أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - المحاضرة الخامسة: تقسيمات الجريمة















المزيد.....


المحاضرة الخامسة: تقسيمات الجريمة


لهوى رابح

الحوار المتمدن-العدد: 8443 - 2025 / 8 / 23 - 12:08
المحور: قضايا ثقافية
    




المحاضرة الخامسة
تقسيمــــــــات الجريمــــــــة
تمهيد:
الجرائم متنوعة، و هي لذلك محل تسقيمات متعددة تختلف باختلاف الاسس التي تقوم عليها، و هذه الاسس مستمدة من اركان الجريمة، فثمة تقسيمات تعتمد على أسس مستمدة من الركن الشرعي أو المادي او المعنوي، و نحن نؤثر أن نلحق بدراسة كل ركن التقسيمات التي تتصل به، مقتصرين في هذا الموضع على دراسة تقسيم الجرائم الى جنايات و جنح مخالفات باعتباره لا يتصل بركن بعينه، بالاضافة الى كون الالمام به تمهيدا لدراسة النظرية العامة للجريمة ( ).
تقسيم الجرائم الى جنايات و جنح و مخالفات
جرى تقسيم الجرائم في التشريعات العقابية بناءا على ركن ركنها الشرعي الى جنايات و جنح و مخالفات، رغم ان هناك من التشريعات من يكتفي بالتقسيم الثنائي جنايات و جنح او جنح و مخالفات ( )، و سنحاول التطرق الى اساس هذا التقسيم، و اهميته ونستجلي الصعوبات التي تعرض هذا التقسيم:
اساس التقسيم:
اساس هذا التقسيم هو اختلاف الجرائم فيما بينها من حيث مقدار جسامتها، فاشد الجرائم جسامة هي الجنايات و اقلها جسامة هي المخالفات و تتوسط الجنح بين النّوعين، وقد قدّر الشارع جسامة كلّ جريمة ينص عليها ناظرا الى كل جوانبها و عناصرها ثم رتّب الجرائم من حيث جسامتها و وزعها على الاقسام الثلاثة، و بعد ذلك وضع معيارا تقاس به جسامة –خطورة- كل جريمة و يعرف به موضعها في احد الاقسام السابقة و هذا المعيار هو "نوع" و "مقدار" العقوبة المقررة لها( ).
يكاد يكون التقسيم الثلاثي للجرائم هو القاعدة المأخوذ بها في معظم التشريعات، و يجد هذا التقسيم مصدره في المادة 27 من قانون العقوبات الجزائري الّتي تنص "تقسم الجرائم تبعا لخطورتها إلى جنايات وجنح ومخالفات وتطبق عليها العقوبات المقررة للجنايات أو الجنح أو المخالفات" ( ) و الملاحظ من خلال النّص أنّ المشرع الجزائري حدّد أســـاس التقسيم و هو الخطورة ثم حدد معيار التقسيم و هو "نوع" و "مقدار العقوبة" المقرّر لكل جريمة، و يكفي الاطلاع على نص المادة 5 من قانون العقوبات لتحديد مقدار العقوبة الّتي على ضوئها تٌكيف الواقعة الجرمية كـ: جنابة أو جنحة أو مخالفة( ) و قد جاء فيها:
العقوبات الأصلية في مادة الجنايات هي الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس (5) سنوات وعشرين (30) سنة بالأضافة إلى الغرامة في حالة الحكم بالسجن المؤقت.
العقوبات الأصلية في مادة الجنح هي الحبس مدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ما عدا الحالات الّتي يقرر فيها قانون العقوبات أو القوانين الخاصة حدودا أخرى، غرامة تتجاوز 20.000 دج، بالاضافة الى العقوبات البديلة ممثلة في "عقوبة العمل للنفع العام" و "الوضع تحت المراقبة الالكترونية.
العقوبات الأصلية في مادة المخالفات هي الحبس من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر، الغرامة من 2000 دج إلى 20.000 دج.
الملاحظ على هذا التصنيف أنّه يعتمد على العقوبات الأصلية بصرف النظر عن العقوبات البديلة أو العقوبات التكميلية التي لا تؤخذ بعين الاعتبار كمعيار للتصنيف( )، كما أنّ العبرة في تكييف الواقعة بالنظر الى العقوبة المقرّرة في النص التشريعي و ليس بالعقوبة التي يقضى بها، و ليست العبرة بالوصف الذي ترفع به الدعوى و انما العبرة بالوصف الذي تقرره المحكمة، فاذا حركت النيابة العامة الدعوى معتبرة الجريمة مستوجبة طبقا للقانون عقوبة جنائية و لكن المحكمة اعتبرت الجريمة مستوحبة طبقا للقانون عقوبة حجنة فالعبرة بما راته المحكمة( ).
اهمية التقسيم:
لتقسيم الجرائم الى جنايات و جنح و مخالفات أهمية كبيرة في القانون من عدة نواح، سواء من الناحية الموضوعية أي بصدد تطبيق أحكام قانون العقوبات. او من الناحية الإجرائية، أي في مجال تطبيق قانون الإجراءات الجنائية، بل ان لهذا التقسيم نتائج ذات طابع دستوري.
أهميته من الناحية الدستورية:
تتضح أهمية التقسيم الثلاثي للجرائم من الناحية الدستورية، فيما يتعلق بتحديد السلطة المختصة بإنشاء أو تعديل الجرائم و العقوبات المقررة لها، حيث تنص المادة 139 من الدستور الجزائري على ان بيان الجنايات و الجنح و العقوبات التي توقع على مرتكبيها من اختصاص السلطة التشريعية "يُشـرّع البرلمان في الميادين الّتي يخصّصها له الدّستــور، وكذلك في المجالات الآتية :...7- القواعد العامة لقانون العقوبات، والإجراءات الجزائيّة، لا سيّما تحديد الجنايات والجنح، والعقوبات المختلفة المطابقة لها، والعفو الشّامل، وتسليم المجرمين، ونظام السّجون".. ، اما بيان المخالفات و كذلك تحديد العقوبات المقررة لها فان نص المادة 139 من الدستور لم تذكرها، حيث يتم تفويض الاختصاص بالتشريع الى السلطة التنفيذية نظرا لعدم خطروتها.
اهميته في مجال تطبيق احكام قانون العقوبات
تخضع أحكام قانون العقوبات للتقسيم الثلاثي للجريمة حيث تم وضع احكامه المختلفة استنادا إلى هذا التقسيم و مثال ذلك:
من حيث العقاب على الشروع :
تخضع احكام المحاولة "الشروع" لهذا التقسيم فيعاقب عليه في الجنايات بصفة مطلقة طبقا لنص المادة 30 من قانون العقوبات( )، في حين انه في الجنح لا يعقاب عليه الا بوجود نصوص خاصة تقرر العقاب على الشروع في الجنح طبقا طبقا لنص المادة 31 من قانون العقوبات، اما المخالفات فلا شروع فيها و لا عقاب عليه اصلا ( )، و هي قاعدة عامة تطبق بوجود النص عليها مهما كان مصدر التجريم ( ) سواء في قانون العقوبات( ) او القوانين المكملة ( ).
من حيث الاشتراك:
يعاقب على المساهمة التبعية" الاشتراك" في الجريمة الموصوفة بالجنايات و الجنح و لا يعاقب على الاشتراك في المخالفات اطلاقا وفق صريح نص المادة 31 من قانون العقوبات.
من حيث الظروف المخففة:
يختلف مستوى الحد الادنى للعقوبة الذي يجوز النزول عنه باختلاف وصف الجريمة و العقوبة المقررة لها قانونا، ففي الجنايات بوجه عام تخفض العقوبة الى 10 سنوات سجنا اذا اكنت العقوبة المقرة قانونا للجناية هي الاعدام و يجوز تخفيض العقوبة الى 3 سنوات حبسا اذا كانت العقوبة قانونا للجناية هي السجن المؤقت، و في الجنح و المخالفات و في الجنح و المخالفات يجوز تخفيض مدة الحبس الى يوم واحد و الغرامة الى 05 دنانير (م53 ق ع).
من حيث وقف تنفيذ العقوبة :
هو جائز في المخالفات بدون قيد و لا شرط، و يشترط في الجنايات و الجنح لتطبيقه ان لم يكن المتهم قد سبق الحكم عليه بالحبس لجناية او جنحة من جرائم القانون العام (م 592 ق اج).
من حيث تقادم العقوبة:
فيما يتعلق بتقادم العقوبة تتقادم العقوبة الصادرة في مواد الجنايات بمضي عشرين 20 سنة كاملة ( م 613 ق ع )، و بانقضاء خمس 5 سنوات كاملة في الجنح ( م 614 ق ع) و بمضي سنتين 2 في مواد المخالفات ( م 615 ق ع ).و بطيبعية الحال يبدا سريان هذه المدد ابتداءا من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم او القرار نهائيا.
من حيث تطبيق قواعد العود للجريمة:
تختلف الاحكام العمول بها بين ما اذا كانت الجريمة جناية او جنحة او مخالفة طبقا للاحكام التي تضمنتها المواد 54 مكرر، الى غاية المادة 54 مكرر 10 و المادة 57 و 59 من قانون العقوبات، فاذا حكم على شخص نهائيا بعقوبة جنائية اعتبر عائدا متى ارتكب بعد ذلك في أي وقت جناية (م 54 ق ع)، و لا يعد عائدا اذا حكم عليه بعقوبة جنحة الا اذا وقعت منه جنحة جديدة في خلال اجل معين و هو خمس سنوات التالية لانقضاء العقوبة الاولى او سقوطها بالتقادم ( م55 ق ع )، اما في المخالفات فلا يعد عائدا مرتكبها الا اذا ارتكب خلال الاثني عشر 12 شهرا من تاريخ الحكم الذي اصبح نهائيا المخالفة نفسها في دائرة اختصاص نفس المحكمة (م 58 ق ع).
اهميته بالنسبة لتطبيق قانون الاجراءات الجزائية:
لتقسيم الجرائم الى جنايات و جنح و مخالفات اهمية خاصة عبر جميع المراحل الاجرائية من "البحث و التحري" الى "التحقيق" الى "المحاكمة"، حيث تؤسس احكام و قواعد هذه المراحل الاجرائية على اساس "التقسيم الثلاثي للجرائم" و يمكن ابراز هذه الاهمية في( ):
في قانون الاجراءات الجزائية لا يكون التلبس الا في مواد الجنايات و الجنح و لا يكون في مواد المخالفات طبقا للمادة 41 منه "توصف الجنائية او الجنحة بانها في حالة تلبس اذا كانت مرتكبة في الحال او عقب ارتكابها...".
التحقيق القضائي وجوبي في مواد الجنايات بشكل عام، و في الجنح التي يقرر القانون وجوب التحقيق فيها و اختياري في مواجد الجنح اصلا و جوازي في المخالفات طبقا لمادة 66 من قانون الاجراءات الجزائية.
التقادم نوعان، تقادم الجريمة و تقادم العقوبة، تقرر مدتها بحسب نوع الجريمة جناية او جنحة او مخالفة، طبقا للمواد 6-9 ق ا ج و بحسب العقوبة المحكوم بها عقوبة جناية او عقوبة جنحة او عقوبة مخالفة في المواد 612-617 ق ا ج.
يخضع اختصاص و تشكيل الهيئات القضائية الجزائية المختصة بنظر الدعوى انطلاقا من تحديد طبيعة الجريمة حسب خطورتها جناية او جنحة او مخالفة اعمالا لحكم المادة 27 ق ع و يمكن على سبيل المثال الاطلاع على المواد 340، 358، 429 من قانون الاجراءات الجزائية.
ان الحبس المؤقت طبقا للمادة 123 من قانون الاجراءات الجزائية لا يمكن الامر به الا في الجنايات و الجنح المعاقب عليها بالحبس، و لا يكون في المخالفات اطلاقا بل يحدد نوع الحبس المؤقت و مدته و تمديده بحسب نوع الجريمة و العقوبة المقررة لها عملا بنص المادة 124 و ما يليها من نفس القانون، كذلك الامر بالاحضار او الامر بالقبض و مذكرة الادياع طبقا للمادة 109 و ما يليها من نفس القانون تتحدد بنوع الجريمة جناية كانت او جنحة و شرط حددها القانون و لا تجوز في المخالفات.
تطبيق قانون العقوبات على جرائم تقع في الخارج من جزائري او اجنبي انطلاقا من وصفه لها " جناية او جنحة" و فق شروط محددة قانونا سلفا طبقا للمواد 582، 583، 588 من قانون الاجراءات الجزائية.
سلطة اطراف الخصومة الجزائية في اقامة الدعوى العمومية تحريكا او رفعا امام القضاء الجزائي سواء كانت جهات التحقيق او الحكم فتخضع فيها لنوع الجريمة جناية او جنحة او مخالفة طبقا للمواد 29،66،67، 72، و 377 مكرر من قانون الاجراءات الجزائية.
هذا بالاظافة لمجموعة من الاحكام الاخرى كالحق في الدفاع في المسائل الجزائية في المادة 100 و ما يليها و درجات التقاضي في المادة 248، 328، 394، و طرق الطعن في الاحكام و القرارات القضائية في المواد 407، 416، 495، ووقف التنفيذ في المادة 592 و ما يليها و رد الاعتبار في المادة 376 من قانون الاجراءات الجزائية( ).
صعوبات تعترض عملية التقسيم:
على الرغم من بساطة معيار التقسيم فان تطبيقه في بعض الحالات يثير عددا من الصعوبات، موطنها انه يسمح للقاضي أو يوجب عليه ان يحكم بعقوبة من نوع مختلف – قد تكون اشد و قد تكون اخف- عن العقوبة التي يقررها القانون اصلا للجريمة، فيثور التساؤل عما اذا كان نوع الجريمة يتحدد وفقا للعقوبة التي نطق بها القاضي ام وفقا للعقوبة التي يقررها القانون للجريمة اصلا؟ و هذه الصعوبات لها صورتان: صورة الحكم بعقوبة اخف مما يقرره القانون و صورة الحكم بعقوبة اشد مما يقرره القانون( ).
حالة الحكم بعقوبة اخف مما يقرره القانون عادة:
تفترض هذه الحالة ان القانون يقرر للجريمة عقوبة جناية و لكن القاضي لم يحكم الا بعقوبة الجنحة، فهل تعد الجريمة جناية باعتبار العقوبة التي يقررها القانون لها ام تعد جنحة باعتبار العقوبة التي نطق بها القاضي؟
اثارت الاجابة على التساؤل خلافا في الفقه، و قبل ان نعرض لهذا الخلاف نلاحظ ان القاضي يهبط بالجناية الى عقوبة الجنحة في احدى الحالتين: حالة يكون ملزما فيها بالتخفيف و يكون ذلك عند توافر عذر قانوني كصغر السن مثلا، و حالة يكون فيها التخفيف جوازيا و هذه حالة الظروف المخففة و لا يحددها القانون لكن يترك لفطنة القاضي استخلاصها ( ).
يذهب راي الى القول بان الجريمة تتحول الى جنحة سواء كان التخفيف لتوافر عذر قانوني، أم لتوافر ظرف مخفف، و الحجة في ذلك ان القانون هو الذي يقرر للجريمة العقوبة المخففة التي نطق بها القاضي، فاذا كان التخفيف لتوافر عذر، فالقانون هو الذي نص على العذر و حدد العقوبة عند توافره على نحو ملزم للقاضي. اما اذا كان التخفيف لتوافر ظرف، فالقانون هو الذي خول سلطة التخفيف، إذ أنه حدد جسامة الجريمة على نحو مجرد، و لم يكن في وسعه ان يحدد جسامتها في كل حالة على حدة، فأناب القاضي عنه في ذلك، فما يقرره يعد صادرا عن القانون( ).
و يذهب راي ثان الى القول بان الجريمة تظل جناية سواء اكان التخفيف لتوافر عذر قانوني ام لتوافر ظرف مخفف. و الحجة في ذلك ان العبرة في تحديد نوع الجريمة هي بخطروتها الموضوعية، أي بخطورة مادياتها من فعل و نتيجة، لا بخطورتها الشخصية التي ترجع الى ظروف او صفات مرتكبها: ذلك ان القانون في تحديده جسامة الجرائم على نحو مجرد لم يكن يعرف اشخاصا و لكن يعرف افعالا، و لما كانت الاعذار و الظروف تقوم على اعتبارات شخصية و تتجرد من التأثير على ماديات الجريمة، فمن المنطقي ان نقول بأنه يظل لها نوعها الذي يحدده القانون دون تعديل( ).
و يذهب راي ثالث الى التفرقة بين التخفيف لتوافر عذر و التخفيف لتوافر ظرف، و القول بان الجريمة تتحول الى جنحة في الحالة الاولى، بينما تظل جناية في الحالة الثانية، و الحجة في ذلك ان التخفيف في حالة العذر وجوبي.فيكون معنى ذلك ان القانون لا يقرر سوى عقوبة الجنحة، اما اذا توافر ظرف مخفف فالتخفيف حينئذ جوازي، و حينما يستعمل القاضي سلطته التقديرية فيخفف العقاب، فالتخفيف يكون من صنع القاضي، و هو غير ذي تأثير على خطورة الفعل في ذاته( ).
و الواقع ان الراي الاول الذي يرى الابقاء على طبيعة الجريمة مهما اقترن بها من اعذار قانونية او ظروف مخففة هو الاولى بالاتباع ذلك ان العبرة هي بالعقوبة المقررة اصلا للجريمة مجردة من الظروف و الاعذار التي تقترن بها، و اذا كان المشرع يخفف العقوبة و ينزل بها الى عقوبة الجنحة فانّ ذلك يتاتى لاعتبارت خاصة بالجاني و هي اعتبارات لا تدخل في تقدير المشرع عند تقسيم الجرائم حيث يعتد فقط بجسامة الاعتداء على المصالح التي حماها جنائيا بنصوصه( ).
اما بالنسبة الى موقف المشرع الجزائري فقد اجاب على هذا التساؤل بشكل صريح بموجب نص المادة 28 من قانون العقوبات التي تنص على انه"لا يتغير نوع الجريمة إذا أصدر القاضي فيها حكما يطبق أصلا على نوع آخر منها نتيجة لظروف مخفف للعقوبة أو نتيجة لحالة العود التي يكون عليها المحكوم عليه".
و قد وضعت المادتان 28 و 29 من قانون العقوبات تفصيل احكام الظروف المخففة على وصف الجريمة و اعمالا لاحكام المادتين 5، 27 ق ع فلا اثر على وصف الجريمة القانوني بما يحكم به القاضي من عقوبة تطبيقا لنص المادة 53 من نفس القانون، و مع ذلك وجب التفرقة في تطبيق حكم المادة 53 من قانون العقوبات و احكام المواد 27، 28 ،52، 53، 53 مكرر5 على النحو التالي( ):
اولا بالنسة للاعذار القانونية المخففة:
و التي اورد المشرع بشانها تعريفا واضحا و دقيقا محددا اياها على سبيل الحصر و قد جاء ذلك بنص المادة 52-1 من قانون العقوبات حين عرفها بانها" الأعذار هي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام الجريمة والمسؤولية إما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذارا معفية وإما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة"، فلم يترك الشارع سلطة للقاضي في اعمالها او اهمالها، ففي العذر المخفف يقرر القانون مباشرة تخفيف العقوبة وجوبا في كل جريمة يفترض فيها توافره. و الحال كذلك متى تحقق العذر المعفي من العقاب، فليس للقاضي ان يتجاوزه حال قيامه( ).
و هناك الكثير من الامثلة عن الاعذار المخففة القانونية مثل عذر تجاوز الدفاع الشرعي المنصوص عليه بالمادة 277( )، 278( ) من قانون العقوبات، و عذر صفة الزوجية في جريمة قتل أحد الزوجين الاخر وقت اكتشافه في حالة تلبس بجريمة الزنا في المادة 279 من نفس القانون( ) و عذر صغر السن في المادة 50 و هي اعذار تغير من وصف الجريمة فتنزل بها الى جريمة اقل جسامة( )، فتنص مثلا المادة 283 من قانون العقوبات" إذا ثبت قيام العذر فتخفض العقوبة على الوجه الآتي 1- الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد.2- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بأية جناية أخرى.3- الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق الأمر بجنحة".
بالنسبة للظروف القضائية المخففة:
هي تلك الظروف و الوقائع التي تدعو الى اخذ الجاني بالرافة و تخفيف العقوبة حال اقترانها بالجريمة، فهي اسباب عامة تركها المشرع لتقدير القاضي لذك هناك من يطلق عليها تعبير الاعذار او الاسباب القضائية و قد نص عليها المشرع في نص المادة 53 من قانون العقوبات التي تقرر "يجوز تخفيض العقوبة المنصوص عليها قانونا بالنسبة للشخص الطبيعي الذي قضي بإدانته وتقررت إفادته بظروف مخففة وذلك إلى حد: 1- عشر (10) سنوات سجنا، إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي الإعدام،2- خمس (5) سنوات سجنا، إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي السجن المؤبد، 3- ثلاث (3) سنوات حبسا، إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي السجن المؤقت من عشر (10) سنوات إلى عشرين (20) سنة،4- سنة واحدة حبسا، إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي السجن المؤقت من خمس (5) سنوات إلى عشر (10) سنوات".
و عليه فانه ليس من شان الظروف القضائية المخففة تغيير وصف الجريمة فتظل على وصفها القانوني رغم نطق القاضي بعقوبة اخف من العقوبة التي قررها القانون للجريمة قد تطبق على جريمة اقل جسامة منها تطبيقا لحكم المادة 28 من قانون العقوبات " لا يتغير نوع الجريمة إذا أصدر القاضي فيها حكما يطبق أصلا على نوع آخر منها نتيجة لظرف مخفف للعقوبة ..".
حالة الحكم بعقوبة اشد مما يقرره القانون عادة:
نفترض أن القانون يقرر للجريمة اصلا عقوبة الجنحة و لكن توافرت لها ظروف مشددة فنطق القاضي بعقوبة الجناية: فهل تكون العبرة بالعقوبة المققرة لها في صورتها البسيطة فتظل جنحة، ام تكون بالعقوبة المشددة التي نطق بها القاضي فتتحول إلى جناية؟
ان الظروف التي هي من هذا القبيل نوعان:
نوع متصل بالفعل المكون للجريمة ينص عليه القانون مقدما و يفرض للجريمة اذا ما اقترنت به عقوبة اشد من عقوبتها مجردة عنه كظرف الجماعة الإجرامية المنظمة في جريمة حيازة مواد مثل حيازة, نقل, شراء، و بيع بطريقة غير مشروعة للمخدرات اذا ارتكبت من قبل جماعة اجرامية منظمة المادة 17 من قانون(04-18) المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية وقمع الاستعمال و لاتجار غير المشروعين بها، و في هذه الاحاول لا شبهة في ان الجريمة تنقلب من جنحة الى جناية لان الظرف المشدد فيها يغير من من طبيعة الفعل ذاته من حيث جسامته و خطره الاجتماعي( ).
و النوع الثاني شخصي بحت يرجع الى الفاعل بمعنى خارج عن الفعل و هو ظرف العود طبقا لنص المادة 28 من قانون العقوبات فتعتبر الجرائم جنحا في جميع الاحوال و لو حكم فيها بعقوبة الجناية لان الحكم بهذه العقوبة لم يكن لعلة في الفعل فهو لا يتغير من حيث مادياته و خطره الاجتماعي، وانما التشديد لعلة شخص الفاعل، و تقسيم الجرائم على الوجه المتقدم بني بالنظر الى الافعال المكونة لها و ليس بالنظر الى جناتها( ).
و بوجه عام يكون التمييز بين الجناية و الجنحة بحسب ما اذا كانت العقوبة المقررة لها قانونا هي "السجن"réclusion او "الحبس emprisonnement" بحيث تكون الجريمة جناية في الحالة الاولى و جنحة في الحالة الثانية ( ) .
تقدير التقسيم القانوني للجرائم:
كان هذا التقسيم محل نقد من بعض الفقهاء، فمن ناحية انتقد التقسيم كونه غير منطقي، اذ يفترض تعليق جسامة الجريمة على خطورة العقوبة في حين ان المنطق يقضي بان تعلق جسامة العقوبة على خطورة الجريمة.
و من ناحية ثانية، انتقد لانه لا يستند الى اساس علمي، فالواجب ان تقسم الجرائم تبعا لاختلافها في طبيعتها لا تبعا لاختلافها في الاثر المترتب عليها، ويرى اصحاب هذه الانتقادات احلال تقسيم ثنائي يقوم على التمييز بين الجنح و المخالفات محل التقسيم الثنائي السابق و عندهم ان معيار التقسيم هو اختلاف الجنح عن المخالات في طبيعتها، فالقصد الجنائي متطلب في الاولى دون الثانية.
على ان هذه الاعتراضات ليست من الخطر بما يستدعي العدول عنه، فالاعتراض الاول مردود بان الشارع عند وضع القانون نظر اولا الى ماهية الافعال و رتبها بحسب جسامتها ثم فرض لكل نوع عقوبته المناسبة ثو وضع مقياس التنويع على حسب العقوبات التي وضعها، فليست جسامة الجرمية معلقة على خطروة العقوبة و لكن خطروة العقوبة مجرد مظهر و مقياس لجسامة الجريمة ( ).
و القول بان التقسيم الثلاثي للجرائم لا يعتمد على اختلافها في طبيعتها غير صحيح بدوره، لان الشارع قدر جسامة كل جريمة و فرق بين الجرائم من حيث جسامتها ناظرا الى اختلافها في طبيعتها و عناصرها، و بالاضافة الى ذلك كله فالشارع غير مطالب بان يقرر تقسيمات علمية فتلك مهمة الفقهاء، و انما يكفي ان يكون التقسيم الذي يقرره واضحا بحيث يصبح اساسا للنتائج العلمية التي يراد استخلاصها( ). كما ان بساطة الضابط الذي وضعه القانون و سهولة تطبيقه في العمل يدعو الى التغاضي عن هذا الاعتراض النظري( ).



#لهوى_رابح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضوابط الموضوعية للتفتيش المعلوماتي
- إِلَى أيِّ مَدَى تُشَّكِلُ مَحَارِمُ الشَّرْعِيَّةُ قَيْدًا ...
- مقدمات التفتيش الالكتروني 1 ضبط البيانات المخزنة لدى مزود ال ...
- مدلول فكرتي التفتيش و الضبط في البيئة الرقمية
- نحو ارساء ضوابط اجرائية للتقيش الجنائي الألكتروني - مقدمات ا ...
- مدخل الى قانون العقوبات
- ذاتية قانون العقوبات


المزيد.....




- وزارة الداخلية تطلق ورش إعداد «جيل جديد» من برامج التنمية ال ...
- من مطاردة الكلاب له إلى -مجند- في مركز شرطة.. إليكم قصة هذا ...
- شريكة إبستين السابقة تدافع عن ترامب: -لم أره قط في وضع غير ل ...
- بينهم نساء وأطفال.. مقتل 25 فلسطينياً في غزة بهجمات إسرائيلي ...
- وسائل إعلام إسرائيلية: نتانياهو يدفع لتسريع عملية السيطرة عل ...
- الغيطة الجبلية.. نبض الاحتفالات في قبائل جبالة بالمغرب
- صحيفة روسية: ترامب ارتكب خطأ جيوسياسيا بشأن الهند
- كيف تغير -زوم- تجربة الاجتماعات عبر وكلاء الذكاء الاصطناعي؟ ...
- إنقاذ 7 صحف محلية أميركية من مصير 3200 وسيلة اختفت منذ 2005 ...
- حكم أميركي بالسجن 67 عاما على غامبي أدين بالتعذيب


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - المحاضرة الخامسة: تقسيمات الجريمة