عبدالكريم إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 02:42
المحور:
الادب والفن
في زاوية ما من هذا العالم، حيث يجلس الملوك على عروش من ذهب، وتعلو أصوات الشعوب بمطالب بسيطة، تروى حكاية ملك... خاف من صوت شعبه.
ليس خوفًا من السلاح أو من حرب، بل من كلمة... من هتاف في الشارع، من شعار يُكتَب على الحائط:
"نريد حقّنا في الحكم!"
"نريد حياة كريمة!"
كان الملك متوجّسًا، كأن كلمة "ديمقراطية" ترنّ في أذنه مثل ناقوس خطر.
فجمع وزراءه ومستشاريه، وقال لهم:
"الشعب بدأ يتكلم كثيرًا... وهذا أمر مقلق. نريد حلًا يخرس الأصوات، دون أن نُتّهم بالقمع أو الرجعية."
بدأت الاقتراحات تنهال:
"لنقم بانتخابات... شكلية! الملك يفوز بها بنسبة 100٪."
"لنستخدم القبضة الحديدية... نعتقل، نُسكت، نُرعب!"
"لنحاصرهم بالجوع أو الشعارات!"
كل حل بدا مشوبًا بالخطر.
الملك كان ذكيًا بما يكفي ليفهم أن العالم تغيّر، وأن سجون اليوم تُفتح بكلمة من منظمة حقوق إنسان.
ثم... وسط الصمت، رفع المستشار الحكيم رأسه.
لم يكن كثير الكلام، لكنه حين يتكلم، يُنصت الجميع.
سأل سؤالًا بسيطًا:
"لماذا يتظاهر الناس؟"
فقال الملك ومن معه: "لأنهم يريدون تحسين أوضاعهم المعيشية."
فأردف بسؤال آخر: "وكيف تتحسّن؟"
قالوا: "بالمال. والعمل."
ثم جاءت جملته الفاصلة:
"وماذا لو أعطيناهم المال... دون عمل؟"
ضحك الملك، واعتبر الأمر نكتة سخيفة.
لكن الحكيم استمر:
"أعطِ كل فرد من الشعب دينارًا ذهبيًا كل يوم، بشرط أن يسجل اسمه في ديوان المملكة. فقط... يقف في الطابور، وينتظر."
جرب الملك.
وأمام أبواب الديوان، اصطفت الجموع.
ترك الناس أعمالهم، نسوا مصالحهم، وتفرغوا للوقوف في الطوابير.
منهم من نام في الشارع، ومنهم من حجز مكانه من الفجر... كل ذلك من أجل دينار مجاني.
وما إن مرّت الأيام، حتى خيّم الصمت على الشوارع.
اختفت المظاهرات، وسكتت الشعارات.
اختنقت الثورة... لا بالحديد، بل بالدينار.
هنا فهم الملك الحقيقة:
أن أسهل الشعوب حُكمًا... هي الشعوب التي تعلّمت أن تنتظر بدل أن تعمل، وأن تأخذ بدل أن تساهم، وأن تَستهلك بدل أن تُنتج.
وفي النهاية، كتب المستشار في دفتره سطرًا:
"في مملكة التنابل... الدينار أسكت ما لم تسكته السجون."
#عبدالكريم_إبراهيم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟