية التي تتمته بهذا الامتياز(فقرة ثانية)
أولا: حضر تفتيش المحل المعلوماتي المتمتع بالحصانة
ان اهم الحصانات التي تقف عقبة في وجه ممارسة سلطة التحقيق هي تلك التي تتعلق بالهيئات الدبلوماسية(أ) و الهيئات البرلمانية (ب) و بحق الدفاع (ج).
أ)- الحصانة الدبلوماسية
هناك مبدأ عام متفق عليه في القانون الدولي هو ان البعثات الدبلوماسية، اشخاصها و مساكنها و مراسلاتها تتمتع بامتياز يجعلها بعيدة عن تدخل سلطات الدولة التي توجد بها و قد كان اساس تلك الحصانة عرف دولي مستقر تؤيده نصوص متفرقة في بعض القوانين الداخلية( )، ثم تم تنظيمها بموجب اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961( )
و ليس هنا من مجال للتوسع في دراسة هذه الحصانة و شروطها فذلك من شان ابحاث القانون الدولي ، و الذي يهمنا هو ما تستتبعه الحصانة الدبلوماسية من عدم جواز تفتيش الانضمة المعلوماية الخاصة بالبعثات الدبلوماسية.
عموما تمتع مراسلات الدبلوماسيين بالحصانة فلا يصح ضبطها او الاطلاع عليها و يسرى هذا المبدأ على كافة المراسلات و البيانات المعلوماتية المخزنة المتعلقة بعمل البعثة او الخاصة بالمبعوثين انفسهم، و يجب على دولة الإقليم ان تكفل للمبعوثين الدبلوماسيين حرية الاتصال بدولهم او بغيرها من الدول دون عائق حتى و لو كان هذا الاجراء مفيد في كشف الحقيقة في تحقيق يجري ضد متهم لا يمتع بالحصانة "( )، و من ثم لا يجوز تفتيش بياناتهم أيا كان مكان تخزينها ( التخزين المحلي او السحابي) و أيا كانت الدعامة المادية المستعملة للتخزين ( هاتف، لوح رقمي، حاسوب محول او ثابت) ( ) و تنسحب هذه الحماية الاجرائية لتشمل الزوج او الزوجة و الابناء ، و تشمل مقر البعثة الدبلوماسية و ملحقاتها كالحدائق و المخازن و السيارات ، بل و تشمل أيضا بعض الاماكن التي يقصدها هؤلاء على سبيل التأقيت كالفنادق و قصور الضيافة( ) .
و على أي حال فان حدود هذه الحصانة و شروطها غير متفق عليها بين الدول ، لذلك يمكن التساؤل عن حكم التفتيش المعلوماتي الذي يقع النظم المعلوماتية الخاصة بالدبوماسي، هل يكون صحيحا او ينبغي الحكم ببطلانه بوقوعه على محل غير قابل للتفتيش؟
يمكن القول ان التفتيش يكون صحيحا اذا امرت به او اقرته السلطات العليا في الدولة، لأسباب ترجع الى المحافظة على سيادتها و امنها الداخلي او الخارجي او لاعتبارات دولية كمعاملة دولة اخرى بالمثل و لا يترتب على انهتاك حصانة الممثل الدبلوماسي في هذه الأحوال الا المسؤولية الدولية اذا وجدت و مما يؤكد هذا الحل ان هذه الحصانة لا يوجد بشأنها نص صريح في التشريع الداخلي( ).
ب)- الحصانة البرلمانية
يتمتع اعضاء المجالس البرلمانية بحصانة عما يبدونه من أفكار و اراء و اقوال اثناء ممارس عملهم النيابي سواء داخل المجلس او في لجانه و يترتب على عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية او رفعها على العضو أي تكليف هذه الحصانة بمثابة قيد اجرائي( ) ، فالحصانة البرلمانية بنوعيها الموضوعي و الإجرائي استثناء من القانون العام( ) اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى من اعتداء السلطة التنفيذية و الهيئات و ذوي النفوذ عليها، غير أنّ هذا الاستثناء لم يشرّع كامتياز لصالح العضو بقدر ما هو ضمانة للوظيفة التي يشغلها ، ليؤديها في اطمئنان ودون خشية من أحد، إذ يخشى أن تتخذ السلطة التنفيذية إجراءات كيدية ضدّهم لما يبدونه من آراء داخل المجلس أو بسبب مواقفهم المعارضة للسلطة التنفيذية التي تملك سلطة الاتهام( ).
و هذه الحاصنة تجد لها تنظيما دقيقا في الدستور، اعلاء لشان مهام النائب و من هنا فانه لا مرية ان تفتيش الانظمة المعلوماتية لهذه الشريحة من الافراد غير جائز لأنه يستلزم حتما متابعتة النائب و توجيه الاتهام له كما سبق و ان تطرقنا اليه( )، و هو ما يستغرقه الحظر من المتابعة الجزائية بشكل عام الا في حالة اقدام النائب على التنزل شخصيا على هذا الامتياز القانوني ، او باذن من المجلس الشّعبيّ الوطنيّ أو مجلس الأمّة الّذي يقرّر رفع الحصانة عنه بأغلبيّة أعضائه ( )و ايضا في حالة التبلس بارتكاب الجريمة( )
و مع ذلك ينبغي تفسير هذه القواعد الدستورية تفسيرا ضيقا لأنها قواعد استثنائية ، فالحصانة ضد الإجراءات الجنائية " تقتصر من حيث الأشخاص الذين يتمتعون بها على أعضاء البرلمان، فهي ضمانة شخصية مقصورة على أعضاء البرلمان فلا تمتد إلى سواهم من الوزراء، أولاد العضو أو زوجه أو أقاربه أو أتباعه أو شركاءه في الجريمة"، و لهذا يمكن القول بان هذا النوع من الحصانة تقتصر على الشخص الذي توافرت فيه صفة العضوية و لكن يشترط توافر هذه الصفة وقت اتخاذ الاجراء و ليس بوقت ارتكاب الجريمة و يمكن الفرق في ذلك انه اذا زالت الصفة فنه يجوز تحريك الدعوى ضده حتى و لو كان وقت ارتكاب الجريمة متمتعا بها ( ). و كذا العكس فاذا بدأت الإجراءات الجنائية قبل انتخاب الشخص عضوا في مجلس النواب يتعين لاستمراها استئذان المجلس( ).
غير ان السؤال الذي يطرح هنا يتعلق بمدى مشروعية تفتيش الانظمة المعلوماتية المخزنة ضمن اجهزة تخزين مادية قد تتواجد بمنزل النائب في قضية متابع بها أحد اقاربه المقيمين معه و الخصوص افراد اسرته ؟
في هذا الفرض فان التفتيش المعلوماتي يستوجب تفتيش منزل النائب للعثور على اجهزة التخزين الرقمية التي يرجح انها تحتوي على الأدلة المستهدفة، و في هذه الحالة نحن نرى التفسير الضيق للنص الدستوري يجعل الحصانة البرلمانية قاصرة على شخص النائب فلا تتعداه الى افراد اسرته و لو وقع التفتيش في منزله( ) فحصانة النائب مقررة لمصلحة الامة في تمثليها و تلك العلة في راينا تنتفي حال مباشرة اجراءات تفتيش قبل متهم مقيم مع النائب، هذا فيما يتعلق بمرحلة التفتيش المادي اما مرحلة التفتيش المعلوماتي لأنظمة معلوماتية وجدت بمنزل النائب فهي تخضع لضمانات خاصة كما سنى لاحقا.
ج)- حق الدفاع:
اذا كانت مصلحة المجتمع تقتضي الكشف عن الحقيقة و ضبط الادلة المتعلقة بالجريمة مما يبرر الاعتداء على حق السر و اجراء تفتيش الاشخاص و المساكن فان المصلحة العامة لا يمكن حمايتها الا اذا كان حق المتهم في الدفاع عن نفسه بمنأى عن أي اعتداء، فحرية الدفاع عنصر من عناصر العدالة ذاتها و هي ما توجب ضرورة تمكين المتهم من اثبات براءته ان استطاع حتى لا يدان بريء لمجرد التسرع في الاتهام دون ان يكفل له المجتمع دفاعا حرا و من ثم فحق الدفاع يتعلق بمصلحة الحقيقة ( ).
و لا شك في ان هذا الضمان جاء لحماية حق الدفاع و مهنة القائم به ، و ان المحامي ملتزم بعدم افشاء كل ما يتعلق بسر مهنته و يقتضي احترام هذا السر ان لا جيز القانون الاطلاع عليه عن طريق التفتيش ( ) و يستتبع هذا الحضر عدم جواز تفتيش جميع الاوراق و المستندات الموجودة لدى الحامي عن المتهم سواء كان موكلا من قبله او منتدبا من قبل المحكمة و يسري هذا الحظر بالقطع منذ ثوب صفته انه محام عن المتهم حتى و لو كانت الدعوى لا تزال في مرحلة التحقيق الابتدائي و لم يوجه الاتهام بعد للمتهم ( ) و ذلك تحت طائلة البطلان ما لم بثبت مشاركة المحامي في هذا الفعل الجرمي( ) ولو انصب التفتيش على التفتيش على مجرد مشاورات( ) او بريد الكتروني يتعلق بقضية اخرى غير تلك التي لأجلها صدر الاذن بالتفتيش( ) بل حتى و لو لم يثر نقيب المحامين اعتراضا بهذا الشأن( ) .
و في قرار حديث لها، خطت محكمة النقض الفرنسية خطوات كبيرة نحو المحافظة على شرعية الاثبات المعلوماتي حيث اعتبرت ان الانتهاك الاجرائي لحرية الدفاع انما يقع بمجرد ضبط مراسلات الكترونية بين المتهم و محاميه، دون اشتراط ادراك محتوى هذه المراسلة( ) و يشمل هذا الحضر تفتيش الشخص و المنزل و المكتب و جميع المراسلات كما يسري على الاحاديث الخاصة بين المتهم و محاميه لكن هذا الحضر محدود بغايته و هو حماية حق الدفاع فلا يسري على ما يتلقاه من مراسلات من غير المتهم بوصفه صديقا لا محاميا و تقدير ما يتعلق بحق الدفاع يتوقف على حقيقة الواقع لا على ما يقوله المحامي ( ).
و اذا كان المحامي متهما بالضلوع في ارتكاب واقعة جرمية جاز تفتيش المعلومات المخزنة بالأجهزة المتواجدة بمكتبه او مسكنه على هذا الاساس، اما اذا افضى التفتيش قبل المحامي الى الضبط العرضي لبعض المعلومات المتعلقة بدفاع موكله فان مآل الضبط هو البطلان الجزئي في حدود المعلومات المتعلقة بهذا الحق.
و هكذا يخضع تفتيش مكتي المحامي او انضمته المعلوماتية الى إجراءات خاصة بحيث يجب ان يتضمن الاذن بالتفتيش تحديدا دقيقا لمبررات و موضوع التفتيش( ) لا يجوز تفتيش مكتب المحامي الا من قبل قاضي التحقيق المختص بحضور النقيب او مندوبه او بعد اخطارهما قانونا، وحضور النقيب عملية التفتيش عبرت عنه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بكونه "ضمان اجرائي خاص"( ) لذا نجد اغلب التشريعات قد نصت على هذا الضابط الاجرائي سواء في قانون المحاماة ( ) او قانون الإجراءات الجزائية ( ) ، على ان ذلك لا يعني ان نقيب المحامين او من يمثله يعتبر طرفا في تلك الإجراءات المتخذة بل يعتبر بمثابة حارس حماية حق الدفاع( ) و له الحق في بسط رقابته على عملية التفتيش قبل أي عملية ضبط محتمل و له ان يعترض على ضبط أي وثيقة عندم ما تكون هذه الأخيرة متعلقة بجريمة غير تلك المذكورة في اذن التفتيش( ) الا ان القضاء الفرنسي لم يرتب البطلان في حالة ما اذا تم ضبط وثائق مختلطة بمستندات رقمية تتمتع بالامتياز بل اقرت ردها مع اعتبار باقي الاجراءات صحيحة( ).
و يثار في هذا الصدد سؤال مفاده هل هذا القيد يسرى على "التفتيش المعلوماتي عن" بعد فيما يخص الانظمة المعلوماتية التابعة لهؤلاء الاشخاص ؟ طالما ان التفتيش في هذه الأحوال لا يستوجب تفتيش مكتب المحامي او منزله ؟
رغم التعديلات الحديثة التي انصبت على قانون المحاماة، الا ان المشرع لم يلتفت الى هذه المسألة بل ابقى الحصانة على مكتب المحماة بمفهوم تقليدي، على الرغم من ان هذا المفهوم بدا يتراجع بالتوجه نحو الرقمنة، فالمشرع ينص على انه " لا يتم أي تفتيش أو حجز في مكتب المحامي إلا من قبل القاضي المختص بحضور النقيب أو مندوبه أو بعد إخطارهما قانونا."و مع ذلك فانه لا يجوز تفتسير النص تفسيرا ضيقا لان لذك يناقض غاية المشرع التي ترمي الى حماية حرية الدفاع و حضر اطلاع على أي مستند يتعلق بهذا الحق ايا كانت طبيعته و ايا كان مكن تواجده.
و في هذا الصدد ذكرت المحكمة الدستورية البلجيكية "لا تهدف السرية المهنية التي يلتزم بها المحامون والأطباء إلى منح أي امتياز لهم ، ولكنها تهدف في المقام الأول إلى حماية الحق الأساسي في احترام الحياة الخاصة للشخص الذي يثق بهم ، وأحيانًا فيما يتعلق بما هو أكثر حميمية. .... ، أنه عندما يتم تفتيش هذه الأنظمة المعلوماتية الخاصة بهؤلاء، فإن الأحكام المتعلقة بالتفتيش المادي الذي يحصل في المقرات المهنية للمحامين أو الأطباء قابلة للتطبيق وتسمح لضمان السرية المهنية. ومع ذلك ، فإن إمكانات التفتيش المنصوص عليها في المادة 39 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية ، تتجاوز هذه الفرضية الدقيقة ويمكن تنفيذها خارج فرضية التفيش ضمن المقرات المهنية"( )لذا نرى وجوب النص صراحة على حضر التفتيش الذي ينصب على الانضمة المعلوماتية للمحامين.
فضلا عن ذلك فانه ينبغي ضمان التبليغ الرسمي المسبق لنقيب المحامين باذن قاضي التحقيق حال مباشرته اجراءات التفتيش عن بعد بوجوب حضره هذه العملية و لم يتم الانتقال الى مكتب المحامي او منزله هذا القيد الاجرائي راجع الى طبيعة حق الدفاع بحد ذاته، فهو "ينبع من القانون الطبيعي و روح القانون" ( )
ب)-استراتيجية مراجعة ملفات الحاوسبية ذات الامتياز
ان اهم اشكالية تطرح بصدد بحث المحافظة على شرط ان يكون المحل مما يجوز تفتيشه يتعلق باختلاط الملفات ذات الامتياز القانوني بغيرها من البيانات الحاسوبية المخزنة، و المبدأ الذي ارسته محكمة النقض الفرنسية الرامي الى كفاة حماية هذه المعلومات اثناء الضبط و قبل التفتيش امر صعب للغاية بحكم العددي الهائل من البينات التي قد تختلط بها.
و نجد ان المرشد الفديرالي الامريكي لتفتيش و ضبط الحواسيب وصولا الى الدليل الالكتروني في التحقيقات الجنائية،قد اشار الى كيفية التعامل مع هذه البيانات خلال مرحة ما بعد الضبط، عندما تقوم سلطة التحقيق بضبط حاسوب يحتوي على ملفات ذات امتيازات قانونية، يجب على طرف ثالث موثوق به فحص الحاسوب لتحديد الملفات التي تحتوي على مواد ذات الامتياز. وبعد مراجعة الملفات، سيقدم الطرف الثالث الملفات التي تتمتع بهذه الصفة الى جهة الادعاء لفريق ، وتختلف الممارسات المفضلة لتحديد من سيقوم بتصفح الملفات اختلافا كبيرا بين مختلف المحاكم. و عموما توجد ثلاثة خيارات أولا، يجوز للمحكمة نفسها أن تعيد النظر في الملفات الموجودة في سرية. ثانياً، يجوز للقاضي الذي يتولى الرئاسة تعيين طرف ثالث محايد يعرف باسم "خبير خاص" و يعهد اليه مهمة مراجعة الملفات. ثالثا، تشكيل فريق من ممثلي الادعاء أو اجهزة انفاذ القانون الذين لا يعملون في القضية "فريقاً للتصفية" للمساعدة في تنفيذ عملية البحث ومراجعة الملفات. و يقوم هذا الفريق بإعداد جدار يفصل بين الأدلة وفريق المدعيين العموميين، الأمر الذي لا يسمح إلا بمرور الملفات التي ليست ذات امتياز المميزة من خلال هذا السور ( ).
و بالنظر الى ان الحاسوب يمكنه تخزين ملايين الملفات فان القضاة نادرا ما يقومون بمراجعة ملفات الحاسوب بسرية في مكتب القاضي و عوضا عن ذلك الاختيار النموذجي بين استخدام فريق ذو امتياز او طرف خاص فان معظم المدعين العموميين يفضلون استخدام فريق في حالة موافقة المحكمة على ذلك و يمكن للفريق ذو الامتياز القيام بفحص ملفات الحاسوب المضبوطة بسرعة في حين فان تعيين اساتذة خصوصيون غالبا ما يستغرقون سنوات عديدة لإتمام العملية و من ناحية اخرى فقد اعربت بعض المحاكم عن عدم ارتياحها عن الفريق ذي الامتياز( ).
في حين نجد ان محكمة القض الفرنسية قد استقرت لمعاجلة هذه الاشكالية لزوم ان يلتزم قاضي الحريات و الحبس بتعيين خبير مختص تقنية المعلومات للقيام بفرز الملفات و تحديد تلك التي تدخل في نطاق الاذن القضائي و استبعاد غيرها من نطاق الاسترداد( )



#لهوى_رابح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إِلَى أيِّ مَدَى تُشَّكِلُ مَحَارِمُ الشَّرْعِيَّةُ قَيْدًا ...
- مقدمات التفتيش الالكتروني 1 ضبط البيانات المخزنة لدى مزود ال ...
- مدلول فكرتي التفتيش و الضبط في البيئة الرقمية
- نحو ارساء ضوابط اجرائية للتقيش الجنائي الألكتروني - مقدمات ا ...
- مدخل الى قانون العقوبات
- ذاتية قانون العقوبات


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي: حماس ما تزال تحتفظ بـ20 ألف مقاتل وحجم السلا ...
- إدارة ترامب تقيل رئيس وكالة استخبارات الدفاع بعد تقرير حول ا ...
- ألمانيا ترصد تزايدا في محاولات التحايل خلال اختبارات القيادة ...
- هل المعارضة التركية على موعد مع ولادة حزب يخلف -الشعب الجمهو ...
- صحف عالمية: الجوع ينتشر بأنحاء غزة كافة وإسرائيل تمعن في أفع ...
- الأمن السوري يعلن تحرير عدد من المخطوفين بالسويداء
- خريطة جديدة للدوائر الانتخابية في تكساس تلبية لطلب ترامب
- فصائل المقاومة تدعو لتحرك دولي لإنهاء مجاعة غزة
- اختيار مستحضرات المكياج.. نصف الطريق نحو الإطلالة الناجحة
- رحلات لا تتوقف.. هذه أكثر المسارات الجوية ازدحامًا في العالم ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - الضوابط الموضوعية للتفتيش المعلوماتي