أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - نحو ارساء ضوابط اجرائية للتقيش الجنائي الألكتروني - مقدمات التفتيش الجنائي في البيئة الرقمية















المزيد.....



نحو ارساء ضوابط اجرائية للتقيش الجنائي الألكتروني - مقدمات التفتيش الجنائي في البيئة الرقمية


لهوى رابح

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 12:06
المحور: قضايا ثقافية
    


دكتور لهوى رابح
استاذ بكلية الحقوق و العلوم السياسية
جامعة محمد لمين دباغين سطيف 02
محام معتمد لدى المحكمة العليا و مدلس الدولة
العلمة سطيف
WhatsApp/ Viber 0555.86.27.55
[email protected]


المبحث الثاني
مقدمات التفتيش المعلوماتي
يعد الضبط جائزا في نطاق الغاية منه و هي اظهار الحقيقة، غير ان واقع التخزين الرقمي بما فرضه من كم هائل للبيانات بشكل مختلط و معقد مع لجوء المجرم الى جعل الملف بريء حجابا للملف المجرم، امر يوجب الضبط أولا يليه التفتيش و هو ما يتجاوز الغاية من التفتيش كمبدأ عتيد يحمي الحريات الإنسانية الى التوسع في ضبط كل ما يحوزه المتهم من بيانات سواء بشكال مباشرة (مطلب أول) ، او عن طريق مزود الخدمات ( مطلب ثاني).
المطلب الأول: الضبط العرضي الشامل
ان الضبط العرضي الشامل لما يحوزه المتهم من دعائم تخزين رقمية يشكل توسعا في الاستثناء على حساب القاعدة الاصلية، اذ ان "الية الاسترجاع و التفتيش"، تشكل مظهرا من مظاهر تراجع الشرعية لحساب الفعالية و يحق لنا التساؤل في ضوء ذلك أساس مشروعيته( مطلب أول) و تنظيمه التشريعي( مطلب ثاني) و ظوابطه ( مطلب ثالث).
الفرع الأول: أساس مشروعية الضبط العرضي الشامل
ان دور الشرعية في نطاق الحياة الخاصة لا يمكن ادراكه او تلمس حقيقته الا من خلال التعرف على ما قد يتربص بتلك الحياة و يحيط بها من مخاطر، يتحقق وقوعها قبل وقوع التفتيش المعلوماتي، و الذي تعتبر مشروعيته ليست سوى نتيجة من نتائج المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه كثير من النظم القانونية ألا و هو مبدأ ترجيح المصالح العامة على المصلحة الخاصة عند الضرورة، و طبقا لهذا المبدأ تعطي الهيئة الاجتماعية لنفسها- للهيئات الممثلة لها- السلطات و الحقوق اللازمة لحماية مصالحها العليا و لو أدى ذلك إلى تقييد الأفراد و حقوقهم في الحدود التي ينص عليها القانون( ).
و من هنا فان الضبط المعلوماتي ليس سوى احد تطبيقات هذا المبدأ الذي يقوم على ترجيح حق الجماعة على حق الفرد عند التعارض، و هو الحق في الإثبات الجنائي و التوصل إلى إظهار الحقيقة الواقعية، و لأنه لا وجود لحق مطلق في القانون، فان الإشكالية تبرز واضحة تبحث عن الحل، ما هو أساس مشروعية الضبط المعلوماتي الشامل كحق تبرره ضرورة التوصل إلى الدليل المعلوماتي؟
لم يطرح هذا السؤال لدى فكر الإثبات التقليدي لكون الضبط المادي دائما ما كان مرتبطا بحدود التفتيش، فنطاق الضبط تحدده الغاية من التفتيش، بل هو اثر مباشر للتفتيش في معظم الاحيان، اذ لا يتجاوز الضبط حدود الاذن القضائي، و الا كان باطلا، و مبدأ عدم تجاوز الغاية من التفتيش يعد من المبادئ العتيدة في الإجراءات الجنائية الذي تقوم عليه قاعدة مشروعية الدليل الجنائي اذ يترتب على تجاوز هذه المبدأ بطلان التفتيش و صيرورة الدليل المستمد منه مجرد واقعة مادية تخلو من أي قيمة قانونية، غير ان انعكاس خطوات التفتيش بصيرورة الضبط من مقدمات التفتيش و من مستلزمات تنفيذه، بدل ان يكون أثرا له ،واقع جعل فعالية التفتيش مرتبطة بالضبط العرضي الشامل و الا فقد التفتيش معناه.
من المسلم به في الوقت الراهن هو ذلك الانتشار المذهل لوسائل تقنية المعلومات، بين مختلف شرائح المجتمع، و مع تزايد استعمالها سعت الشركات المصنعة إلى العمل على زيادة سعة التخزين الرقمي لهذه الأجهزة، بحيث بات اصغر جهاز رقمي بإمكانه تخزين ملايين المعلومات، تختلف في تواجدها داخل النظام المعلوماتي من حيث طبيعتها و حجمها او حتى مكان تواجدها على نحو يستحيل معه معرفة ما اذا كان جهاز تخزين معين يحتوي على أدلة معلوماتية معينة ام لا قبل ضبطها و إخضاعها للتفتيش، و هي ممارسة تشكل تهديدات كبيرة للخصوصية بدلاً من ضبط الدليل المعلوماتي على وجه التحديد دون التوسع الشامل للضبط المعلوماتي و هناك جملة من الاختلافات القائمة بين الأدلة المعلوماتية و الأدلة المادية التي تتطلب "الضبط الضبط المعلوماتي العرضي الشامل أولا ، و التفتيش في وقت لاحق":
أولا، من المؤكد أنه سيتم خلط المعلومات Intermingling of documents التي تشكل دليلا على وجود نشاط إجرامي ضمن بيانات أخرى غير ذات صلة بمستهدف التفتيش. و نظرًا للحجم الهائل لسعة تخزين الأجهزة الرقمية، سيكون حجم البيانات على أي جهاز رقمي كبيرًا. و هذا يعني أن أي وسيط تخزين رقمي يتم ضبطه و يحتوي على أدلة على الإجرام سيشمل أيضًا كميات هائلة من البيانات التي يحتمل أن تكون حميمة، مما يثير مخاوف خطيرة بشأن الخصوصية( )، فالبحث عن الرسائل النصية للهاتف الخلوي قد لا يكشف فقط عن الاتصالات بين الجناة ولكن يكشف أيضًا رسائل نصية خاصة غير مرتبطة بالجريمة موضع التحقيق. و ينطبق الشيء نفسه على الأشكال الأخرى من البيانات، مثل تاريخ البحث على الإنترنت الذي يكشف عن استفسارات حول الأعراض الصحية أو او تعاطي مواد طبية معينة ووفقًا للمحكمة العليا الأمريكية "عادة ما يعرض تفتيش عن الهاتف المحمول للحكومة أكثر من التفتيش الشامل للمنزل" ( )
ثانياً ، يختلف الدليل المعلوماتي عن الأشكال الأخرى من الأدلة لأن طبيعتها كبيانات مجرمة او دليلا عن الجريمة ليست دائماً واضحة، و هذا يعقد جهود فرز الأدلة المعلوماتية عما تختلط به من بيانات أخرى لا علاقة لها بالجريمة، لان هذا البيانات عادة تكون " تكون مخفية أو مضغوطة أو ممحوة أو مفخخة" بطرق تجعل من المستحيل اكتشافها دون الوصول إلى أعداد كبيرة من الملفات الخارجة عن نطاق الاذن القضائي( ).
و ابعد من ذلك ففي بعض الحالات يمكن ان يكون الملف البريء ستارا للملف المجرم لان القدرات التخزينية في البيئة الرقمية و هي تستوعب هذا الكم غير المحدود من المعلومات لم تتفاعل كليا مع القانون الجنائي حيث لم يتم التوصل إلى إمكانية قيامها بعملية فرز ذاتية داخلية للملفات البريئة و تلك المجرمة التي تعد موضوعا للدليل الجنائي موضوع التفتيش ( )، و قد توسعت هذه الرؤية كثيرا نتيجة لاعتراف القضاء بعدم وجود منهج لمحرك بحث محدد يمكن اللجوء اليه للتقصي الدليل المعلوماتي لحظة التفتيش المادي دون ضرورة الضبط العرضي الشامل( ).
فالإشكال هنا هو أشكال عملي بحت، عندما يكون لدى سلطة التحقيق سبب محتمل و قرائن قوية للاعتقاد بان ملفا معلوماتيا معينا موجودا في مكان ما من المسكن و يشكل دليلا جنائيا، فإنها عادة تجهل مواصفات جهاز التخزين الالكتروني الذي يحتوي على هذا الدليل بالتحديد دون غيره من الأجهزة ، قد يكون لدى المتهم عدد من أجهزة للتخزين الرقمي و أقراص مدمجة و غيرها و لا يمكن للمحققين الذين ينفذون إذن التفتيش أن يفتشوا جميع أجهزة التخزين في الموقع،( موقع التفتيش المادي) لان ذلك يتطلب وقتا طويلا ، البديل العملي الوحيد لحل هذه الإشكالية هو اللجوء إلى ضبط معظم أو جميع أجهزة التخزين الرقمي و تفتيشها خارج الموقع في وقت لاحق ( ).
ثالثا، علاوة على الأسباب المساقة آنفا، قد يترتب على محاولة تفتيش وسائط التخزين في الموقع الإضرار بالأدلة نفسها ، ففي بعض الحالات فإن استخدام الحاسوب قد يغير الأدلة المسجلة على القرص الصلب كما أن أجهزة الحاسوب المتصلة بالإنترنت هي أيضا عرضة للخطر، لإمكانية الوصول إلى المعلومات المخزنة عن بعد و حذف البيانات و تدميرها ، فإن أفضل طريقة عموما لمراجعة وسائط التخزين تكون خارج الموقع حيث يمكن لخبراء التحليل الحاسوبي الشرعي ضمان سلامة البيانات ( ) .


واقع الأمر سعة التخزين الضخمة لأجهزة التخزين الرقمي، إضافة إلى سهولة إخفاء الأدلة و سهولة حذفها و لو عن بعد هي مبررات عملية للضبط الشامل قبل التفتيش. و إذا كان على سلطة التحقيق أن "تجد إبرة في كومة القش"، و كان هذا التفتيش قد يستغرق أسابيع أو أكثر ، يجب على سلطة التحقيق الاختيار من بين ثلاثة خيارات متاحة. أولا، يمكنها ضبط كافة البيانات و إجراء للتفتيش المعلوماتي اللاحق خارج الموقع. ثانيا، يمكن أن تجلب عدد قليل من المحققين أو من تندبهم إلى موضع تواجد أجهزة التخزين الرقمي، و البقاء هناك لبضعة أسابيع لإنهاء عملية التفتيش المعلوماتي. و ثالثا، يمكنهم ببساطة التسليم بعدم إمكانية إجراء التفتيش نهائيا لأن عمليات التفتيش تستغرق وقتا طويلا جدا. ومن بين هذه الخيارات الثلاثة، الخيار الأول هو الخيار الأقل سوءا. ( )
وبالنظر إلى هذا الواقع، فإن القضاء قد تبنى هذه الطريقة اما لاسباب تقنية كفدم قابلية المفلات للتجزئة( ). و ايضا لضمان تفتيش موجز نسبيا ضمن مساكن المتهمين ولم تحدد المحاكم حدودا موضوعية لهذا النهج المتساهل( ).و تعتبر الدائرة التاسعة الجهة القضائية الوحيدة في الولايات المتحدة الأمريكية التي استلزمت شرطا إجرائيا إضافيا بحيث توجب على الضبطية القضائية ضرورة تقديم المبررات الكافية للضبط الشامل ضمن الإفادة الخطية و ذلك في قضية United States v. Hill( ).
و ما نتوصل إليه أنه عندما يتعلق الأمر بالأدلة المعلوماتية يصعب تحديدها بإجراء تفتيش سريع، إذ ليس من الممكن مطالبة سلطة التحقيق بالتدقيق في كل هذه المعلومات بحثًا عن البيانات التي تستجيب للإذن القضائي وقت التفتيش الأولي و ضبط المعلومات التي تعد موضوعا للدليل الجنائي فقط دون غيرها من المعلومات لحظة التجميع " فالضبط الموسع هو إجراء لازم و متأصل ضمن اجراءات التفتيش الأدلة المعلوماتية" ( ).
و بناء على الاعتبارات الواقعية التي ساقها القضاء و الفقه لتبرير مشروعية الضبط العرضي الشامل، يتضح جليا و متطلبات فعالية التفتيش تقضي التوسع في الضبط المعلوماتي في البداية ثم إخضاع المضبوطات للتفتيش المعلوماتي لاحقا، و في ذلك ترجيح واضح لاعتبارات الفعالية على حساب الشرعية لان التوسع في الاستثناء أصبح هو القاعدة، و مما يؤسف له هو عجز الفقه و القضاء حتى الآن عن إيجاد حدود ترسم نطاق التفتيش المادي و الضبط المعلوماتي بحيث أصبحت هذه المراحل الإجرائية فعلا طليقة من غير، فهناك فجوة كبيرة عند محاولة تطبيق المبادئ الإجرائية التقليدية على التفتيش المعلوماتي بحيث يختل التوازن بين متطلبات الفعالية و الشرعية .
الفرع الثاني: الموقف التشريعي من مشروعية الضبط العرضي الشامل
جاء في التوصية الرابعة من توصيات المؤتمر الدولي الخامس عشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات في مجال حركة إصلاح الإجراءات الجنائية و حماية حقوق الإنسان و الذي عقد في ريو ديجانيرو البرازيل في الفترة من 4-9 سبتمبر 1994 " في مرحلة التحقيق الابتدائي، و التي تسبق مرحلة المحاكمة، فان قرينة البراءة تتطلب إذا ما اتخذت وسائل قسرية تطبيق مبدأ التناسب le principe de proportionnalité الذي يقيم علاقة معقولة بين جسامة الإجراء القسري في مساسه بالحقوق الأساسية من ناحية، و بين مدى تناسب هذا الإجراء وفقا للقصد المتوخى منه من ناحية أخرى..." ( ).
كما اشار ذات المؤتمر أنه و نظرا لتعدد و تعدد البيانات المدرجة في نظم معاجلة البيانات ، فان تنفيذ المكنات القسرية المنوطة برجال السلطة العامة يجب ان يكون متناسبا مع الطابع الخطير للانتهاك و لا يسبب سوى الحد الادنى من إعاقة الأنشطة القانونية للفرد، كما يجب عند بدء التحريات اين يوضع في الاعتبار بالإضافة الى القيم المالية التقليدية كل القيم المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات مثل ضياع فرضة اقتصادية، التجسس، انتهاك حرمة الحياة الخاصة فقد او مخاطرة الخسارة الاقتصادية، كلفة اعادة بناء تكامل البيانات كما كانت من قبل.
و بناء على هذه التوصيات يثار الإشكال حول موقف التشريعات عموما و على وجه التحديد التشريع الجزائري فما إذا تمكن من مراعاة هذا المبدأ في مجال الضبط المعلوماتي؟
و بناء على الاعتبارات الواقعية التي ساقها القضاء و الفقه لتبرير مشروعية الضبط العرضي الشامل، يتضح جليا و متطلبات فعالية التفتيش تقضي التوسع في الضبط المعلوماتي في البداية ثم إخضاع المضبوطات للتفتيش المعلوماتي لاحقا، و في ذلك ترجيح واضح لاعتبارات الفعالية على حساب الشرعية لان التوسع في الاستثناء أصبح هو القاعدة، و مما يؤسف له هو عجز الفقه و القضاء حتى الآن عن إيجاد حدود ترسم نطاق التفتيش المادي و الضبط المعلوماتي بحيث أصبحت هذه المراحل الإجرائية فعلا طليقة من غير، فهناك فجوة كبيرة عند محاولة تطبيق المبادئ الإجرائية التقليدية على التفتيش المعلوماتي بحيث يختل التوازن بين متطلبات الفعالية و الشرعية .
الفرع الثاني: الموقف التشريعي من مشروعية الضبط العرضي الشامل
جاء في التوصية الرابعة من توصيات المؤتمر الدولي الخامس عشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات في مجال حركة إصلاح الإجراءات الجنائية و حماية حقوق الإنسان و الذي عقد في ريو ديجانيرو البرازيل في الفترة من 4-9 سبتمبر 1994 " في مرحلة التحقيق الابتدائي، و التي تسبق مرحلة المحاكمة، فان قرينة البراءة تتطلب إذا ما اتخذت وسائل قسرية تطبيق مبدأ التناسب le principe de proportionnalité الذي يقيم علاقة معقولة بين جسامة الإجراء القسري في مساسه بالحقوق الأساسية من ناحية، و بين مدى تناسب هذا الإجراء وفقا للقصد المتوخى منه من ناحية أخرى..." ( ).
كما اشار ذات المؤتمر أنه و نظرا لتعدد و تعدد البيانات المدرجة في نظم معاجلة البيانات ، فان تنفيذ المكنات القسرية المنوطة برجال السلطة العامة يجب ان يكون متناسبا مع الطابع الخطير للانتهاك و لا يسبب سوى الحد الادنى من إعاقة الأنشطة القانونية للفرد، كما يجب عند بدء التحريات اين يوضع في الاعتبار بالإضافة الى القيم المالية التقليدية كل القيم المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات مثل ضياع فرضة اقتصادية، التجسس، انتهاك حرمة الحياة الخاصة فقد او مخاطرة الخسارة الاقتصادية، كلفة اعادة بناء تكامل البيانات كما كانت من قبل.
و بناء على هذه التوصيات يثار الإشكال حول موقف التشريعات عموما و على وجه التحديد التشريع الجزائري فما إذا تمكن من مراعاة هذا المبدأ في مجال الضبط المعلوماتي؟
لا ريب ان الضبط مسموح به في نطاق الغاية منه، و الغاية المبررة للضبط هي كشف الحقيقة، فوجود صلة بين الجريمة و البيانات التي يتم ضبطها هو معيار الضبط و ما زاد عن ذلك يعتبر تعسفا يجر إلى بطلان الإجراء، و هو ما يعبر عنه بمبدأ التناسب الذي يقتضي لزوم قصر نطاق الضبط المعلوماتي على البيانات التي تفيد في إظهار الحقيقة، و لان التغيرات في الحقائق يتطلب تغييرا في القواعد القانونية نجد ان المشرع بمقتضى القانون 04/09 المتعلق بالوقاية من الجرائم المعلوماتية قد نص على جواز الضبط المعلوماتي في حالتين:
الحالة الأولى، عالجتها المادة 6 و التي نصت" عندما تكتشف السلطة التي تباشر التفتيش في منظومة معلوماتية معطيات مخونة تكون مفيدة في الكشف عن الجرائم أو مرتكبيها و انه ليس من الضروري حجز كل المنظومة، يتم نسخ المعطيات محل البحث و كذا المعطيات اللازمة لفهمها على دعامة تخزين الكترونية تكن قابلة للحجز و الوضع في احراز وفقا للقواعد المقررة في قانون الإجراءات الجزائية..."
و الحالة الثانية، تطرقت إليها المادة 7 من نفس القانون و التي ورد فيها " إذا استحال الحجز وفاق لما هو منصوص عليه في المادة 6 أعلاه، لأسباب تقنية يتعين على السلطة التي تقوم بالتفتيش استعمال التقنيات المناسبة لمنع الوصول إلى المعطيات التي تحتويها المنظومة المعلوماتية او الى نسخها ، الموضوعة تحت تصرف الأشخاص المرخص لهم باستعمال هذه المنظومة".
و المستفاد بتأمل هذه النصوص يتجلى له بوضوح أن المشرع الجزائري لا يزال يعتمد المنهج التقليدي في تنفيذ التفتيش القائم على خطوة واحدة و هي الضبط لحظة التفتيش، على الرغم من أن الواقع التطبيقي يفرض بخلاف ذلك إذ لا يزال معتقدا بإمكانية ضبط الدليل أثناء التفتيش الأولي ( التفتيش المعلوماتي في الموقع) و هو أمر يستحيل تصوره في معظم الأحيان خاصة في الوقت الراهن الذي يشهد طفرة غير مسبوقة في مجال سعة التخزين الرقمي سواء التخزين الرقمي المحلي الممثل في مختلق الأجهزة أو ضمن الخوادم ( الحوسبة السحابية).
و كما سبق و أن رأيينا كيف واجه القضاء الأمريكي هذه الإشكالية بميل واضح نحو اعتبارات الفعالية، إلى أن تدخل المشرع بتعديل القاعدة 41 من القواعد الفيدرالية للإجراءات الجنائية سنة 2009 معترفا بالطبيعة الفريدة لعمليات التفتيش و الضبط في البيئة المعلوماتية أين أجاز الضبط العرضي الكلي للبيانات في مرحلة أولية ثم إخضاع المواد المضبوطة إلى مراجعة لاحقة، و السؤال المثار في هذه الحالة هل يجوز الضبط المعلوماتي الإجمالي العرضي بناء على إذن بالتفتيش المعلوماتي وافقا للتنيظم الجزائي الذي لم ينظم الخطوة الأولى من التفتيش؟
قدمنا أن الضبط المعلوماتي إجراء مستقل تماما عن التفتيش المعلوماتي و انه يشكل قيدا على الحق في الخصوصية و إن لم تصل خطورة هذا القيد إلى درجة انتهاك هذا الحق الا أنه قد يتحقق هذا الخطر في فترة ما من فترات الضبط متى طالبت مدته فهو بهذا التميز له صفة استثنائية، و الصفة الاستثنائية لهذا النوع من إجراءات التحقيق يترتب عليها نتيجة هامة تميزها عن الإجراءات العادية، و هذه النتيجة هي أنها واردة في القانون على سبيل الحصر، فلا يجوز للمحقق أن يقوم بأي اجراء يترتب عليه مساس بحريات الأفراد او حقوقهم او يفرض عليهم التزامات ايجابية الا إذا كان هناك نص صريح في القانون يجيز هذا الإجراء ( )
فكلما كان هناك "خطر المساس بالحرية الفردية" عندما تباشر الدولة الإجراءات اللازمة للكشف عن الحقيقة، تعين على المشرع أن يتدخل في هذه الحالة لكي يقرر الحدود التي تتطلبها المصلحة الاجتماعية للمساس بالحرية الفردية من خلال الإجراءات الجنائية، و السلطة التشريعية هي التي تملك وحدها تقريري القيم الاجتماعية، و الأحوال التي يجوز فيها المساس بالحرية في حدود معينة، و ذلك بالقدر اللازم لتحقيق التوازن بين مصالح المجتمع و حقوق الفرد، و تطبيقا لذلك قضت محكمة النقض الفرنسية بان المشرع وحده من يملك المساس بحرية الأفراد( )
و نحن نعتقد أن هذه النتيجة مفترض طبيعي لمبدأ الشرعية الإجرائية، فإذا كان من البديهي أن كل إجراء استثنائي يقيد حقوقا فردية وجب خضوعه لمقتضيات الضرورة المبررة له و في حدودها التزاما بالشروط و القيود التي فرضها القانون، فمن باب أولى يعد عملا غير مشروع القيام بإجراء لم يجزه القانون أصلا ( )، و هذا القصور التشريعي يجعل المشرع مطالب بالتدخل بتنظيم نطاق الضبط المعلوماتي العرضي و مدته ( ).و تنظيم التفتيش من خطوة واحدة الى خطوتين.
و في الحقيقة لا يوجد سوى التشريع الفيدرالي الأمريكي الذي عالج هذه المسالة أما باقي التشريعات فتخضعها للقواعد التقليدية باعتبار أن معظم التشريعات المقارنة بما فيها الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات مستلهمة حرفيا من الاتفاقية الأوروبية لمكافحة الجريمة المعلوماتية و التي بدورها أغفلت معالجة تنظيم مرحلة التفتيش المادي و الضبط المعلوماتي بخصوص البيانات التي في حوزة المتهم.
و إن كان هذا حال التشريع فيما يتعلق بالضبط العرضي الشامل في الفرض الأول الذي تكون فيها البيانات التي يعتقد أنها تشكل موضوعا للدليل المعلوماتي بحوزة المتهم فان السؤال يثار بخصوص مدى مشروعية التنظيم الإجرائي لمقدمات التفتيش المعلوماتي في الفرض الذي تكون فيه بيانات المتهم بحوزة طرف آخر و هو مقدم الخدمات؟
المطلب الثاني: ضبط البيانات المخزنة لدى مزود الخدمة.
من الطبيعي ان يقدم الجاني على محو البيانات فور إتمام مشروعه الاجرامي ، لذا يعين على سلطة التحقيق التفتيش عن هذه البيانات لدى مزود الخدمة و التي يحفظها في اطار أداء خدماته و يتم ذلك ضبطها بموجب امر بالحفظ و التلسيلم ، ما يقتضي منا تحديد مفهوم هذا الاجراء الجزائي ( فرع اول) و تحديد ضماناته( فرع ثاني) و نطاقه ( فرع ثالث)
الفرع الأول: الحفظ العاجل للبيانات المعلوماتية المخزنة و تسليمها
يعتبر إجراء الحفظ العاجل لبيانات المعلوماتية المخزنة و تسليمها، من الإجراءات الوقائية المستحدثة في النظم الإجرائية الراهنة، وقد تمت الإشارة الى هذا الاجراء للأول مرة ضمن لائحة الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (63-65) المؤرخة في 22 جانفي 2001 المتعلقة بمكافحة إساءة استعمال تكنولوجيا المعلومات لأغراض إجرامية، إذ نصت المادة الأولى فقرة "و" على " ضرورة سماح الدول الأعضاء لجهاتها المختصة بالاستدلال أمر مزود الخدمات بالحفظ السري للمعطيات الالكترونية المتعلقة بالتحقيقات الجنائية( ).
عموما عرف البرلمان الأوربي ضمن مقترحه رقم 0108/2018 المتعلق بأوامر إنتاج و حفظ الأدلّة الجنائية الإلكترونية بين دول الإتحاد الأوروبي هذا الإجراء بكونه يمثل قرارا ملزمًا صادرًا عن السلطة المختصة إلى مزود الخدمة يطالب من خلاله هذا الأخير بالمحافظة علي دليل إلكتروني لطلب توليده لاحقا ( )، و عرف أيضا الأمر بالإنتاج ( التسليم ، التقديم، التوليد) بأنه ذلك القرار الملزم الموجه إلى مزود الخدمة لإنتاج دليل الكتروني ( ) . و في الحقيقة فان التنظيم القانوني لإجراء حفظ البيانات المعلوماتية المخزنة و إجراء انتاجها و تلسيمها الى سلطات التحقيق ورد بشكل مفصل ضمن الاتفاقيات الدولية و التشريعات الداخلية بشكل يوحي باستقلال الاجرائين عن بعضهما البعض، إلا أننا نرى خلاف ذلك على نحو ما سنبينه لاحقا.
و عندنا فان الامر البحفظ العاجل للبيانات المخزنة هو اجراء جزائي وقائي يراد به صور قرار من سلطة التحقيق المختصة الى مزود الخدمة يتظن التزما بحفظ البيانات المخزنة لديه بتاريخ سابق عن دور الامر بالحفظ و العمل على تامينها من خطر التعديل و الحذف و ذلك لفترة زمنية محددة و ذلك بناء على توافر أسباب معقولة و قرائن كافية ترجح ان تكون هذه البيانات كاشفة للحقيقة ( ). اما الامر بالإنتاج فهو امر مرتبط بالتمر بالحفظ فهو يوجه الى مزود الخدمة لتسليم البيانات المعلوماتية التي تضمنها امر الحفظ السابق و يطلق عليها باجراءات التجميد السريع «procédure de congélation rapide» ( ).
و هذه الوسيلة الإجرائية في الحقيقة تمثل نهجا مختلفا عن باقي الوسائل الإجرائية التقليدية، و تظهر فعاليتها في كونها تكفل عدم فشل التفتيش المعلوماتي لا لسبب سوى تجنب حذف البيانات خلال فترة التحقيقات الطويلة نسبيا، ففي كثير من الاحيان يتطلب تعيين الجاني الذي ارتكب الجريمة تحليلا لبيانات الحركة و يمكن ان يساعد بروتوكول انترنت الذي استعمله الجاني بوجه خاص سلطات التحقيق على تعقبه بل و من الممكن في بعض الحالات تعيين احد الجناة رغم انه كان يستعمل اجهزة انترنت طرفية عمومية لا تتطلب الافصاح عن الهوية طالما كانت سلطة التحقيق تملك النفاذ الى بيانات الحركة ذات الصلة ، و من الصعوبات الرئيسية ان بيانات الحركة ذات الاهمية الكبيرة تحذف في كثير من الاحيان بصورة تلقائية بعد فترة قصيرة من الوقت الى حد ما، و سبب هذا الحذف الاوتوماتيكي هو انتهاء أي عملية مثل ارسال بريد الكتروني او النفاذ الى الانترنت او تنزيل ملفات يعني انتهاء الحاجة الى بيانات الحركة التي تولدت اثناء العملية و التي تمكن من اجراء العملية( ).
و من منظور اقتصادي يهتم معظم مقدمي الانترنت بحذف المعلومات باسرع ما يمكن نظرا لان تخزينها لفترة طويلة يتطلب سعة تخزينية كبيرة و مكلفة جدا و مع ذلك فان الجوانب الاقتصادية لا تشكل السبب الوحيد لقيام سلطة التحقيق بالمسارعة في التحقيق ( )، اذ ان التوجه التشريعي الحالي لمعظم الدول التي تراعي الحق في الخصوصية المعلماتية يقوم على الزام مزود الخدمات على حذف البيانات الحركة بعد زوال أسباب حفظها من الناحية التقنية و حظر تخزينها وفق ما تمليه مثلا احكام الفقرة الأولى من المادة 6 من التوجيه الأوروبي رفم 85 لسنة 2002 المتعلق بخصوصية الاتصالات الالكترونية حيث تنص على انه " يجب حذف بيانات حركة السير المتلصة بالمشتركين و المستعملين التي يعالجها و يخزنها مقدم شبكة اتصالات الكترونية للجمهور او اخفاء هويتها بعد توقف الحاجة اليها لاغراض ارسال رسالة .." ( ).
تحرص المذكرة التفسيرية لاتفاقية بودابست في تصديرها لهذه المادة على ذكر الهدف المتوخى منها و هو إعطاء السلطات المختصة فرصة أو إمكانية الأمر أو الحصول بطريقة مشابهة على الحفظ العاجل للبيانات الالكترونية المخزنة، و يتطلب الحفظ حماية البيانات التي سبق وجودها و تخزينها من كل ما يعرضها لخطر التغيير أو التجريد من صفتها أو حالتها الراهنة، فهو يتطلب أن تكون البيانات مصانة على نحو آمن من كل تغيير أو إتلاف آو محو و الحفظ لا يتطلب بالضرورة أن تكون البيانات "مجمدة" و بالتالي لا يمكن أن تستخدم او يتم الحصول على صورة منها بواسطة المستخدمين الشرعيين و الشخص الذي يصدر اليه الأمر يمكن بناء على تخصيصات هذا الأمر يحفتظ بالولوج للبيانات( )
و لم تحدد كل من الاتفاقية بوادبست( ) و كذا الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات( ) الطريقة التي من خلالها البيانات يجب أن يكون محتفظ بها، فالأمر متروك لكل دولة في أن تقيم النماذج الملائمة للحفظ و تحديد ما إذا كان في بعض الحالات فان التحفظ على البيانات يمكن ان يشمل أيضا تجميدها ، إن عبارة " يأمر أو... يحصل بطريقة مشابهة " الهدف منها الترخيص بتطبيق وسائل قانونية أخرى للتحفظ غير الأمر القضائي أو الإداري أو تحقيق من الشرطة أو النيابة على سبيل المثال و في بعض الدول لا ينص قانون الإجراءات الجزائية على أوامر الحفظ و في هذه الحالة فان البيانات لا يتم التحفظ عليها إلا من خلال عمليات التفتيش و الضبط أو الأمر بإنتاج البيانات ( )..
على انه ينبغي الحذر من الخلط بين اجراء "حفظ البيانات" او كما تسميه المحكمة الوروبية لحقوق الانسان " الالتزام بالاحتفاظ الشامل ببيانات حركة السير" و بين اجراء الامر بالحفظ العاجل لبينات حركة السير او ما يطلق عليه " اجراء التجميد السريع لبيانات حركة السير" ، اما "" الالتزام بالاحتفاظ الشامل لبيانات حركة السير" " فهو نهج مختلف لكفالة عدم فشل التفتيش، اذ يلزم مزود الخدمة بحفظ بيانات الحركة لجميع المستخدمين بدون اسثناء خلال مدة محددة قد تتجاوز سنتين لاتغلالها في التحقيقات الجنائية مستقبلا.
على ان نقطة هامة تثار هنا تتعلق بمسلك المشرع الجزائري بخصوص مسكله إزاء الية حفظالبينات على نحو يحول دون التوصل اليها قبل حذفها، و هوما نتولى بحثه في الفرع الموالي.
الفرع الثاني: التنظيم التشريعي للأمر بالحفظ العاجل للبيانات المخزنة.
سبق و ان اشرنا ان الأدلة المعلوماتية تتميز بسرعة تبخرها و تلاشيها لذا يمثل الوقت جانبا مهما في التفتيش المعلوماتي، لانه عادة ما تمر فترة زمنية بين تنفيذ الجريمة و اكتشافها و تبليغ سلطات التحقيق بها و لذلك من المهم سن اليات إجرائية تمنع حذف البيانات ذات الصلة مباشرة بعد الشروع في التحقيق، و عندنا فان السؤال المطروح فيما اذا كان المرشع اعمتد الية " الالتزام بالحفظ الشامل للبيانات او "الامر بالحفظ العاجل للبيانات المخزنة".
بالرجوع إلى نص المادة 10 من القانون 04-09 نجدها تنص" في إطار تطبيق أحكام هذا القانون يتعين على مقدمي الخدمات تقديم المساعدة للسلطات المكلفة بالتحريات القضائية لجمع و تسجيل المعطيات المتعلقة بمحتوى الاتصالات في حينها و بوضع المعطيات التي يتعين عليهم حفظها وفقا للمادة 11 أدناه تحت تصرف السلطات المذكورة..." و المستفاد من صياغة هذا النص و التي المشرع لم بعتمد "اجراء الامر بالحفظ العاجل لبيانات الحركة" و انما تبنى نهجا اخر و هو " استبقاء البيانات" او "الاحتفاظ بالبيانات" Rétention des données ، و يفرض التزام استبقاء البيانات على مقدمي الخدمات الاحتفاظ بيبانات الحركة لفترة معينة من الوقت مع ان كافة معظم التشريعات الأوروبية و العربية قد تبنت كلا النهجين، نهج الاحتفاظ بالبيانات و نجه الامر بالحفظ العاجل للبيانات، و مثال ذلك التوجيه الأوروبي ررقم 24 لسنة 2006 المتعلق بحفظ البيانات ( ) و التي تنطبق على المادة 1 منه على المادة 11 من القانون الجزائري رقم 09/04( )و نتيجة لاطلاق ذات المصطلح على هاتين الوسيلتين فق وقع الكثير من الفقه في الخط بينها ( ) و عدم التفريق بينها و بين باقي الإجراءات التقليدية كالامر بالتلسيم( ) .
و يلاحظ أن المشرع الجزائري لم يفرق بين البيانات المتعلقة بحركة المرور و البيانات المتعلقة بالمشتركين ، إذ يقع على مزود الخدمة الاحتفاظ بها جميعا( ) . و مع ذلك فإن الباحث يرى أن عبارة "حفظ" التي استعملها المشرع توحي بأنه لا يعير اهتماما لمسألة ضمان سلامة و أمن المعطيات من خطر التغيير أو التعديل و يظهر ذلك بجلاء من خلال استقراء المادة 11 من القانون 04-09 التي جاء فيها " مع مراعاة طبيعة و نوعية الخدمات يلتزم مقدمو الخدمات بحفظ.... تحدد مدة حفظ المعطيات المذكورة في هذه المادة بسنة واحدة من تاريخ التسجيل" إذ لا جدوى من المعطيات التي تم حفظها أي تسجيلها إذا لم يتم ضمان سلامتهما و أمنها ، و هكذا يكون المشرع مدعو إلى تغيير صياغة النص على نحو يلزم بمقتضاه مزودي الخدمات بضمان حفظ و امن و سلامة المعطيات المتعلقة بحركة السير( ).
و السؤال المثار بشان موقف المشرع الجزائري في الحقيقة لا ينعق من المقاربة الفلسفية التي تشكل محور الدراسة ، فيما اكان المشرع بموفقه هذا قد حقق التوزان بين الفعالية و الشرعية في الوصول الى الحقيقة ؟
قدمنا ان " الالتزام بالاحتفاظ الشامل ببيانات حركة السير" يفرض على مقدم الخدمة حفظ بينات الحركة لفترة معينة من الوقت قتد تستغرق مدة ابقاء السجلات لمدة تصل الى 24 شهرا في النهج المقارنة، و يمكن لسلطات التحقيق النفاذ الى البيانات اللازمة لتحديد الجاني حتى بعد ارتكابها بشهور عديدة ، و منظور مقدم الخدمات يعتبر" اجراء التجميد السريع للبيانات" اقل تقييدا من "الالتزام بالحفظ الشامل للبينات" حيث لا يحتاج مقدمو الخدمات الى تخزين جميع البيانات الخاصة بكافة المشتركين، و لكن عليهم بدلا من ذلك كفالة عدم حذف بيانات محددة بمجرد استلام "امر بالحفظ العاجل للبينات المخزنة"، و يتيح "الامر بالحفظ العاجل للبيانات" مزايا طالما انه ليس من الضروري حفظ البيانات المتجمعة لملايين المستخدمين و لكن يكفي حفظ البيانات المتصلة بالأشخاص المحتملين للاشتباه في التحقيقات الجنائية و مع ذلك فمن المهم ان يشار الى ان " الاحتفاظ الشامل بالبيانات" يتيح مزايا في الحالات التي يتم فيها حذف البيانات بعد ارتكاب الجريمة مباشرة ففي هذه الحالات لا يمكن لامر الحفظ العاجل للبيانات- "الالتزام بالحفظ الشامل للبيانات" " لن يمنع حذف البيانات ذات الصلة ( ).
في الحقيقة يحدتم الصراع بين الثانية " الفعالية و " الشرعية " بخصوص هذه الوسييلة بكشل كبير جدا فموقف المشرع الجزائري يميل الى ترجيع اعتبرات الفعالية ، لان اجراء الامر بالحفظ العاجل للبيانات لا يتيح المحافظة عليها طلمان ان مزودي الخدمات يفضلون ازلتها بمجرد اشتمكال الخدمة من منظور اقتصادي بحث تجنا من أعباء الحفظ و التخزين بالنظر الة حجمها الذي يفوق قدرة العقل البشري على التصور، بينما تمثل المادة 11 من قالانون 04/04 اهدارا كليا لمبدا الشرعية لانه ورد مناقضا لبمدا التناسب و الظرورة بحيث يشترط الاحتفاظ بعدد كبير من فئات بينات الاتصال و لكل مشترك بدون استثناء بحيث يطال أيضا كافة البيانات حتى و لو كانت تتمتع بامتياز السرية المهنية.
و ما يؤكد هذا النتيجة التي توصلنا اليها ليس فقط تركيز كافة الاتفاقيات الدولية على الامر بحفظ البينات بدل الالتزام الشامل بحفظ البيانات بل توجه مختلفت المحكام الدستورية الداخلية الأوروبية الى تقرير عدم دستوريته( )، و تاد ذلك ايضا بقرار محكمة العدل الاوروبية الصادر بتاريخ 08 افيريل 2014 القاضي ببطلان "التوجيه الاوروبي الصادر بتاريخ 15 مارس 2006 -dir-ective 2006/24/CE المتعلق بالزام مزودي الخدمات بالاحتفاظ بالبيانات التي تم إنشاؤها أو معالجتها بمناسبة توفير خدمات الاتصالات الإلكترونية المتاحة للجمهور" لانه في نظر المحكمة يفضي إلى تدخل واسع النطاق في الحياة الخاصة للافراد وحماية البيانات الشخصية، دون أن يقتصر ذلك التدخل على ما هو ضروري قطعاً و جاء في الفقرتين 85، 59 من هذا الحكم:
" من ناحية ، ينطبق التوجيه 2006/24 بطريقة شاملة على جميع الأشخاص الذين يستخدمون خدمات الاتصالات الإلكترونية ، ولكن الأشخاص الذين يتم تخزين بياناتهم ليسوا ، حتى بشكل غير مباشر ، في موقف يرحج ان يكونوا عرضة للمتابعة الجنائية. وهذا ينطبق حتى على الأشخاص الذين لا توجد أدلة تشير إلى أن سلوكهم قد يكون له صلة ، حتى غير مباشرة أو عن بعد ، بجرائم خطيرة. علاوة على ذلك، لا يقدم أي استثناء ، بحيث ينطبق حتى على الأشخاص الذين تخضع مراسلاتهم ، بموجب قواعد القانون الوطني ، للسرية المهنية.
ومن ناحية أخرى، فإنه في حين أن المقصود منه المساهمة في مكافحة الجريمة الخطيرة، فإن التوجيه الوارد ذكره لا يتطلب قيام علاقة بين البيانات التي يقصد الاحتفاظ بها وتهديدها للسلامة العامة، و لا يقتصر على الاحتفاظ بالبيانات المتعلقة بفترة زمنية محددة أو منطقة جغرافية أو دائرة من الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا متورطين بأي شكل من الأشكال في انتهاك خطير، او لأسباب اخرى لمنع الجرائم الخطيرة وكشفها أو مقاضاة مرتكبيها"( )
و قد اوصت منظمة الحقوق الرقمية الأوروبية الاستغناء على " الالتزام بالاحتفاظ الشامل بالبيانات" و اعتماد اجراء الامر بالحفظ العاجل للبيانات المخزنة و جمع البيانات المستهدفة التي تساعد في تحقيقات محددة وفقا لما تم الاتفاق عليه دوليا في الافاقية الأوروبية لمكافجة جرائم المعلوماتية، الا ان المشرع الأوروبي اكتفى بادخال تعديلات على اطار الاحتفاظ الشامل بالبيانات بدلا من الغائه باعتبراه أداة قيمة لنظم العدالة الجنائية.
لذا نرى انه ينبغي على المشرع الجزائري احاطة هذا الاجراء ببعض الضمانات و أهمها وجوب خفض مدة استبقاء البيانات لدى مزود الخدمة التي ححدها بمدة سنة كاملة، الى 180 يوما من تاريخ التسجيل اسوة بالمشرع المصري( ).، هذا من مجهة و من جهة اخرى فرض عقوبة جزائية على مزودي الخدمات في حالة مواصلة الاحتفاظ بهذه البيانات بعد انقضاء الاجل المقرر قانونا للاحتفاظ بها ( ).
و من البيهدي انه و ظل هذه التوصيات المقدمة الى المشرع الجزائري بخفض مدة الاحتفاظ بالبينات يعتين عليه عليه أيضا اعتماد الية " الامر بالحفظ العاجل لبينات حركة السير" اسوة بالتشريعات المقارنة نظرا لما تحققه من فاعلية في المحافظة على الدليل المعلوماتي و تميكن سلطات التحقيق من استراداه قبل حذفه، و هذه التوصية تقودنا الى التطرق الى ضمانات هذا الاجراء الجزائي.
الفرع الثالث: قيود الأمر بالحفظ العاجل للبيانات المعلوماتية المخزنة
تفرض موجبات الشرعية الإجرائية احاظ هذه الوسيلة الإجرائية بعديد من القيود تكفل له حدودا موضوعية فلا يكون شاملا مخلفا لمدأ التناسب (فقرة أولى) و وحدودا زمنية فلا تستغرق مدته فترة تناقض الحق في الدخول في طي النسيان (فقرة ثانية) و ان يخضع دائما لرقابة القضاء و اشرافه ( فقرة ثالثة)
أولا: القيود الموضوعية للأمر بالحفظ
أشارت المذكرة التفسيرية لاتفاقية بودابست إلى أن سلطة " أن يأمر أو يحصل بطريقة أخرى على الحفظ السريع للبيانات الالكترونية " تنطبق على كل نوع من أنواع البيانات المعلوماتية المخزنة، و بالتالي يمكن أن تشتمل على أي نوع من البيانات المحددة في الأمر بالحفظ، مثال ذلك مستندات تجارية أو طبية أو شخصية، فالأطراف يجب أن يؤسسوا هذه الإجراءات من اجل تطبيقها بالأخص عندما تكون ثمة أسباب تدعو للاعتقاد بان البيانات قابلة على وجه الخصوص للفقد أو التعديل، و يمكن أن يشمل ذلك أيضا على سبيل المثال البيانات التي لا يتم الاحتفاظ بها إلا لفترة وجيزة، و كما هو الحال عند تبني سياسة محو البيانات بعد فترة معينة أو أن البيانات يتم محوها منهجيا عندما يكون وسيط التخزين مطلوبا من أجل تسجيل بيانات أخرى ( ).
كما تشير الفقرة 1 من المادة 16 صراحة إلى البيانات المتعلقة بالمرور بغرض الإشارة إلى الانطباق الخاص لهذه النصوص على هذا النوع من البيانات التي بمقتضاها، عندما يتم تجميعها و الاحتفاظ بها عن طريق مقدم الخدمة فانه لا تكون بصفة خاصة محتفظ بها إلا لفترة وجيزة يضاف إلى ذلك إن الإشارة إلى البيانات المتعلقة بالمرور يقيم أو ينشئ علاقة بين الإجراءات المشار إليها في الماديتن 16، 17 ، غير أننا نرى أن التفسير الوارد بالمذكرة الإيضاحية لاتفاقية بودابست لا معنى له و فاقد لقيمته لان عبارات نص المادة 16 واضحة و لا تحتاج إلى تفسير بخصوص نطاق الأمر بالحفظ، بحيث ورد النص عاما و شاملا لجميع البيانات بدون استثناء ( بيانات المرور، بيانات المحتوى، بيانات المشترك) و إن جاء التركيز على بيانات المرور فان المذكرة التفسيرية أرجعت ذلك إلى سرعة زوال هذا النوع من البيانات و أيضا لقيمتها في نسبة الجريمة إلى مقترفها، و من ثم لا يترتب البطلان إذا ما جاء أمر الحفظ شاملا، و الشمول في أمر الحفظ لم تستثنه أي اتفاقية دولية ( ) او تشريع داخلي ( ).
غير ان صفة التوسع التي ينطوي عليها امر الحفظ ، يقتصر مدلولها على جميع البيانات حسب التقسيم المتعارف عليه ( بيانات المرور، بيانات المحتوى ، بيانات المشتركين) من حيث النوع، دون ان تفيد معنى الشمول العام، بحيث يقع باطلا كل امر بالحفظ لا يراعي مبدأ التناسب و الضرورة، فلصحته وجب ان يكون الأمر بالحفظ مقيدا من حيث موضوعه بيانات محددة بغض النظر عن نوعها (الفئة)، و ان تكون مرتبطة بالقضية التي يجري التحقيق فيها، و ان يراعي قدر الأمكان تحديد تاريخ توالدها بحصرها في النطاق الزمني لوقوع الجريمة دون ان يمتد إلى تاريخ سابق عن حدوثها، تحقيقا لمبدأ التناسب بين حق الدولة في اتخاذ هذا التدبير و بين مصلحة الفرد في حماية حقه في الخصوصية.
فهذا الإجراء لا يتعلق سوى بالبيانات المعلوماتية الموجودة قبل صدور أمر الحفظ أو كانت في طور التخزينعند اصدار الامر، لذا فانه من الأهمية بمكان إقامة تفرقة بين مصطلحي "حفظ البيانات" و "الاحتفاظ و أشرفة البيانات" فرغم أن للكلمتين معنيين متجاورين في اللغة الشائعة لكن لهما معنى مختلف في لغة المعلوماتية، إذ أن عبارة حفظ البيانات" تعني حفظ بيانات سبق وجودها في شكل مخزن و حمايتها من كل شيء يمكن أن يؤدي إلى إتلافها أو تجريدها من صفتها الراهنة ، في حين فان عبارة " الاحتفاظ بالبيانات" تعني حفظ بيانات لدى حائزها بالنسبة لمستقبل البيانات في طور الإنتاج و التوالد فأرشفة البيانات يشير إلى تجميع البيانات في الوقت الحاضر و حفظها أو حيازتها في أرشيف أي وضعها في ترتيب معين و الاحتفاظ بها في المستقبل و معنى ذلك أن "أرشفة البيانات" عبارة عن عملية تخزين للبيانات على عكس " حفظ البيانات" الذي يعني النشاط الذي يضمن للبيانات سلامتها و سريتها ( ).
و هذا الضمان الإجرائي نصت عليه ديباجة التوجيه الأوربي رقم 93 لسنة 2011 مؤكدة بان هذه الوسيلة الإجرائية لا تسمح بالاحتفاظ سوى بالبيانات المخزنة بالفعل لدى مزود الخدمة وقت استلام الأمر، و لا يجوز الوصول إلى بيانات توالدت بتاريخ لاحق لتبليغ الأمر إلى مزود الخدمة، و نعتقد أن هذا الضباط الإجرائي يعتبر بمثابة حد فاصل بين التفتيش و المراقبة، ففي حالة ما إذا تضمن الأمر بالحفظ واجب جمع أو تسجيل المعلومات المرسلة بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الوقت الحاضر أو بالنسبة للبيانات المتوالدة مستقبلا ، فان هذا الالتزام يجعل الإجراء بمثابة اعتراض للمراسلات، و يخرجه من دائرة التفتيش، و هو ما يترتب عليه البطلان نظرا لاختلاف الضوابط الإجرائية بين التفتيش و المراقبة بشكل كبير جدا و جاز في هذه الحالة لمزود الخدمة الامتناع عن الانصياع للأمر لعدم مشروعيته.
و يوجد أيضا ضابط إجرائي آخر لم تشر إليه الاتفاقيات الدولية المار بيانها، و قد استدركه المشرع الأوربي ضمن مقترح التوجيه المتعلق بأوامر تقديم و حفظ الأدلّة الجنائية الإلكترونية بين دول الإتحاد الأوروبي و يتعلق بنوع الجريمة موضوع التحقيق، بحيث يكون التوسع و الضيق في نطاق الأمر بالحفظ مقيد أيضا بطبيعة الجريمة من حيث درجة خطورتها، باعتبار ان بيانات المشتريكين و بيانات النفاذ اقل خطورة على الخق في الخصوصية اذا ما قورنت ببيانات المحتوى ، فان الفئة الاولى من البيانات قد يستغرها الامر بالفظ بمناسبة التحفقيق في شتى الجرائم بين ان الفئة الثانية (بيانات المحتوى) يخضع حفظها لقيود أشد صرامة ( )
فلا يجوز أن يصدر أمر بحفظ البيانات المتعلقة بالمحتوى إلا إذا كان بقصد جمع دليل معلوماتي لإثبات جريمة لا تقل عقوبتها عن ثلاثة سنوات أو كانت تمثل جريمة من جرائم الاحتيال و التزوير المتركبة بشكل كلي و جزئي بوساطة نظم المعلومات ( )، و جرائم الاستغلال الجنسي للقصر ( )، و الجرائم الإرهابية ( )، و ذلك منعا من اللجوء المفرط لهذه الوسيلة القسرية، إذ يُستبعد من نطاق التطبيق عددًا كبيرًا من الجرائم التي تعتبرها الدول الأعضاء أقل خطورة ، و مع ذلك فان البرلمان الأوربي لم يستبعد إمكانية اللجوء إلى هذه الوسيلة الإجرائية متى كانت العقوبة المقررة للجريمة تقل عن ثلاثة سنوات و لكن يمكن أن تسبب ضررًا خطيرًا أو كبيرًا ، لا سيما في الحالات التي يكون فيها الضرر الفردي منخفضًا و لكننه يمتد إلى عدد كبير من الضحايا بشرط عدم إمكانية إثباتها سوى من خلال الدليل المعلوماتي( ) .
و من الضمانات الهامة التي أغلفت التشريعات النص عليها ، و هي عدم جواز إصدار أمر بالحفظ و لو انصب على بيانات المرور فقط، إلا بشأن التحقيق في الجرائم التي ارتبكت بالفعل سواء كان مرتكب الجريمة معروفا أو مجهولا لدى سلطة التحقيق، و معنى ذلك انه يقع باطلا كل أمر يرمي إلى حفظ البيانات بقصد التحقيق في أفعال تحضيرية و من جهة أخرى فان هذه البيانات تكون محفوظة لدى مزود الخدمة بقوة القانون طبقا للإلتزام بالحفظ الشامل للبيانات .
و هنا نشير الى مسالة غاية في الأهمية تقيم فارقا بليغا بين الامر بالحفظ العاجل للبيانات و بين الالتزام بحفظ البيانات وفقا التشريع الجزائري اذ ان المشرع اسقط بيانات المحتوى من نطاق الالتزام بالحفظ و هدفه هو المحافظة على الحريات الفردية الان هذا هذا النوع من الأدلة غالبا ما يشكل دليلا كاملا ينصب مباشرة على الواقعة موضوع الإثبات( ) ، و لا مراء ان ادخال هذه الفئة من البيانات ضمن الالتزام باستبقاء البيانات يشكل اهدارا صارخا للشرعية الإجرائية و كشفا صرييخا لستار السرية بشكل غير ضروري و هو موقف جميع التشريعات المقارنة لا سيما التشريعات الأوروبية ( ).
و لا سبيل للخروج من هذا الأزق سوى بتبي الامر بالحفظ العاجل لبيانات المحتوى لانه يستهدف فردا محددا معينا قامت في حقه مجموعة من القرائن التي ترجح ضلوعه في ارتكاب الجريمة موضوع التحقيق و ضمن نطق زمني مرتبط بالواقعة الاجرامية لان الموقف التشريعي الحالي يهدر الفعالية و الشرعية معا.
ثانيا: القيود الزمنية للامر بالحفظ العاجل للبيانات
لا ريب أن الأمر بالحفظ العاجل للبيانات الحاسوبية يمثل وسيلة قسرية تنطوي على مساس بالحق في الخصوصية إذ أن واقعة تواصل و استمرار حفظ البيانات و تخزينها تشكل تعارضا مع حق الفرد في الدخول في طي النسيان Le droit à l oubli numérique ، و يعني ذلك ان المشكلة تتمثل في القدرة على الاحتفاظ بالبيانات الشخصية لدى طرف آخر لمدة زمنية قد تطول و هو ما يهدد الأفراد مستقبلا بظهور بياناتهم ( ).
لهذا السبب نجد أن اتفاقية بودابست قد حرصت على أهمية تحديد المدة القصوى لنطاق الأمر بحفظ البيانات المعلوماتية المخزنة تحقيقا لمبدأ التناسب و الضرورة ، بحيث لا يجوز ان يجبر مزود الخدمة بحفظ و سلامة هذه البيانات لمدة تفوق 90 يوما، و اعتبرت ان هذه المدة الزمنية كافية للسماح للسلطات المختصة لاتخاذ إجراءات قانونية أخرى كالتفتيش و الضبط و الولوج إلى البيانات أو الحصول بطريقة مشابهة أو إرسال أمر بالإنتاج ( التقديم و التسليم) بغرض الكشف على هذه البيانات و الإفصاح عنها إلا أنها أجازت تجديد الأمر بالحفظ( ).
و نفس الإطار الزمني تبنته الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات( )، أما مشروع اتفاقية الأمم المتحدة للتعاون في مكافحة الجريمة الإلكترونية فانه أجاز إجبار مزود الخدمة بحفظ البيانات وصون سلامتها لمدة زمنية أقصاها 180 يوما، لتمكين السلطات المختصة من السعي إلى الكشف عن تلك البيانات مع إمكانية تجديد ذلك الأمر في وقت لاحق( )، في حين نجد أن اتفاقية الاتحاد الإفريقي بشأن أمن الفضاء الإلكتروني و حماية البيانات ذات الطابع الشخصي قد مددت هذا النطاق الزمني بشكل مبالغ فيه قد يصل إلى غاية سنتين كاملتين( )، و هو ما ما يناقض الغاية من حفظها، في وقت يحدث هذا التوجه تناقضا في الالزمات الدولية المفروضة بموجب الاتفاقيات الدولية المساقة آنفا حين مصادقة الدولة على هذه الاتفاقيات معا.
بالعودة إلى التشريع المقارن نجد أن المشرع الفرنسي ساوى بين مدة الالتزام العام الملقى على عاتق مزودي الخدمات في إطار الالتزام بالاحتفاظ الشامل للبيانات حركة السير بموجب المادة 34 من قانون البريد الاتصالات الإلكترونية و المادة 01 من المرسوم 358/2006 المتعلق بحفظ معطيات الاتصالات الالكترونية( ) مع مدة الأمر بالحفظ في سياق التحقيق الجنائي اذ نصت المادة 60 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية على جواز المطالبة بحفظ البيانات لمدة سنة كاملة ، دون أن ينص على إمكانية تجديدها ( ) .
أما التشريعات العربية كالتشريع القطري( ) ، و البحريني ( )، فقد حافظا على المدة التي حددتها الاتفاقية العربية و المقدرة بـ 90 يوما كحد أقصى مع جعلها قابلة للتجديد بموجب أمر مسبب قبل ثلاثة أيام من انقضاء المدة الأولى، أما التشريع المصري فقد قلص المدة بشكل كبير جدا بحيث لا يجوز ان تتجاوز 30 يوم و هذه المدة غير قابلة للتجديد سوى مرة واحدة ( )، اما قانون الكامولث النموذجي المتعلق بالجرئام الحاسوبية و الجرائم المتلصة بالحاسوب فقد قلص المدة الى 7 أيام فقط قابلة للتجيد بموجب المادة 15 منه ( ). و هو ما يحسب لهذا التشريع في محاولة منه لترجيع اعتبارات الشرعية قدر الإمكان و حفظ الحق في النسيان.
أما مقترح البرلمان الأوربي المتعلق بأوامر إنتاج و حفظ الأدلّة الجنائية الإلكترونية بين دول الإتحاد الأوروبي، فقد أشارت ديباجته إلى تقليص نطاق الزمني الحفظ إلى مدة أقصاها 60 يوما ما لم يبلغ مزود الخدمة بالأمر بالإنتاج ، فان لم يتلق مزود الخدمة خطوات رسمية أخرى يتحتم على هذا الأخير حذف البيانات فعد فوات اجل 60 يوما تاريخ تبليغه الأمر بالحفظ( ) ، و هو ما ينطبق على الفترة الزمنية التي حددتها اتفاقية بودابست بموجب المادة 29 و الاتفاقية العربية لمافحة جرئام تقنية المعلومات بمقتضى المادة 37 بخصوص الأمر بالحفظ الدولي.
ثالثا: الاشراف القضائي على اجراء الامر بالحفظ العاجل للبيانات و تسليمها
لا قيمة للشرعية بنوعيها( الدستورية و القانونية) ما لم يتوافر الضمان القضائي الذي يكفل حماية الحقوق و الحريات من خطر المساس بها عند اتخاذ الأمر بإجراء حفظ البيانات المعلوماتية المخزنة، فإذا كانت الضمانات التي توفرها قاعدة مشروعية الدليل الجنائي للمتهمين تقتضي معاملتهم بوصفهم أبرياء حتى يصدر حكم بات بإدانتهم من ناحية ، و تتطلب أن يكون القانون هو الأداة التي تنظم استعمال الحرية من ناحية أخرى ، فإن هذه الضمانات تكون عديمة الأثر ما لم تكن هناك سلطة قوية تكفل مراعاتها و تضمن بذاتها احترام الحرية الشخصية و ترد الاعتداء الواقع عليها( ).
و كون الأمر بالحفظ من مقدمات إجراء الضبط المعلوماتي فهو بذلك يعتبر عملا من اعمال التحقيق و معنى ذلك انه عمل قضائي لان التحقيق وظيفة قضائية فالصفة القضائية في من يأمر او يأذن بالأمر بالحفظ ضمانا هاما باعتباره إجراء يقيد الحق في الخصوصية المعلوماتية، و هذا المبدأ المعبر عنه " بالقضاء هو الحارس الطبيعي للحريات" ( ) يمتع بالطابع الدستوري و في هذا الصدد تنص المادة 46 من الدستور الجزائري " لا يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة، و حرمة شرفه، و يحميها القانون...لا يجوز باي شكل المساس بهذه الحقوق دون أمر معلل من السلطة القضائية... ".
و عندنا، فان السؤال المطروح الآن يتضمن البحث في تحديد معنى "السلطة القضائية" هل سلطة إصدار الأمر بحفظ البيانات الحاسوبية المخزنة و إنتاجها يقتصر على سلطة التحقيق أم يمتد ايضا الى سلطة الاتهام؟
لم تجب كل من اتفاقية بودابست و الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلوماتية على هذا السؤال بيد أن اتفاقية الاتحاد الإفريقي بشأن أمن الفضاء الإلكتروني و حماية البيانات ذات الطابع الشخصي جعلت سلطة اتخاذ هذا الإجراء من اختصاص سلطة التحقيق على وجه التحديد، و في هذا الإطار نجد أن المشرع الفرنسي خول النيابة العامة هذه السلطة و لكن بإذن من قاضي الحريات و الحبس بموجب المادة 60 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية ، و هو موقف المشرع المصري ( )، و إن خول التشريع القطري هذه السلطة إلى النيابة العامة ( ) فإن التشريع البحريني جعل أمر تجديد المدة من اختصاص المحكمة الجنائية الكبرى.( ) .
و بخصوص مقترح البرلمان الأوربي المتعلق بأوامر إنتاج و حفظ الأدلّة الجنائية الإلكترونية بين دول الإتحاد الأوروبي فهي تحدد السلطة المختصة بإصدار الأمر بالحفظ و الإنتاج بحسب طبيعة البيانات المستهدفة و أثرها على الحق في الخصوصية، فنظرا لكون الأمر بحفظ بيانات المشترك و بيانات النفاذ اقل تقييدا للحرية الفردية فقد أجازت لجهة الاتهام سلطة اللجوء إلى هذه الوسيلة ضمن هذه الحدود الموضوعية، اما إذا تعلق الأمر بيانات المحتوى فلا يجوز أن يصدر الأمر بالحفظ و الإنتاج سوى من قبل سلطة التحقيق ( قاضي المحكمة أو قاضي التحقيق) ( ) .
و قد أشارت المذكرة التفسيرية لاتفاقية بودابست إلى أن عبارة " الأمر أو الحصول بطريقة مماثلة" تشير إلى إمكانية استخدام أساليب قانونية أخرى لتحقيق الحفظ بالاكتفاء بأمر قضائي أو إداري أو توجيهات من المدعي العام أو الشرطة بحيث تتيح هذه العبارة مرونة مقصودة بغية تمكين الدول من تنفذ هذا الإجراء بشكل سريع( ).، لذا يرى جانب من الفقه ان أهمية الأمر بالحفظ لا تتحقق سوى بالتصرف الفوري و السريع لذا يكون من المفيد التخلي عن اقتضاء صدور إذن قضائي مسبق و تمكين الادعاء أو الضبطية القضائية من إصدار أمر بالحفظ لان ذلك سيمكِّن تلك السلطات المختصة من التصرف بسرعة أكبر، اما حماية حقوق المتهم فتتحقق في المرحلة الإجرائية الموالية للأمر بالحفظ أي في مرحلة الإنتاج و الإفصاح عن مضمون هذه البيانات أين يفرض الضمان القضائي ( ).
و تحقيقا لهذه الغاية نجد ان المشرع البلجيكي قد بادر بإدخال تعديلات على قانون التحقيق الجنائي بمقتضى قانون 25 ديسمبر 2016 الرامي إلى تحسين أساليب التحقيق الجنائي المعلوماتي أين سمحت المادة 3 من هذا القانون لأي ضابط الشرطة القضائية إذا كان هناك سبب للاعتقاد بأن البيانات المخزنة أو المعالجة أو المنقولة عن طريق نظام حاسوبي عرضة بشكل خاص للضياع أو التعديل ، أن يأمر بموجب بقرار كتابي شخص أو أكثر من الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص الاعتباريين للحفاظ على البيانات الموجودة في حوزتهم أو سيطرتهم، و في حالة الاستعجال ، يجوز التخلي عن شرط القرار المكتوب مع استدراكه لاحقا و ذلك تحت طائلة عقاب مزود الخدمة في حالة اتخاذه موقفا سلبيا( ).
و في اعتقادنا فان توجه البلجيكي يحمل في جنباته مقتضيات الفعالية، و في اعتقادنا فان حقيقة أتوجه المرشع البلجيكي ترجع الى كون الأمر بالحفظ في حقيقته لا يعدو أن يكون مجرد إجراء سابق عن الضبط المعلوماتي و لا يقع بموجبه الضبط بمفهوم القانون، إذ أن البيانات المستهدفة بموجب هذا الأمر لا تنتقل حيازتها إلى السلطة الإجرائية بل تبقى تحت سيطرة مزود الخدمة،يلزم من خلاه بالحفاظ عليها و عدم حذفها الى حين اصدار الامر بالافصاح و الذي بمقضاته تضع سلطة التحقيق يدها على هذه البيانات.و من هذا المنطلق جعل الاختصاص لسلطة الاتهام و سلطة التحقيق مع اشتراط الاذن المسبق و لو كان شفهيا مع وجوب استدراك شرط الكتابة في الاذن القضائي لاحقا،
و نظرنا فنه هذا الحكم الذي تبناه المشرع البلجيكي مستمد من طبيعة هذه القرارات التي لا تحتمل التأجيل تحت طائلة فقدانها لفعاليتها اذ لو اعتمد حلا مغايرا بشانها لاضحت الادلة عرضة للضياع و من الملاحظ هنا ان ضرورة فعالية الاجراء تتقدم على ضرورة شريعت هذا الاخير، و هو الموقف الذي اشرات اليه اتفاقية بودابست و استوضحته مذكرتها التفسرية على اساس ان التنازل على هذا الضمان سيمكن السلطات المختصة من التصرف بسرعة اكبر في حين تتحق حمياة حقوق المتهم باقتضاء اصدار اذن قضائي للافصاح عنها ( )
و نحن نخالف هذا التوجه، بالسماح للضبطية القضائية باتخاذ هذه الوسيلة الإجرائية، دون أي ضمان قضائي لان هذا التدبير يبقى من الأعمال القضائية التي تحرص في إذنها على مراعاة الكثير من الضوابط الإجرائية التي تحفظ الحق في الخصوصية كمبدأ الضرورة و مبدأ التناسب و شرط التحديد في البيانات المطلوبة و درجة ارتباطها بالجريمة الجاري التحقيق بشأنها و فائدتها في إظهار الحقيقة، و مدى كافية القرائن المتوافرة التي تسمح باتخاذ هذا الإجراء و حماية البيانات الخاضعة للسرية المهنية، لذا ينبغي عدم جعل الحريات الفردية خاضعة للسلطة التقديرية للضبطية القضائية نهائيا حتى يتم تلسيم هذه البيانات الى الجهة القائمة بالتفتيش و هنا يحصل الضبط المعلوماتي.
و اجمال ما تقدم ان الضبط الشامل يعتبر جزء متأصل في عملية التفتيش المعلوماتي عادة ما يتسم بالشمولية و التوسع ليطال جميع بيانات المتهم ليتم إخضاع المضبوطات للتفتيش لاحقا ،و ان كانت هذه القاعدة المكونة من خطوتين تكفل لسلطة التحقيق تامين الأدلة من كل حذف او تعديل فأنها ليست بمثابة حل للإشكالية الرئيسية، لأنه يتعذر تحديد الأدلة وسط هذا الكم الهائل من البينات التّي تختلط فيها البيانات البريئة مع البيانات المجرّمة التي تشكل موضوعا للدليل الجنائي مع استحالة معرفة موقع هذه الأخيرة قبل تنفيذ التفتيش، لأنّها عادة ما تكون مخفيّة أو مفخّخة أو مشفّرة بطرق تجعل من المستحيل اكتّشافها دون الاطلاع على عدد كبير منها، و هو ما يتجاوز الغاية من التفتيش كأهم ضمان تقوم عليه نظرية التفتيش الجنائي في حماية الحرية الفردية،.
و تلك هي الاشكالية التي نتولى بحها في الفصل الثاني كيف يمكن استعادة الحدود التقليدية للتفتيش في بيئة رقمية تنعدم فيها الحدود المادية؟






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدخل الى قانون العقوبات
- ذاتية قانون العقوبات


المزيد.....




- أفضل الطرق لـ-تحييد- حزب الله في لبنان؟- مقال في فايننشال تا ...
- الشرطة البرازيلية تكشف رسائل تُظهر محاولة بولسونارو الفرار و ...
- مقابل 29 مليون يورو... المغربي أمين عدلي يغادر ليفركوزن
- فيديو المتحف المصري يفجر نقاشًا حول تشريعات الذكاء الاصطناعي ...
- وفاة رجل ببث مباشر بعد تعرضه للضرب والإهانة علنا لمدة 12 يوم ...
- سوريا: من هو ضياء سمّوط... المصور الذي خلّد رعب الغاز الأصفر ...
- تونس: الاتحاد العام للشغل يتظاهر دفاعا عن استقلاليته والحق ا ...
- هل بدأت إسرائيل باجتياح مدينة غزة.. ما الوضع الميداني والإنس ...
- حماس تدعو لتحرك عربي وإسلامي جاد لحماية الأقصى في ذكرى إحراق ...
- بين ضغط نتنياهو وحذر زامير.. احتلال غزة -مقامرة- مكتملة الأر ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - نحو ارساء ضوابط اجرائية للتقيش الجنائي الألكتروني - مقدمات التفتيش الجنائي في البيئة الرقمية