أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جليل إبراهيم المندلاوي - بان زياد.. موت معلّق














المزيد.....

بان زياد.. موت معلّق


جليل إبراهيم المندلاوي
كاتب وصحفي

(Jalil I. Mandelawi)


الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 00:17
المحور: كتابات ساخرة
    


حتى الآن لم تُحسم بشكل نهائي قضية "الموت الغامض" للطبيبة النفسية بان زياد أو بالأحرى التي انتحرت بطريقة مبتكرة في البصرة، ففي بلاد الرافدين حيث تُدفن الحقيقة قبل الجثث وتُسجَّل الجرائم على أنها "سوء تفاهم نفسي"، لم تعد القصص تنتهي بجملة "وعاشوا في تبات ونبات" بل غالباً بـ"وانتحرت الجثة بعد تعرضها لضرب مبرح".. هذا على الأقل ما تقوله الرواية الرسمية في قضية الدكتورة بان، حيث إن هناك تضارب بين الرواية الرسمية والأدلة الطبية الأولية والتسريبات، فالرواية الرسمية وحتى العائلية تقول إن الدكتورة بان أقدمت على الانتحار بسبب ضغوط نفسية، فالحكومة كعادتها لا ترى في المرآة سوى ما تريد: سرقة قرن كامل من النفط؟ ليس هناك شي، مجرد فساد بالمليارات؟ أو مجرد سوء فهم مالي.. جثة عليها آثار تعذيب واضحة؟ لا يا حبيبي، انتحرت، ففي خبر عاجل قد يغير مناهج الطب الجنائي في العالم، أعلن مسؤولون في البصرة أن وفاة الدكتورة بان زياد طارق كانت انتحاراً وكأنها تقول: "لا، لا تقلقوا.. فلا وجود لآثار جريمة، الموضوع مجرد ضغوط نفسية ومجرد انتحار"، وكأن كلمة "انتحار" أصبحت مثل بخاخ معطّر للفضائح.. رغم أن الجثة تحمل آثار كدمات ورضوض وقطع في الشرايين بطريقة توحي بوجود شبهة جنائية (قتل وليس انتحار) وهذا ما أشارت إليه الأدلة الطبية المسربة وتقارير أولية وأهمها ما كشف عنه أحد نواب محافظة البصرة، يبدو أننا دخلنا عصرا جديدا من "التنوع الانتحاري"، حيث لا يكتفي المرء بإنهاء حياته بل يضيف القليل من البهارات الدموية ليُبهر الناس، الطب العدلي كعادته ما زال يدرس، هل هذه الكدمات "عرض جانبي للانتحار"، أم أنها "إبداع محلي" لا يفهمه الغرب؟ وفي حال أثبتوا أنها انتحار فعلاً، ربما نحتاج إلى إدخال فصل جديد في كتب علم النفس تحت عنوان: "كيف تضرب نفسك حتى الموت ثم تكتب رسالة وداع".. ولو كان فرويد حياً لزار البصرة وأعاد كتابة نظرياته.
الأم من جانبها قالت: "ابنتي انتحرت بسبب الضغوط"، حسناً.. في بلد مثل العراق، إذا كانت الضغوط تُنتج كدمات وجروح قطعية، فالأطباء النفسيون مستقبلاً سيوصفون العلاج كالتالي: خذ حبتين مهدئ.. واضرب نفسك بالباب مرتين، ففي العراق، حتى الانتحار عنده سيناريو خاص، فبينما العالم يعرف أن الانتحار عادة يتم بطلقة، أو حبل، أو جرعة زائدة، نحن هنا اخترعنا نسخة جديدة، انتحار مع آثار ضرب وكدمات وقطع في الشرايين، نسخة من الموت لا تحدث إلا عندنا.
أما المجتمع فقد انقسم، فمجمل الرأي العام والإعلام كان له رأي آخر فهم لا يحتاجون إلى مختبر جنائي ليدركوا أن الجثة التي عليها آثار تعذيب ليست نتيجة قرار "شخصي"، فأغلب الأصوات تشكك بفرضية الانتحار وتطالب بتحقيق شفاف، خصوصا أن "بان" كانت طبيبة نفسية خبيرة وتعرف تماما وسائل الانتحار "المباشرة" ولم تكن تعاني علنا من اضطرابات خطيرة، في حين إن البعض يصدق الرواية الرسمية كمن يصدق أن الكهرباء في العراق ستستمر 24 ساعة، بينما الطرف الثالث وهو الأكثر ابتكاراً يقترح أن نترك الأمر للقرعة بأن نرمي قطعة معدنية من العملة، صورة تعني "قتل"، كتابة تعني "انتحار"، وهكذا تتحول قضية إنسانية لطبيبة متفوقة إلى عرض عبثي: الدولة تقول انتحرت، الأدلة تقول قُتلت، والجمهور يضحك ثم يبكي.. المؤسف أن الأمر لا يتوقف عند "التبرير" بل يتحول إلى إهانة للعقل الجمعي، فهناك من يريد من المواطن أن يصدق أن الجثة تتعرض أولاً للضرب ثم تتذكر فجأة أنها مكتئبة فتقرر الانتحار في مشهد يصلح لمسلسل كوميدي من الدرجة الثالثة، لكن ما لا يفهمه المسؤولون هو أن الناس لم تعد ساذجة فالمواطن الذي يقرأ ملامح الكذب في وجه السياسي قادر أن يقرأ آثار الجريمة في جسد الضحية.
أما التحقيق الرسمي فلا يزال جاريا، والقرار النهائي يتوقف على تقرير الطب العدلي الذي لم يُعلن بعد بشكل قاطع، بمعنى آخر رسميا: انتحار، أما واقعيا (حسب الأدلة والجدل الشعبي) احتمال كبير وجود جريمة قتل.. باختصار في العراق الحقيقة لا تموت.. بل هي الأخرى تنتحر، لكن بعد أن تتعرض للضرب المبرح، فالمال يُسرق باسم القانون، وتُقتل الحقيقة باسم الانتحار، وتبقى العدالة جثة أخرى تنتظر تقرير الطب العدلي، وإذا لم تقتل أو تنتحر فستحتاج إلى تصريح رسمي، وإلى أن يحين هذا التصريح، سيبقى السؤال معلقاً: هل قتلوها.. أم قتلت نفسها بطريقة لا يعرفها سوى خيال الروايات البوليسية؟



#جليل_إبراهيم_المندلاوي (هاشتاغ)       Jalil_I._Mandelawi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رقصة الكبرياء الأخيرة
- بين صواريخ طهران وعباءات الديمقراطية
- في البدء كان الشك
- ثلاثية النفط، الرواتب، والدستور.. طقوس الإذلال المتعمد
- النفط يمرّ من هنا.. كوردستان تكتب مستقبلها
- أربع وعشرون ساعة من الصمت
- شمم الروح
- فاتورة وطن
- ذاكرة طريق
- شظايا حلم مكسور
- حرب الكبار.. بين التنين والعم سام
- مفاجأة القمة.. الشرع في بغداد
- مفاوضات نووية بطعم النعناع
- مزاد جيوسياسي.. سيادة تبحث عن لجوء
- العيد بين الهلال والسياسة
- حرية بطعم الرماد
- أنثى في معبد وثني
- عشق على أوتار الشك
- تركيا.. اعتقال يشعل شرارة الغضب


المزيد.....




- اقــــرأ: إذا كانت الترجمة خيانة
- انطلاق أعمال تصوير فيلم -سفاح التجمع- رغم اعتراض طليقته
- فن النجاة.. كيف يحكي فنانو غزة قصة الصمود وسط الحرب؟
- فن النجاة.. كيف يحكي فنانو غزة قصة الصمود وسط الحرب؟
- الجيش الإسرائيلي يفرج عن وزير الثقافة الفلسطيني بعد احتجازه ...
- العولمة وتشكيل الرواية الصحافية في زمن الحروب
- قرار مثير للجدل في سوريا.. كلية الفنون تمنع -الموديل العاري- ...
- قوات الاحتلال تحتجز وزير الثقافة الفلسطيني في كفر نعمة غربي ...
- الاحتلال يحتجز وزير الثقافة في قرية الشباب بكفر نعمة غرب رام ...
- ورشة تونسية تكافح للإبقاء على حرفة تجليد الكتب


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جليل إبراهيم المندلاوي - بان زياد.. موت معلّق