أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسام عبد الحسين - عندما تصبح الثقة بالنفس تهمة التكبر














المزيد.....

عندما تصبح الثقة بالنفس تهمة التكبر


حسام عبد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 09:27
المحور: قضايا ثقافية
    


وفق قاعدة "اخلاق المجتمع انعكاس لاخلاق السلطة" نجد في مجتمعنا العراقي وفي بعض مجتمعاتنا في العالم العربي، حيث التواضع فضيلة مقدسة، أصبحت الثقة بالنفس تُقابل بتهمة "التكبر" و"الغرور". هذا الخلط الخطير يحوّل إنجازات الفرد إلى عُقدة ذنب، ويجعل تميّزه الشخصي أو اكتفائه بنفسه جريمة في حق الجماعة. فهل كل من يُقدر كفاءته متكبر؟
إن هذه المشكلة تنطلق من جهل مركب بين سلبية التدخل بشخصية الغير وبين الجهل بتفسير سلوك التكبر وسلوك الثقة بالنفس، وهذا الجهل المركب تؤسسه النخب الرأسمالية الحاكمة داخل المجتمع بثلاثة طرق:

1. تزييف الوعي: بإقناع البسطاء بأن تقدير الذات خطيئة ضد الجماعة، وتحويل انتباههم عن استغلال النظام الاقتصادي عبر تشويه فضائلهم النفسية.
2. إنتاج التبعية الثقافية: تكريس فكرة أن تواضع البسطاء فضيلة، وثقة الاثرياء او من في السلطة حقٌّ طبيعي. كمثال: الموظف الذي يطالب بحقوقه يُوصف بـ"المتكبر"، بينما صاحب العمل "واثق بنفسه".
3. تحويل الثقة إلى رأس مال رمزي ثقافي تمنحه المدرسة، الجامعة، الاسرة لخلق ما يسمى المستوى الاعلى. مثل: طالب يُمنح ثقة مفرطة لأن أباه مسؤول كبير، بينما يُوصم ابن العامل بأنه "متكبر" إذا تجرأ على الحلم بالمنافسة.
هذه النقاط الثلاث تجهد السلطة نفسها وتخصص الموازنات المالية في الاعلام والفن والدراسات الاكاديمية لتحقيقها. كمثال: تمجيد تواضع الفقراء ك"قدوة"، وتقديس الخنوع باسم "الرضا".

لكن لماذا تخاف النخب الرأسمالية الحاكمة من الثقة بالنفس لطبقة المجتمع الطبيعية؟
لأنهم يدركون أن الثقة وعي (غرامشي) وتمرد على الطبقة التي تعتقد زورًا انها "اعلى"، وحين يدرك الانسان أن مهاراته تخلق فائض القيمة عن جهده، يستلب هذا الفائض لصالح البرجوازية الحاكمة، فلا يبقى له إلا فتات الأجر. عندها سيسأل بحق: لمَ ينهب جهدي؟

ومن ناحية اجتماعية عملية نجد أن تهمة التكبر تطلق على الثقة بالنفس ناتجة عن:
1. ثقافة الخواء/ مثلا عبارة "لا تظهر ما عندك" هذه العبارة تُربي اجيال على إخفاء تميزهم خوفًا من "العين" أو "الحسد"، فتصبح الثقة انحرافًا.
2. الخلط بين التواضع والتذلل: حيث التواضع الحقيقي هو احترام الآخرين دون انتقاص الذات. لكن البعض يريدك أن "تنكر إنجازاتك" كدليل على ادبك وتواضعك!.
3. عقدة النقص الجماعي: عندما يشعر المحيطون بنقص في أنفسهم، تصبح الثقة اختلاف وتهديدًا لهم، فيُحوّلون إحساسهم إلى هجوم بصيغة التكبر.

لذا الثقة بالنفس أن تعرف قدراتك الحقيقية وتتصرف بناءً عليها، أن تكون مكتفيًا بذاتك دون احتقار الآخرين، بينما التكبر أن تتعامل مع الآخرين وكأنك أفضل منهم دون سبب موضوعي، بل مجرد أوهام بانك الافضل، تزرعها بالنفس السلطة والاسرة والمدرسة والاعلام وجزء من الفن.

الأخلاق السائدة مثل تمجيد تواضع الفقراء ليست قيمًا مجردة، بل بنية فوقية خلقتها البرجوازية لتبرير التفاوت الطبقي. وإن تحرير الوعي ضرورة، لكنه غير كافٍ دون مصادرة وسائل الإنتاج من البرجوازية.


إن تغيير هذا النمط بحاجة الى نظام سياسي حاكم يرعى الانسان أولا وهنا يبدأ بتغيير النمط، كما ذكرنا في المقدمة (اخلاق السلطة انعكاس لاخلاق المجتمع)، ثم الاسرة والمجتمع المدني والتعليم في بناء الثقة الصحية والتواضع الانساني وطرد "التواضع المتذلل" "ومرض التكبر المتخلف" من بيئة حياة المجتمع والانسان ذاته، لكن هل يكفي تغيير السلطة؟ المجتمع نفسه بحاجة لثورة ضد "التواضع المزيف" الذي يكرّسه الأفراد عبر قول: "اسكت ولا تطالب بحقك".

ولدينا تجارب في العالم العربي ناجحة مثل مبادرة "أنا أشارك" في تونس حيث تحويل المدارس إلى حاضنات للثقة بالنفس لا تنتج عُقدة التفوق، بل وعيًا بالذات وبالاخر. أما في لبنان، فحملة "شو مهارتك؟" الإعلامية، التي فككت عن طريق قصص الناجحين الوهم القائل: "إظهار تميزك تكبر". لكن هذه التجارب تطلق شرارة الوعي، لكنها لا تقوض النظام الرأسمالي الذي ينتج الهيمنة. فتحرير التعليم والاعلام يجب أن يقترن بتدمير علاقات الإنتاج الاستغلالية.

وهنا يظهر أن النظام السياسي الحاكم بيده ادوات الهيمنة القادرة على صناعة تخلف المجتمع أو دفعه الى الأمام.

السؤال: متى ندركُ أن تشويه الثقة بالنفس ليس تراثًا نحميه، بل سلاحًا فتاكًا صممته الأنظمة الحاكمة لتحويل طاقاتنا إلى رماد؟.

التغيير يبدأ بوعي فردي يرفض وصمة "التكبّر" حين تطالب بحقّك، وجماعيًا برفض "ثقافة الخواء". التجارب التونسية واللبنانية أثبتت: تحرير الوعي ممكنٌ إذا حوّلنا التعليم والإعلام من أدوات هيمنة إلى جسور نحو الذات.
والحل ليس في مفاصلة بين الفرد والسلطة، بل الحل لا يكمن في الاصلاح الفردي بل في دفع المجتمع الى حركات تغيير ثورية تُزيل هيمنة البرجوازية ثقافيًا وماديًا، وتعيد تملك فائض القيمة.

فهل ننتظر نظامًا سياسيًا يغيّرنا، أم نكون نحنُ من يخلق نظامًا جديدًا تُصان فيه كرامة الإنسان، وتُحترم فيه ثقته بنفسه؟.



#حسام_عبد_الحسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالسلاح والسيادة تركيا تحول الماء الى سعلة
- اجتماعات ستوكهولم بين حروب الدول القادمة والنزاعات المسلحة ا ...
- مخطط واحد بين قناة بنما والعراق
- توحيد الاقتصاد واختلاف الشعار، الجمهوري والديمقراطي الامريكي ...
- وغدا تنتهي الحياة
- ليل غير مؤدب
- أغلال مبعثرة
- التنافس والتسابق والغيرة بين أفراد المجتمع
- لولا ايران، ماذا تصنع امريكا للعراق؟
- هنية وشكر وجرف الصخر وأبعاد اسرائيلية
- غاية أردوغان من الهجوم العسكري على شمال العراق
- لماذا نتدخل بالسياسة؟
- مالنا من إنتخاب رئيس البرلمان الجديد
- ماهية الطبقة العاملة في الأول من أيار
- حوار بين مسؤول وصديق وأنا مستمع
- مسلسل ولاد بديعة تتمرد على الليبرالية.. وسلافة معمار تستحق ا ...
- احداث واقعية لمتغيرات سياسية مستقبلية والفرد العراقي يصارع ا ...
- استضافة القمة العربية 2025 للعراق ام لشعب العراق؟
- راقصٌ وحيد
- ألعب في الصخر


المزيد.....




- وثقت الحادث بالكاميرا.. سيارة تصطدم بمطعم أثناء تصوير مؤثرة ...
- لماذا يُعد تحديد موعد مؤكد للقاء بوتين وزيلينسكي أمرًا بالغ ...
- رأي.. جيفري ساكس وسيبيل فارس يكتبان: يمكن للولايات المتحدة إ ...
- وفاة إيمان الغوري: تفاعل واسع يعيد بطلة -أحلام أبو الهنا- إل ...
- دراسة علمية جديدة: التزاوج بين الإنسان العاقل والنياندرتال أ ...
- عملية أمنية معقدة.. اليوروبول يحبط شبكة دولية لتزوير العملات ...
- ولاية ماليزية تفرض عقوبات صارمة على المتخلفين عن صلاة الجمعة ...
- وزير خارجية الأردن : نتاياهو يقود مشروعا تدميريا في المنطقة ...
- اجتماع سوري إسرائيلي يبحث خفض التصعيد ووضع السويداء
- ما الضمانات الأمنية التي يمكن تقديمها لأوكرانيا؟


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسام عبد الحسين - عندما تصبح الثقة بالنفس تهمة التكبر